آخر الأخبار

هدوء حذِر في شوارع بيروت.. الأمن يلجأ إلى القوة لتفريق المحتجين، وترقّب لما بعد كلمة الحريري

يسود الهدوء الحذر قلب
العاصمة اللبنانية بيروت، في ساعة متأخرة من ليل الجمعة-السبت 19 أكتوبر/تشرين
الأول 2019، بعد ساعات طويلة من الاحتجاجات التي تخللتها مناوشات مع قوات الأمن.

وتمكنت القوى الأمنية من
فض مظاهرات حاشدة وإخلاء ساحة رياض الصلح، قرب مقر رئاسة الحكومة ببيروت، من
المحتجين بينما أعلن الأمن الداخلي ارتفاع عدد الجرحى من عناصره إلى 52 بعموم
البلاد، مشيراً إلى توقيف 70 شخصاً خلال «قيامهم بأعمال شغب».

وأطلقت قوات الأمن
اللبنانية الغاز المسيل للدموع، وطاردت محتجين في العاصمة بيروت، إثر خروج عشرات
الآلاف بأنحاء لبنان في مسيرات تطالب بإسقاط النخبة السياسية، التي يقولون إنها
خرَّبت الاقتصاد وأوصلته إلى نقطة الانهيار.

وقال شهود من رويترز، إن
قوات الأمن وشرطة مكافحة الشغب طاردت متظاهرين في وسط بيروت، وأطلقت قنابل الغاز
المسيل للدموع والطلقات المطاطية لتفريقهم، واعتقلت قوات الأمن بعض المحتجين في
أحد الأحياء التجارية بالعاصمة.

وأمهل سعد الحريري، رئيس
وزراء لبنان، «شركاءه في الحكومة» 72 ساعة للتوقف عن تعطيل الإصلاحات،
وإلا فسوف يتبنى نهجاً مختلفاً، في تلميح محتمل إلى استقالته.

وقال الحريري إن لبنان
«يمر بظرف عصيب ليست له سابقة في تاريخنا». وأضاف أن أطرافاً أخرى بالحكومة
-لم يسمها- عرقلت مراراً جهوده للمضي في إصلاحات.

ويشارك في أكبر احتجاجات
يشهدها لبنان منذ أعوام، عامة الشعب من مختلف الطوائف والدوائر، وأعادت إلى
الأذهان ثورات اندلعت في 2011 وأطاحت بأربعة رؤساء عرب. ورفع المحتجون لافتات،
وهتفوا بشعارات تطالب حكومة الحريري بالاستقالة.

وقال الحريري: «هناك مَن وضع العراقيل أمامي منذ تشكيل الحكومة، وتم وضع عراقيل أمام جميع الجهود التي طرحتها للإصلاح».

وتابع قائلاً: «أنا
شخصياً منحت نفسي وقتاً قصيراً جداً، إما شركاؤنا في التسوية والحكومة يعطوننا
جواباً واضحاً وحاسماً ونهائياً يُقنعني أنا واللبنانيين والمجتمع الدولي… بأن
هناك قراراً لدى الجميع للإصلاح، أو يكون لديَّ كلام آخر».

وأضاف: «أعود وأقول:
مهلة قصيرة جداً، يعني 72 ساعة».

وخرجت جموع من المحتجين
بالقرى والبلدات في جنوب وشمال وشرق لبنان وكذلك العاصمة بيروت، ووجهوا انتقادات
إلى جميع الزعماء السياسيين، مسلمين ومسيحيين دون استثناء.

وفي أنحاء البلاد هتف
المحتجون ضد كبار قادة البلاد، ومنهم عون والحريري ورئيس البرلمان نبيه بري،
وطالبوا باستقالتهم.

وامتزج الغضب والتحدي
بالأمل، في أجواء الاحتجاجات.

ومع حلول الليل نظمت حشود
تلوّح بالعَلم اللبناني مسيرات ومواكب سيارات في الشوارع، على وقع الأغنيات
الوطنية من مكبرات الصوت وهم يهتفون بشعارات تطالب بإسقاط النظام.

وأطلقت قوات الأمن الغاز
المسيل للدموع، وهو ما أثار غضب المتظاهرين.

وصرخ أحد المتظاهرين وهو
يغطي وجهه من الغاز الخانق: «المفروض تحمونا.. عارٌ عليكم».

واستخدم بعض المتظاهرين،
بعضهم ملثمون، قضباناً حديدية لتهشيم واجهات المتاجر في منطقة راقية من بيروت. كما
أغلقوا طرقاً وأضرموا النيران في إطارات السيارات.

ومع استمرار الحرائق في
الاشتعال، بدت بعض الشوارع مثل ساحات المعارك، وتناثرت فيها الرصاصات المطاطية
وشظايا الزجاج واللوحات الإعلانية الممزقة. وظل رجال الإطفاء يحاولون مكافحة ألسنة
اللهب حتى وقت متأخر من مساء اليوم.

واحتشد متظاهرون بمحيط
القصر الرئاسي في ضواحي بعبدا. وحثَّت الأمم المتحدة كل الأطراف على الإحجام عن كل
الأفعال التي من شأنها أن تزيد التوتر والعنف.

وحذَّرت السعودية والكويت
والإمارات مواطنيها من السفر إلى لبنان.

وطلبت وزارة خارجية البحرين من مواطنيها مغادرة لبنان فوراً.

وقال وزير الخارجية
اللبناني جبران باسيل، صهر الرئيس ميشال عون، اليوم الجمعة، من القصر الرئاسي، إن
على الحكومة عدم فرض أي ضرائب جديدة، وأن تعمل على وقف الفساد وتنفيذ إصلاحات طال
تأجيلها، محذِّراً من أن الاحتجاجات الحاشدة قد تؤدي إلى فتنة.

وقال باسيل: «ما
يحصل قد يكون فرصة، كما يمكن أن يتحول إلى كارثة… ويُدخلنا في الفوضى
والفتنة».

وفي رده على دعوات
المحتجين إلى استقالة الحكومة، قال باسيل: «البديل عن الحكومة الحالية ضباب
وقد يكون أسوأ بكثير… الخيار الآخر هو الفوضى بالشارع وصولاً إلى الفتنة».

واندلعت أحدث موجة توتر
في لبنان بفعل تراكم الغضب بسبب معدل التضخم، واقتراح فرض ضريبة جديدة، وارتفاع
تكلفة المعيشة.

وفي خطوة غير مسبوقة هاجم
محتجون شيعة مقرات نوابهم من جماعة حزب الله وحركة أمل في جنوب لبنان.

وقال فادي عيسي (51
عاماً)، الذي كان يشارك في الاحتجاج مع ابنه: «نزلنا على الشارع، ما بقى فينا
نتحمل في ظل السلطة الفاسدة، أولادنا ما عندهم مستقبل. الوضع كثير صعب. هذا النظام
كله فاسد. كلهم حرامية، ما حدا بيشتغل لمصلحة البلد يأتون ليملأوا جيوبهم. هم
أصحاب صفقات وسمسرات».

وأضاف: «ما بدنا
استقالة فقط، بدنا محاسبة، وبدهم يرجّعوا المصاري يللي سرقوها، ولازم يصير تغيير،
والشعب هو الذي يستطيع أن يغير».

تأتي الاحتجاجات في وقت
يحذر فيه خبراء اقتصاد ومستثمرون ووكالات تصنيف ائتماني من أن الاقتصاد اللبناني
المُثقَل بالدَّين والنظام المالي المتخم بالفساد على شفا الانهيار أكثر من أي وقت
مضى، منذ الحرب التي اجتاحت البلاد في الثمانينيات.

وضغط حلفاء أجانب على
الحريري لإجراء إصلاحات تعهد بها منذ وقت طويل، لكنها لم تتم قط، بسبب مصالح
شخصية.

وفي بلد تحكمه حسابات
طائفية منذ أمد بعيد، يلقي النطاق الجغرافي الواسع على نحو غير مألوف للاحتجاجات
الضوء على تفاقم الغضب بين اللبنانيين. وفشلت الحكومة التي تضم الأحزاب اللبنانية
كافة تقريباً في تطبيق إصلاحات ضرورية لحل الأزمة.

وفي محاولة لجمع إيرادات،
أعلن وزير بالحكومة، أمس الخميس، عن خطط لفرض رسوم جديدةٍ قيمتها 20 سنتاً يومياً
على المكالمات الصوتية عبر بروتوكول الإنترنت الذي تستخدمه تطبيقات مثل واتساب
المملوك لـ «فيسبوك».

لكن مع انتشار الاحتجاجات
ظهر وزير الاتصالات اللبناني، محمد شقير، في وسائل إعلام، مساء أمس الخميس، وقال
إن الحكومة سحبت الرسوم المقترحة.

ويعاني لبنان، الذي شهد
حرباً بين عامي 1975 و1990، أحد أعلى معدلات الدَّين العام في العالم بالنسبة لحجم
الاقتصاد. وتضرر النمو الاقتصادي بسبب النزاعات وعدم الاستقرار في المنطقة. وبلغ
معدل البطالة بين الشباب أقل من 35 عاماً 37 بالمئة.

وتبين منذ أمد طويل، أن
الخطوات المطلوبة لإصلاح المالية العامة عصية على التنفيذ. واستغل ساسة من مختلف
الطوائف، معظمهم من المحاربين القدامى الذين شاركوا في الحرب الأهلية، موارد
الدولة لمصالحهم السياسية الشخصية، ويمانعون التنازل عن مكتسباتهم.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى