الأرشيفتقارير وملفات

هل تتحول مظاهرات تونس الى ثورة ثانية

عاشت أمس مدينة القصرين لليوم الرابع على التوالي على وقع احتجاجات تطالب بالتشغيل وبمقاومة البطالة والفقر وقد شملت الاحتجاجات أيضا مدن تالة وسبيبة وماجل بلعباس والقيروان وسليانة وسوسة والفحص وتونس العاصمة وذلك وسط تعزيزات أمنية كبيرة، تحسبًا لوقوع مواجهات أو أعمال عنف فيما عقد مجلس وزاري عاجل للنظر في تنامي الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالتنمية والتشغيل، في ولاية القصرين شارك فيه والي القصرين الشاذلي بوعلاق، وسط غياب رئيس الحكومة الحبيب الصيد الذي سافر إلى سويسرا للمشاركة في مؤتمر دافوس.

في القصرين

 تواصلت الاحتجاجات مرة أخرى لليوم الرابع على التوالي في مدينة القصرين بعد هدوء نسبي شهدته أحياء ومناطق المدينة وذلك مطالبة بتوفير مواطن الشغل وتحسين ظروف العيش وسط تعزيزات أمنية كبيرة، تحسبًا لوقوع مواجهات أو أعمال عنف.

وتجمع مئات المحتجين من أصحاب الشهائد العليا أمام مقر الولاية ورفعوا شعارات تدعو إلى توفير فرص عمل، فيما اقتحم عدد من الشباب العاطلين عن العمل مقر الولاية واجتمعوا بساحتها فيما قام آخرون بقذف قوات الأمن بالحجارة التي ردت بالغاز المسيل للدموع لتفريقهم.

وقد أغلقت بعض المؤسسات التربوية القريبة من الشارع الرئيسي الحبيب بورقيبة أبوابها على غرار معهد أبو القاسم الشابي بالقصرين والمعهد الفني، والمعهد النموذجي المدرسة الابتدائية الشرقية.

وكانت مجموعة من الشباب قد تجمّعت ليلة أول أمس الثلاثاء، رغم فرض حظر التجوال،  بالطريق الرئيسي وعدد من الشوارع بمنطقتي الزهور والنور الشعبيتين، وأحرق أفرادها إطارات مطاطية، ممّا دفع قوات الأمن إلى التدخل بإطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.

أما في فريانة من ولاية القصرين، فقد  قرر رئيس البلدية اغلاق المؤسسة نظرا لما تشهده المنطقة من احتجاجات وتهشيم بلور الادارة ليلة أول أمس. كما تعطلت الدروس بكامل المعتمدية وقام عشرات من عمال الحضائر بالاعتصام أمام مقر البلدية المغلق.

في تونس

 في العاصمة، نظّمت أمس مجموعة من الشباب وعدد من ممثّلي منظمات المجتمع المدني مسيرة مساندة لاهالي ولاية القصرين انطلقت من امام مقر الاتحاد العام التونسي للشغل باتجاه وزارة الداخلية. وقد رفع المحتجّون شعارات مناوئة للسلطة وسط حضور أمني كثيف.

واقتحم عشرات من المعطّلين عن العمل مقرّ الولاية احتجاجا على المماطلة في انتدابهم بالوظيفة العمومية على حدّ تعبيرهم حيث التقوا الوالي وتحدثوا معه ثم غادروا المكان .

وفي هذا الصدد، أكد وائل نوار الكاتب العام للاتحاد العام لطلبة تونس أن عملية الاقتحام كانت رمزية وسلمية لم يتم فيها تكسير أو تهشيم.

في الفحص

 شهدت معتمدية الفحص التابعة لولاية زغوان احتجاجات حيث تجمّع عدد من المواطنين للمطالبة بالتنمية والتشغيل .وتم خلال الاحتجاجات حرق إطارات مطاطية وغلق الطريق المؤدية إلى الشمال الغربي ،واكد المحتجون أنهم لن يفضوا الاحتجاج إلا بحضور الوالي للتفاوض  معهم  على ان يكون هذا اللقاء  أمام مركز الحرس الوطني بالمنطقة.

سيدي بوزيد

 نظّم أمس عدد من الشباب المعطلين عن العمل بسيدي بوزيد مسيرة حاشدة انطلقت من معتمدية المزونة ،.وقد انسحب معتمد المزونة من مقر المعتمدية قبل أن يخرج المحتجون في مسيرة احتجاجية جابت شوارع المدينة، قاموا خلالها بإغلاق عدد من المؤسسات الحكومية على غرار مقرّات البلدية والقباضة المالية والإدارة المحلية للشؤون الاجتماعية.وعززت القوات  الأمنية تواجدها بالمنطقة لمنع المحتجين من اقتحام المقرات العمومية .

إصابات وإغماءات

 قالت مصادر طبية أن المستشفى الجهوي بالقصرين استقبل حوالي  19 عون أمن مصاب جراء المواجهات الدائرة بعدد من معتمديات الولاية  وأضافت ذات المصادر أن عدد المواطنين الذين تم إسعافهم بسبب اختناقهم بالغاز أو تعرضهم إلى إصابات خفيفة بلغ حوالي 246 شخصا، غادر جميعهم المستشفى الجهوي بالقصرين.

من جهتها،  أكدت بعض المصادر الأمنية أنّ استعمال المحتجين «المولوتوف» بكثافة تجاه أعوان الأمن ورشقهم السيارات الأمنية بالحجارة دفع وحدات الأمن إلى استخدام الغاز المسيل للدموع بكثافة  مشيرة أن الأمن تصدى أيضا لبعض من وصفهم بالمندسين والمأجورين الذين حاولوا إغراق المدينة في الفوضى بهدف السطو على المحلات التجارية والمؤسسات.

«الداخلية» تحذّر من الإرهابيين

 في المقابل،  أكّد وليد اللوقيني المكلف بالاعلام في وزارة الداخلية أنّ مطالب الأهالي في القصرين مشروعة وأنّه لا نيّة للوزارة في قمع الوقفات الاحتجاجية والمسيرات، مضيفا أنّ الوحدات الأمنية بصدد حماية الاحتجاجات السلمية في الجهة حتى يصل صوت الأهالي للمسؤولين.

  وأفاد اللوقيني بأنّ النقابيين وممثلّي المجتمع المدني في القصرين يشهدون بأنّ التصرف الأمني في الجهة كان بأقصى درجات ضبط النفس، نافيا الاستعمال المفرط للغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، مضيفا: «من حقّ المواطنين التعبير عن مطالبهم بصورة سلمية». وأشار إلى وجود محاولات لتشويه التحركات الاحتجاجية، مشدّدا على أنّ وزارة الداخلية ستتصدى لها. وأكّد أنّ الأطراف الإرهابية تعمل على توسيع الهوة بين الأمني والمواطن، داعيا الى الحذر من اندساس إرهابيين بين المحتجين متابعا «جميعنا تونسيون ومطالبون بحماية البلاد». وتخوف اللوقيني من استغلال الإرهابيين الوضع في القصرين ملاحظا أنّ ذلك دفع وحدات الأمن إلى تكثيف مراقبة مداخل المدن تحسّبا لمحاولة مجموعات إرهابية التسلّل من الجبال لوسط المدينة، مشيرا إلى عدم تخوّف الوزارة من اتساع رقعة الاحتجاجات لانّ مطالب المحتجين مشروعة، حسب قوله.

سياسيون ونقابيون على الخط

 توقّع حسين العباسي الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل أن تلقى الاحتجاجات المندلعة بالقصرين هذه المرة  آذانا صاغية من طرف الحكومة مشيرا إلى أنه نبه منذ مدة إلى أن الملف التنموي والتشغيل لم يُولَ الاهتمام الكافي رغم مرور خمس سنوات عن اندلاع الثورة.من جهته، لم يخف سمير الطيب الامين العام لحزب «المسار الديمقراطي الاجتماعي» توجسه من وجود ارهاصات تنبئ بإمكانية حدوث ثورة ثانية مرجحا ان تكون هذه المرة  دموية مضيفا بالقول «ما يقلقنا فعلا اليوم هو ما يحدث في القصرين وان تواصل الحال على ما هو عليه دون ان يتم اتخاذ اجراءات استعجالية، فكل شيء وارد بما فيه ثورة ستكون هذه المرة دموية.» مشيرا الى أن توجه الحبيب الصيد الى دافوس مصحوبا بعدد من الوزراء في هذا الظرف الخطير يبعث على الاستغراب والحيرة مطالبا باعلان حالة الطوارئ الاجتماعية مشددا على ضرورة ان تولي الحكومة الحالية الاولوية المطلقة للمناطق المهمشة حتى وان تطلب الامر تخصيص ميزانية تكميلية لانعاش  اكثر من 264 معتمدية مهمشة على المستوى التنموي والصحي والاجتماعي .

أما عمار عمروسية  النائب عن «الجبهة الشعبية» فقد قال  إنّ الوضع الذي تعيشه ولاية القصرين يتجه نحو الأسوإ وأنه من غير المستبعد أن تنتقل عدواه الى عديد الولايات التي انطلقت فيها الاحتجاجات منذ مدة مؤكدا  ان الحكومة مطالبة بالتسريع في تقديم الحلول الفعالة لتفادي الاحتقان الذي من الممكن ان يتطور  في ظل ما تشهده الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من تدهور، مذكرا  ان نسبة النمّو  وصلت الى حدّ الصفر محملا المسؤولية للائتلاف الحاكم الذي قال إنّه انشغل بمشاكله الداخلية  وترك مطالب الشعب التونسي. في حين اعتبر زياد لخضر القيادي في «الجبهة الشعبية» أن ما تعيشه منطقة القصرين من احتجاجات يعدّ بمثابة إعلان عن فشل الحكومة.

أحزاب تندّد وأخرى تحذّر

 طالب عدد من الاحزاب السياسية في بيانات لها الحكومة بفتح تحقيق جدّي  ومحاسبة المتورطين في التلاعب بملف المعطلين عن العمل محملة اياها المسؤولية كاملة عن الاحداث الأليمة وما انجرّ عنها من احتقان اجتماعي في مدينة القصرين وفي غيرها من المناطق الأخرى فيما دعت أحزاب أخرى الى التهدئة والمحافظة على سلمية التحركات وتجنب كل أنواع العنف.

  فقد دعت أمس حركة «النهضة» في بيان لها الى التهدئة خصوصا بعد نجاح المفاوضات الإجتماعية في القطاع الخاص.وحثت الحركة الحكومة على تنفيذ البرامج والمشاريع المقررة وتركيز الجهود على التشغيل والتنمية المتوازنة ، داعية للبحث عن إقرار برامج عاجلة في الغرض.  ونبهت الحركة إلى خطورة توظيف المطالب الشرعية للفئات والمناطق المحرومة واستثمارها لخدمة أجندات جهات حزبية معروفة.  

  كما عبرت الحركة عن تفهمها للمطالب المشروعة في الشغل ومقاومة الفقر والتهميش باعتبارها من صميم مطالب ثورة الحرية والكرامة، داعية الى المحافظة على سلمية التحركات وتجنب كل أنواع العنف أو المساس بالممتلكات العامة والخاصة.

أما حزب «التيار الديمقراطي» فقد دعا، في بيان له، السلط المركزية والجهوية إلى فتح تحقيق في ملابسات أحداث القصرين والتجاوزات ومحاسبة الأطراف المتسبّبة فيها والإسراع بإنجاز المشاريع التنموية بالقصرين وببقية الجهات المهمّشة وتفعيل المعطّل منها. كما أدان «التيار» الاستعمال المفرط للقوة من قبل قوات الأمن ضدّ المواطنين العزّل محمّلا الحكومة الحالية مسؤولية تفاقم تدهور الأوضاع المعيشية بجهة القصرين خاصة وبقية جهات البلاد عامة.

في المقابل، عبر «حراك تونس الإرادة»، في بيان له ، عن تعاطفه الكامل مع مطالب المحتجين بالقصرين وعدة ولايات أخرى باعتبارها مطالب مشروعة تعيد الاعتبار للثوابت التي قامت عليها الثورة وفي مقدمتها العدالة الاجتماعية وتساوي الفرص، ومقاومة الفساد،معربا عن مساندته الكاملة لهذه التحركات طالما تمت في كنف التظاهر السلمي والتزمت بحماية الأملاك العامة والخاصة.

واعتبر الحزب «استشراء المحسوبية وانتشار الممارسات الفاسدة الذي أخذ أبعادا كبيرة في الفترة الأخيرة  من أهم أسباب الاحتقان الاجتماعي، وأن مواجهة هذه الأزمة يتم بالتعرّض لأسبابها العميقة وبإعطاء مؤشرات على السير في طريق محاربة الفساد». وطالب حزب المرزوقي الإئتلاف الحاكم بتحمل مسؤوليته أمام الوعود التي قدمها إبان الانتخابات، مشيرا الى أن سياساته اتجهت إلى حد الآن وجهة خاطئة ومعاكسة لتطلعات الفئات الضعيفة والجهات المهمشة،وفق نص البيان.

كما طالب بضرورة عقد مؤتمر وطني للانقاذ تشارك فيه كل القوى الوطنية يعيد الأولوية للموضوع الاجتماعي في ظل عجز الائتلاف البرلماني وحكومته الضعيفة عن التقدم بالبلاد نحو أفق حل مشاكلها الأكثر استعجالا.

من جانبها، دعت «حركة الشعب» بالقصرين كل الأحزاب والمنظمات  والجمعيات الوطنية إلى برمجة مؤتمر وطني لمقاومة البطالة، على إثر التحركات الاجتماعية بجهة القصرين وبقيّة الجهات المحرومة التي رفعت شعارات التنمية العادلة والتشغيل.

وأكدت الحركة حرصها على العمل مع كل أبناء الشعب لوضع أجندا الثورة من جديد على جدول أعمال العملية السياسية، وفق نص البيان.

من جهته، دعا حزب «آفاق تونس» السلط التنفيذية الى اتخاذ كافة الاجراءات اللازمة الكفيلة بالتسريع في تنفيذ القرارات والبرامج التنموية المبرمجة للقصرين ولبقية الجهات عامة .

كما دعا رئاسة الحكومة إلى عقد اجتماع مع الأحزاب الفاعلة والمنظمات الوطنية لإتخاذ إجراءات عاجلة لمقاومة الفقر والهشاشة الاجتماعية وخاصة في المناطق الحدودية.

  متابعة: جيهان لغماري

التونسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى