تقارير وملفات إضافية

مَن يطيح بالآخر.. هل تستطيع النهضة تشكيل حكومة تونسية جديدة أم تُعزل من الائتلاف الحاكم؟

هل يؤدي الخلاف بين رئيس الحكومة التونسية وحركة النهضة إلى إخراج النهضة من الحكومة أم نجاح الحركة في تشكيل حكومة بديلة لحكومة إلياس الفخفاخ.

واستمر تصاعُد الأزمة السياسية في تونس، خلال الساعات الأخيرة، حول قضية تشكيل حكومة جديدة، ما قد يُفرز مشهداً سياسياً جديداً في البلاد.

وقال عضو في مجلس شورى النهضة، رفض الكشف عن اسمه، في تصريح نقلته وكالة الأناضول: ” إن مجلس شورى الحركة، قرر بصفة طارئة مساء الثلاثاء سحب الثقة من رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ”

وأضاف المصدر أن “المجلس كلّف رئيس الحركة راشد الغنوشي بمتابعة هذا الخيار بالتشاور مع الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية”. 

ورجَّح محلل سياسي تونسي أن تتمكن حركة “النهضة” (إسلامية، 54 نائباً، من إجمالي 217) من صياغة ائتلاف جديد غير الذي هي فيه الآن.

والإثنين، أعلن رئيس مجلس شورى “النهضة” عبدالكريم الهاروني، في مؤتمر صحفي، تكليف المجلس لرئيس الحركة، رئيس البرلمان راشد الغنوشي، ببدء مشاورات بخصوص مسألة تشكيل حكومة جديدة، بعد أن ارتبطت برئيس الحكومة الحالي إلياس الفخفاخ “شبهات فساد”.

وأضاف الهاروني: “الوضع الاقتصادي صعب، ووضع رئيس الحكومة (الفخفاخ) لا يسمح له بمواجهة الأمر”، في إشارة إلى “شبهة تضارب المصالح”.

من جهتها، أعلنت “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد” (دستورية مستقلة)، في نشرتها الإخبارية الأسبوعية، الإثنين، إحالة وثائق تتعلق بالتصريح بالمكاسب وشبهات تضارب مصالح متعلقة بالفخفاخ، إلى كل من القضاء ورئيس البرلمان.

الرئيس قيس سعيد، بدوره، استقبل ظهر الإثنين في قصر قرطاج، الفخفاخ، بحضور نور الدين الطبوبي، أمين عام أكبر منظمة نقابية، وهي الاتحاد العام التونسي للشغل.

وأعلن سعيد، في فيديو بثته صفحة الرئاسة على فيسبوك، رفضه التشاور لتشكيل حكومة جديدة، ما دام رئيس الوزراء الحالي لم يقدم استقالته، أو توجه إليه لائحة اتهام.

لم يتأخر رد فعل الفخفاخ، على قرار مجلس شورى “النهضة” بشأن إطلاق مشاورات لتشكيل حكومة جديدة، إذ أعلن، في بيان، عزمه إجراء تعديل وزاري “خلال الأيام القليلة المقبلة”، مع تلميحات بإزاحة “النهضة” من الحكومة.

واعتبر دعوة “النهضة” إلى تشكيل حكومة جديدة “تهرباً للحركة من التزاماتها وتعهداتها مع شركائها في الائتلاف، في خضم مساعٍ وطنية لإنقاذ الدولة واقتصاد البلاد المنهك”.

ويترأس الفخفاخ، منذ 27 فبراير/شباط الماضي، ائتلافاً حكومياً يضم 4 أحزاب رئيسية وكتلة برلمانية، هي: “النهضة”، والتيار الديمقراطي (اجتماعي ديمقراطي أو يسار وسط- 22 نائباً)، وحركة الشعب (ناصرية- 14 نائباً)، وحركة تحيا تونس (ليبيرالية- 14 نائباً)، وكتلة الإصلاح الوطني (مستقلون وأحزاب ليبرالية- 16 نائباً).

ومعلقاً على هذه التطورات، يقول الباحث في الفلسفة السياسية المعاصرة رياض الشعيبي: “الأزمة السياسية انطلقت منذ مدة، والإثنين حدث تصعيد كبير لهذه الأزمة، في ظل صدور 3 مواقف متناقضة في تقييمها للوضع في البلاد”.

يقول الشعيبي للأناضول: “تمثَّل التصعيد في موقف حزب النهضة الذي طالب بالتغيير الحكومي، وموقف رئيس الجمهورية الذي تمسك بالشكليات القانونية والدستورية، وموقف رئيس الحكومة الذي يبدو أنه يُهدد بإخراج وزراء النهضة من الحكومة”.

الرئيس الأسبق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، طارق الكحلاوي، يوافق الشعيبي بالقول: “هناك أزمة عميقة داخل الائتلاف الحكومي، والأمور ليست واضحة إلى أين ستسير”.

ويضيف: “يمكن أن تتصاعد الأزمة أكثر، ويمكن أن تفهم كل الأطراف أن هذا سيضرها فتتراجع”.

يقول الشعيبي: “لا أعتقد أن النهضة ستسمح باستمرار الحكومة الحالية، بل ستذهب في اتجاه سحب الثقة منها، وتشكيل ائتلاف حكومي جديد يتكون من أغلبية نيابية غير التي تحكم إلى الآن”.

ويوضح الشعيبي: “النهضة تستطيع توفير الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة عبر التحالف مع قلب تونس (ليبيرالي- 29 نائباً)، وائتلاف الكرامة (ثوري إسلامي- 19 نائباً)، ونداء تونس الذي أسَّسه رئيس الجمهورية السابق قايد السبسي (3 نواب)، وبعض نواب تحيا تونس الذي يترأسه رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد (ليبرالي- 11 نائباً)، وأغلبية كتلة المستقبل (9 نواب- مجموعة أحزاب ومستقلين)، وجزء من الكتلة الوطنية (11 نائباً منشقين عن قلب تونس)، مع عدد آخر من النواب المستقلين”.

لكن الكحلاوي يرد بأنّ “النهضة ليس لديها الآن 109 نواب لسحب الثقة من رئيس الحكومة، بل لها 100 نائب، في إشارة إلى عدد نوابها (54)، ونواب قلب تونس (27)، ونواب ائتلاف الكرامة (19)”.

ويرى الكحلاوي أنه “حتى وإن كان للنهضة أغلبية من 109 نواب في مجلس نواب الشعب، فلا يمكن أن تقوم بشيء إلا إذا استقال الفخفاخ”.

ويزيد: “الأغلبية لا يمكن لها أن تتفق على سحب الثقة، لكن على رئيس حكومة جديد وفق الدستور”.

وتباينت التحليلات حول موقف الرئيس، الذي صدرت عنه الإثنين دعوة حركة النهضة إلى مشاورات لتشكيل حكومي جديد.

الشعيبي يعتبر أن “المشكل هو أن رئيس الجمهورية لا ينظر إلى الوضع السياسي في البلاد إلا من وضعية شكلانية قانونية، بعيداً عن التوازنات الحقيقية”.

ويوضح: “في حين كانت النهضة تقدم طرحا سياسيا تشاوريا حول مستقبل الحكومة، اكتفى رئيس الجمهورية بالتنصيص على الجوانب الدستورية والإجرائية دون أن يخوض في القضايا السياسية، وهذا ما قد يجعله بعيداً إلى حد ما عن مجريات التشكيل السياسي الجديد”.

إلا أن الحكلاوي يرى أن بيان الرئيس فيه مضمون سياسي حول الأزمة السياسية الراهنة في تونس.

ويضيف أن موقف الرئيس “يُظهر أن هناك صراعاً بين الرئيس وحركة النهضة”، لافتاً إلى وجود حلف بين “الاتحاد العام التونسي للشغل” وبعض الكتل البرلمانية ورئيس الجمهورية.

وفي سياق تداعيات أحداث الإثنين، يعتبر الشعيبي قرار رئيس الحكومة إجراء تعديل وزاري في الأيام القادمة “خطوة تصعيدية لإعلان فشل كل الوساطات بينه وبين حركة النهضة”.

ووفق الشعيبي، سعت في الأيام الأخيرة وساطات بين الفخفاخ وحركة النهضة لتجنب التصعيد، إلا أنها فشلت.

ويقول: “رغم تعبيره (الفخفاخ) عن الاستجابة لمطالب التوسيع السياسي للحكومة التي طرحتها النهضة، فإنها رفضت ذلك باعتبارها جاءت متأخرة بعد أن اتخذت قرارها بسحب الثقة منه”.

ويؤكد الشعيبي أن “ملف تضارب المصالح كان حاسماً في موقف النهضة، ومبرِّراً قوياً بالنسبة إليها للتخلي عن الفخفاخ”.

ويوضح: “حسب بيان رئيس الحكومة وبعض التسريبات فإنه ينوي استبدال وزراء النهضة بآخرين من المستقلين أو ممثلين عن بعض الكتل السياسية التي تقبل المشاركة معه في الائتلاف”.

ويتابع: “الآن وكأننا إزاء تسابق بين حركة النهضة وما تبقى من الائتلاف الحكومي حول مسألة سحب الثقة، ويبقى السؤال معلقاً مَن الذي سيسبق بالخطوة الأولى؟”.

ويتساءل الشعيبي: “هل ما تبقى من الائتلاف هو الذي سيبادر فعلياً بطرح الثقة من رئيس مجلس النواب، أم حركة النهضة ستنجح في المبادرة بسحب الثقة من رئيس الحكومة، الذي إن نجحت فيه تكون قد ثبتت رئيسها على رأس مجلس النواب، فنفس الأغلبية التي ستسحب الثقة من رئيس الحكومة هي التي ستضمن بقاء الغنوشي على رأس مجلس نواب الشعب، إن تحققت؟”.

طارق الكحلاوي بدا حاسماً بخصوص إقالة الفخفاخ لوزراء النهضة، معتبراً أن “المسألة ليست هل سيقيل الفخفاخ وزراء النهضة من عدمه، بل متى؟”.

ويضيف: “الفخفاخ يمكن أن يقول إن الدستور أهم من النظام الداخلي للمجلس، ولا يذهب إلى نيل الثقة، ويمكن أن يكلف وزراء من داخل الحكومة بوزارات أخرى، وبالتالي لا حاجة له للذهاب لمجلس نواب الشعب لنيل الثقة على التعديل الحكومي”.

ويوضح أن “مسار سحب الثقة يتطلب وقتاً، وقد يستقيل رئيس الحكومة، وتعود المبادرة إلى رئيس الدولة لتكليف الشخصية التي يراها الأقدر على تشكيل حكومة جديدة”.

الشعيبي يرجِّح أن “موازين القوى تميل أكثر لصالح النهضة، والأغلبية الجديدة التي هي بصدد التشكل؛ لأن مبادرة سحب الثقة من رئيس البرلمان لا تستطيع تحقيق الأغلبية المطلوبة”.

في حين أن “النهضة” بأكثر من 120 نائباً تستطيع إنجاز المهمتين معاً، سحب الثقة من رئيس الحكومة، وتثبيت رئيس مجلس نواب الشعب في موقعه، بحسب الشعيبي.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى