لايف ستايل

هل تتناسى عقولنا الأحداث المؤلمة؟ إليك كيف تتعامل الذاكرة مع الصدمة

قد تحفل ذاكرتنا بالأحداث المؤلمة التي لا نرغب في تذكُّرها، بدءاً من التعثر على خشبة المسرح في أثناء أداء دور تمثيلي على مسرح الجامعة، مروراً بالتعرُّض للرفض في أول مقابلة عمل، وصولاً إلى فقد شخص عزيز ومُقرَّب من أفراد الأسرة. إن الرغبة في سحق هذه الذكريات غير السارة طبيعة إنسانية، لكن هل من الممكن أن تنسى التجارب السلبية عن قصد حقاً؟ هذا ما يمكنك التعرُّف على إجابته من خلال السطور التالية.

«العقل أوسع من السماء» يمكن أن تكون هذه المقولة صحيحة للغاية عندما يتعلق الأمر بتعقيد تخزين الذكريات. يُشكل المخ، أو الدماغ الأمامي، الجزء الأكبر من الدماغ، وهو مُغطىً بطبقة من الأنسجة العصبية المعروفة باسم القشرة الدماغية، والتي تغطي جزء الدماغ الذي يتم به تخزين الذكريات.

يتذكر البشر أحداث حيواتهم باستخدام الخيوط الفردية العصبية التي تقترن معاً، في أثناء عملية ترميز الخلايا العصبية، تُنشط مكونات العناصر المختلفة مناطق القشرة المخية الحديثة، وعند استرجاع ذاكرة قديمة، يحدث نشاط قشري جديد في المناطق المرتبطة بجميع العناصر المنفصلة التي تنشئ هذه الذاكرة، ترتبط الدرجة التي يمكن أن يتذكر أي شخص بها ذاكرة الماضي مباشرة بمستوى نشاط الحصين لديه.

يقول الدكتور أيدان هورنر، من معهد UCL للعلوم العصبية الإدراكية في لندن: «عندما نتذكر حدثاً سابقاً في الحياة، تكون لدينا القدرة على إعادة الانغماس في التجربة، نتذكر الغرفة التي كنا فيها، والموسيقى التي كنا نسمعها، والشخص الذي كنا نتحدث معه وماذا كان يقول. يتم تمثيل كل هذه الجوانب في مناطق مختلفة من الدماغ، ومع ذلك فنحن قادرون على تذكُّرها جميعاً في وقت واحد، الحصين هو الذي يُعدّ حاسماً في هذه العملية، ويربط كل هذه الجوانب المختلفة حتى يمكن استرجاع الحدث بأكمله».

غالباً ما ينسى الدماغ العناصر الموجودة في الذاكرة قصيرة المدى، مثل رقم الهاتف الذي يتم تذكُّره بضع لحظات فقط، إلا إذا كان هناك تكرار مستمر في استخدام هذا الرقم، فتشارك الذاكرة طويلة المدى عادةً في الاحتفاظ بالمعلومات لفترات زمنيةٍ أطول، مثل تذكُّر تاريخ ولادة طفلك، وهناك جدل متزايد حول ما إذا كنا ننسى شيئاً ما بالفعل، أو أنَّ تذكُّرنا فقط يُصبح أصعب.

تقول الدكتورة ماكلولين، دكتوراه في الطب، وطبيبة نفسية وأستاذ مساعد سريري في كلية تكساس للطب، عن كيفية مساعدة عقلك لك في اجتياز حدث صادم: «تحتوي وظائف الذاكرة طويلة المدى على أنواع مختلفة من الذكريات، فمثلاً: هناك الذاكرة الإجرائية أو ذاكرة المهارات اللاواعية، وهي على سبيل المثال، التي تحتفظ لك بمعرفة كيفية ركوب الدراجة، وهي الخبرة التي تعتمد على التكرار والممارسة في بادئ الأمر ثم تعمل تلقائياً بعد ذلك. لكن رغم أن عقلك قد يخزن تلقائياً تجاربك في شكل من أشكال الذاكرة، فإن هناك أوقاتاً (يفصل فيها) عقلك عن التخزين، وذلك عند التعرض لتجربة أو حدث مؤلم، من أجل مصلحته الخاصة».

الصدمات المتوسطة يمكن أن تُخزَّن في الذاكرة طويلة المدى، هذه هي التجربة المنطقية التي يتمتع بها معظمنا. أما الصدمة الشديدة فهي تؤدي إلى تعطيل التخزين على المدى الطويل، وتترك الذكريات مُخزَّنة كعواطف أو أحاسيس بدلاً من ذكريات، تُشير الأبحاث إلى أن الأمر قد يستغرق ما يصل إلى عدة أيام لتخزين الحدث بالكامل في الذاكرة طويلة المدى.

لقد وثَّقت التجارب أن الناس الذين يعيشون في حالة صدمة شديدة ينسون الصدمة أحياناً. يمكن أن تعود ذكرى الصدمة في وقت لاحق من الحياة، وعادةً ما تبدأ في شكل الأحاسيس أو العواطف، التي تنطوي في بعض الأحيان على «ذكريات الأحداث الماضية»، فيشعر الشخص كأنه يسترجع الذاكرة.

إذا كان الدماغ يسجل صدمة هائلة، فإنه يمكن أن يحجب تلك الذاكرة في عملية تسمى الانفصال، أو الانفصال عن الواقع، وذلك في محاولة من الدماغ لحماية نفسه.

يؤدي الانفصال إلى عدم وجود صلة في أفكار الشخص و/أو ذاكرته و/أو إحساسه بالهوية. ومن الشائع للغاية تجربة حالة من حالات الانفصال المعتدل، فعلى سبيل المثال، إذا اندمجت تماماً في كتاب ما مؤخراً أو كنت تحلم به، فقد واجهت شكلاً شائعاً من الانفصال الخفيف.

يتذكر معظم الناس الأشياء السيئة التي تحدث لهم، وفي بعض الأحيان يتم نسيان الصدمة الشديدة، لكن عندما يصبح هذا النسيان متطرفاً، يحدث اضطراب انفصالي في بعض الأحيان، مثل فقدان الذاكرة الانفصالي، والشرود الانفصامي، واضطراب نزع الشخصية، واضطراب الهوية الانفصالية.

ويلاحَظ وجود شكل حاد ومزمن من حالات الانفصال في الأمراض العقلية والأشكال النادرة من الاضطرابات الانفصالية.

بالطريقة نفسها التي يتعامل بها جهاز المناعة مع الأجسام الغريبة لحماية بقية الجسم، يمكن أن ينفصل الدماغ عن تجربة ما، في خضم الصدمة. قد يتجول الدماغ في موضوعات بعيدة عن الحدث الصادم؛ لتجنُّب الاحتفاظ بالحدث في الذاكرة، ومع ذلك، ليس كل الأشخاص متشابهين، وما قد يكون صدمة شديدة لشخص ما، قد لا يكون حدثاً شديداً بالنسبة لشخص آخر.

يمكن أن يسهم التركيب الوراثي للشخص وبيئته في كيفية تلقي الصدمة، ولا يزال هناك جدل كبير في المجتمع العلمي بين الطبيعة الوراثية والتنشئة/التربية في تحديد طبيعة الفرد، فأيُّهما يحدد طبيعة الشخصية: الجينات الوراثية التي تنتقل إلى الفرد أم التأثر بشكل رئيسي بالبيئة، ويمكن افتراض أن كليهما يؤدي دوراً.

على سبيل المثال، إذا نشأ طفل في منزل مُحِبٍّ مع نمو جيد للطفل، فمن المرجح أن يعالَج الحدث الصادم، مثل الكوارث الطبيعية أو الحروب أو التعرُّض لسوء المعاملة، بشكل أفضل. أما إذا كان في نمو الطفل النفسي شعور بعدم الثقة أو الخوف أو الهجر، فقد يكون من الأرجح أن يستجيب للأحداث المؤلمة بخصائص انفصالية.

غالباً ما تتم مشاهدة هذه الأنواع الشديدة من الانفصال مع شخص يعاني صدمة كبيرة، يمكن أن يحدث الانفصال كجزء من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).

إن الخطوة الأولى هي السعي للحصول على العلاج، تسمح لنا الكلمات التي نتلفظها بالتعرف على التجارب العاطفية والذكريات التي تكمن في الذاكرة العاطفية، سواء أكان ذلك من خلال علاج نفسي رسمي أم من خلال شخص موثوق به، فمن الأفضل دوماً التحدث إلى شخص ما باعتبار ذلك طريقة فعّالة للتعامل مع الصدمات.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى