كتاب وادباء

هل تحولت المساجد إلى صوامع ومعابد…؟

بقلم الأديب الكاتب

السعيد الخميسى k

السعيد الخميسى

*هناك مفاهيم مغلوطة اختلط فيها الحابل بالنابل , والحق بالباطل , والصوب بالخطأ , والرشد بالغي . من بين تلك المفاهيم القول بأن الكلام فى السياسة فى المساجد رجز من عمل الشيطان يجب اجتنابه لأنه يعد من أكبر الكبائر , وأن المساجد خصصت للعبادة والصلاة والتسبيح والتكبير وقراءة القران وفقط …!. وهذا القول يحتاج منا إلى تدقيق وتحقيق وتحليل حتى يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود . وإذا صح هذا القول افتراضا , فهذا يعنى تحويل المساجد إلى معابد كهنوتية مظلمة يخيم عليها خيوط العنكبوت لانقطاعها عن الواقع . فكل شؤون المسلمين فى صدر الإسلام , وكل أمر يخص الحياة اليومية , كان يتم بحثه فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولم ينفصل أو ينقطع المسجد لحظة واحدة عن ملامسة بل والتعايش مع أزمات ومشاكل الأمة .
*  اللافت للنظر من أول وهلة أن أول شئ قام به صلى الله عليه وسلم عند وصوله للمدينة المنورة هو بناء المسجد . ولم يسع صل الله عليه وسلم إلى بناء بيت له أو استراحة فخمة تليق بمقام النبوة لاستقبال كبار الزوار. وفى هذا دلالة سياسية مهمة وجوهرية أن المسجد هو الركن الركين فى بناء الأمة الإسلامية وخلق روح المساواة والتوحد  بينهم . فالوزير يصلى بجانب الغفير , والحاكم بجوار المحكوم , والغنى بجوار الفقير , والأبيض بجوار الأسود , والعربي بجوار الأعجمي . المسجد هو قبلة المساواة بين كل أفراد المجتمع حيث تذوب كل الفوارق الاجتماعية بين أفراد المجتمع  , فالمسجد هنا يجمع ولا يفرق , يصلح ولا يفسد , فضلا عن تقوية الروابط بين أبناء المجتمع الواحد .


الملك فى احد المساجد

* إن ” سياسة ” الأمة الإسلامية كلها كانت تدار من داخل المسجد , وليس من قاعة المؤتمرات أو فنادق ضخمة شاهقة تطل على النيل . فكانت الجيوش تنطلق من المساجد لإعلاء كلمة الله . وقرارات الحرب والسلام كانت تأخذ من المسجد , واستقبال الوفود كانت فى المسجد أيضا . وتسوية الخلافات والنزاعات كانت تتم فى المسجد أيضا . كذلك كانت المساجد مكانا لتربية الأجيال . وعقود الزواج , وأحيانا كوسيلة ترفيه بعيدة عن كل ما حرم الله . كذلك كانت المساجد مأوى للفقراء وعابري السبيل , ووزارة صحة لعلاج المرضى . هكذا كان المسجد خلية نحل فى صدر الإسلام .
* ولست فيما سبق ذكره من دور المسجد , أقصد الإشارة إلى ضرورة تحويل المسجد لدار ضيافة واستقبال العزاء وغرفة عمليات لإدارة الحروب ومعاهدات السلام , وعقود الزواج , وعقد الصفقات التجارية  , أو تحويل المسجد إلى مستشفى لعلاج الجرحى , أو يكون ثلاجة لحفظ الموتى , أو ما شابه ذلك لأن الزمان تطور ولم يعد بمقدور المساجد أن تقوم بتلك المهام . لكنى أقصد فى المقام الأول أن المسلم أو المواطن المسؤول عن كل ما سبق ذكره من مؤسسات هامة وفاعلة فى الدولة يجب أن يتخرج من المسجد ليحمل الأمانة كاملة ولا يخونها فى إدارة شؤون البلاد . فالذين تخرجوا من جامعات الغرب والشرق وتخلقوا بأخلاق الخواجات قد أضاعوا البلاد وأذلوا العباد  . وليس ذلك لقلة علمهم ولكن لغياب ضميرهم الديني وضعف عقيدتهم الإسلامية لأنهم تربوا على موائد الشرق والغرب بعيدا عن أخلاق المسجد الذى ربى أجيالا وأبطالا قل أن توجد فى زمننا الحديث وما صلاح الدين الأيوبى عنا ببعيد .

* كما أنى لست أقصد فيما قلت أن يتحول المسجد إلى منابر حزبية لصالح جماعات أو هيئات أو مؤسسات أو جمعيات بعينها واسمها. فذلك مرفوض شرعا وقانونا . فالحزبية هى التي تحرم فى المسجد فقط . أما ” السياسة ” التي تعنى الاهتمام بشؤون الناس وصحتهم ومرضهم وفقرهم وغناهم , والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر , والحث على مكارم الأخلاق والبعد عن البلطجة وقطع الطرق وترويع الآمنين , وحرمة المال العام , وحرمة تزوير إرادة الأمة , كل ذلك من أبواب السياسة التي لاغنى عنها فى المسجد . كذلك الحديث عن شروط الحاكم المسلم ومواصفات ولى الأمر , من الأمور التي يجب أن يوضحها العلماء للناس فى المسجد . فإذا خرست الألسنة وصمتت صمت القبور , فماذا تبقى فى المسجد غير شعائر فردية يمكن تأديتها فى البيت..!؟

مساجد تدريس العلم
* إن المساجد الآن تحارب حربا شرسة حتى تظل بلا هدف أو تأثير , أو تكون مجرد ” صومعة ” كمثل التي كانت يتعبد فيها رهبان بني إسرائيل على رأس الجبل  لأداء الشعائر فقط . إن أعداء الإسلام داخليا وخارجيا يريدون القضاء على دور المساجد وتحويلها إلى مجرد معابد أو صوامع أو كنائس لا حراك فيها ولا دعوة , لتظل تؤدى دورا هامشيا ولكي يترسخ فى أذهان الأجيال القادمة أن ما لله لله , وما لقيصر لقيصر .  يخافون أن يتناول الخطباء القضايا المصيرية فى المساجد مثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان , وقضية التزوير ونهب المال العام والاختلاس وغيرها . لكى يظل الخطباء والعلماء والدعاة يتحدثون عن الحيض النفاس لشغل الناس بأمور سطحية حتى تظل الشعوب مغيبة لاعلم لها ولا ثقافة ولا عقيدة صحيحة . ويوم أن تسترد المساجد دورها فى أداء رسالتها كاملة , يوم أن يكون هناك جيلا واعيا يدرك ماله وما عليه ولا يستطيع أن يستغفله كائنا من كان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى