تقارير وملفات إضافية

هل تقدم أمريكا لبنان على طبق من ذهب لإيران؟ فورين بوليسي: الضغط الاقتصادي قد يدفع بيروت لذلك

في الوقت الحالي، يتعرض لبنان لأزمة شديدة. في ظاهر الأمر، هذا ليس جديداً على تلك الدولة التي لطالما عانت من الأزمات. فقد كان هناك الغزو الإسرائيلي للبنان، والحروب الأهلية، والاضطرابات المحلية، والاغتيالات، والاحتلال الأجنبي، وضعف الاقتصاد، سمها ما شئت – لكن الحال لم تكن بسوء ما هي عليه اليوم، يقول علي هاشم، الباحث بمركز الدراسات الإسلامية بكلية رويال هولواي، جامعة لندن، بمقالة نشره له في مجلة Foreign Policy الأمريكية.

يضيف هاشم وهو صحفي غطى أحداث المنطقة على مدار 15 عاماً: في غضون أيام، وردت أنباء عن عدد من حالات الانتحار المرتبطة بالأزمة؛ أطلق رجل النار على نفسه خارج مقهى في شارع بيروت المزدحم، على مرأى من الرواد والمارة. وأصبحت الأمور سريالية، فالناس إما لا يمكنهم العمل، أو فقدوا مدخراتهم، أو لا يستطيعون شراء أي شيء؛ هذه بالطبع مصاعب شديدة، لكننا مررنا بمثل هذه الأوقات من قبل. الفرق هو أن اللبنانيين اليوم لا يمكنهم أن يحلموا بغد أفضل. فقط أولئك الذين أُجبروا على ترك البلاد يعرفون ما يعنيه هذا.

في عام 2005، في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، ظهر لاعب جديد على الساحة السياسية. فقد شغل حزب الله، الذي صنفته الولايات المتحدة منظمة إرهابية ولكن احتفل به العديد من اللبنانيين باعتباره قوة مقاومة حررت جنوب لبنان عام 2000 من الاحتلال الإسرائيلي، مقاعده الأولى في الحكومة الوطنية. تقول الحكمة الشائعة إن حزب الله هو فرع أيديولوجي للثورة الإسلامية في إيران، لكن من المهم أن ندرك أن جماعة حزب الله ليست وكيلاً لإيران، بل تمثل أكثر امتداداً عضوياً للأيديولوجية السائدة داخل إيران، مع أعضاء من اللبنانيين الأصليين. وبالتالي، يمكن اعتبار حزب الله هجيناً، إذ يشبه وضعه وضع الأحزاب الشيوعية في جميع أنحاء العالم خلال حقبة الحرب الباردة.

لكن لبنان ليس مثل البلدان الأخرى، فالانقسامات الطائفية بالبلاد شديدة الاستفحال، في ظل كون ولاء المواطنين لطوائفهم يأتي قبل أي شيء آخر. إن الوضع الراهن هو إرث للانقسام التي ازدهر على مدى عقود في غياب حكومة مركزية قوية.

وفي إطار حملة الإدارة الأمريكية للضغط الأقصى على إيران، وبسبب بصمة حزب الله، يجري الآن ممارسة أقصى ضغط اقتصادي على لبنان.

لكن إضعاف الدولة نتيجة هذا الضغط الأقصى لن يضعف حزب الله، كامل التسليح، الذي خاض مغامرة مدتها ثماني سنوات في سوريا، ويعتبرها نجاحاً كبيراً له. فكلما انغمست البلاد في الفوضى، ازداد تعلق الناس بطوائفهم، حيث سيصبح قادتها حكاماً فعليين للبلاد.

إن التنبؤ بالمستقبل في بلد ممزق مثل لبنان لا يشمل فقط احتمالية اندلاع حرب أهلية، بل بوجود مناطق من الاضطرابات والعنف المحلي. فوسط غياب دولة مركزية فاعلة، فإن أي سلطة لديها القدرة على القضاء على الفوضى ستكون هي السلطة المفضلة للشعب.

وكلما ازدادت الأزمة سوءاً، زاد احتمال انجذاب لبنان إلى قائمة الدولة الخاضعة للحماية الإيرانية. لقد عرضت طهران بالفعل بيع النفط والبنزين للحكومة اللبنانية بالليرة اللبنانية -وبالتالي إنقاذ الحكومة اللبنانية من عبء انخفاض قيمة العملة الآخذ في التفاقم- وتعهد قادتها في عدة مناسبات سابقة بأنه إذا وافقت السلطات اللبنانية على تدخل إيران لإنقاذ لبنان، فإنهم سيزودون لبنان بالكهرباء.

كلما زادت الولايات المتحدة ضغوطها على لبنان، فتحت الفرص أمام إيران لممارسة السلطة واكتساب النفوذ في تلك الدولة الممزقة.

ويبدو أن هذا الأمر يمثل مصدر قلق في واشنطن، إذ تعكس تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بشأن منع إيران من بيع النفط للبنان هذا القلق. لكن مع تحول لبنان بسرعة إلى دولة فاشلة، لن يكون هناك سوى خيارات قليلة. ويعني هذا أن فكرة إنشاء اقتصاد موازٍ للبلدان الخاضعة للعقوبات تكتسب زخماً. إنها فكرة يبدو أن إيران مولعة بها رغم الصعوبات الاقتصادية التي تعانيها في ظل إستراتيجية الضغط الأقصى.

يقول هاشم، خلال إحاطة مسجلة مع نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي جويل رايبورن في مركز السياسة العالمية، قََدمتُ هذا السرد. وكان الجواب الذي تلقيته هو أن الإيرانيين لا يستطيعون ممارسة مثل هذه السلطة، لأنهم لا يملكون المال والموارد لفعل ذلك. لكن قد لا يكون هذا هو الحال على أرض الواقع. قد تكون طهران مستعدة لتحمل المشقة على المدى القصير لترسيخ وضعها.

لقد عرضت إيران، في حالة لبنان وسوريا، قبول المدفوعات بالعملات المحلية، لأنها تستطيع الاستفادة من تلك العملات المحلية لتمويل عملياتها في سوريا وحزب الله في لبنان. وهذا من شأنه أن يُحدث فرقاً كبيراً لكل من المحصلة النهائية للحكومة اللبنانية والعمليات الإقليمية الإيرانية.

ما فشلت الحكومة الأمريكية في إدراكه على مدى العقود الأربعة الماضية من صراعها مع إيران في بلد مثل لبنان هو حقيقة أن النفوذ الإيراني جرى تنميته بشكل عضوي في المناطق التي يشكل فيها الشيعة الأغلبية.

مع ذلك، لا تزال هناك خيارات للنظر في الحد من مدى وصول إيران في لبنان. من شأن نهج أمريكي مختلف تجاه الصراع العربي-الإسرائيلي أن يساعد على ذلك. فهذا ليس عاملاً هامشياً على الإطلاق، خاصة بعد أن حرم ترامب -من خلال صفقة القرن- حكومة الولايات المتحدة من أي قدرة متبقية للوصول إلى قلوب وعقول الناس على هذا الجانب من الحدود.

على الجانب الآخر، لن يتبقى أمام اللبنانيين سوى خيارات قليلة في ظل هذه الظروف. حتى أولئك الذين يعتقدون أن الحرب الأهلية قد تكون هي الحل للأزمة –وهم قلة- يعرفون جيداً أنه حتى هذا الخيار الدموي غير وارد بالنظر إلى الأزمة المالية العالمية وعدم رغبة أي شخص في تمويل حرب أهلية من المرجح أن يخرج منها حزب الله فائزاً. والمثال السوري حديث في الذاكرة، ولبنان أصغر 17 مرة من جارته سوريا.

لهذا الأمر، لا يجب الضغط على لبنان وخنقه من خلال حملة ضغط من شأنها أن تجعل الشيعة فقط أكثر ولاءاً وتمسكاً بالشيعية وأقل انتماءً للبنان، وكذلك السنة والدروز والمسيحيون. سيكون من المغري بالنسبة لهم سلوك الطريق الأسهل ومغادرة البلاد. بالنسبة للأفراد، قد يكون من الأسهل الفرار. لكن الأمة لا يمكنها الفرار من نفسها.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى