تقارير وملفات إضافية

هل غيّر السيسي سياسته بعد أزمة محمد علي؟ 5 مشاهد تكشف تأثير فيديوهات المقاول المتمرّد على الجنرال

«عودة الجنرالات المعارضين»، كانت هذه هي السمة البارزة لحركة التغييرات في الجيش المصري التي نفذت مؤخراً، والتي توجت بإطلاق سراح الفريق سامي عنان رئيس الأركان الأسبق للجيش الذي كان قد اعتقل عقب إعلانه الترشح للرئاسة، فهل هذا جزء من عملية مراجعة لنهج الحكم في مصر؟

لماذا أطلق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي سراح عنان أشهر منافسيه في انتخابات الرئاسة، ولماذا عين جنرالاً مغضوباً عليه في منصب رفيع، هل بدأ السيسي يعيد الاعتبار للقيادات العسكرية المعارضة له، وما الذي دفع الرئيس المصري لهذه التغييرات؟

اللافت أن هذه التغييرات تأتي ضمن تغييرات أوسع تشهدها الساحة السياسة المصرية مؤخراً، فهل هناك علاقة بين هذه التغييرات وقلق النظام من متابعة الشارع الكبيرة لفيديوهات المقاول محمد علي ونزول بعض المتظاهرين استجابة لدعواته في شهر سبتمبر/أيلول 2019. 

في هذا التقرير سنرصد التغييرات السياسية التي شهدتها الساحة المصرية ومحاولة معرفة دوافعها وأسبابها وما ارتباطها بمظاهرات سبتمبر الشهيرة.

كان آخر القرارات التصالحية (إذا صح التعبير) التي اتخذها السيسي وأكثرها مفاجأة هو  إطلاق سراح رئيس الأركان الأسبق سامي عنان.

لكن اللافت أيضاً أن هناك تقارير إعلامية تتحدث عن صدور قرار بتعيين الفريق أسامة عسكر في منصب رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، بعد أن أبعد عن منصبه العسكري إلى مناصب إدارية قبل ثلاث سنوات، (وتحدثت تقارير إعلامية من قبل عن وضعه رهن الإقامة الجبرية).

كان واضحاً خلال التغييرات العسكرية التي شهدها عام 2019 عودة بعض من يُوصفون بـ «رجال الحرس القديم» إلى المشهد مُجدّداً، ما اعتبره البعض تراجعاً نادراً من قِبل السيسي عن بعض قراراته السابقة التي اتخذها، والتي كان منها الإطاحة سابقاً باللواء أركان حرب محمد رأفت الدش من عضوية المجلس العسكري بعدما كان قائداً للجيش الثالث الميداني، حيث تم تعيينه في يونيو/حزيران 2018 كرئيس لهيئة تفتيش القوات المسلحة، بينما قرّر السيسي قبل أسابيع ماضية إعادته لعضوية المجلس العسكرية عبر تعيينه قائداً لقوات شرق القناة لمكافحة الإرهاب.

يمثل مشهد إعادة الحرس القديم وإطلاق سراح عنان خطوتين مهمتين تجاه محاولة معالجة الغضب داخل المؤسسة العسكرية.

لكن قد تكون هناك خطوة ثالثة تجاه هذه المؤسسة تزيد من رضاها وتضمن ولاءها.

هناك حديث حول إمكانية تعيين السيسي لنائب رئيس جمهورية من داخل المؤسسة العسكرية.

ونقل موقع العربي الجديد عما وصفه بمصادر مطلعة عن انتشار معلومات ترشيح الفريق أحمد خالد، قائد القوات البحرية، نائباً لرئيس الجمهورية، وإخطار نائبه الحالي بالاستعداد لتولي قيادة البحرية المصرية، بالإضافة إلى إجراء تغييرات عديدة أخرى في المناصب القيادية بمختلف الأسلحة بالجيش، وترجيح بعض المصادر إبعاد رئيس الأركان الحالي الفريق محمد فريد حجازي.

وتمثل «عودة الجنرالات المعارضين» فصلاً في التغييرات التي تشهدها الساحة السياسية المصرية في إطار عملية ما يصفه البعض بمراجعة لنهج الحكم في مصر يقوم بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.

لكن قبل الخطوات المشار إليها الإيجابية تجاه المؤسسة العسكرية، اتخذ السيسي خطوة مهمة في عملية مراجعة نهج الحكم في مصر، وهي المراجعة التي يبدو أنها قد بدأت مع القلق الذي انتاب النظام من فيديوهات المقاول المتمرد محمد علي ونزول الجماهير في سبتمبر/أيلول الماضي استجابة لدعواته.

فقد أفادت تقارير آنذاك بأن السيسي كان غاضباً بشدة من طريقة معالجة أزمة محمد علي فأصدر قراراً مفاجئاً بإبعاد نجله محمود السيسي عن جهاز المخابرات وتعيينه ملحقاً عسكرياً بروسيا بسبب ما اعتُبر فشلاً في التعامل مع ملفات عديدة منها طريقة إدارة أزمة محمد علي.

خامس الخطوات (وأولها من حيث الترتيب الزمني) في عملية مراجعة نهج الحكم في مصر كان ما حدث مع الإعلام، وهي خطوة يبدو أنها تلقى عناية خاصة من السيسي الذي عبر مراراً عن سخطه من أداء الإعلام المصري.

فعقب مظاهرات سبتمبر/أيلول 2019 التي خرجت استجابة لدعوات محمد علي توالت التغييرات، منها ما تردد عن سحب ملف الإعلام من المخابرات، وسط معلومات بخلافات مصرية إماراتية بشأن هذا الملف بسبب ما تعتبره أبوظبي فشلاً من قبل الجهات المعنية في الاستفادة من الأموال الإماراتية الضخمة التي منحت القاهرة في ملف الإعلام، حسبما قالت مصادر مطلعة لـ «عربي بوست».

وجاء قرار سحب ملف الإعلام من المخابرات لأسباب عدة أبرزها وضوح ضعف تأثير الإعلام الموجه حكومياً خلال أزمة محمد علي.

كما أن من أسباب استياء السيسي من إدارة المخابرات لملف الإعلام فشل عملية نزع ملكيات القنوات الفضائية من رجال الأعمال دون وجود رؤية لكيفية تطويرها أو إدارتها، والكتفاء بإسنادها إلى مندوبين أمنيين يتحركون بأوامر المكتب، ما كلف الدولة مبالغ طائلة، وبدد الكثير منها دون طائل، وثانيهما إهدار الأموال.

وفي الوقت ذاته تراجع أداء الإعلام والإعلاميين رغم وجود الإمكانات.

لكن الأسوأ كان طريقة معالجة هذا الهدر.

ففي محاولة لتدارك هذا الإنفاق الكبير على الإعلام من قبل الدولة، والذي يصل لنحو 6 مليارات جنيه خسائر، أُغلقت مجموعة إعلام المصريين التابعة للجهاز، والتي كانت تملك غالبية القنوات الجديدة بعد الاستحواذ عليها من مالكيها، والعديد من القنوات الخاصة، وشردت آلاف العاملين، وفقاً للمصدر.

يعتقد أن قرار سحب ملف الإعلام من جهاز المخابرات يقف وراءه بشكل كبير اللواء عبدالنبي وهو مدير مكتب رئيس الجمهورية الحالي، والمدير الأسبق لإدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة المصرية، والذي يتمتع بخبرة إعلامية تجعله غير راضٍ عن إدارة الملف.

وقبل ذلك كان المقدم أحمد شعبان، مدير مكتب اللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات، ومعه زميله محمد فايز، لهما الكلمة الأولى والأخيرة في ملف الإعلام بالتشاور مع عباس، ومحمود نجل الرئيس السيسي، والمتحكم الفعلي فيه، بالإضافة إلى اللواء عبدالنبي.

وقد تم إبعاد المقدم أحمد شعبان عن البلاد وتعيينه ملحقاً عسكرياً لمصر في اليونان.

وأفادت المعلومات بأن ملف الإعلام أعيد لرجال الأعمال مجدداً، حيث تم استدعاء رجال أعمال لشراء حصص في قنوات إعلام المصريين، والإنفاق عليها.

وأخيراً، فقد كان قرار تعيين أسامة هيكل رئيس لجنة الإعلام بمجلس النواب كوزير دولة للإعلام مؤشر على رغبة السيسي في إعطاء مساحة للعمل للإعلاميين المحترفين الموالين للنظام بعد فشل تجربة قيادة الإعلام من قبل الكوادر الأمنية والاستخباراتية.

تظل التغييرات المرتبطة بالمؤسسة العسكرية هي الأكثر أهمية؛ لأنها تتعلق بالقلب الصلب للنظام.

وفي هذا الإطار، يقول محمود جمال، وهو مسؤول ملف العلاقات المدنية العسكرية بالمعهد المصري للدراسات، إن «هذا هو الوقت الطبيعي لإجراء حركة التغييرات داخل الجيش، لكن الأمر غير الطبيعي هو عودة بعض الأسماء قام السيسي بالتنكيل بها سابقاً، وكانوا محسوبين على ما يُعرف بالطرف المناوئ للسيسي، وعلى رأس هؤلاء الفريق أسامة عسكر الذي تم تعيينه رسمياً كرئيس لهيئة عمليات القوات المساحة، وغيره».

وأكد جمال لـ «عربي21» أن السيسي يتبع حالياً أسلوباً جديداً ومختلفاً عن طريقة إدارته السابقة للأوضاع داخل قيادة الجيش، ويمكن القول إن هذه خطة جديدة للسيسي لتجاوز الأزمة التي يواجهها داخل وخارج البلاد، سواء الأزمات الراهنة أو تلك المحتملة في المستقبل»، مشدّداً على أن «أزمة السيسي الحقيقية تكمن داخل الجيش وباقي مؤسسات الدولة، ولا علاقة لها مطلقاً بالمعارضة السياسية».

وأشار إلى أن السيسي يسعى لتخفيف حدة الصراع بينه وبين القيادات المناوئة له، التي يحاول ترضيتهم بشكل ما أو بآخر، عبر إقالة بعض المقربين منه والمحسوبين على دائرته وفي المقابل يقوم بتعيين أشخاص يتمتعون برضا من الطرفين، ولديهم شعبية داخل الجيش، ويمكن وصفهم بالمحايدين، بهدف تهدئة الأجواء التي كان أحياناً ما يسودها التوتر. 

وذكر جمال أن السيسي يأمل، عبر ما يصفها بـ «الخطة الجديدة» التي ينتهجها، في ترسيخ حكمه ليمتد لسنوات مقبلة دون قلاقل أو أزمات كبرى قد تعصف باستقرار الأوضاع له، ولذلك فهو حريص كل الحرص على إطفاء أي خلافات داخل أهم مؤسسة مصرية.

ونوه إلى أن «الطرف الآخر المناوئ للسيسي داخل المؤسسة العسكرية لا يريد الإطاحة به -على الأقل في الوقت الراهن- لأنه يدرك جيداً أن السيسي لديه أدوات وإمكانيات كبيرة لا يزال يسيطر عليها بقوة، ومن ثم فهم يريدون إحداث قدر ما من التوازن في إدارة المشهد، ويبدو أنهم نجحوا بقدر معقول في هذا الصدد».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى