لايف ستايل

نوم الموجة البطيئة.. كيف تحقق أفضل استفادة من النوم يومياً؟

على مر التاريخ تباهت شخصيات شهيرة، مثل توماس أديسون ومارغريت ثاتشر ودونالد ترامب، بأن كلاً منها لا ينام سوى أربع أو خمس ساعات في الليلة لا أكثر، وهو ما يقل كثيراً عن الفترة الموصى بها للبالغين، التي تتراوح ما بين سبع إلى تسع ساعات كل ليلة.

ويسير كثير منّا على الدرب نفسه، ورغم أن العواقب السلبية المترتبة على ذلك لا تخفى على أحد، من ضعف للذاكرة، وتدهور للقدرة على اتخاذ قرارات صائبة، وتزايُد احتمالات الإصابة بالأمراض وبالبدانة كذلك، فمن اليسير على المرء أن يتجاهل هذه المخاطر.

لكن ماذا إن صار بوسعنا أن نجعل فترة النوم أقرب ما تكون إلى الكمال، ما يجعلنا نجني غالبية الفوائد الكامنة فيها، لكي ننام بعمق ولوقت أقل؟ 

ربما تكون هذه الإمكانية في متناولك أكثر مما تتخيل، وذلك بفضل أساليب جديدة ترمي إلى «الاستفادة بالقدر الأمثل من فترة النوم»، بحسب ما ذكر موقع BBC

ووفق التقرير، أظهرت تجارب متنوعة أُجريت في شتى بقاع العالم، أنه من الممكن تعزيز كفاءة نشاط المخ خلال فترة الليل، ما يقلل الوقت الذي يتطلبه الاستغراق في نوم عميق، ويزيد من قدر الراحة الذي ننعم به بمجرد وصولنا إلى هذه المرحلة.

يمر نشاط المخ خلال الليل عادة بدورات تختلف باختلاف مراحل النوم، وتتسم كل منها بنمط مميز من «الموجات الدماغية». 

وتشهد كل من هذه الموجات إطلاق الخلايا العصبية في مناطق مختلفة من الدماغ إشارات بشكل متزامن، وبإيقاع معين (على نحو يشبه ترديد حشد من الناس لهتاف في وقت واحد، أو قرعهم الطبول بشكل منسجم).

يتصف هذا الإيقاع بالسرعة النسبية، خلال ما يُعرف بمراحل «نوم حركة العين السريعة»، التي نرى فيها الأحلام غالباً. 

لكن أعيننا تتوقف عن الحركة في أوقات معينة، لتتلاشى الأحلام ويتراجع إيقاع الموجات الدماغية إلى أقل من «نبضة» واحدة في الثانية، وهي النقطة التي ندخل فيها أعمق مرحلة من اللاوعي يمكننا الوصول إليها، وهي تلك التي تنعدم فيها الاستجابة إلى أقصى حد، ويُطلق عليها اسم «نوم الموجة البطيئة». 

وتشكل هذه المرحلة محط اهتمام خاص من جانب العلماء الذين يبحثون في سبل الاستفادة من النوم على أفضل شكل ممكن.

وأظهرت الدراسات التي أُجريت منذ ثمانينيات القرن الماضي أن «نوم الموجة البطيئة» أمر أساسي للحفاظ على الدماغ في حالة جيدة، إذ يسمح للمناطق المسؤولة عن الذاكرة في المخ، بنقل ذكرياتنا من مرحلة التخزين في الذاكرة قصيرة الأمد إلى نظيرتها في الذاكرة طويلة المدى، وهو ما لا يجعلنا ننسى ما تعلمناه.

يان بورن، المسؤول عن قسم علم النفس الطبي وعلم الأعصاب السلوكي في إحدى الجامعات الألمانية، يقول إن «الموجات البطيئة تُسهّل نقل المعلومات».

كما أن هذه الموجات قد تؤدي إلى تدفق الدم والسائل الدماغي عبر مناطق المخ المختلفة، ما يؤدي إلى التخلص من مواد يحتمل أن تكون ضارة، وربما تؤثر سلباً على الجهاز العصبي. 

ويفضي ذلك أيضاً إلى تراجع مستويات هرمون الكورتيزول، الذي يُفرز استجابةً للشعور بالإجهاد والتوتر. كما يساعد هذا الأمر على تنشيط الجهاز المناعي، ما يجعله أكثر قدرة على مواجهة أي عدوى محتملة.

ودفعت هذه النتائج علماء -من بينهم بورن- إلى التساؤل عما إذا كان بوسعهم الاستفادة منها في تعظيم فوائد النوم، وتحسين قدرة المرء على القيام بواجباته ومهامه خلال ساعات النهار، عبر زيادة توليد هذه الموجات البطيئة في الدماغ.

ويعمل أحد أكثر الأساليب الواعدة في هذا المضمار، بطريقة تجعله كما لو كان أداة تضبط الدماغ على الإيقاع الملائم له من هذه الموجات. 

وفي إطار التجارب التي تُجرى في هذا الشأن، يعتمر الخاضعون للبحث جهاز استقبال لرصد نشاط الدماغ، وتحديد الأوقات التي يشهد فيها المخ حدوث هذه الموجات البطيئة. 

ثم يبدأ الجهاز بعد ذلك في إصدار نبضات قصيرة ذات صوت مريح وغير مزعج، تتزامن مع الموجات البطيئة التي تتولد في الدماغ بشكل طبيعي، وذلك على فترات منتظمة خلال الليل.

وتتسم هذه الأصوات بأنها منخفضة إلى حدّ يجعلها لا تزعج المشاركين في البحث، ومرتفعة في الوقت نفسه كذلك بقدر كافٍ، لأن يرصدها المخ على نحو غير واع.

ووجد بورن -الذي قاد غالبية هذه الأنشطة البحثية- أن هذا التحفيز السمعي المريح واللطيف يكفي لتدعيم ما يمكن أن يُعرف بالإيقاعات الصحيحة للدماغ، وهو ما يجعل «نوم الموجة البطيئة» في هذه الحالة أكثر عمقاً من نظيره الذي يحظى به من تم استخدام أساليب تحفيز وهمية معهم.

وتبين أيضاً أن أفراد العينة ممن ارتدوا أجهزة الاستقبال أدوا بشكل أفضل في اختبارات الذاكرة، وأظهروا قدرة أكبر على تذكر المواد التي تعلموها قبل يوم واحد من خضوعهم للتجربة. 

كما تحسّنت استجابة الجهاز المناعي لديهم، وتغير التوازن الهرموني في أجسامهم، بما شمل تراجع مستوى الكورتيزول.

وحتى هذه اللحظة، لم يسجل المبحوثون صدور أي استجابات غير مرغوب فيها، نتيجة لاستخدامهم هذا الأسلوب في تحفيز الموجات البطيئة في الدماغ.

وأُجريت غالبية الدراسات الرامية لتعزيز «نوم الموجة البطيئة» على مجموعات من الشبان الأصحاء، تتكون كل منها من عدد محدود من الأفراد. 

لذلك ثمة حاجة لإجراء تجارب أوسع نطاقاً على مجموعات أكثر تنوعاً، حتى نصبح على يقين من طبيعة الفوائد الناجمة عن تعزيز «نوم الموجة البطيئة».

رغم ذلك كانت نتائج الدراسات التي أُجريت حتى الآن كافية، لأن يُستعان بتلك التقنية في تطوير عدد من الأجهزة التي تُباع في الأسواق للمستهلكين. 

وتأخذ غالبيتها شكل عصابات رأس يتم ارتداؤها خلال الليل.

من بين هذه الأجهزة واحدٌ تنتجه شركة فرنسية ناشئة، ويباع بـ400 يورو، أو 425 دولاراً تقريباً. ويُستعان فيه بتقنية تحفيز صوتي لجعل «نوم الموجة البطيئة» أكثر عمقاً، وذلك عبر محاكاة ما تم اتباعه في التجارب العلمية التي تُجرى على هذا الصعيد.

وتتصل عصابة الرأس التي تنتجها تلك الشركة التي تحمل اسم «دريم»، مع تطبيق يتولى تحليل نمط نوم مستخدمها، ويقدم نصائح عملية، ويوضح طبيعة التدريبات التي يمكن له القيام بها لنيل قسط أكبر من الراحة خلال النوم ليلاً. 

ويشمل ذلك أموراً مثل التأمل وأداء تدريبات تنفس، ما قد يضمن للمرء أن يخلد للنوم بشكل أسرع، ويقلل من عدد مرات استيقاظه خلال الليل.

جهاز آخر يحمل اسم «سمارت سليب» (النوم الذكي) تنتجه شركة فيليبس، ويرمي بوضوح شديد إلى تعويض من يحرمون من النوم لفترات كافية، عن جانب من الآثار السلبية التي تصيبهم جراء ذلك.

ويقول دافيد وايت، المسؤول عن الشؤون العلمية في الشركة، إن الجمهور المستهدف في هذا الصدد هم «من لا يعطون أنفسهم ببساطة -ولأي سبب من الأسباب- فرصة كافية للنوم».

وأُطْلِقَ هذا الجهاز عام 2018، ويأخذ شكل عصابة رأس مثل نظيره الذي تنتجه شركة «دريم» الفرنسية. 

وتستشعر هذه العصابة النشاط الكهربائي للمخ، وتطلق بشكل دوري ما يمكن أن نسميه دفقات صوتية قصيرة لتحفيز الذبذبات البطيئة التي تتسم بها فترة النوم العميق. 

ويعتمد الجهاز على برمجيات ذكية، تعمل على تعديل مستوى الصوت الصادر عنه بمرور الوقت، للتأكد من أن هذه الدفقات الصوتية تحفز دماغ المستخدم على الوجه الأمثل.

ويقر وايت بأن استخدام هذا الجهاز لا يمكن أن يلغي تماماً الحاجة إلى أن يخلد المرء للنوم طوال الليل كما يُفترض. 

لكنه يلمح إلى أن هناك فائدة لتلك الأداة الإلكترونية، في ضوء أنه من العسير في الوقت نفسه إقناع من يعانون من الحرمان من النوم، بإجراء ما يلزم من تغييرات على نمط حياتهم، لكي تتسنى لهم معالجة هذه المشكلة.

ومن هذا المنظور يُفترض أن يساعدهم ذلك الجهاز -على الأقل- على أداء مهامهم اليومية بشكل أفضل، من خلال تعظيم الفوائد التي يغتنمونها من فترات النوم التي ينجحون في الحصول عليها، مهما كانت قصيرة.

في الوقت ذاته، أفادت تجارب أجرتها «فيليبس» نفسها، بأن الاستعانة بجهاز «سمارت سليب» يعزز جودة «نوم الموجة البطيئة»، لدى من يعانون من الحرمان من النوم، مما يخفف بعض الآثار السلبية الناجمة عن هذه المشكلة، مثل ضعف بعض القدرات المتعلقة بالذاكرة.

يحتاجُ معظم البالغين لحوالي 7-9 ساعات من النوم كلّ يوم، وتُعدّ الفترة التي تبدأ ما بين الساعة الثامنة مساءً إلى الساعة الثانية عشرة صباحاً أفضل أوقات النوم.

وفي الحقيقة لا توجد ساعات معينة ومجدولة تُناسب جميع الأشخاص، فنجد أنّ بعض الأشخاص يحبّون الاستيقاظ في الليل والنوم في النهار، ويجدون أنّ هذا النمط أكثر راحة لهم.

في حين أنّ البعض يفضّلون العكس تماماً، لذا فإنّه من الأفضل أن يُقدّر كل شخص الوقت الأنسب لنومه بالاعتماد على نظام جسمه الفسيولوجي، والمسؤوليات والالتزامات الخاصة به، على أن يحصل على 7-9 ساعات من النوم الذي يحتاجه بشكل اعتيادي ومنتظم. 

ويُنصح دائماً بالالتزام بمواعيد ثابتة للنوم، سواء في أيام العمل أو في أيام العطل، حيث يُساعد ذلك على المحافظة على انتظام الساعة البيولوجية الداخلية، وبمتابعة ذلك ليلة بعد ليلة يُصبح الدخول في مرحلة النوم أسهل والبقاء فيه لمدة كافية أفضل.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى