بقلم الخبير السياسى والقانونى
المستشار عماد ابو هاشم
لم أكن أتصور ـ يومًا ـ أن المكانة الرفيعة التي كان ينزلها المستشار أيمن الوردانى في نفسى و الثقة المتناهية التي كنت أضعها في شخصه يمكن لعَرَضٍ تجرى به الأحداث أن يحولهما إلى النقيض تمامًا ، إننى من فرط ثقتى به لم أجد غيره هو و المستشار فؤاد راشد أهلًا لتوكيله في مباشرة إجراءات الطعن في الحكم الصادر فى دعوى الصلاحية التى أحِلْتُ إلى التقاعد بسببها ، فسلمته قبيل سفرى توكيلًا رسميًا بذلك .
لقد كنت أرى و أسمع من الرجل و عنه ما يكفى لتغيير الصورة التي رسخت عنه في مخيلتى ، إلا أننى دائمًا ما كنتُ أحاول التماس الأعذار له و أجبر نفسى على حسن الظن به متجاوزًا كل الحقائق التي تتجلى ـ كضوء الشمس ـ أمام ناظرىَّ و متجاهلًا ما يؤكده لى حدسى و حديث نفسى .
آثرتُ ـ منذ ما يقرب من عامٍ ـ ألا أتجاذب أطراف الحديث معه أو مع أحدٍ عنه إلا في أضيق الحدود خشية أن أسمع ما يعكر صفو نفسى تجاهه ، فيحملنى ما أسمع منه أو عنه إلى اتخاذ موقفٍ معه .
و قد جاء قرارى هذا بعد اتصالٍ هاتفىٍّ بالوردانى أستفسر منه عن حوارٍ صحفىٍّ أجراه لموقع العربى الجديد و نشره على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعى (فيس بوك ) تحدث فيه عن أحوال القضاة المحالين إلى التقاعد حيث ذكر : إن من بين هؤلاء القضاة من يعمل في جمع المخلفات ( الزبالة ) و منهم من يمتهن أعمالًا متواضعةً أخرى كسائقى أجرة ( تاكسى ) ، و غير ذلك مما كان لا يليق به التطرق إليه بإفشاء أمورٍ شخصيةٍ أفضى له بها زملاؤه سرًا ، و ما كان يليق به أن ينشر صورةً إعلانٍ لبيع شقته رغم أنه في يسرٍ و سعةٍ و أن يبكىَ جزعًا من هول ما يعانيه هو و زملاؤه ، فإن أراد البكاء فليكن ذلك سرًّا لا و هو يرتشف فنجانًا من القهوة مع الصحفى الذى أجرى معه الحوار كما نُشر نقلًا عنه .
وبالرغم من أن الأسلوب الذى سُرِدَ به الحوار هو عين أسلوب الوردانى في الكتابة ، و بالرغم من أن صحيفة العربى الجديد من الصحف الموالية لمن يعتنقون آراء و فكر الوردانى بحيث تنتفى عنها مظنة التلفيق له و السعي للكيد به و النيل منه ، و بالرغم من أنه نشر رابط الحوار على صفحته الشخصية فى موقع التواصل الاجتماعى ( فيس بوك ) ثم حذفه بعد احتجاج زملائه على فعلته و تعنيفهم له ، بالرغم من ذلك كله لم يكتفِ الوردانى بإنكار الحوار برمته و اتهام الصحفى و صحيفته بالتلفيق له بل أقسم بالله و بكتاب الله ـ يمينًا غموسًا ـ إنه ما قال كلمةً واحدةً مما نُشِرَ على لسانه .
منذ يومين اتصلتُ به هاتفيًا للاستفسار عما نُشِرَ بموقع اليوم السابع من تورط وليد شرايى في جريمة نصبٍ على أحد المستثمرين المصريين باسطنبول بمبلغ مليون دولار أمريكى ، و لم أكن لأهتم بالأمر لولا أن نفرًا من الصحفيين و غيرهم ممن يهمهم الأمر قد ألحوا علىَّ بأسئلتهم مستفسرين عن حقيقة الأمر بعدما أكدوا لى أن إجمالي المبالغ التي تحوم على شرابى شبهة النصب على أصحابها ـ بمن فيهم رجل الأعمال المذكور ـ تقدر بخمسة ملايين دولار أمريكى و أن معظم هؤلاء الضحايا من الأشخاص المعروفين لديهم و الموثوق في ذممهم بما يرفع عنهم مظنة التلفيق لشرابى أو الافتراء عليه ، كما أسروا لى بأنهم اتصلوا بالوردانى للتوسط في الأمر بغية استعادة حقوقهم من شرابى بعدما تنصل الإخوان المسلمون منه متذرعين بأنهم طردوه من المجلس الثورى .
أنكر الوردانى في البداية معرفته أية تفاصيلٍ عن الأمر ، و بعد مواجهتى له بما تناهى إلى سمعى من توسطه بين طرفى النزاع منذ ما يقرب من شهرين رد بأن شرابى تحصل بالفعل على هذه الأموال و لكن على شكل دين مدنى ، فأخبرته : إن ما قيل لى غير ذلك ، فالجميع يصرون على أن شرابى استحصل على أموالهم بعقودٍ وقَّع عليها كصاحب شركةٍ تتولى توريد الخيام و المواد اللازمة لمعسكرات اللاجئين في تركيا من خلال مكتبٍ في أحد أحياء إسطنبول ، و أنه إذا صح ذلك فإنه يشكل جريمة نصبٍ متكاملة الأركان ، و إن كان الأمر لا يعدوا أن يكون مجرد دينٍ مدنىٍّ ـ كما تدعى ـ فلماذ هرب وليد شرابى من دائنيه ؟ و لماذا لا يوفى الناس حقوقهم التي أقر بها ؟ و أين هو الآن ؟
الحقيقة أننى رغم صدمتى في المستشار الوردانى لم أكن لأكتب حرفًا واحدًا مما أسرده الآن يقينًا منى بأن أصحاب الأموال التي استحصل عليها شرابى لن يتركوه دون استعادة أموالهم و هم ليسوا في حاجةٍ إلى أن أعيد سرد نزاعهم معه .
آثرت الصمت ولاسيما أن الوردانى تهرب ـ كعادته ـ من الرد على باقى ما كان يجول بخاطرى من أسئلةٍ واستفسارات ، و اكتفيت بعدم الانشغال بمثل هذه الحماقات ، فأنا أعلم أن الوردانى و شرابى وجهان لعملةٍ واحدة لا يفعل أحدهما شيئًا إلا بمشورة و مساعدة الآخر ، فالوردانى ـ و آخرون ـ يديرون و يخططون سرًّا و شرابى ينفذ علنًا ، إنهما شريكان في كل شئٍ ، و هما طموحان بشكلٍ مرضىٍّ ، يظنان أنهما باستطاعتهما التغلب على قوانين الجاذبية الأرضية و التحليق بلا جناحين في عنان السماء .
تذكرت أن هذا الرجل كان و كيلًا عنى في الطعن على الحكم الصادر في دعوى الصلاحية التي سبق أن حدثتكم عنها و أننى كنت قد طلبت منه أن يتقدم بصحيفة الطعن التي أرسلتها له ـ فخسب ـ وأكدت عليه ألا يحضر أية جلسةٍ من الجلسات ؛ ذلك أن القانون كان يوجب على المجلس الأعلى للتأديب ضرورة إعلانى قانونًا في محل إقامتى خارج البلاد بعدما ثبت لديه ـ بالفعل ـ من ظهورى بوسائل الإعلام أننى متواجدٌ بالدولة التركية و بعدما نجحت في إعلان المجلس بمحل إقامتى الجديد بالخارج .
كان إتمام هذا الإعلان يشكل عقبةً إجرائية أمام المجلس الأعلى للتأديب تَحُولُ دون استصدار الحكم في الطعن لحين وصول الإفادة بحصوله .
ظل الوردانى يؤكد لى دائمًا أنه لن يمثل عنى بأية جلسةٍ من الجلسات و لطالما كنت أذكِّره بذلك إلى أن فوجئتُ به و باقى الزملاء يتصلون بي هاتفيًّا ليطلبوا منى السماح للوردانى بالحضور بناءً على صفقةٍ تقتضى أن يحضر الوردانى عنى مقابل تأجيل نظر الطعن لمدة شهرين و في حالة عدم حضوره عنى سيقرر المجلس الأعلى للتأديب حجز الدعوى للحكم و إرجاء البت في شأنى لحين ورود الإفادة بإعلانى قانونًا في محل إقامتى يالخارج .
شددت على الوردانى بضرورة الالتزام بقرارى عدم المثول بالجلسات و أنه إن فعل غير ذلك سيكون مخالفًا للقانون و خائنًا للأمانة و شرحت له أن الإعلانات بالخارج في الأغلب الأعم لا تتم ، و من ثمّ سيكون ذلك بمثابة العقبة الإجرائية التي تحول دون استصدار الحكم في الطعن فأكد التزامه بحقى في عدم تمثيلى بتلك الجلسات .
فوجئت بالحكم بعدم قبول الطعن دون إتمام الإعلان المذكور فظننتُ ـ في ظل تأكيد الوردانى أنه لم يمثل عنى في أىٍّ من جلسات المحاكمة ـ أن الهيئة التي أصدرته قد أخطأت في حكمها فما كان لها ان تُقدِم على إصداره قبل تنفيذ الإعلان ، و أرسلت في طلب استخراج صورةٍ رسمية من الحكم المشار إليه فقوبل طلبى بالرفض تذرعًا بضرورة حضورى بشخصى .
حاولتُ الحصول على صورةٍ من هذا الحكم من أىٍّ من زملائى ممن تمكنوا من الحصول على صورةٍ منه فماطلوا و تحججوا و في النهاية امتنعوا عن الرد نهائيًّا إلى أن تمكنت خلال اليومين الماضيين من الحصول على صورة الحكم المذكور لأتفاجأ بإثبات الحضور عنى بجلسات المحاكمة .
لقد تواطأ الوردانى ورفاقه و اتفقوا فيما بينهم دون علمٍ أو موافقةٍ منى على إتمام الصفقة التي أشرتُ إليها و التى تقتضى حضور الوردانى بالجلسات بموجب التوكيل الرسمي الذى سلمته إياه قبيل سفرى ، و لما لا و هم أعضاءٌ فى تنظيمٍ واحدٍ أنا لست من بين أعضائه ، ما كنتُ و لن أكون يومًا من بين أعضائه .
فهل كان يجهل الوردانى أن ما أقدم عليه يشكل جناية تزويرٍ في محررٍ رسمىٍّ هو محاضر الجلسات التي أثبت فيها حضوره عنى و نسب إلىَّ ـ على غير الحقيقة ـ دفاعًا أو أقوالًا أو طلباتٍ لم أصرح له بإبدائها ذلك أننى حظرت عليه تمثيلى بالجلسات على نحوٍ كلىِّ ، أم كان يجهل أن ما فعله هو و رفاقه يعد خيانةً للأمانة و تآمرًا يستوجب الرد ، نعم لقد بادروا بالخيانة و البادى أظلم .
هذا التآمر و تلك الخيانة جعلانى أقف مع نفسى وقفةً أخيرة لمراجعة كل القناعات و الأفكار المسبقة التي كنت أتعامل من خلالها مع الأحداث و الأشخاص و المواقف ، و تأكدتُ أننى كنت أتعامل مع تشكيلٍ عصابىٍّ كنت أجهل حقيقته .
لذلك أنوه إلى حقيقة أننى ما كنتُ و لن أكون ـ يومًا ـ عضوًا في أىِّ جماعةٍ أو تنظيم أيًّا كان نوعه أو مسماه و أنه ـ منذ ما يقرب من أربعة أعوامٍ مضت ـ لا علاقة لى بما كان يُعرَف ” حركة قضاة من أجل مصر ” ، و ليس لى أي اتصالٍ من أىِّ نوعٍ كان بوليد شرابى منذ ذلك التاريخ ، و أنه من اليوم فصاعدًا لا صلة لى بأيمن الوردانى .
و أعد باتخاذ اللازم حيال ما حدث و ما يحدث و ما سوف يحدث إن شاء الله بعدما تكشفت لى الحقائق كاملةً جليةً ، ليس انتقاما من أحدٍ أو تصقيةً لحساباتٍ شخصية و لكن تصحيحًا لقناعاتٍ خاطئةٍ دُلِّس علىَّ فيها فأثمرت عن نتائج و أفكارٍ خاطئةٍ بطريق اللزوم .
أزعم أن لدىَ الكثير لأقوله في تجربتى مع هؤلاء و هم يعلمون ذلك ، و ربما أعلم أكثر مما يظنون ، و أعتقد أن عرض تجربتى سيكون مفيدًا ليس للمصريين وحدهم فحسب بل لسائر العرب و المسلمين .
المستشار عماد أبوهاشم
يسر المنظمة بالقيام بنشر كل التعليقات للرد على هذه الحقائق بدون الإساءة الى أحد
زر الذهاب إلى الأعلى