تقارير وملفات إضافية

نكبة فلسطينية جديدة.. كيف قدم الاعتراف الأمريكي بالمستوطنات «أكبر هدية» لنتنياهو؟

«الخطر الأكبر على حلم الدولة الفلسطينية».. هكذا يمكن وصف إعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن بلاده تعتبر المستوطنات الإسرائيلية غير مخالفة للقانون الدولي.

فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن «المستوطنات الإسرائيلية لا تتعارض مع القانون الدولي، وأن القول بأن إقامتها تتعارض مع القانون الدولي لا يخدم تقدم عملية السلام، لأنه لن يكون أي حل قضائي للنزاع وفق المعايير والقرارات الدولية».

إعلان مايك بومبيو ألغى الرأي القانوني لوزارة الخارجية الأمريكية بشأن المستوطنات، الذي ينص على أن الاستيطان يتعارض مع القانون الدولي.

كما شكَّل هذا الموقف الأمريكي الجديد انقلاباً على السياسة الأمريكية التقليدية في نظرتها للمستوطنات الإسرائيلية منذ عام 1978، والتي وصلت لذروتها في موقف الإدارة السابقة خلال حقبة الرئيس باراك أوباما، حين رفض استخدام حق النقض الفيتو خلال تصويت مجلس الأمن الدولي، في ديسمبر/كانون الأول 2016، على قرار 2334، الذي اعتبر الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية غير قانوني، وإقامة المستوطنات جريمة حرب.

وعلى مدار عقود، لم تأبه إسرائيل  للموقفين الدولي والأمريكي الرافضين للاستيطان، واستولت على نحو 51.6%، من مساحة الضفة الغربية (بما فيها مدينة القدس)، على مدار العقود الماضية لصالح الاستيطان، والقواعد العسكرية.

ولا ينظر الفلسطينيون لهذا الإعلان الأمريكي من المستوطنات بمعزل عن باقي القرارات الأمريكية السابقة، المتعلقة بفرض حقائق على أرض الواقع، مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، والإقرار بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السوري المحتل.

إعلان بومبيو جاء في لحظات فارقة في التاريخين الأمريكي والإسرائيلي، وبدا واضحاً أن الزعيمين المأزومين والمحاصرين في الداخل ترامب ونتنياهو لا يجدان أفضل من الفلسطينيين والعرب عامة، لمحاولة تحقيق مكاسب سياسية رخيصة في ظل تبلّد عربي وضعف حيلة فلسطيني.

فهل جاء القرار الأمريكي لمنح نتنياهو قبلة الحياة لإنقاذه من ورطته السياسية، وما تأثيرات هذا  القرار على أرض الواقع، وعلى مستقبل الدولة الفلسطينية، وما تبقى من عملية السلام، وما خيارات السلطة الفلسطينية؟

يمكن القول إن القرار الأمريكي يعني اعترافاً ضمنياً بالمستوطنات الإسرائيلية على أنها مناطق إسرائيلية، مما يطرح تساؤلات حول تمهيده لضم إسرائيل لها، وتنفيذاً عملياً لصفقة القرن، وتدخلا أمريكياً غير خفي في الأزمة السياسية الإسرائيلية، لصالح دعم نتنياهو، وإمكانية تشجيعه للإعلان في اللحظات الأخيرة عن ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية لإسرائيل، والقضاء على ما تبقى من عملية السلام وحل الدولتين.

يقول أيمن يوسف، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأمريكية في مدينة جنين بشمال الضفة الغربية، إن للإعلان الأمريكي «تداعيات سياسية واضحة، لا تعترف بأي تمثيل للفلسطينيين، وتنهي عملية التفاوض».

وأضاف يوسف لوكالة الأناضول: «ميدانياً، تعطي الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر لإسرائيل للتوسع الاستيطاني، والضم وتهجير الفلسطينيين، واستكمال عملية بناء الجدار الفاصل الإسرائيلي».

وتابع: «واضح أن هناك سباقاً مع الزمن لحسم قضايا هامة، قبل الإعلان عن الخطة الأمريكية لعملية السلام في الشرق الأوسط، والمعروفة إعلامياً بخطة صفقة القرن».

ويرى جهاد حرب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت قرب رام الله، أن الإعلان الأمريكي الجديد، بمثابة ضوء أخضر لضم الضفة الغربية لإسرائيل.

وقال حرب لوكالة الأناضول: «قد تقوم الحكومة الإسرائيلية في أيامها الأخيرة بضم الضفة الغربية، أو أجزاء منها لإسرائيل، لخلق واقع جديد أمام أية حكومة جديدة، مستغلة الإعلان الأمريكي».

على صعيد إفرازات الموقف الأمريكي من الناحية الميدانية، فبعد ساعات قليلة فقط على صدور الموقف الأمريكي، أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جولة مفاجئة في التجمع الاستيطاني «غوش عتصيون»، جنوب مدينة بيت لحم بالضفة الغربية، وزعم أننا «متواجدون بهذا اليوم التاريخي، بعد تحقيق إنجاز عظيم لإسرائيل، عملنا عليه فترة طويلة، لأن إدارة الرئيس ترامب صححت ظلماً تاريخياً»، على حد زعمه.

وفي وقت لاحق، دعا نتنياهو خصومَه في حزب الجنرالات لتشكيل حكومة وحدة يكون أول قراراتها ضم غور الأردن، الذي يشكل ربع مساحة الضفة الغربية، ولذلك لم يتردد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في القول إن الموقف الأمريكي محاولة لدعم نتنياهو في اللحظات الأخيرة من المنافسة على منصب رئيس الوزراء.

على الفور، أشعلت الأضواء الحمراء في الرئاسة الفلسطينية بالضفة الغربية، وأعلنت عقد اجتماعات متلاحقة لجميع أركانها، سواء الرئاسة أو وزارة الخارجية، وسواها من الكيانات السياسية والتنظيمية الفلسطينية، على اعتبار أن القرار الأمريكي ينسف كل فرصة لتحقيق ما تبقى من عملية السلام.

وقال صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، في مؤتمر صحفي الثلاثاء، إن بلاده ستطرق أبواب كل المؤسسات الدولية، بدءاً من المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، ومجلس حقوق الإنسان للتصدي للإعلان الأمريكي.

وقال إن القرار الأمريكي بمثابة «خطر على الأمن والسلم الدوليين»، مضيفاً: «الولايات المتحدة بإعلانها أن الاستيطان شرعي، فتحت أبواباً للعنف والتطرف والفوضى وإراقة الدماء».

واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، قال لـ«عربي بوست»، إن «القيادة الفلسطينية تلقَّت بصدمة كبيرة الموقف الأمريكي الجديد، الذي يعبر عن شراكة كاملة للاحتلال الإسرائيلي في مصادرة الأراضي الفلسطينية، وإقامة المستوطنات غير الشرعية عليها. إدارة ترامب تصطف بجانب أعداء الشعب الفلسطيني، وتقوم بانقلاب غير مسبوق على السياسة الأمريكية بنظرتها للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي».

وأضاف أن «القيادة الفلسطينية في حالة انعقاد دائم، وبدأت اتصالاتها فور صدور الموقف الأمريكي، مع الدول العربية والإسلامية والصديقة للحصول على دعم منها، إزاء هذا العمل العدواني الأمريكي ضد الشعب الفلسطيني، فبعد أن كانت الولايات المتحدة تستنكر إقامة المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، اليوم ينقلب موقفها بإضفاء الشرعية عليها».

صحيح أن الفلسطينيين يعتبرون إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منحازة لإسرائيل، بل إنها تقف على يمين اليمين الإسرائيلي، لكن هذا الموقف الجديد من المستوطنات، واعتبارها شرعية وقانونية، والقول إنها لا تمنع المضي قدماً في عملية السلام، أصاب الفلسطينيين بالذهول، لأنهم لا يرون نهاية لهذا الاستفزاز الأمريكي لهم، وتقديم الهدايا المجانية لإسرائيل، وكأن واشنطن تطبق صفقة القرن، دون أن تضطر لإعلانها رسمياً.

ساري عرابي، المحلل السياسي الفلسطيني، قال لـ «عربي بوست»، إن «الخطوة الأمريكية متوقعة، سواء لاعتبارات أمريكية داخلية مرتبطة بإجراءات عزل ترامب، أو استمراراً لخطوات سابقة تتعلق بالقدس والأونروا والجولان، لكن اللافت عدم حصول أي تحول حقيقي في مواقف السلطة الفلسطينية، رغم أنها تهدد بتحول جذري في سياساتها للانفصال عن مسار التسوية، دون ترجمتها على أرض الواقع».

وأضاف أن «قيادة السلطة تعيد ذات المواقف القديمة الجديدة، بعد كل موقف أمريكي إسرائيلي، بالتوقف عن العمل بالاتفاقيات الموقعة، والانفصال الاقتصادي عن إسرائيل، والتهديد بحلّ نفسها، لكن كل قراراتها هذه لم تنعكس في الميدان، حتى على مستوى الخطاب لم تقدم الكثير، رغم الحديث صراحة عن تدمير إسرائيل والولايات المتحدة لحل الدولتين، مما يتطلّب التوصل لوحدة فلسطينية، يستند إليها برنامج نضالي متفق عليه».

دعا أستاذ العلوم السياسية أيمن يوسف، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأمريكية، إلى ضرورة العمل على خطة فلسطينية بديلة لمواجهة القرار، مشيراً إلى ضرورة البدء بتحرك دبلوماسي وسياسي واسع على مستوى العالم.

ورأى أن الجانب الفلسطيني لم يستعد جيداً لمثل هذا القرار، رغم بعض المشاريع والقرارات الحكومية الخاصة بتعزيز صمود المواطن في المناطق المصنفة «ج»، لكنها لم تخرج لرؤية واضحة ومتفق عليها.

وقال «يوسف» لوكالة الأناضول، إن الانقسام الفلسطيني أحد أسباب الضعف في مواجهة القرارات الأمريكية والإسرائيلية.

من جانبه، دعا جهاد حرب، إلى ضرورة مواجهة الإعلان عبر «استمرار المقاومة الشعبية وتطويرها عبر خلق حالة من عدم الاستقرار للمستوطنين في الضفة الغربية».

وقال: «تبدأ المقاومة الشعبية بزراعة الأشجار، وليس انتهاءً بتعكير صفو حياة المستوطنين ومنعهم من السيطرة على أراض جديدة».

وأضاف: «سياسياً، على السلطة الفلسطينية تقديم شكوى في مختلف المحافل الدولية».

وطالب حرب بضرورة «تعزيز صمود المواطنين في المناطق المستهدفة بالاستيطان مادياً وبشرياً».

واستبعد «حرب» اتخاذ الدول العربية موقفاً ضاغطاً وفاعلاً للتصدي لإعلان الولايات المتحدة.

وقال: «كل ما سمعناه عربياً تصريحات، لم تتم ترجمة أي أفعال من شأنها التأثير».

الفصائل الفلسطينية مجتمعة رفضت الموقف الأمريكي الجديد، وقالت في بيانات منفصلة إن الموقف لا يغير من حقيقة أن المستوطنات جريمة حرب حقيقية، فالاحتلال طَرَد أصحابَ الأرض الأصليين من الفلسطينيين، ثم سرقها، وأقام عليها مستوطنات بالقوة، وهي، كما الاحتلال، غير شرعية.

فوزي برهوم، المتحدث باسم حماس، قال لموقع «عربي بوست» إن «الموقف الأمريكي الجديد يشكل استمراراً للسياسة الأمريكية في دعم الاحتلال وتنفيذ بنود صفقة القرن، وغطاء رسمياً وشرعنة لانتهاكات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، لكنه في الوقت ذاته يجب أن يشكل حافزاً للإسراع في صياغة حالة فلسطينية جديدة قوية وموحدة، ذات عمق وإسناد إقليمي شعبي ورسمي، ترتكز على خيار القوة والمقاومة في مواجهة هذه التحديات، وحماية مصالح شعبنا، والدفاع عنه».

دفع الغضب الفلسطيني من الموقف الأمريكي، إلى صدور تحذير من السفارة الأمريكية في إسرائيل لرعاياها من السفر إلى القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، والتحلي بدرجة كبيرة من اليقظة، واتخاذ الخطوات الملائمة لزيادة الوعي الأمني في ضوء الموقف الراهن.

وأُنشئت السلطة الوطنية الفلسطينية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، عام 1994، وفق اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.

وينص «أوسلو» على إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي فلسطينية (السلطة الفلسطينية)، ومجلس تشريعي منتخب، لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات (تنتهي عام 1999)، للوصول إلى تسوية دائمة بناء على قرارَي الأمم المتحدة 242 و338.

لكن إسرائيل لم تلتزم بالاتفاق، حيث كثَّفت الاستيطان في الضفة الغربية، وانتهت الفترة الانتقالية عام 1999، دون التوصل لحل نهائي.

وفي عام 2002، أعادت إسرائيل احتلال جميع المدن الفلسطينية بالضفة الغربية.

وتوقفت المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية عام 2014، عقب رفض إسرائيل وقف الاستيطان، وإطلاق سراح قدامى الأسرى الفلسطينيين.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى