آخر الأخبارتحليلاتتراند

ولكن “سليمان الحلبي” لا بواكي له

بقلم الأديب الكاتب الساخر

المهندس/ محمود صقر

Mahmoud Saqr:

04/07/2020
استرداد الجزائر لأربع وعشرين جمجمة لشهدائها المجاهدين ضد الاحتلال الفرنسي فتح أعين العالم على جريمة فرنسية كانت محفوظة خلف جدران المتاحف، ولا تحظى بالانتشار بين عموم الناس.
ومن ضمن ماكشفت عنه جريمة فرنسا راعية حقوق الإنسان وجود جمجمة الشهيد “سليمان الحلبي” قاتل “كليبر” قائد جيوش المحتل الفرنسي لمصر، فبعد أن قتلت فرنسا سليمان الحلبي بوسيلة قتل وحشية تحمل براءة اختراع فرنسية، حيث تم قتله بالموت البطيء فوق الخازوق، لم يكتفوا بذلك بل قطعوا رأسه واعتبروها غنيمة حرب وقاموا بنقلها لعاصمة الأنوار ومصدر الإشعاع الثقافي “باريس”، ومازالت معروضة في متحف يسمونه (متحف الإنسان) .! .. ومكتوب تحت الجمجمة: (مجرم).

معا لإسترداد جمجمة سليمان الحلبى قاتل كليبر من متحف ألإنسان فى باريس

وعموماً فرنسا عريقة في حمل وسام براءات اختراع الوحشية في القتل، فقبل قتل “سليمان الحلبي” بقرنين تقريبا قامت السلطات الفرنسية بالقبض على مواطن فرنسي متهم بقتل الملك “هنري الرابع”، وقامت بقتله بطريقة مبتكرة ، حيث قاموا بربط أطرافه الأربعة (قدميه وكفيه) بحبال غليظة وربطوها في أرجل أربعة خيول قوية ثم أطلقوا عنانها ليتمزق الضحية حتى الموت وسط صيحات الجماهير المنتشية بمشهد القتل المبتَكَر .!
وبالمناسبة ؛ منذ بِضع سنوات نشرت وكالات الأنباء الفرنسية نبأ العثور على رأس الملك “هنري الرابع” .!
وأين كانت رأسه .؟!
كانت من ضمن ما تبعثر من رفات ملوك فرنسا من المقابر الملكية التي نبشها ثوار الثورة الفرنسية.!
أَوَقَد فعلوها .؟!
نعم ؛ فعلوها .. لقد نبشوا قبور ملوكهم وعبثوا بها، واكتشفتُ ذلك من شرح الدليل السياحي أثناء زيارتي لكاتدرائية “سان دونيه” في الضاحية الشمالية من باريس، من ضمن معلومات وحشية أخرى أَقَلُها حرق الكنائس بمن فيها، وغير ذلك مما لا يتسع لها المقال.


هذه المشاهد السريعة عن وحشية الفرنسيين هي امتداد طبيعي لوحشية أوروبا، فمن خارج منهج كتب التاريخ، بإمكانك الاطلاع على أعظم أثر روماني تفتخر به أوروبا كلها وهو “الكوليسيوم” الموجود في روما.
ما هو “الكوليسيوم” ياسادة يا كرام :
“الكوليسيوم” ملعب محاط بالمدرجات، كانت تقام فيه مباريات للمصارعة حتى الموت بين إنسان وإنسان أو بين إنسان وبين حيوان مفترس.!

والمدرجات تعكس التراتب الهرمي لمجتمع الرومان؛ في المقدمة الأمامية للمدرج منصة الإمبراطور وأعضاء مجلس الشيوخ، ويليهم في الطابق الثاني طبقة الأشراف والفرسان، أما الطابق الثالث والرابع، فكان مخصصاً للمواطنين العادين من بقية أفراد الشعب، وكلهم يتصايحون في نشوة وهم يرون الدماء السائلة والأشلاء المتناثرة واللحوم المهروسة بين أنياب السباع وعلى حد السيوف.!
أثر أوروبي وحشي لا يوجد له مثيل ولا شبيه على مستوى حضارات العالم كله.!
هذا الأثر الوحشي ليس فقط مصدرا لفخر أوروبا بتاريخها؛ بل مازال مصدر إلهام لثقافتها، فقد تم وضع صورته عام 2002 على عملة 5 سنت من اليورو، وتم استخدامه في العديد من الأعمال السينمائية، وتحت عنوان (أنت الأعلى أيها الكوليسيوم) ألف ولحن الموسيقي ومؤلف الأغاني الأمريكي “كول بورتر” أغنيته عام 1934 .
وكما شَكَّل “الكاو بوي” الأمريكي جزءاً من ثقافة أمريكا والغرب وفق صورته الفنية عبر السينما الأمريكية، بسرعته الفائقة في تصويب طلقاته في رأس خصمه، فقد كان المعادل الأوروبي له هو صورة المصارع الروماني.
فالوحشية الفرنسية الغربية ليست عارا يتوارون منه خجلاً، بالعكس؛ هم يفتخرون به وهو جزء أصيل من تاريخهم، ووسيلة قائمة ومستمرة لتحقيق مصالحهم، ومادة حاضرة دائمة في مهاجمتهم لغيرهم، وما تهمة إبادة الأرمن منا ببعيد.!
وكان بوسعنا السكوت عن جرائم فرنسا والغرب لو قاموا بالاعتذار عن جرائمهم وعدلوا من سلوكهم، ولكنهم يتمادون في العنصرية والبغي ويرموننا نحن العرب والمسلمين بالإرهاب، ويجدون من ببغاوات قومنا من يردد خلفهم، بما يضطرنا لفتح تلك الجراح التي مازالت تنزف.


نعود للمجاهد الشهيد سليمان الحلبي فإن كانت السلطات الجزائرية طالبت باسترداد جماجم شهدائها ونجحت في استرداد بعضها، فهل ستطالب سورية بجمجمة “سليمان الحلبي” بوصفه مواطنا سوريا.؟
أم هل ستطالب مصر باسترداد جمجمته بصفته دافع عن مصر وشعبها ضد المحتل الباغي.؟
أم أنه سيظل في حوزة المجرمين تحت اسم (المجرم) ويظل شهيدا لا بواكي له ؟؟!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى