آخر الأخبارالأرشيف

“واشنطن بوست” احتضان “ترامب” للأنظمة الاستبدادية القمعية يشعل الشرق الأوسط

قام الرئيس «ترامب» عبر تويتر يوم الثلاثاء بتقديم تأييده الكامل للخطوات العدوانية المفاجئة هذا الأسبوع من قبل السعودية والإمارات ضد قطر. ومشيرًا إلى زيارته للرياض مؤخرًا قال: «من الجيد جدًا أن نرى نتائج زيارتنا للرياض مع ممثلي 50 دولة. لقد قالوا أنّهم سيتخذون خطًا متشددًا ضد تمويل التطرف، وكانت كل إشارة تشير إلى قطر».
قد لا تكون رسائل «ترامب» منسقة مع بقية إدارته، أو ربما لم يفكر في الآثار المترتبة على تعزيز الحصار على بلدٍ يستضيف أهم قاعدة عسكرية أمريكية في الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. لكنّ موقفه يُبني بشكل طبيعي على الاحترام الكامل للموقف السعودي الإماراتي بشأن القضايا الإقليمية، والتي تم التعبير عنها خلال زيارته للمملكة. وخلال تلك الزيارة، أعطى الأولوية للمواجهة مع إيران، وحملة متصاعدة ضد «الإرهاب الإسلامي الراديكالي»، مع تجاهل مسائل حقوق الإنسان والديمقراطية من جدول الأعمال.
وكان من المرجح أن يكون هذا الاعتماد على المحور السعودي الإماراتي إعادةً لبناء القيادة الأمريكية لهيكل تحالفاتها الإقليمية. لكنّ التركيز على إيران وعلى الإسلام السياسي يفتقد إلى عدة خطوط حرجة أخرى للنزاع في المنطقة. وكما أشرت في كتابي الأخير، فإنّ المعركة السياسية داخل المحور السني السعودي والإماراتي والقطري كانت منذ فترة طويلة محور السياسة الإقليمية كما هو الحال مع الصراع مع إيران. وقد اعتمدت الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية على التعاون الفعلي مع إيران. وكان التركيز على الإخوان المسلمين والتطرف الإسلامي في الغالب غطاءً لحملةٍ أكثر عمومية ضد أي شكل من أشكال التغيير الديمقراطي أو النشاط الشعبي.
الحملة ضد قطر
كانت المنافسة بين قطر والائتلاف السعودي الإماراتي منذ فترة طويلة واحدة من الخطوط الرئيسية للسياسة الإقليمية. ومنذ منتصف التسعينات، اعترضت قطر على الهيمنة السعودية على الخليج ونافستها إقليميًا. وقد نشأت قناة الجزيرة القطرية في التسعينيات لتتفوق على وسائل الإعلام العربية التي يمتلكها السعوديون والتي يسيطرون عليها بعناية. وتنافس قطر السعودية على دور الوسيط في ساحاتٍ تمتد من لبنان وفلسطين إلى الصومال. كما قامت ببناء شبكات لا تضم ​​فقط جماعة الإخوان المسلمين، بل أيضًا الناشطين الشباب عبر الإنترنت، الذين سيصبحون فيما بعد لاعبين محوريين في الانتفاضات العربية.
وعملت استضافة قطر لأفراد وممتلكات تابعة للولايات المتحدة وحلفاء آخرين في قاعدة العديد الجوية على جعلها عقدةً حاسمة في البنية الأمنية الإقليمية الأمريكية، وقدمت لها الحماية من التهديدات الخارجية، سواء من إيران أو السعودية.
وقد مثلت انتفاضات عام 2011 لحظة نادرة للوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي. ودعمت قطر التدخل في البحرين، وسمحت للسعودية أن تأخذ زمام المبادرة في صياغة استجابة دول مجلس التعاون الخليجي في قضية اليمن. وعملت قطر والسعودية والإمارات معًا للدفع بنجاح للتدخل العسكري في ليبيا، وبنجاحٍ أقل لتدخل مماثل في سوريا.
لكنّ هذا التعاون تلاشى بسرعة مع تجاوز الشعور بالتهديد الوجودي، وازدادت المنافسة بسرعة في كل مجال تقريبًا. وفي كل من مصر وتونس، سادت الجماعات المدعومة من قطر في البداية، حيث فاز الإخوان المسلمون بالانتخابات في مصر وفاز حزب النهضة في تونس. لكنّ الرئيس المصري «محمد مرسي» أطيح به في انقلابٍ عسكريٍ تدعمه السعودية والإمارات، في حين تنازلت حكومة النهضة التونسية عن السلطة لصالح نداء تونس المدعومة من الإمارات. وفي ليبيا وسوريا، قامت التحالفات المتنافسة بصب الأموال والأسلحة والدعم الإعلامي إلى الوكلاء المحليين، ما أدى إلى أثرٍ مدمرٍ للغاية.
وجاءت هذه الحرب الإقليمية بالوكالة مع تنازل أمير قطر عن الحكم لابنه في يونيو/حزيران عام 2013، وإقالة «حمد بن جاسم»، مهندس السياسة الخارجية القطرية. ويبدو أنّ أزمة عام 2014 بين قطر والمحور السعودي الإماراتي، والتي توازي عن كثب حملة هذا الأسبوع وإن كانت بمستوى أدنى، أجبرت الأمير الجديد على الصمود. ولذلك، ينبغي أن يُنظر إلى عودة الصراع المفاجئ على أنّه استئناف لصراع طويل الأمد في السياسة الخليجية أكثر من كونه أمرًا جديدًا. لكن الاختلاف هو عدم وجود أي سبب واضح، والشدة غير المعتادة للحملة السعودية الإماراتية، والموقف الأمريكي المتناقض. والجديد أيضًا هو توافر روسيا كبديل محتمل لقطر، إذا كان الضمان الأمني ​​الأمريكي غير موجود.
إيران والدولة الإسلامية
وقد سعت القمة السعودية إلى إعطاء الأولوية للرد على إيران وتصعيد الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. ويضيف الهجوم الإرهابي ضد البرلمان الإيراني وضريح آية الله الخميني المزيد من التوتر بين هذين الهدفين. وقد ادعى تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الهجوم المسلح. وإذا كان ذلك صحيحًا، فإنّ هذا من شأنه أن يعقد الفكرة الشائعة لدى وسائل الإعلام السعودية (والتي كررها مؤخرًا وزير الدفاع جيمس ماتيس) بأنّ تنظيم الدولة الإسلامية وإيران متحالفان بشكلٍ فعال.
وقد يكون للتصعيد ضد إيران تداعياتٍ سلبيةٍ خطيرةٍ وفوريةٍ على الحملة ضد الدولة الإسلامية، وخاصةً في العراق. وقد عملت الولايات المتحدة بشكلٍ وثيقٍ جدًا مع قوات الأمن العراقية في الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، على الرغم من الدور الإيراني القيادي في السياسة العراقية. وقد تقوض المواجهة المتصاعدة مع إيران أو مع الميليشيات الشيعية هذا التعاون، وهو ما قد يضر بمعركة الموصل. كما يمكن أن يضع المستشارين والقوات الأمريكية المشاركة في القوات العراقية في خطر.
إنّها أكثر من مجرد مشكلةٍ عسكرية. فإذا تدهورت العلاقات مع إيران، قد يقوض ذلك إعادة الإعمار الفعال للموصل في العراق والأراضي الأخرى التي استُردت من تنظيم الدولة الإسلامية، وستضع الأساس للتجدد السريع للتمرد الإسلامي السني تحت رايةٍ أخرى. كما قد يؤدي إلى التصاعد الحاد في إصابات المدنيين من قبل قوات التحالف في الموصل، أو إطلاق العنان للميليشيات الشيعية لتنفيذ المذابح الطائفية بعد تحريرها. كما أنّ الطبيعة الطائفية للحملات الشعبية ضد إيران تتجاوب بسهولة مع العديد من الجماعات الإسلامية السنية المتطرفة خارج تنظيم الدولة الإسلامية.
الانقلاب الأوتوقراطي
لقد كانت الأولوية العليا للأنظمة العربية دائمًا الحفاظ على الذات. وقد شكلت الانتفاضات العربية تهديدًا وجوديًا لبقائها، وقد عملت منذ ذلك الوقت لمنع هذه التحديات من تقويض سيطرتها على الحكم والمنطقة. ومنذ عام 2011، كانت هناك أوجه تقدمٍ كبيرة في التعاون بين هذه الأنظمة العربية الاستبدادية ضد المنافسين الديمقراطيين. وقد تم تبرير ذلك في جميع أنحاء الخليج ومصر كردٍ على التهديد الذي يشكله الإخوان المسلمون.
لكن لم يكن الإخوان المسلمين أكثر من ذريعةٍ للقمع. فالأنظمة العربية المعارضة لأي شكل من أشكال التحدي الديمقراطي تجد في الإخوان المسلمين وسيلةً ملائمة لتبرير قمعها المتزايد. وقد استهدفت الحملات الأمنية جميع أشكال النشاط والمجتمع المدني، وليس الإسلاميين فقط. وقد عبر «ترامب» عن تأييده الكامل لهذه الممارسات المناهضة للديمقراطية. ولا يؤدي القمع المتزايد إلى معالجة المشاكل الاقتصادية المتصاعدة واختلال الحكومات في هذه الأنظمة، بل يزيد من احتمال تجدد عدم الاستقرار السياسي.
وقد تأكد أنّ احتضان «ترامب» للرؤية السعودية الإماراتية خلال رحلته في الشرق الأوسط هو أمر خطير. وتشير الآثار التي تكشفت خلال الأسبوعين الأخيرين إلى أنّ هذه المخاطر قد تكون أعلى من المتوقع.
المصدر | واشنطن بوست

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى