آخر الأخبار

يأكل لحوم المصابين ويستهدف المزارعين.. قصة “المرض الصامت” الذي يخشاه آلاف السودانيين

في الوقت الذي يعاني فيه السودان من فيضانات ضخمة تسببت بوفاة أكثر من 100 شخص وتدمير الآلاف من المنازل وتشريد عائلاتها، فإن هناك مرضاً خطيراً يخشاه السودانيون ويسمونه “المرض الصامت” ينتشر بينهم. 

فبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن المايستوما هو “من بين أمراض المناطق المدارية الأكثر إهمالاً التي لا يوجد علاج ناجع لها”، “ولا يعتبر هذا المرض الذي يتآكل معه لحم الإنسان قاتلاً بشكل خاص، لكنه يدمر حياة وأجساد المصابين، إذ يتسبب في بعض التشوهات الجسدية وبتر الأطراف”.

مرض صامت: تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية نُشر الخميس 10 سبتمبر/أيلول 2020 رصد حالات الإصابة بالمرض في السودان. 

إحدى الحالات التي رصدها التقرير كانت خديجة أحمد، امرأة سودانية تبلغ من العمر 45 عاماً، كانت تزرع البصل في إقليم دارفور غرب السودان، لم تكن تعلم أن الشوكة التي داست عليها واخترقت قدمها ستجعلها ضحية مرض خطير.

لم تهتم خديجة بوخز الشوكة حتى بدأت قدمها في التورم وتدهورت حالتها تدريجياً إلى أن بُترت الساق، وكانت تمسك طرفها الاصطناعي في يدها بينما يفحص ساقها اليسرى المبتورة طبيب في مركز أبحاث المايستوما في الخرطوم، قبل إعطائها الأدوية التي ستحتاج إلى تناولها مدى الحياة.

قالت خديجة، التي تعيش بالقرب من مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور التي تبعد نحو ألف كلم غرب الخرطوم: “لقد انتظرت تسع سنوات قبل مجيئي (إلى المركز)، وعندما وصلت كان قد فات الأوان وكان لا بد من البتر”.

وأضافت الأم التي يعمل أطفالها أيضاً في الزراعة والحقول: “في البداية لم أشعر بأي ألم.. مجرد تورم واعتقدنا أنه سيمر، لكنه ازداد سوءاً”.

وغالباً ما يصيب مرض المايستوما أو “المادورا”، كما يطلق عليه البعض، القدم ويتسبب في تورمها عن طريق البكتيريا أو الفطريات الناتجة عن وخز الشوك في الأراضي الزراعية والحقول، وهو ما يدمر الجلد والعظام والعضلات بشكل خبيث.

وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن هذا مرض “موهن للصحة غالباً ما يصيب الفقراء في المناطق الريفية التي تكون إمكانية الحصول على الرعاية الصحية فيها محدودة”.

يتطور خلسة: يوضح البروفيسور أحمد حسن فحل، مدير مركز الأبحاث الذي يعتمد جزئياً على التبرعات لمواصلة نشاطه: “هذا المرض يتطور خلسة، ويمكن أن يستغرق عدة سنوات (…) ويظهر على أي جزء من الجسم”.

وأضاف: “يمكننا القول إن 60% من المصابين (…) لديهم أطراف مشوهة”، موضحاً أن المصابين “لا يستطيعون المشي بشكل طبيعي وتُدمر حياتهم الاجتماعية، والبعض لم يعد بإمكانهم العمل ويصبحون عالة على عائلاتهم”.

ومنذ إنشائه عام 1991، عالج المركز 9000 مريض مجاناً في جميع أنحاء البلاد، معظمهم من ولايات الجزيرة (وسط) والنيل الأبيض وسنار (جنوب). إلا أنه في الواقع يفوق عدد المرضى هذا الرقم بشكل كبير.

وقد تم بتر قدم أو ساق أو يد حوالي 20% من هؤلاء المصابين.

يقول فحل إن ضحايا المرض “هم الأكثر فقراً الذين يعيشون في قرى نائية وبدون موارد. ويمكننا القول إن من يصل إلى هنا (المركز) منهم هم الأكثر حظاً”.

يصيب المرض بشكل رئيسي الشباب، وخاصة المزارعين أو الرعاة، الذين غالباً ما يمشون حفاة.

إمكانيات بسيطة: وفي مستشفى المركز المتطور، يعالج ثلاثون طبيباً 400 مريض أسبوعياً، بعضهم يأتون من “حزام الورم الفطري”، أي من نحو أربعين دولة في المناطق الاستوائية أو شبه الاستوائية مثل إثيوبيا والسنغال وتشاد والهند والمكسيك وفنزويلا وغيرها.

في غرفة الفحص جلس وليد نور الدايم الشاب الذي يبلغ من العمر 22 عاماً والذي أتى من ولاية الجزيرة برفقة والده حتى يفحص الأطباء قدمه اليسرى المتورمة والمغطاة بضمادة ملوثة بالإفرازات.

يروي الدايم أنه منذ عام مضى كان في حقل للقمح عندما وخزته شوكة لم يشعر بها كثيرًا آنذاك، لكن لاحقاً ساءت الأمور ودخل المستشفى وتم توجيهه إلى المركز.

قال وقد بدا الاكتئاب واضحاً عليه: “الآن أنا في انتظار تقرير مصيري”.

يجب أن تحدد العينة ما إذا كان الورم لديه ناتج عن أحد الفطريات أو عن بكتيريا، لأن العلاج يختلف تبعاً لذلك.

ويمكن علاج المرض بسهولة باستخدام المضادات الحيوية على مدى عدة سنوات إذا كان سبب التورم بكتيريا، لكن لا تزال الأدوية غير فعالة نسبياً في علاج الفطريات.

قال فحل: “بدأنا عام 2017 مع مختبر ياباني ومنظمة غير حكومية مقرها في جنيف، مشروعاً بحثياً كبيراً يهدف، في غضون عامين، إلى تطوير دواء جديد فعال ضد البكتيريا والفطريات مع تقليل (فترة) العلاج إلى عام واحد”، وعلّق متمنياً: “إذا نجحنا، سيكون ذلك شيئاً عظيماً”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى