تقارير وملفات إضافية

هل هي فعلاً الانتخابات الأهم في التاريخ الحديث؟ نعم وهذه هي الأسباب

بالنسبة للسياسيين، أي انتخابات هي الأهم، وتمثل عنق الزجاجة، لكن ربما تكون الانتخابات الأمريكية هذه المرة الأهم بالفعل في التاريخ الحديث، ليس فقط بالنسبة للولايات المتحدة بل للعالم ككل، فسواء فاز بايدن أو ترامب فستطال التداعيات الجميع لأجيال كثيرة قادمة.

يتوجه الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني القادم، أي بعد أسبوعين بالتمام والكمال، لاختيار رئيسهم القادم لمدة أربع سنوات، بين الحالي دونالد ترامب ومنافسه جو بايدن، في ظل انقسام مجتمعي غير مسبوق منذ الحرب الأهلية في البلاد، لكن هذه المرة لا تمثل العبودية القضية الرئيسية وراء الانقسام.

إذ يمكن القول إن البلاد منقسمة بين معسكرين أساسيين، هما المعسكر اليميني المحافظ أو الحزب الجمهوري من ناحية، والمعسكر اليساري التقدمي أو الحزب الديمقراطي من جهة أخرى، واختلاف موقف المعسكرين يشمل جميع الملفات والقضايا من السياسة الخارجية إلى حقوق الإنسان إلى القضايا الاجتماعية إلى الاقتصاد والقائمة طويلة وتضم كل شيء.

وقد تناول تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية مؤخراً أهمية تلك الانتخابات، ألقى كاتبُه الضوءَ على التغييرات الجذرية التي سيسعى الحزب الديمقراطي لتنفيذها حال فوز مرشحهم بايدن بالرئاسة، وفوز حزبهم بالأغلبية في مجلس الشيوخ، حيث إن ذلك يعني سيطرة الحزب على الحكومة بشقيها التنفيذي والتشريعي.

فالحزب الديمقراطي يقع تحت سيطرة التقدميين الذين صدمهم بشدة وصول رؤساء مثل رونالد ريجان وجورج دبليو بوش ودونالد ترامب للبيت الأبيض، ويبدون مصممين على تغيير قواعد الانتخابات بصورة تمنع تكرار وصول مثل تلك الشخصيات “الردايكالية العنصرية التي لا تقيم وزناً لحقوق الإنسان” -حسب رؤية الليبراليين أو التقدميين- وتبدو الفرصة سانحة أمامهم في حالة الفوز بالرئاسة وأغلبية مجلس الشيوخ، لتمرير تشريعات تضمن تغيير نظام الانتخابات نفسه.

يرى التقدميون الذين يمثلون القوة المهيمنة في الحزب الديمقراطي حالياً أن وصول دونالد ترامب للرئاسة “غير قانوني”، لأنه نتج عن نظام انتخابات يقمع تصويت الأقليات، ومجمع انتخابي غير ديمقراطي في تركيبته، ولا يقيم وزناً للتصويت الشعبي الذي فازت به هيلاري كلينتون في الانتخابات الماضية، ومن ثم فهم مصممون على هدم ذلك النظام من الأساس، عن طريق إقرار تشريعات تضع قيوداً على صلاحيات الولايات فيما يتعلق بتنقية الكشوف الانتخابية، ومنح الفرصة لكل من هو أمريكي للتصويت دون الحاجة للتسجيل من الأصل.

ربما يرى البعض أن الأمر شأن داخلي أمريكي، ومن ثَمَّ فحتى إذا كانت تلك الانتخابات تمثل أهمية كبرى للداخل الأمريكي، فلماذا يجب أن تنشغل بها باقي دول العالم؟ وأصحاب هذا الرأي قد يجادلون بأن ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية لا تتغير بتغير الإدارة من جمهورية لديمقراطية أو العكس، لكن من يتوقف عند أبرز محطات السياسة الخارجية الأمريكية في السنوات الأربع الماضية يكتشف بسهولة أن ذلك لم يعد دقيقاً على أقل تقدير.

فالولايات المتحدة هي الداعم الرئيسي لإسرائيل منذ نشأة الدولة العبرية عام 1948، وأحد ثوابت تلك السياسة الخارجية هو الوقوف بجانب إسرائيل، مع الحفاظ على الحد الأدنى من احترام القانون الدولي وثوابت النظام العالمي السائد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مثل رفض ضمّ أراضٍ محتلة بالقوة العسكرية وعدم الاعتراف بذلك الضم.

ولهذا، على سبيل المثال، لم توافق الإدارات المتعاقبة على نقل السفارة الأمريكية للقدس لأنها أرض محتلة، لكن إدارة ترامب لم تحترم ذلك الموقف الثابت، وأقدمت على إقرار نقل السفارة من تل أبيب للقدس، ليس هذا فحسب، بل قررت الإدارة الموافقة على ضم إسرائيل لهضبة الجولان السورية المحتلة، بينما عبّر الديمقراطيون صراحةً عن رفضهم للقرارين، لأنهما لا يصبان في صالح تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وليس فقط لأنهما خروج على ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية، فهل لو فاز بايدن سيتم التراجع عن تلك القرارات؟

النقطة الأخرى هنا تتعلق بالدور الأمريكي على المسرح الدولي بشكل عام، وفي منطقة الشرق الأوسط وقضاياها الملتهبة بشكل خاص؛ فقد انسحب ترامب من الاتفاق النووي الذي أبرمه باراك أوباما مع إيران، وأدى ذلك لتوترات وتداعيات خطيرة على الاستقرار في منطقة الخليج والشرق الأوسط، كما انسحب ترامب من عديد من المعاهدات الدولية، وهاجم حلف الناتو، وبشكل عام كانت رسالته للحلفاء مفادها “أمريكا لم تعد تضمن أمنكم وعليكم أن تدفعوا مقابل ذلك الأمن”.

وبالتالي فإن فوز بايدن والديمقراطيين على الأرجح سيعني عودة أمريكا لسياستها الخارجية قبل ترامب، والتي كانت أكثر تورطاً في بؤر التوتر، وأكثر حماية لحلفائها، لكن مع سيطرة الليبراليين والتقدميين المدافعين عن حقوق الإنسان يبرز التساؤل بشأن وضع بعض الحلفاء في المنطقة مثل السعودية والإمارات ومصر في ظل سجل حقوق الإنسان السيئ في تلك البلدان؛ هل ستمارس الإدارة الجديدة ضغوطاً على أنظمة تلك الدول في ملف حقوق الإنسان، وكيف سيكون رد فعل تلك الأنظمة، وما انعكاسات ذلك على الاستقرار الداخلي في تلك الدول؟

والتساؤلات نفسها مطروحة بشأن إيران، وكيف سيكون التعامل الأمريكي معها في ظل إدارة بايدن، الذي كان نائباً لأوباما عندما تم توقيع الاتفاق النووي، وهل ستعود الولايات المتحدة لذلك الاتفاق رغم معارضة حلفائها في المنطقة، خصوصاً إسرائيل والسعودية والإمارات؟

كل هذه التساؤلات تمثل العناوين العامة لتداعيات الانتخابات الأمريكية المقبلة في حالة فوز بايدن والحزب الديمقراطي، الذي يسيطر عليه التقدميون وأقصى اليسار، حيث إن ذلك الفوز وسيطرتهم على البيت الأبيض والكونغرس يعني تفويضا شعبياً لأجندتهم، وبالتالي سيبدأون فوراً في تنفيذها، ما يعني مقاومة مؤكدة من جانب الأنظمة المذكورة في ظل مسرح عالمي لم تعد واشنطن فيه اللاعب الوحيد، أو على أقل تقدير اللاعب الوحيد صاحب التأثير والهيمنة المطلقة، فماذا عن الصين وروسيا؟ وهل نشهد عالماً ثنائي أو حتى ثلاثي القطبية، في ظل توتر واستقطاب ووباء عالمي سيزيد الأمور خطورة؟

صحيح أن كل المؤشرات الآن لا تصب في صالح دونالد ترامب من حيث استطلاعات الرأي التي تظهره بحاجة لمعجزة حقيقية للفوز بفترة رئاسية ثانية، لكن لا شيء محسوماً في وجود ترامب الذي واجه نفس الموقف أمام هيلاري كلينتون قبل أربع سنوات، لدرجة أن صحيفة نيويورك تايمز وضعت صورة كلينتون على صفحتها الرئيسية بعد انتهاء التصويت وتحتها عنوان “المدام الرئيس”، وبالتالي تظل النتيجة مفتوحة على كل الاحتمالات، فماذا لو فاز ترامب؟

قياساً على سياسات ترامب الخارجية في سنواته الأربع الماضية في البيت الأبيض، ليس من الصعب توقع أنه في حالة فوزه ستتواصل نفس السياسات وبوتيرة أسرع وأكثر راديكالية؛ فالدعم لصفقة القرن التي تعني عملياً تصفية القضية الفلسطينية والقضاء على فرصة الفلسطينيين في إقامة دولتهم على أراضيهم المحتلة منذ عام 1967 سيكون على أشده، وخصوصاً مع انطلاق موسم التطبيع الخليجي الذي سينضم له مزيد من الدول، ولن يتوقف عند الإمارات والبحرين.

وربما يشهد العالم تفككاً لحلف الناتو، وانسحاب الولايات المتحدة منه بشكل فعلي، بل إن البعض يرى أن الشكوك تتجه نحو بقاء الحلف من الأساس، وهنا يأتي التساؤل بشأن أوروبا وكيف يمكن أن تتصرف إزاء التهديدات الأمنية الفعلية من جانب روسيا، خصوصاً بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

والأمر نفسه ينطبق على قارة آسيا وأمن اليابان في مواجهة التهديدات الصينية المتزايدة، إضافة إلى إقليم هونغ كونغ وتايوان، حيث على الأرجح ستكون بكين أكثر عدوانية في محاولاتها لضم الإقليمين اللذين تعتبرهما جزءا منها، والواضح أن ترامب لا يعتبر ذلك أمراً أمريكياً من الأساس.

كل هذه المؤشرات تؤكد بالفعل أن الانتخابات الأمريكية المقبلة هي الأهم على الإطلاق منذ أكثر من 7 عقود، ليس فقط بالنسبة للأمريكيين، بل لشعوب العالم ودوله والنظام العالمي ككل.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى