كتاب وادباء

هذه ليست ساعة الغروب الأخيرة ….!

هذه ليست ساعة الغروب الأخيرة ….!

من روائع الأديب الكاتب الشاعر

السعيد الخميسى1

السعيد الخميسى

* غرق كثير من الناس فى بحر اليأس ونسوا أن نهر الأمل رقراق وشاطئ النجاة يبدو قريبا فى الأفاق . نظروا إلى أعلى , فوجدوا أن شجرة الأمل قد عبثت بها ريح عاصف وجاءها الموج من كل مكان , حتى ذبلت أوراقها وشحبت وسقطت , وانكسرت فروعها , ومال جذعها . فراحوا يبكون وينتحبون  . ونسوا أن يزرعوا شجرة جديدة فرعها ثابت وأصلها فى السماء .  حاصرتهم زوابع الشتاء وعواصفه , وأغلقت جبال الجليد أبوابهم فيأسوا ونسوا أن يفتحوا نوافذ جديدة  ليروا الربيع وقد جاءهم يمشى ضاحكا مختالا . حزنوا على الأمس ونسوا أنه لن يعود . وأسفوا على اليوم ونسوا أنه راحل ولم يفكروا فى المستقبل لأنه الأمل القادم .  نسوا أن الوردة لا تعيش بدون ماء , كذلك المرء لايعيش بلا أمل . نسوا أن الظلم له ليل واحد والحق له ألف نهار .  نسوا أن الشمس لا تظلم في ناحية إلا وتضيء في ناحية أخرى .  نسوا أن يكونوا هم الورقة الخضراء التى، لا تسقط مهما هبت العواصف واشتدت عليها ريح النوائب .

* الأمل فى مستقبل أفضل لبلادي لم يفارق عقلي ولاقلبى لحظة واحدة . ستنهض بلادي من كبوتها كما ينهض الحصان العربي الأصيل إذا تعثرت قدماه ووقع فى حفرة عميقة , لكنه سرعان ما يستجمع قواه ويقف سريعا على قدمين ثابتتين ثم ينهض مسرعا إلى طريقه الذي حدده من قبل . ستنهض بلادي وسيكون لها ذكر وشأن وقيمة بين الأمم , ستنهض بلادي وستشرق فى سماءها شمس الحرية والديمقراطية لتصل إلى كل شبر على أرضها .  ستنهض بلادي من كبوتها وستكون سيرتها أثر تقتدي به الأمم الناهضة والشعوب المتعثرة لأن وطني يجب أن يكون هكذا . ستنهض مصر رغم كيد الكائدين وتربص المتربصين وتآمر المتآمرين عليها فى الداخل والخارج , الذين يريدون لها أن تكون نهبا للناهبين ومرتعا للفاسدين وتربة خصبة لطابور المتسلقين 

طبال

* لن يتحكم فى مصر إعلام فاسد, مثل هولاء الذين أصابتهم الهلوسة العقلية فراحوا يصرخون ” القانون هو الرصاص ” , لأن مثل هولاء لايرقبون فى مصري إلا ولا ذمة , مثل هولاء يسكبون الزيت على النار ويشعلون الوطن بتحريضهم على القتل المباشر خارج دائرة القانون . هم يريدون لمصر أن تكون غابة استوائية يأكل القوى فيها الضعيف ويلتهم فيها الغنى الفقير ويستبد فيها الحاكم بالمحكوم . ستنهض مصر لتقول لمثل هولاء من فضلكم نفذ رصيدكم ولم يعد لأمثالكم موضع قدم في صدارة المشهد . لأن العقلاء وأصحاب الصوت الهادئ الرزين الذين يقدرون ويقدمون المصلحة العليا للوطن يجب أن يتصدروا المشهد ليقودوا سفينة الوطن إلى شاطئ النجاة وبر الأمان .

*  يوم أن تنهض مصر من كبوتها , لن يتحكم فى مصيرها نخبة سياسية انتهت صلاحيتها ونفذ رصيدها السياسي ولم يعد لديها ما تقدمه للشعب غير المرض والجهل والفقر والتخلف والوعود الكاذبة البراقة كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد عنده الكذب والافتراء والضحك على الناس والخداع والتمويه والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق . نحن متمسكون بالأمل فى مستقبل أفضل لهذا الوطن تكون فيه انتخابات حرة نزيها غير مزورة ولا معروف نتيجتها من ذي قبل مثل مباراة كرة القدم المسجلة . متمسكون بالأمل أن يكون فى مصر مؤسسات قوية حرة ومستقلة لاتعمل إلا وفق الصالح العام والضمير الحى المستيقظ المستنير بعيدا عن الاملاءات الفوقية والتعليمات السيادية والأوامر المباشرة من أى سلطة حاكمة . مؤسسات تراعى مصالح الشعب أكثر مما تراعى مصالح أي نظام حاكم , مؤسسات تخشى غضب الجماهير أكثر مما تخشى غضب السلطة الحاكمة .
* نحن متمسكون بالأمل فى مستقبل أفضل لبلادي يكون فيه الشعب هو صاحب السيادة والريادة والقول الفصل فى كل ما يخص شؤون الوطن . متمسكون نحن بالأمل فى أن ينتشل الله عز هذا الوطن من لهيب الخلافات ونار النزاعات وحريق المؤامرات . متمسكون نحن بالأمل ومتشبثون بفروعه حتى آخر نفس يخرج من صدورنا , أن الله سيعطى لكل ذي حق حقه فى هذا الوطن , وسيمكن الله بقدرته كل مظلوم أن يقتص ممن ظلمه بالقانون والدستور وفق محاكمة عادلة لا فيها زيغ ولا ظلم ولا محاباة لأحد . لأن اليوم الذي سيكون فيه قصاص , هو اليوم ذاته الذى سيختفى فيه صوت الرصاص . متمسكون نحن بالأمل أن تكون بلادي بلاد راقية فى قوانينها ودساتيرها ومؤسساتها .
 

* من كان يظن أن بلادا كانت تعيش وتئن تحت طاحونة الفقر والجهل والمرض والإفلاس , صارت اليوم لها ذكر بين العالمين لأنها رفعت الظلم عن كاهل المظلومين , وشطبت أى أثر للاستبداد والعبودية وحكم الفرد من قواميسها السياسية , فنهضت كما ينهض الفارس الأصيل من كبوته . ومصر ليست أقل شأنا من تلك البلاد لاجغرافيا ولا تاريخيا ولا ثقافيا . لكن المهم أن تخلص النوايا وتكون المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة , ويكون رأى الشعب هو الحاكم وليس رأى من يملك أدوات القوة والقهر والخوف . مصر فيها من الخير الكثير وفيها من الشرفاء أكثر , وفيها من الوطنيين المحبين لوطنهم ما لايعلم عددهم إلا الله , لكنهم تخلفوا عن حمل الراية والنهوض بهذا الوطن لأسباب يعلمها الكثير . سيتقدم الأفاضل وسيتقهقر الأراذل وهذه هى سنة الله فى الكون .

* لايمكن لهذا الوطن أن يظل على هذا الحال , قتال هنا واقتتال هناك . خلافات هنا وانشقاقات هناك . سجون هنا ومعتقلات هناك . جرحى هنا وقتلى هناك . إعدام هنا ومؤبد هناك . خيانة هنا وتخوين هناك . صريخ هنا ونواح هناك. دماء هنا وأشلاء هناك . رصاص هنا وانفجارات هناك . هم عنا وغم هناك . جنازة هنا وموت هناك . ظلم هنا وظلام هناك . استبداد هنا وديكتاتورية هناك . لم يخلق الله عز وجل مصر ليكون هذا شأنها . يدرك العقلاء فى وطني أن ما يحدث فى مصر ليست ساعة الغروب الأخيرة , وإنما هو حدث شاذ غريب مثل كسوف الشمس وقت الظهيرة لأن الكسوف يمثل حدثا استثنائيا مؤقتا وستعود الشمس إلى طبيعتها مهما تلبدت السحب الداكنة وتجمعت فى سماء الوطن .  رفعت الأقلام وجفت الصحف .  والأمل باق ما بقيت الحياة . فتشبثوا به فلا حياة بلا أمل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى