آخر الأخباركتاب وادباء

هل المساجد مِلك الدولة؟

من روائع الأديب الكاتب

المهندس محمود صقر

26/04/2022
المسجد هو بيت الله، وهو أيضا بيت الجماعة المسلمة؛ فهو الشيء الوحيد الذي يملكه الشعب على المشاع، سواء كان على نفقة الدولة، أم بتبرعات أهل الخير.

ولم يكن المسجد في تاريخ المسلمين مقرا لإقامة الصلوات فحسب، بل كان دارا للقضاء، ومعهدا للعلم، ومنتدى لتناول الشئون العامة، ومركزا للخدمات الاجتماعية، ومنارة للدعوة الإسلامية.

كان استخدام المسجد دارا للقضاء علامة بارزة على استقلال القضاء عن سلطة الدولة، وكان القضاة يجلسون داخل المسجد للفصل في قضايا الناس، ويصدرون أحكامهم، وتكون الدولة هي المسئولة فقط عن تنفيذ أحكام القضاة بأعوان يقفون خارج المسجد تحت تصرف القاضي.

والعلم والعلماء أيضا كانوا مستقلين عن سلطة الدولة، يتخذون من المساجد التي هي ملكا للناس دورا للعلم، ويتقاضون رواتبهم من أوقاف وتبرعات الشعب، وحتى مصروفات الطلبة وإقامتهم يتم الصرف عليها من أوقاف المسلمين.

كان المسجد هو المركز الاجتماعي الذي تدور حوله منافع الناس، يلحق به في نفس المبنى مباني للخدمات التعليمية والطبية والاجتماعية، وسكنا لطلبة العلم وعابري السبيل، وسبيل الماء للعابرين، ودورا للضيافة، ومنتدى لالتقاء الناس لمناقشة شئونهم العامة، وما زالت المساجد القديمة في كل حواضر العالم الإسلامي تجمع بين جنباتها ملحقات للخدمات المذكورة، وفي مساجد آسيا الوسطى ملحق يسمونه “شاي خانة”، يلتقي فيه الناس قبل الصلوات وبعدها لتناول الشاي ومناقشة شئونهم العامة.

وكان المسجد بصفته ملكا مشاعا للشعب مفتوحا لاستقبال الغرباء والسواح وعابري السبيل، ويشهد لذلك ما ذكره الرحالة المسلمون في كل مدن الإسلام التي رحلوا إليها.

وكان من عادة التجار المسلمين في شرق آسيا وفي عمق أفريقيا إقامة مسجد أو زاوية في المكان الذي يترددون عليه للتجارة، ويكون موطنَ تجمُّع لهم، ثم يبدأ أهل المكان ممن هم على غير دين الإسلام في التردد على الجامع والدخول في الإسلام، وما زالت آثار تلك الزوايا ترسم طرق التجارة القديمة التي كان يسلكها التجار المسلمون.

المسجد بصفته المستقرة عبر قرون من تاريخ المسلمين كمِلك مشاع بين المسلمين، كان يؤدي دوره الحضاري في خدمة المسلمين، ومنارة لنشر الدعوة الإسلامية، ومع هذا كان بمثابة الحِصن الشعبي الذي يلجأ إليه الشعب لقيادة المقاومة ضد الغزاة، وللثورة ضد المحتلين، والتحصُن من عسف الحكام الجائرين.

لقد خسر المسلمون كثيرا بمصادرة الدول الحديثة لأوقاف المسلمين، وتحكمها في تلك الأوقاف، واعتبار المساجد مِلكا للدولة، مما يسوغ للدولة التحكم فيها، وتقييد حرية استخدامها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى