الأرشيفتقارير وملفات

نظام الكفالة أداة من أدوات الحكم الموت البطيء للمعارضين والعمال المهاجرين في الإمارات

يشكل نظام «الكفيل» المعمول به في دول الخليج العربية أحد أسوأ أنظمة إدارة سوق العمل، إلا أنه يوفر للحكومات أداة موثوقة وغير مكلفة سياسياً أو إدارياً للتحكم في غالبية سكان المنطقة (وهم العمال الوافدون!). فنظام الكفالة يجعل من كل كفيل/صاحب عمل خفيراً ينوب عن السلطة السياسة في مراقبة من يكفلهم. مقابل ذلك يتيح نظام الكفالة للكفيل التحكم في حياة من يكفلهم فيقرر أجورهم وأماكن عملهم وساعات العمل ومحلات السكن. ويستطيع أيضاً إبعاد أيٍ منهم عن البلاد من دون إبداء الأسباب. هو شكل من أشكال العبودية التي تحميها الدولة ولا يكلف الكفيل جهداً أو مالاً. فالكفيل يستطيع منع المكفول من السفر عن طريق حجز جواز سفره كما يستطيع إنهاء عقد العمل ومنع العامل من البحث عن عمل آخر. ولهذا يتمكن الكفيل من إجبار العامل الوافد على القبول بأي عمل وبأي أجر. ولهذا أيضاً يُضطر الكثيرون من العمال الأجانب إلى الهروب من كافليهم بهدف تحاشي الإبعاد. عندها ينضمون إلى «جيشِ» يُعرف بـ«العمالة السائبة» التي لا كفيل لها والتي كثيراً ما تكون ضحية سهلة لعصابات المتاجرة بالبشر سواء في سوق الدعارة أو العمالة الرخيصة.

القاسم المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي في ما يتعلق بسوق العمل هو مراوحتها بين الرغبة في إدامة دور نظام الكفالة كأداة من أدوات الحكم وبين محاولة إرضاء الحلفاء الخارجيين الذين يواجهون بدورهم ضغطاً من منظمات حقوق الإنسان والمدافعين عن حقوق العمال المهاجرين. ولهذا تعلن الدول الخليجية، الواحدة تلو الأخرى أنها «تنوي» إلغاء نظام الكفيل ثم تتجاهل إعلانها بعد انتهاء مفعوله الإعلامي… لتُعاود الكرّة مرة أخرى حين تتصاعد الضغوط الخارجية.

سكن-عمّال-مهاجرون-الإمارات

وعلى امتداد 27 كيلومترًا مربعًا، تقع المنشآت التابعة لجزيرة السعديات الإمارتية على المياه الفيروزية الخلابة. وفي تلك المنشآت، يتراوح ثمن شقة سكنية تتكون من سبع غرف نوم، حوالي سبعة ونصف مليون دولار، بينما يبدأ سعر الفيلا الواحدة من 1.25 مليون دولار. المنتجع المثالي الذي يُعد موطنًا لثلاثة متاحف كبرى، ومركزًا للفنون الأدائية، يبدو كواحة للسعادة، وتجسيدًا لحديث السلطات الإمارتية عن سعادة مواطنييها وترفهم. غير أن ذلك كله، يُقابله صورة سوداوية قاتمة أبطالها العمال المُهاجرون، الذين يعملون في تلك الجزيرة. فالانتهاكات بحق هؤلاء، تتنوع بين منع الأجور والفوائد، وعدم تسديد التعويضات على رسوم التوظيف، ومصادرة جوازات السفر، وإيوائهم في مساكن دون المعايير المطلوبة. وقد تجاوزت السلطات هذه الإجراءات بترحيل بعض العمال دون صدور أي حكم قضائي، بحجة إضرابهم عن العمل أو احتجاجهم على تدني الأجور. في إحدى البنايات المتواضعة بالمنطقة الصناعية في المصفح بأبو ظبي، تفترش مجموعات من العمال الوافدين القادمين من بنجلاديش أسرة بطابقين. تغزو الحشرات تلك البناية، وبالقرب من صنابير المياه في الحمامات ثمة أسلاك الكهرباء غير مغطاة.

 يقول احد العمال الذين يقطنون المبنى «ليس أمامنا سوى الرضوخ لهذه الانتهاكات، كعدم الحصول على أجور، ودفع رسوم توظيف غير قانونية، والعيش في أماكن لا تستجيب لأي معايير، وإلا سيكون مصيرنا الترحيل والطرد، وهو ما حدث لمجموعات كانت تعمل معنا». لكن عاملا آخر جرى ترحيله عام 2013، قال مستذكرا بعض ما جرى معه، إن «مجموعة ملثمة من أفراد شرطة أبوظبي، قدموا إلى المنزل الذي نمكث فيه، ونقلونا إلى سجن شديد الحراسة، وهناك تم ضربنا واستجوابنا.. سألوني عن هوية منظم الإضراب”. واضاف: «كنا نتقاضى 190 دولارًا في الشهر، وهو نصف المبلغ المتفق عليه مع الشركة، التي كانت تتلقى الدعم من السلطات الإماراتية».

 وضمن مساعي السلطات الإمارتية لتشديد الحصار على معاناة العمالة داخل الجزيرة، منعت ممثل المنظمة الحقوقية العالمية «هيومن رايتس ووتش» من دخول البلاد، ووضعت موظفين اثنين آخرين على القائمة السوداء. خيار السلطات الإمارتية لحصار الناشطين على أراضيها سعت السلطات في السنوات الأخيرة إلى استحداث أساليب غير شرعية للحد من حرية مواطنيها والمغتربين على أراضيها، من بين ذلك وسيلة «التهجير القسري». يروي المدون الفلسطيني إياد البغدادي، الذي اكتسب شهرة واسعة بعد ثورات الربيع العربي، وقائع تجربة اعتقاله داخل السجون الإمارتية قائلًا: «أخذوني في مركبة نقل مع حارسين. قادوا السيارة إلى أبوظبي لمدة ساعتين قبل أن نصل إلى مركز الشرطة، وهناك قاموا بتقييدي إلى رجل باكستاني».

يستكمل البغدادي، الذي كتب عددًا من التدوينات المُناهضة للنظام المصري المدعوم من الإمارات: «كنت في غرفة لسِت ساعات مع الكثير من المهاجرين، أغلبهم من العمال. الكثير منهم مخالفون للإقامة رغم إقامتهم في الإمارات لفترات طويلة أو طوال حياتهم». ولا يُعد إياد البغدادي استثناءً في قائمة انتهاكات السلطات الإمارتية حيال المُغتربين ذوي الميول المُعارضة لأنظمتهم، إذ يبرز اسم أحمد عبد الخالق (35 عامًا)، المعروف بحملاته كناشط ومدون من أجل حقوق المقيمين بدون جنسية، والمعروفين بـ«البدون»، والذي تعرض لاحتجاز في أحد السجون الإمارتية شديدة الحراسة، تلاه قرارٌ بترحيله لتايلاند.

 يصف عبد الخالق ظروف مقر الاحتجاز، حيث امتلأت الأرضيات بمياه الصرف الصحي، فيما كان الطعام المُقدم لهم «أسوأ من طعام الكلاب»، بحسب وصفه. ياسين كاكاندي، صحافي أوغندي عمل بالإمارات لعشر سنوات، قبل نشره كتابًا يتناول فيه أوضاع الهجرة والاتجار بالبشر في الدولة، وهي مواضيع محرم الحديث فيها، ليجد نفسه على قائمة الترحيل القسري خارج البلاد، أواخر العام 2014، قبل أن يمنع كتابه من التداول في المكتبات المحلية.

 كاكاندي، الذي عمل مراسلًا لكُبرى الصحف الإنجليزية في الإمارات، لم تشفع له محاولات عدد من زملائه للتوسط من أجل بقائه. يقول : «كُل المحاولات فشلت، عاملوني وكأنني حيوان خطر جدًّا». واعتبر كاكاندي أن ما حدث معه يهدف «لترهيب أي كاتب أو صحافي يرغب في مناقشة قضايا العنصرية والاتجار بالبشر واستغلال المهاجرين في الإمارات». وفي أحد فصول كتابه بعنوان «تقارير صحفية من دبي»، تطرق ياسين كاكاندي لأساليب الرقابة المعمول بها في وسائل الإعلام بالإمارات، موضحًا أن المسؤولين عن تلك المؤسسات، جزءٌ لا يتجزأ من آليات نظام الرقابة الذي تستعين به السلطات، مسلطًا الضوء بشكل أعم على العلاقة بين الحكام ووسائل الإعلام، والتي يطغى عليها الاستيعاب، مبرزًا في الوقت ذاته صعوبة ممارسة الصحافة في بيئة يُستحسن فيها عدم إفشاء الأسرار أو التعمق في موضوعات معينة.

الإمارات

بالتزامن مع هذه الإجراءات التعسفية حيال المواطنين المُغتربين ذوي الميول المُعارضة، سعت السلطات الإمارتية لتطبيق سلسلة إجراءات قمعية ضد مجموعات إمارتية سعت لاستصدار تشريعات تضمن حقوق العمالة المهاجرة، وهي المجموعات التي كانت تندرج تحت جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، وهي جمعية سياسية سلمية تنادي بالتزام أكبر بتعاليم الإسلام. لكن أمام هذه الدعوات التي ارتأتها السلطات «خروجًا عن المألوف»، احتجزت 12 عضوًا من أعضاء هذه المجموعة، وأجبرتهم على توقيع تعهدات بالبحث عن جنسية أخرى، بعد أن زعمت الحكومة إسقاط الجنسية عنهم. يُذكر أن الحكومة الإماراتية، دفعت 200 مليون دولار أمريكي لحكومة جزر القمر، وهو المبلغ الذي كان وقتها يعادل 40% من إجمالي الناتج القومي لتلك الجزر، حتى تعرض جنسيتها على المقيمين بدون جنسية في الإمارات العربية المتحدة، الذين تسعى السلطات لترحيلهم على خلفية آرائهم السياسية المُناهضة لسياستها. تقول سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش، إن «سلطات الإمارات العربية المتحدة تقوم باستخدام الترحيل وإسقاط الجنسية كوسيلة لإسكات الاحتجاج داخل الدولة”. وتضيف “يتعين على السلطات إنهاء هذه الممارسة المخجلة، واحترام حقوق الإماراتيين في حرية التجمع والتعبير”.

مصير سجناء الرأي

 تعتمد الإمارات التعذيب كوسيلة أساسية لقمع معارضيها، وإجبارهم على توقيع تعهدات خارج إرادتهم، بعد تلفيق قضايا بواسطة المحاكم التابعة للدولة، والتي تمارس السلطة التنفيذية السيطرة عليها. ففي يناير (كانون الثاني) 2014، تلقى 20 مصريًّا وعشرة إماراتيين أحكامًا بالسجن لخمس سنوات، بتهمة إنشاء فرع لجماعة الإخوان المسلمين في البلاد. حُرم المحكوم عليهم من التواصل مع محامييهم، كما أعلنوا تعرضهم للتعذيب. وفي شهر أغسطس (آب)، اعتقلت السلطات عشرة رجال أعمال ليبيين، اختفى اثنان منهم على الأقل قسرًا. وفي سبتمبر (أيلول)، اعتقلت السلطات الإماراتية ستة إماراتيين يشتبه في صلتهم بالجماعات الإسلامية المحلية، وأودعتهم في أحد الأماكن المجهولة. وفي فبراير (شباط) 2014، انتقدت مقررة الأمم المتحدة المعنية باستقلال القضاة والمحامين، عدم استقلال القضاء في دولة الإمارات العربية المتحدة، متعللة بأن السلطة التنفيذية تمارس سيطرة فعلية على السلطة القضائية. كما أعربت عن قلقها إزاء تقارير عن استخدام مرافق احتجاز سرية وسوء المعاملة، والتعذيب للأشخاص المحتجزين بمعزل عن العالم الخارجي. وضمن مساعيها لتعزيز سلطة المراقبة، جرى تعميم استخدام قانون جرائم الإنترنت القمعي لعام 2012 لملاحقة منتقدي الحكومة. ففي العاشر من مارس (آذار) 2014، أدانت إحدى المحاكم، اثنين من مواطني الإمارات، هما خليفة ربيعة وعثمان الشحي، بتهمة انتقاد أمن الدولة على تويتر، فحكمت عليهما بالسجن لخمس سنوات، وتغريمهما 500 ألف درهم (ما يعادل 98,378 دولار أمريكي)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى