اخبار إضافيةالأرشيف

هل يفلح قانون السيسى لحماية كبار العسكريين المصريين القتلة في حمايتهم من المحاكمة؟كان غيره أشطر!!!

تقرير اعداد
فريق التحرير
وافق مجلس النواب المصري المعين من جهاز المخابرات العسكرية، الثلاثاء 3 يوليو/تموز 2018، بشكل مبدئي، على مشروع قانون مقدّم من الحكومة، يمنح كبار قادة الجيش المصري الذين يحددهم رئيس الجمهورية جملة من الامتيازات الخاصة، فالقانون المثير للجدل ينص على منح هؤلاء القادة الكبار حصانة من المساءلة القانونية عن أي فعل ارتكبوه في أثناء تأديتهم مهام مناصبهم أو بسببها، وذلك خلال فترة تعطيل العمل بالدستور وحتى تاريخ بداية ممارسة مجلس النواب مهامه، وتحديداً من 3 يوليو/تموز 2013 إلى 10 يناير/كانون الثاني 2016، إلا بإذن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
بموجب هذا القانون، يُستدعى الضباط من كبار قادة القوات المسلحة الذين يصدر بأسمائهم قرار من رئيس الجمهورية، لخدمة القوات المسلحة مدى حياتهم، ويكون الاستدعاء لمن يشغل منهم منصباً أو وظيفة خارج القوات المسلحة فور انتهاء شغله هذا المنصب أو تلك الوظيفة.
وهو ما يعني أنه بعد إقرار القانون بشكل نهائي، سيتمتع هؤلاء القادة الكبار بجميع المزايا والحقوق المقررة للوزراء في الحكومة، بالإضافة إلى تمتعهم بالحصانة الدبلوماسية طوال مدة خدمتهم واستدعائهم، في أثناء سفرهم خارج البلاد، وسيحدد رئيس الجمهورية المزايا والمخصصات الأخرى التي سيتمتعون بها، مع جواز الجمع بين المزايا والمخصصات المقررة بناء على أحكام هذا القانون، وأي ميزة مقررة بموجب أي قانون آخر.
ليست هذه أول محاولة قانونية لحماية كبار العسكريين في مصر المجرمين القتلة من الملاحقة القضائية بسبب أفعال ارتكبوها خلال توليهم شؤون البلاد، لكنها أكثر المحاولات وضوحاً، فسبق أن أصدر المجلس العسكري، الذي حكم مصر بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، قانوناً يحمل رقم 133 لسنة 2011، ينص على: «استدعاء أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الموجودين بالخدمة في هذه الفترة فور انتهاء خدمتهم ببلوغهم السن القانونية؛ وذلك للاستفادة من خبراتهم ومراعاة لاعتبارات أمن وسلامة القوات المسلحة والأمن القومي»، ما يعني عدم جواز محاكمتهم أمام القضاء المدني طوال فترة استدعائهم، التي يتحكم فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

هل جنرال خراب مصر عبد الفتاح السيسي هو نسخة من جنرال تشيلي “أوغستو بينوشيه”؟
أولًا: السيسي أكثر وحشية بكثير من بينوشيه. في خلال 17 عامًا أمضاها في السلطة، أشرف بينوشيه على قتل حوالي 3000 شخص وسجن حوالي 40 ألف آخرين بسبب جرائم سياسية. السيسي وجيشه قد حققوا تلك الأرقام تقريبًا في خلال أقل من عامين. حوالي 2500 شخص تم قتلهم بالفعل، بينما يقبع أكثر من 40 ألف شخص خلف القضبان. تضاءل القمع في تشيلي مع مرور الوقت، وربما حدثت نصف الانتهاكات في العام الذي تلى انقلاب بينوشيه مباشرة. حتى لو أملنا في أن يتباطأ نمو هذه الأرقام في الأعوام القادمة تحت حكم السيسي، سوف يظل السيسي محققًا أرقامًا أعلى كثيرًا من بينوشيه.
ثانيًا: السيسي أقل بكثير من أن يوصف بالمصلح الاقتصادي ولا يمكن مقارنته ببينوشيه. إنه ليس اشتراكيًّا، لكن الرأسمالية التي يبدو أنه يؤمن بها هي رأسمالية المحسوبية الفاسدة لعهد مبارك، كما لا تُرى بعد إصلاحات أساسية في السوق الحرة. يُحسب للسيسي أنه اتخذ إجراءات جريئة لتخفيض دعم الوقود. لكن بينوشيه ذهب أبعد من ذلك بكثير. لقد قلل بشكل كبير من حجم تدخل الدولة، على سبيل المثال خلال أعوامه الـ17 في الحكم، انخفض عدد موظفي القطاع العام بنسبة 75%. تحت حكم السيسي، يبدو أن القطاع العام في مصر آخذ في النمو.
ثالثًا: الجيش التشيلي تحت حكم بينوشيه، وعلى الرغم من كل جرائمه، كان يحظى بسمعة جيدة فيما يخص مهنيته ونزاهته المالية؛ ولم يحاول قط أن يصبح السلطة الدائمة للبلاد. لكن في مصر الجيش هو الحاكم الحقيقي للبلاد منذ تولى جمال عبدالناصر السلطة عام 1956، ولا شيء مما فعله السيسي يوحي بأنه قد يخطط لتغيير ذلك. تشير رويترز على سبيل المثال، أن اللواء المتقاعد مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس، قال إن الجيش يجب أن يساعد في إنشاء المركز الضخم للخدمات الصناعية واللوجستية المخطط له على طول القناة الجديدة التي يجري بناؤها.
«الجيش يقوم بالفعل بتصنيع فئة واسعة من المنتجات: مشاريع صناعية تمتد من البترول إلى سيارات الفيات ومن أجهزة التلفاز إلى حاضنات الأطفال، إضافة إلى امتلاك عقارات وأراضٍ شاسعة في جميع أنحاء مصر، كما يعمل أيضًا كمقاول في تنفيذ مشاريع الطرق». هكذا ذكرت صحيفة «إنترناشونال بيزنس تايمز»؛ وأضافت الصحيفة أن عدد الأدلة التي تشير إلى أن السيسي ينوي تقليص هذه الإمبراطورية هو صفر.
ورابعًا، أولئك الذين يدعون أن عهد بينوشيه كان مخاض الديمقراطية في تشيلي ويريدون من السيسي أن يحذو حذوه، يخطئون هنا أيضًا. بعد 15 عامًا في السلطة، أراد بينوشيه الحصول على 8 أعوام أخرى، الدستور الذي اعتمده هو كان يحتم إجراء استفتاء عام 1988. إذا صوتت الأغلبية بنعم، سيحصل على أعوامه الثمانية. وإذا جاء التصويت بـ«لا» سيتطلب الأمر إجراء انتخابات ووجود منافسين. خسر بينوشيه التصويت، لكن في ليلة الانتخابات أراد إلغاء النتائج وإعلان الأحكام العرفية. فقط الضغط القوي من الولايات المتحدة وبريطانيا – كنتُ حينها أشغل منصب مساعد وزيرة الخارجية لشؤون أمريكا اللاتنينية- بالإضافة إلى رفض بعض أعضاء المجلس العسكري أدوا إلى إيقافه.
بينوشيه بالكاد يمكن أن يكون مخاض الديمقراطية. سنكون أكثر دقة إذا قلنا إن تشيلي عادت إلى الديمقراطية رغمًا عنه. دعونا نأمل أن السيسي لن يتبع هذا الطريق، ولن يكون رئيس مصر حتى عام 2029 ليسعى للبقاء حتى عام 2037.
السيسي يتولى رئاسة مصر منذ 10 أشهر فقط، وهو لم يخلق المشاكل الهائلة التي تعاني منها مصر. علاوة على ذلك، فهو لا شك يواجه ضغوطًا ضخمة من الجيش، ومن رجال الأعمال الكبار، ومن الحركات السياسية المختلفة والمتطرفين الإسلاميين الذين يرتكبون أعمال الإرهاب والعنف بشكل منظم.
أخيرًا، مصر 2015 ليست تشيلي 1973، عندما قام بينوشيه بانقلابه كانت تشيلي بلدًا أكثر تقدمًا مع تاريخ طويل من الديمقراطية. إن ثنائية السيسي– بينوشيه غير مشجعة، السيسي يبدو أنه يرتكب أخطاء بينوشيه كلها، لكنه يفعل القليل من الأشياء الصحيحة التي فعلها بينوشيه.
محاولات مماثلة لديكتاتوريِّين حاولوا تحصين أنفسهم
ليست المحاولة المصرية لحماية العسكريين من المحاكمة هي الأُولى من نوعها؛ إذ يحاول العسكريون الذين يقومون بإجراءات استثنائية لقمع مواطنيهم منح أنفسهم الحصانة من التحقيق والمحاكمة طوال حياتهم.
تشيلي: الحكم الحديدي لبينوشيه قاده إلى القيد الحديدي
فقد منح الديكتاتور التشيلي، الجنرال أوجوستو بينوشيه، نفسه عضوية في البرلمان مدى الحياة، ليحتمي بها من الملاحقة القضائية في المستقبل عن الجرائم التي ارتكبها خلال حكمه الحديدي لتشيلي في الفترة الممتدة من عام 1973 وحتى عام 1990؛ إذ اتُّهم بالمسؤولية عن مقتل واختفاء 3 آلاف شخص إبان حكمه.
ظن بينوشيه أن هذه الحصانة البرلمانية كافية لحمايته بعد خروجه من السلطة، لكنه فوجئ في عام 2000 بصدور حكم من المحكمة العليا في تشيلي بتجريده من الحصانة البرلمانية؛ تمهيداً لمحاكمته بتهم القتل وانتهاك حقوق الإنسان.
بالفعل، اعتُقل بينوشيه عام 2002 في العاصمة البريطانية لندن، وظل قيد الإقامة الإجبارية سنة، قبل أن يُطلَق سراحه ويعود إلى تشيلي، ليُقدَّم إلى المحاكمة أواخر عام 2004، وقضي بقية حياته في أروقة المحاكم حتى توفي عام 2006 بأحد المستشفيات العسكرية.
تركيا: كنعان إيفرين كاد أن يفلت!
هناك نموذج آخر يتمثل في الجنرال كنعان إيفرين الذي قاد انقلاباً عسكرياً ناجحاً في تركيا عام 1980، فأعتقد هو الآخر أن مادة استثنائية في دستور 1982، تنص على عدم جواز محاكمته هو ورفاقه كافية لحمايته طوال حياته من الملاحقة القضائية بسبب الجرائم التي ارتكبها، والتي تشمل إعدام 50 شخصاً، واعتقال نحو 600 ألف شخص، وقتل العشرات بسبب التعذيب في السجون.
لكن الشعب التركي لم ينسَ جرائم «إيفرين» رغم مرور 30 عاماً عليها، وصوّت في استفتاء تعديل الدستور عام 2010، على حذف مادة الحصانة ما سمح بمحاكمة الجنرال كنعان ورفيقه الجنرال تحسين شاهين كايا عام 2012، وكانت النتيجة الحكم عليهما عام 2014 بالسجن مدى الحياة عقاباً لهما على الجرائم التي ارتكباها، والتي صُنفت على أنها ”جرائم ضد الدول». وهو الحكم الذي سمعه إيفرين بعد أن كان قد بلغ 98 عاماً، قبل أن يتوفى بعدها بأشهر.
الأرجنتين: الديكتاتور لم يكن أذكى
امتدت هذه المحاولات اليائسة للعسكريين لحماية أنفسهم إلى الارجنتين بعدما نظم الجنرال الأرجنتيني خورخي فيديلا انقلاباً عسكرياً أطاح بالرئيسة إيزابيل مارتينيز دي بيرون عام 1976 ليحكم البلاد 5 سنوات قُتل وأُخفي خلالها ما بين 9 و30 ألف مواطن، لكنه كان أقل ذكاء من نظرائه في شيلي وتركيا فلم يهتم بتحصين نفسه هو ورفاقه العسكريين قانونياً، ما أدى إلى محاكمتهم عام 1985.
فتحرك الضباط ذوو الرتب المتوسطة والدنيا سريعاً ونجحوا عام 1986 في استصدار قانونَين للعفو، يمنعان محاكمة حوالي 1200 من الضباط المشاركين في معسكر الموت، وصدر عفو آخر عام 1989 حصل بمقتضاه قادة الانقلاب المدانين على عفو رئاسي وأُفرج عنهم.
اعتقد الجميع أن القصة قد انتهت، لكن فصلاً آخر بدأت كتابته عام 2003، عندما صوت مجلس النواب الأرجنتيني لصالح إلغاء قوانين العفو التي تحمي هؤلاء الضباط، فحوكم بعضهم مجدداً، وعلى رأسهم الجنرال خورخي فيديلا الذي أدين في العام 2010 بتعذيب وقتل 31 سجيناً، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة وتوفي في محبسه عام 2013.
هل يتنازل العسكريون عن السلطة للمدنيين مقابل الحصانة؟
القانون الجديد، والسياق المصري، قد يدفع البعض إلى التفكير في أن العسكريين قد يتنازلون عن السلطة للمدنيين مستقبلاً مقابل الحصول على حصانة من الملاحقة القضائي، فهل هذا ممكن حقاً؟
في النموذجين الشيلي والتركي السابق الإشارة إليهما، لم يُسلم بينوشيه وكنعان إيفرين السلطة إلى المدنيين إلا بعد أن ضمنا تمتّعهما بالحصانة من الملاحقة القضائية عن طريق النصوص القانونية والدستورية التي وضعاها، بالإضافة إلى تحالفاتهما مع أطراف في السلطة وتمتّعهما بقاعدة شعبية وفرت بعض الحماية، فعلى سبيل المثال حظي بينوشيه بتأييد 44.3% من الشيليين في الاستفتاء الذي أُجري على بقائه في السلطة عام 1989، وكان إيفرين يحظى بمساندة قوية من الجيش التركي وظل إرثه مثار جدل حتى وفاته.
وكانت النتيجة تمتع بيونشيه بعشر سنوات من الحصانة قبل أن يجرد منها، وتمتع إيفرين بـ30 عاماً من الحصانة قبل أن تُلغى المادة الدستورية التي تحميه، وهنا نجد أن المدنيين الذين تسلموا السلطة تركوا الانقلابيين السابقين خوفاً من نفوذهم، لكن ما إن دارت عجلة الزمن وضعف هؤلاء الجنرالات، حتى جُردوا من حصانتهم لتُجرى محاكمتهم.
هدف غير مُعلن للقانون: استبعاد «السيسي» لجميع المنافسين حتى العسكريين منهم
يعتقد بعض المتابعين للشأن المصري أن السبب الرئيسي لسن قانون «معاملة قادة الجيش الكبار»، هو تحصين هؤلاء القادة من الملاحقة القضائية على الأفعال التي ارتكبوها خلال فترة تعطيل العمل بالدستور وحتى تاريخ بداية ممارسة مجلس النواب، لكن بعض التحليلات تذهب إلى أن هذا ليس السبب الحقيقي لسن القانون.
تستعيد هذه التحليلات ذكرى ما حدث مطلع العام الجاري عندما قرر رئيس أركان الجيش المصري الأسبق الفريق سامي عنان خوض الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي، عندها لم يُنقذ «السيسي» سوى القانون رقم 133 لسنة 2011، الذي ينص على: «استدعاء أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الموجودين بالخدمة في هذه الفترة فور انتهاء خدمتهم ببلوغهم السن القانونية»، ما يعني أن الفريق سامي عنان ما زال على قوة الجيش، ولا يستطيع خوض الانتخابات دون إذن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتتم محاكمته عسكرياً حالياً لمخالفته القواعد المعمول بها في هذا الشأن.
القانون الجديد سيضع سلطة تحديد القادة الكبار من أجل استدعائهم لخدمة القوات المسلحة في يد الرئيس السيسي، ما يعني أنه يستطيع وضع كل منافسيه المستقبليين المحتملين من قادة الجيش تحت طائلة هذا القانون، حتى لا يستطيع أحد منهم تكرار ما كان يريد الفريق «عنان» فعله. 
جدير بالذكر أن مجلس النواب المصري أقر عدة قوانين تتعلق بقادة الجيش، كان آخرها تعديل قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة برفع سن تقاعد ضباط القوات المسلحة برتبة فريق من 62 إلى 64 عامًا. واستفاد من التعديل حين صدوره الفريق محمد زكي، قائد الحرس الجمهوري السابق والذي أصبح وزيرًا للدفاع قبل أسابيع، والفريق أسامة عسكر، مساعد القائد العام للقوات المسلحة لشؤون تنمية سيناء.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى