الأرشيفتقارير وملفات

“هولوكوست حلب”.. لماذا أجلت الدول الأوروبية المسيحيين السوريين قبل الكارثة الكبرى؟

لا يمكن فصل ما يجري في حلب، ثاني أكبر المدن السورية، من إبادة جماعية لمن تبقوا في هذه المدينة، عن الإجراءات التي اتخذت من قبل “بعض” الدول الأوروبية، بإجلاء المسيحيين من المدينة وترحيلهم إلى بلجيكا وتشيكا وسلوفاكيا والمجر، وهي الدول التي رفضت استقبال أي لاجئين مسلمين، وأعلنت أنها لن تستقبل غير “مسيحيين سوريين”، كذلك ما جاء في البيان الصادر عقب اللقاء التاريخي الذي جمع  رأس الكنيسة الكاثوليكية، وبطريرك أكبر الكنائس الأرثوذكسية في “هافانا” 12 فبراير الماضي والدعوة لاتخاذ إجراءات عاجلة لوقف “تفريغ الشرق الأوسط من مسيحييه”.

الإعلان المشترك بين البابا والبطريرك

الإعلان المشترك، بين البابا فرنسيس والبطريرك كيريل، وهو أول لقاء يعقد بين رأس الكنيسة الكاثوليكية، وبطريرك أكبر الكنائس الأرثوذكسية منذ الانقسام الكبير بين الكنيستين الشرقية والغربية قبل قرابة ألف عام، انصب على مساعدة ودعم “المسيحيين في الشرق الأوسط”، ووسط تأكيدات أن روسيا لعبت دورا مهما في ترتيب هذا اللقاء،  وواكب إعلان القمة المسيحية، قرارات دول أوروبية عدم استضافة أي لاجئين من سوريا، إلا على أسس دينية، والتفاهمات الأمريكية- الروسية، حول سوريا، وبدء تفريغ المدن السورية من أهلها، بضربات جوية مكثفة تشنها المقاتلات الروسية، مع طائرات النظام، للتمهيد لسيطرة نظام بشار على المزيد من الأراضي، في ظل انسحاب الدول العربية الرافضة للأسد من المشهد السوري.

تقاسم الأدوار في سوريا

وأصبح تقاسم الأدوار في سوريا بين واشنطن، التي لا يهمها سوى التخلص من “تنظيم الدولة الإسلامية”، وموسكو وحلفائها -إيران وحزب الله اللبناني- وهدفهم الإبقاء على نظام بشار الأسد وتدعيم سلطاته، ومن ثم ضغطت واشنطن على دول الخليج وتركيا، للتراجع عن إرسال أي قوات برية الى سوريا، وحجمت دور المقاتلات الخليجية التي هبطت في قاعدة “أنجيرليك” التركية، خصوصا السعودية، وتأجل الحديث عن تدريب عناصر من المعارضة السورية المسلحة على يد مستشارين عسكريين أمريكيين في السعودية والأردن وتركيا.

الوضع الأمني المتردي

صحيفة “الأوبزرفر” البريطانية، أكدت أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يستطيع وقف التصعيد في سوريا، وقالت  في تقرير لها تحت عنوان “وحده أوباما يمكن أن ينهي هذا التصعيد القاتل في العدائيات الطائفية”، إن الوضع الأمني المتردي في سوريا وتصاعد القتال بعد انهيار اتفاق وقف العدائيات الجزئي، وتصعيد القوات الحكومية السورية لغاراتها على مدينة حلب، كل ذلك أدى إلى تدهور الموقف، واتهمت الصحيفة القوات الجوية التابعة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، باستهداف المدنيين في المستشفيات والمدارس والأسواق، منطلقة من حادث قصف مستشفى في حلب أودى بحياة 27 شخصا بينهم أطباء وأطفال.

أوباما المتردد

تقول “الأوبزرفر” إن مسؤولين في الأمم المتحدة وآخرين استخدموا الأزمة في حلب لدعم دعواتهم، لإنقاذ محادثات السلام في جنيف التي لا يمكن أن توصف إلا بأنها ميتة، ونقلت الصحيفة عن الأمير زيد بن رعد الحسين، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون حقوق الإنسان، قوله إن “مفاوضات جنيف كانت الخيار الوحيد المطروح، وإذا تم التخلي عنه، أخشى التفكير في كم ما سنرى من رعب أكثر في سوريا”، وتقول الصحيفة إن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، لم يظهر في “قمة هانوفر”، الأسبوع الماضي اهتماما في بذل جهد سياسي بشأن مشكلة عويصة، لكن الأسباب السياسية العملية والأخلاق الإنسانية تشير إلى أن أوباما يجب أن يتحرك لفعل شيء في هذه الأزمة.

صفقة مع موسكو

الصحيفة البريطانية، تقول إن أوباما قد لا يكون قادرا على حل الأزمة السورية، لكن حتى الآن يمكنه أن يشرك بوتين معه وأن يضغط على الفرقاء في سوريا للعودة إلى جنيف، فضلا عن دعم وقف إطلاق النار وتقليل المجزرة وربما عقد صفقة مع موسكو بشأن مستقبل الأسد، وتخلص الصحيفة إلى أنه بالنظر إلى الأخطاء السابقة ومن أجل مصلحة الشعب السوري المدمَر، فإن أوباما ملزم بالمحاولة على الأقل.

الاستنكار والتنديد

التحرك العربي حول ما يحدث في حلب لم يتجاوز الاستنكار والتنديد والإعلان عن اجتماع طارئ بالجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين، يوم الأربعاء القادم، بينما اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي على “فيسبوك” و”تويتر”، وغضبت تجاه ما يحدث في حلب، ودعوات إلى تحمير “فيسبوك” ليكون بلون الدماء التي تسيل في حلب، واندلعت تظاهرات في تركيا والمغرب ونظمت وقفات احتجاجية، تندد بما يجري في حلب، وقال رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو: “ليعلم من حاصروا مدينة حلب، وأمطروها بالقنابل أنها ستتحرر”، مشيرا إلى أن مساجد المدينة الواقعة في الشمال السوري “بقيت يتيمة”، وأشار داوود أوغلو إلى أن مقاتلات روسية “محتلة خائنة”، وأُخرى تابعة للنظام السوري “أمطرت المشافي، والمدنيين الأبرياء، بوابلٍ من القنابل، دون تمييز بين أطفال ونساء”، مضيفا “أسأل من يسكنون موسكو والعواصم الأخرى، ماذا فعل لكم الشعب السوري لكي تمطروهم بهذا الكم من القنابل؟!”.

6 آلاف قتيل خلال 7 أشهر

المرصد السوري لحقوق الإنسان، أعلن أنه سجل سقوط حوالي 6 آلاف قتيل خلال الأشهر السبعة الماضية في سوريا، واتهم الائتلاف السوري المعارض نظام الرئيس بشار الأسد بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنساني، مؤكدا أن ما وصفه بـ”هولوكوست حلب” مستمر بنيران الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، عبر موقعه، بأنه تمكن من توثيق مقتل 5799 مواطنا مدنيا ومقاتلا من الفصائل الإسلامية وجبهة النصرة، خلال الأشهر الستة الفائتة، وذلك منذ 30 سبتمبر/ أيلول 2015 حتى 30 إبريل 2016، مضيفا أنهم “قضوا في آلاف الضربات الجوية التي استهدفت عدة محافظات سورية، منذ بدء الضربات الروسية في 30 سبتمبر الماضي”.

الخسائر البشرية

أوضح المرصد أن الخسائر البشرية جاءت على الشكل التالي: “2005 مواطنين مدنيين سوريين هم 481 طفلا دون سن الـ18، و305 مواطنين فوق سن الثامنة عشرة، و1219 رجلاً وفتى، إضافة إلى 2035 عنصرا من تنظيم داعش، و1759 مقاتلاً من الفصائل المقاتلة والإسلامية، وجبهة النصرة والحزب الإسلامي التركستاني، ومقاتلين من جنسيات عربية وأجنبية”، وقال المرصد إنه “على الرغم من الادعاءات المتواصلة للمجتمع الدولي بحماية المواطن المدني السوري والحرص على حياته، ما زلنا نرى روسيا شريكا أساسيا في قتل المواطنين السوريين المدنيين، بشكل يومي ومستمر، بذريعة محاربة تنظيم داعش، وسط صمت المجتمع الدولي والمبعوث الأممي إلى سوريا عن الجرائم المتواصلة بحق أبناء الشعب السوري”.

الصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية

الائتلاف السوري المعارض، أعلن أن “روسيا وقوات الأسد تستمران في قصف مدينة حلب بشكل وحشي لليوم العاشر على التوالي، وإمطار المدينة بمختلف أنواع الصواريخ الموجهة من الطيران الحربي”، وأضاف الائتلاف، على موقعه، أن “أجواء المدينة شهدت أكثر من 15 غارة على الأحياء الشرقية لحلب في يوم واحد، وتم استخدام فيها الصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية، وهو ما أسفر عن سقوط ضحايا من المدنيين في أحياء المواصلات والمعصرانية والهلك وطريق الباب وباب النيرب ومنطقة عزيزة”، وقال رئيس الائتلاف السوري أنس العبدة إن “نظام الأسد يرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حلب”، مطالبا أصدقاء الشعب السوري بإجراءات ملموسة لوقف “عدوان النظام” على حلب.

4 مقترحات لأصدقاء سوريا

“العبدة”، قال إن الائتلاف تقدم بأربعة مقترحات لأصدقاء سوريا، وهي جدول زمني لرفع الحصار، والثاني جدول زمني لإطلاق المعتقلين، أما المقترح الثالث يتضمن إدراج فقرة محاسبة الطرف الذي يقوم بخرق الهدنة، والرابع وضع جدول زمني للمفاوضات السياسية، وأكد العبدة على ضرورة أن يكون هناك جدول زمني للمفاوضات في حال استئنافها، وتتمسك المعارضة السورية بتنفيذ بيان جنيف بالكامل وعلى رأسه هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، مشيرا إلى أن الانتقال السياسي هدف من أهداف الثورة السورية.

مدير مستشفى القدس

مدير مستشفى القدس الواقع في مدينة حلب، الذي قصفته المقاتلات الروسية، قال إن سكان حلب ليسوا فقط خائفين من الذهاب إلى المستشفيات في حلب وحسب، بل “هم خائفون من السير في الشوارع مخافة أن يتم استهدافهم في طريقهم إلى المستشفيات والمراكز الصحية”.

“مبادرات محددة”

واشنطن أعلنت أنها تعمل لطرح “مبادرات محددة” تستهدف وقف التصعيد في القتال الدائر في سوريا، وقالت الخارجية الأمريكية إن وقف إراقة الدماء في مدينة حلب على رأس الأولويات، وحثت واشنطن الحكومة الروسية على الضغط على الحكومة السورية لوقف ما تقول إنه قصف عشوائي على حلب، بينما تصر موسكو على تأييد الغارات على المدينة، وتعتبرها جزءا من القتال في المدينة المهمة، وقال جون كيربي، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، إن وزير الخارجية جون كيري أجرى خلال اليومين الماضيين اتصالين هاتفيين مع ستيفان دي ميستورا، مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، ورياض حجاب ممثل الهيئة العليا للمفاوضات، التي تمثل عددا كبيرا من جماعات المعارضة المسلحة والسياسية السورية، وأشار كيربي في بيان رسمي إلى أنه “في المكالمتين، شدد الوزير على أن الجهود الأولية لإعادة التأكيد على وقف العمليات العدائية في اللاذقية والغوطة الشرقية (في العاصمة السورية دمشق) ليست مقصورة على هاتين المنطقتين، وأن المساعي الرامية لتجديد الوقف يجب أن تشمل، بل هي تشمل، حلب”، وأضاف البيان “نعمل على مبادرات محددة لإنهاء تصعيد القتال المتزايد ونزع فتيل التوتر، ونأمل في تحقيق تقدم ملموس بشأن هذه المبادرات قريبا”.

إجلاء المسيحيين من حلب

دول أوروبية قامت بإجلاء المسيحيين السوريين من حلب، فقد كشفت الحكومة البلجيكية عن خطة سرية، تضمنت أجلاء 240  من المسيحيين في مدينة حلب، وقال متحدث باسم الحكومة إن جميع الذين تم إجلاؤهم نزحوا عن بيوتهم، وإن منظمات المجتمع المدني ساعدت في إجلائهم إلى لبنان، وطبقا لإحصاءات سورية فإن حلب كانت قبل الحرب تؤوي نحو 160 ألف مسيحي، وهو أكبر تجمع مسيحي في مدينة واحدة بالشرق الأوسط، وقالت السلطات البلجيكية إنه تم نقل اللاجئين المسيحيين، من حلب عبر الطريق الوحيد الذي لا يزال مفتوحا، واستغرقت العملية شهرين وجرت في سرية تامة.

خطة بلجيكا لإجلاء المسيحيين

قال متحدث باسم الخارجية البلجيكية: “قمنا بذلك بمساعدة منظمات المجتمع المدني، التي تمكنت من إخراجهم”، وكان في استقبال العائلات المسيحية، على الحدود اللبنانية، ممثلون عن سفار بلجيكا في بيروت، وقد وصلوا جميعا بالفعل إلى بلجيكا، كما وافقت “سلوفاكيا” على استقبال 200 عائلة سورية من الطائفة المسيحية، ووافقت “التشيك” على استقبال 70 عائلة مسيحية أخرى، وقامت الحكومة البولندية بالموافقة على استقبال 50 عائلة سورية ومن المسيحيين حصرا.

مؤسسة “إستيرا” البولندية

“مريم شديد”، رئيسة مؤسسة إستيرا البولندية، المسؤولة عن اختيار العائلات السورية المقبولة من أجل إعادة توطينها، قالت “إن اللاجئين المسلمين يشكلون تهديدًا لأمن بولندا، فاللجوء العشوائي طريقة سهلة لتنظيم الدولة لتوزيع جماعاته في مجتمعاتنا في جميع أنحاء أوروبا”، وأضافت “شديد” قائلة “إن كان هؤلاء السوريون المسلمون لا ينتمون لهذا التنظيم فلا خطر على حياتهم في سوريا فتنظيم الدولة لن يقتلهم لأنهم مسلمون كما يفعل مع المسيحيين، كما أن جميع المسلمين يتشاركون مع تنظيم الدولة نفس المعتقد”.

لماذا اختير المسيحيون حصرًا؟

في إجابة عن سؤال وجه لـ”مريم شديد” لماذا اختير المسيحيون حصرًا قالت “يشكل المسلمون تهديدا كبيرا للمواطنين البولنديين وليست المشكلة بالدين، لكن المشكلة في قوانين ديانتهم التي تحرم الناس من حريتهم والتي تشبه الأنظمة الدكتاتورية الشمولية”. وأضافت شديد “أن الكثير ممن يعتنقون الديانة الإسلامية مجرمون”، وقالت رئيسة الوزراء البولندية، “إيفا كوباتش”، أثناء إعلانها استقبال بلادها العائلات الخمسين التي اختارتها مؤسسة إستيرا: “لقد حان الوقت بالنسبة للدول المسيحية كبولندا أن تتخذ إجراءات سريعة للوقوف بجانب المسيحيين المضطهدين في سوريا اليوم من قبل الجماعات”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى