سيدتي

هل تبالغ في مدح طفلك؟ كل عبارات الثناء تلك قد تكون في الحقيقة تقوض استقلالية طفلك وتقلل من ثقته بنفسه

“أحسنت، رائع”، قد تكون هذه العبارة هي من أكثر العبارات التي يرددها الوالدان عندما يقوم الطفل بنشاط معين أو عندما ينجح بمهمة معينة.

قد يبدو أنه الشيء الصحيح، فكم مرة تم إخبارنا، أنه من الأفضل الثناء والمكافأة على السلوك الذي نريد أن يظهره أطفالنا، بدلاً من انتظار إدانتهم لسوء التصرف. لكن تقول أستاذة علم النفس ويندي س. جرولنيك ، إن المديح له أيضاً جانب سلبي.

تعرفوا معنا على آثار المدح السلبية وكيف نمدح جهد الطفل وما قام به بطريقة صحيحة.

إن مدح النتيجة (“إنه جميل!”) أو الشخص (“أنت ذكي جداً!”) يشجع الطفل على التركيز على هذه العبارات ويتوقعها دائماً كي يشعر بالإنجاز والرضى. قد يشعر الطفل بالقلق من طبيعة أدائه وقد يشكك في شرطية حبك. سيفكر طفلك: “لو أنني فتى ذكي، سأستطيع أن أفعل هذا، وحتماً سأكون غبياً إذا فشلت”.

قد يصبح دافع الطفل للنجاح في المهمة هو إسعاد أحد الوالدين وتلقي الثناء أكبر من الدافع الحقيقي كالرغبة في الإنجاز أو الوصول لهدف معين والمتعة في الوصول إلى ذلك. وقد يختفي الدافع لدى الطفل تماماً للقيام بأشياء ثمينة مثل الرسم والتلوين لأنه لا يتلقى عليها مديحاً مشابهاً. فمتى نمدح الطفل؟ ومتى نمتنع عن مدحه؟

كجزء من حركة احترام الذات في السبعينيات، غالباً ما طُلب من الآباء إعطاء أطفالهم ملاحظات إيجابية على غرار “عمل رائع” أو “أنت ذكي جداً”. و جاء هذا كنقيض لأساليب الأبوة والأمومة السابقة التي تعتمد على توجيه السلوك والتي تم التخلي عنها لتبني أساليب أكثر دفئاً وصحة.

لكن الباحثين، مثل أستاذة علم النفس في كلية الدراسات العليا في جامعة ستانفورد كارول إس دويك، الذين درسوا تأثير هذا النوع من المديح في أواخر التسعينيات وجدوا أنه يمكن أن يكون له تأثير ضار.

أظهر بحث دويك أن الأطفال شعروا بضغوط للارتقاء إلى مستوى مدح والديهم، وهذا بدوره قد يؤدي إلى الذعر والقلق. حتى الأطفال الذين لم يعانوا من القلق أصبحوا عازفين عن المخاطرة، وطوروا ما أطلقت عليه الدكتور دويك فيما بعد “العقلية الثابتة”. كان هؤلاء الأطفال يخشون تحدي أنفسهم خوفاً من خذلان والديهم.

 قال د. جرولنيك إن هذا النوع من المديح يمكن اعتباره عاملاً يقوض استمتاع الطفل ودوافعه للقيام بأنشطة معينة عن طريق تحويل الهدف إلى إرضاء أحد الوالدين.

بحثت د. دويك عما حدث عندما تمت الإشادة بالأطفال على جهودهم بدلاً من ذواتهم. اتضح أن هؤلاء الأطفال اكتسبوا الثقة وشعروا بالقدرة على تجربة أشياء جديدة. في أحد الأمثلة من بحثها عام 1998، قيل لمجموعة واحدة من الأطفال إنهم ناجحون لأنهم كانوا أذكياء.

قيل لمجموعة ثانية إنهم كانوا ناجحين لأنهم عملوا بجد. عند تقديم مجموعة جديدة من الألغاز، كان الأطفال في المجموعة الثانية أكثر احتمالاً لاختيار مشكلة أكثر تحدياً.

كما وجدت د. دويك أن هؤلاء الأطفال قالوا إنهم استمتعوا بحل المشكلات أكثر من المجموعة الأولى، وخلص الباحثون إلى أنهم فعلوا ذلك لأنهم واثقون من قدراتهم.

توصلت دويك أيضاً إلى  أنه حتى عندما كانوا يفشلون في البداية أحياناً، فإنهم كانوا يحاولون بذل جهد أكبر، وهي مهارة حياتية يريد كل والد تعليمها لأطفاله.

بالطبع هناك مرات يمكن أن نقول فيها: “أحسنت، لابد أنك عملت بجد على ذلك!”. ولكن لتقديم مدح هادف لما قام به الطفل، يجب الانتباه إلى العملية نفسها.

تقول المهندسة التعليمية في مبادرة Chan Zuckerberg  كيالا هايموفيتز،، إن المديح لا يجب أن يكون فورياً.

على سبيل المثال، إذا كان طفلك يعمل على رسم، فلست بحاجة إلى التعليق على كل اختيار لون. انتظر حتى النهاية، عندما يظهر لك طفلك الرسم، ثم قل شيئاً مثل: “أوه، أرى أنك اخترت وضع اللون الأرجواني بجانب اللون البني، هذا مثير للاهتمام!”.

تضيف د. هايموفيتز، “يمكنك بدلاً من ذلك أن تسألهم عما قاموا به أثناء النشاط وكيف قاموا به ولمَ، لتتمكن من مدح عملية التعلم الخاصة بهم. كما يمكن للأطفال تقييم أنفسهم، بدلاً من تقديم تقييم خارجي”.

بمعنى آخر، ستشجع أسئلتك بدورها طفلك على طرح هذه الأسئلة نفسها، مما يثير الفضول والاستكشاف.

وفقًا  لأستاذة العلوم النفسية في كلية بومونا الأمريكية باتريشيا سمايلي، فإن إحدى القيم التي نحاول إيصالها لأطفالنا عن طريق المدح هي الاستقلالية، لذلك من المفيد أن نمدح ما يتحكم فيه الطفل، مثل الاختيارات التي يتخذونها خلال حل مشكلة أو رسم صورة ما.

تشير سمايلي إلى أن هذا يساعد على إبقاء التوقعات واقعية ويشجعهم أيضاً على مواصلة القيام بالنشاط. إن انتباه الوالدين لما يقوم به الطفل أثناء اللعب أو النشاط و إظهار ذلك من خلال عبارات تظهر ذلك مهم جداً لجعل الطفل يشعر بقيمة الجهد الذي يبذله والخطوات التي يقوم بها وسيفكر طفلك بأن ما يقوم به ممتع و أنك تعتقد أنه ممتع أيضاً بسبب اهتمامك.

قد يكون من المغري الثناء على إنجاز الطفل من خلال مقارنته بالآخرين، “واو، لقد قفزت في الماء بمفردك عندما كان صديقك خائفاً جداً!”. لا يؤدي هذا فقط إلى تعزيز الشعور غير الضروري بالمنافسة، كما أنه لا يحفز الأطفال الأصغر سناً.

يمكن أن يؤدي تضخيم المديح إلى ما أطلقت عليه أستاذة علم النفس جينيفر كوربوس،”إدمان المديح”، والذي يؤدي فيه الطفل سلوكيات لكسب الموافقة والثناء. ولا تنصح كوربوس بتصنع المديح، إذ إن الأطفال يمكن أن يشعروا عندما يكون الثناء غير حقيقي.

الأمر المثير للاهتمام بشكل خاص هو كيف يؤثر ذلك على الأطفال الذين يعانون من تدني احترام الذات. غالباً ما يحاول الآباء (والمعلمون) لمثل هؤلاء الأطفال تعزيز معنويات هؤلاء الأطفال من خلال تقديم مدح مبالغ فيه، مثل: “رسمك هو أجمل ما رأيته على الإطلاق!”، لكن الأطفال الذين يعانون من تدني احترام الذات يستجيبون لهذا النوع من المديح بشكل سيئ. هذا لأن هذا النوع من المديح يخلق معياراً عالياً يصعب الوصول له دائماً، ويفقد الأطفال بسرعة الدافع في مواجهة هذا الاستحالة، وفقاً لدراسة قام بها للدكتور كوربوس و كايلا إي جود.

بدلاً من ذلك، قم ببساطة بوصف ما لاحظت أن طفلك يفعله، جنباً إلى جنب مع تعبير عن البهجة: “رائع! لقد حفرت حفرة كبيرة في صندوق الرمل بشاحنتك!” هذا يعزز السلوك و يُشعر طفلك أنك منتبه له دون وضع معيار غير واقعي.

في كتاب الأبوة والأمومة، “كيف تتحدث ليسمعك الأطفال وتسمعهم كي يتحدثوا”، وضّح أديل فابر وإلين مازيليش مفهوم التعليقات الوصفية وأهميتها بدلاً من المدح.

عندما يفعل طفلك شيئاً جديراً بالثناء، بدلاً من الثناء الفوري الذي يمكن أن يحول الإنجاز إلى شيء يتم تنفيذه لموافقتك، قم فقط بوصف الفعل الذي رأيته.

هذا بدوره قد يشجع طفلك على التفكير، بل ومناقشة ما قام به معك. مثلاً، أخبر الطفل أنه رسم الخط المنحني بشكل رائع أو أن اختياره للألوان في رسمة معينة كان مناسباً جداً.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى