آخر الأخبارتراند

هل سيَكسر صراع الهوية بين العرب والأمازيغ الحراك الشعبي في الجزائر؟

بقلم الأديبة الإعلامية الجزائرية

الأستاذة بادية شكاط

رئيسة فرع منظمة “إعلاميون حول العالم”فى الجزائر

عضو مؤسس فى المنظمة

إنّ عالمنا المعاصر يعيش مايدعوه الصينيون بلعنة الأزمنة الهامة،تلك التي تجعل العالم حطبًا لنيرانٍ أوقدها الإنسان،فهو إن سَلِم من الزلزال،لم يسلم من البركان،فبات لزامًا وضع خريطة جديدة للعالم،إنما ليست خريطة جغرافية،ولا سياسية،بل خريطة إيديولوجية،نضع فيها حدودًا للهمجية،ونؤسِّس موطنًا مشتركًا للإنسانية.

فمايحدث اليوم مِن خراب وتدميرماهو إلاّ نتيجة حتمية لمادية طافحة،رأت العالم جسدًا بلا روح،فحين تَخلّص هذا العالم مِن قداسة المقدَّس وجلال السلطة كما يُسمّيها كانط،نراه اليوم يؤسِّس لآلهة أخرى بديلة تشعره أكثر بالحرية،فلم يجد غيرذاته،فراح يقيم لها معبدًا من الماديات،أو ذهب ليغرقها في الروحانيات، فأسَّس للدين جمهوريات،فصارالعالم كما قال الفيلسوف “شايغان” مقسَّم بين عالم ديني هو باطن العالم،وعالم مادي هو ظاهره.

 ولأنّ العالم الغربي هو العالم المادي،والعالم الشرقي هو العالم الروحي،فقد أصبح مايحدث من أزمات مردّه الأول هو ذاك الصراع،وإن تستَّر بطابع سياسي،إجتماعي أوإقتصادي،فهو في النهاية تدفّق لسيل من الأفكار،تمامًا كما تتجمع الأنهار،لتصب في البحار.

فكانت تلك الإيديولوجيات بمثابة إنهيار العالم،والذي يدعوه الفيلسوف الإيطالي جياني فاتيمو بالأنطولوجيا الضعيفة،أي أنّ الإنسان تمّ تشريبه بتلك المادية،فأُفرغ في الآن نفسه من روحه،فصار كآلة تقوم بأدوار دون أن تعي المعنى،وهذا بات واضحًا،جليّا،إنما الضبابي هو ذاك الحراك الخفي،المتداخل بين روح الشرق ومادية الغرب،وأنّ هاته الأدوار سوف تُتداول بعد بلوغ سقف الإمتلاء،سواء منه الإمتلاء المادي أم الروحي.

وليس ذلك بالصدمة المدهشة،بل هي طبيعة سائدة في نقلات الفكرالإنساني،والذي لن يسكن حتى يتعادل طرفي الميزان الروحي منه والمادي،وذلك بالفصل بين الإيديولوجي والديني،غير أن هناك من اختلطت لديهم المفاهيم،وصارت عقولهم في كل وادٍ تهيم،فيكفّرون كل من نطق اسم عالم غربي على لسانه،أو ردّد فكرة قالها في خلده،فصار حتى المنطق يخضع للجغرافيا،فهناك من المناطق منطقها محظورًا ولو كان الأصوب،ولديننا أقرب.إن هذه النظرة التفكيكية التي سادت فكرنا المعاصر،أضحت بحق خطرًا حقيقيًا يتهدّد بُنى الوعي التحتية، التي ترتكز عليها مفاهيم كثيرة،من بينها مفهوم الإنتماء،ففي الجزائر مثلاً حتى الفئة المثقفة ومن حيث لاتدري راحت تمدّ أسباب القطيعة موصولة،بين الشعب الجزائري الواحد،وكأننا نعود إلى الفكر الكولونيالي القديم،الذي يريد بالتباين بين العرب والأمازيغ إحداث التقسيم،والذي كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين،الوعاء الذي بوعيه جمع جميع الجزائريين،والوتن الذي حفظ وشائج هذا الشعب العربية والأمازيغية،والوتد الذي دقت عليه مسامير الهوية جميع الثوابت،الدينية،اللغوية والوطنية.يقول مؤسسها ورائد النهضة الإسلامية في الجزائر العلامة عبد الحميد بن باديس:“إنّ الشعب الجزائري خليط بين عرب وأمازيغ،أبوه الإسلام وأمه الجزائر”،

ويقول أيضًا خليفته في رئاسة الجمعية،المفكر الجزائري البشير الإبراهيمي :”وإنّ اللغات تجمع الألسنة،وإنما الذي يجمع الأرواح ويؤلفها ويصل بين نكرات القلوب فيعرفها هو الدين،فلا تلتمسوا الوحدة في الآفاق الضيقة،ولكن التمسوها في الدين والقرآن تجدوا الأفق أوسع”

إنّ التفكك الحقيقي الذي ينبغي أن نخشاه على الجزائر،إنما هو التفكك السياسي،حين نحيد عن هدفنا المشترك في إفتكاك الحرية،وبناء صرح الديمقراطية الحقيقية.

 أما مايراد لنا من انقسامات عرقية فلا يختلف في غاياته عن سايكس بيكو،رغم أنها وإن كانت تجزئة للرقعة الجغرافية العربية،تبقى مجرد مجازات قطيعةٍ فارغة،يحاولون إثباتها جُزافًا بتأشيرات وجوازات،يمكن تجاوزها إذا قرّرت الدول العربية ذلك،لأن السماء المشتركة التي تجمع الدول العربية أكبر من الأرض،فالإسلام،هو المظلة الواسعة والحقيقية الساطعة التي تذوب تحتها كل التفكيكات والإثنيات،يقول عليه الصلاة والسلام وهوحامل رسالة هذا الدين العظيم:”لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولاأسود إلا بالتقوى”

أما تمزيق الهُوية الوطنية مع عالمية هذا الدين فليس بالأمر اليسير،كما أنّ كل عصبية قبلية ماهي إلا جلب للعصا والإستعباد بقابلية،ولاتختلف عصبية عرق أيًّا كان عن العصبية النازية المستعلية،ففرق بين أن تكون أنت كما أنت،وأن تجعل من نفسك أنت المحور الذي حوله البقية يدورون،وفرق بين أن تكون ضمن الإنسانية العالمية،وبين أن تكون أنت الإنسان الذي يريد أن يتضمن معالم كل إنسان.

فالهوية التي تهوي بنا في براثن اللانسانية لاتختلف عن الصهيونية التي تريد أن تبني وجودها على جثث الفلسطينيين.

فما أبأس العقل الأداتي كما تدعوه مدرسة فرانكفورت،والذي يتميز بمايلي :

1.يفتّت الواقع إلى أجزاء غير مترابطة،ثم يعجز عن إعادة تركيبها

2.ينظر إلى الإنسان باعتباره جزء مادي كبقية الأشياء المادية في الكون

3.يعتبر الطبيعة والإنسان مجرد وسائل وأدوات لخدمة أهداف معينة

4.يرى الهدف من الوجود هو الهيمنة والبقاء،ولو بدحر كل ماتبقى.

ولتحقيق تلك الغايات فإنّ العقل الأداتي كما قال المفكر عبد الوهاب المسيري رحمه الله يفرض قواعد للسيطرة على جميع ظواهر الإنسان،فيصبح العقل الأداتي عاجزًا تمامًا عن إدراك العمليات الإجتماعية،السياسية والتاريخية في سياقها الشامل،الذي يتخطى حدوده المباشرة،ويعجز عن فهم الغائيات الكلية،بتجاوز المعطيات الجزئية الآنية،فيصبح غير قادر على تجاوز الحاضر للوصول إلى الماضي،أو لإستشراف المستقبل،فيسقط في اللاتاريخية،ويصير غير قابل إلا لقبول الواقع كما هو،والتكيّف مع الوقائع،وإن كان واقع قهر وتشيّؤ.

فحتى في سعيه إلى الحفاظ على الثوابت والهوية،نراه يثبّت دعائم السلطوية والإستبداد،ويكبح كل نزعة إبداعية تتمرّد على المألوف.

ففي الجزائر لحل إشكالية الهوية،علينا عدم الإنجراف خلف اصحاب العقل الأداتي،ولنمتلك العقل النقدي

فنتساءل:

-ماهي جذور الإنقسام بين العرب والأمازيغ؟

-لماذا لم تظهر مع بداية الحراك الشعبي الجزائري،ألم يكن شعار الحراك عربي،شاوي،مزابي ،ترقي،قبايلي إخوة؟

-هل الأفضل أن نجتمع على كلمة سواء أم أن نتعامل مع بعض تعامل الأعداء؟

-كيف يمكن لراية توحّد شمال إفريقيا أن تمزق وحدتنا الوطنية؟

-كيف نحارب فكرة الماك الإنفصالية ثم ننفصل بفكرة العرقية ؟

-وكيف لمن يجمعني به الإسلام أن يفرّقني عنه اللسان؟

إنّ من يدّعي بأنّ قبولنا لإختلافاتنا اللغوية والعرقية في رقعة جغرافية واحدة،هو كسر للهوية،لايختلف عن شيخ يفتي ببطلان صلاة جماعة،لمجرّد اجتماع مصلين من العرب والأمازيغ.

إنّ الهوية بنظري صورة فوتوغرافية تحفظ نفس الملامح الشخصية،في نفس اللحظة الزمنية،غير أن مرور الزمن قد يغيّر الملامح دون أن يمحوها،وأنها مشترك إنساني لايمكن أن يتناقض معها المشترك الديني الإسلامي،فكما يقول المفكر حسن حنفي:”العِرق ليس هو الماهية أو الوجود،العِرق هو مادة طبيعية،مادام الإنسان موجودًا بيولوجيًا،والأحياء سلالات،يصعب تحديد الأعراق نظرًا على التداخل بينها،من خلال الهجرات والحروب،والعرق سلالة بيولوجية،لادخل للإنسان فيها،والهوية لاترتبط بالسلالة،بل بالوعي الخالص،وكل النظريات العنصرية قائمة على ربط العرق بالهُوية…”

وهذا ربما ماتتدرج نحوه المادية في تقنياتها التكنولوجية دون إدراكٍ واعِ منا،فمثلا حين يجتمع العالم كله في فضاء إفتراضي واحد،لاتتزاوج فيه سوى الأفكار،وحين يصير الإنسان يخاطب إنسانًا آخر في عالم لايتأمّل فيه غير روحه وأفكاره،هوتمامًا كمن يمارِس الكشوفات الصوفية،فلعلنا سنرى الأجيال القادمة وهي تمسك الآيفون بيد وتمارس طقوس اليوغا بأخرى،وقد تنتقل الحروب من الواقع الحقيقي إلى الواقع الإفتراضي،ويكون السلام في النهاية هو السلام الداخلي،فلنبحث عليه منذ اللحظة لنورّثه كما نريد للأجيال القادمة،ولنعتز بأنّ الإسلام للعالم،رسالة رحمة وإنسانية.

قال سبحانه وتعالى:”وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ”{الأنبياء  107}

الكاتبة الجزائرية بادية شكاط

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى