سيدتي

يضعون كل الأشياء في أفواههم ويسيل منهم اللعاب.. تفسير أكثر 10 تصرفات شائعة يفعلها الأطفال

هل تخيلت يوماً -أو ربما تمنيت- أن
يتحدث الأطفال الصغار جداً بطلاقة، ليستطيعوا إخبارنا بما يريدونه وما يحتاجونه
دون بكاء ولا صراخ، ولا نوبات غضب وتذمر تستمر لساعات أحياناً!

حسناً دعونا نأخذكم اليوم في جولة
تخيلية -مبنية على أسس علمية- نفترض فيها أن الأطفال من عمر سنة حتى 3 سنوات،
يستطيعون التحدث والتعبير بشكل سلس وكامل عما يدور بداخلهم وما يريدونه، لنتعرف
أكثر على عالمهم الصغير.

“أنا لا أقصد أن أتحداكِ يا أمي، أنا فقط أتعلم ماذا تعني حقا كلمة لا. هل لها حدود؟ هل لها استثناءات؟ هل تعمل تلك الكلمة أوقات معينة في اليوم أم دائماً؟”

“ماذا يعني الالتزام؟ أنا فهمت أن كلمة (لا) تعني أنكِ لا تريدين كذا. وأنا أحبك لذا توقفت مرة. لا أفهم لمَ تقولين لي (لا) مجدداً! هل كل مرة أنتِ لا تريدين مني فعل هذا؟!”

يقول علماء المخ والأعصاب إن الأطفال
ما دون الثالثة، قد “يعرفون” معنى كلمة (لا). لكنهم لا يدركونها. ويزيد
الأمر صعوبة أن مخ الطفل الأقل من ثلاث سنوات، لا يستطيع استدعاء المعلومات من
الذاكرة طويلة المدى لديه. وأن تلك المعلومات تخزَّن في مخه بشكل متفرق عشوائي،
ويعتمد الطفل في تلك المرحلة على الذاكرة القصيرة.

لذا يصعب على الطفل في السنوات
الثلاث الأولى من عمره، إدراك المعنى الحقيقي لكلمة لا. هو يفهم أننا لا نريد،
ولكن لماذا؟ وإلى متى سنظل لا نريد؟ وأن يستدعي تلك النواهي كل مرة، فهذا أمر يصعب
جداً على الطفل. فنجده يكرر ما ننهاه عنه مراراً وتكراراً.

“أراك يا أبي ثائراً لأنني بصقت على الأرض. ولا أفهم لم أنت ثائر!! قلت لي أن هذا (يع)، وصنعت بوجهك تعبيراً مخيفاً. ومازلت أجد في فمي الكثير من اللعاب لا أعرف أين أذهب به. ماذا أفعل؟!”

“شعرت ذات مرة بسائل يسيل من فمي على ذقني، وعندما أمسكته وجدته ينزلق في يدي. أحببت ملمسه وأحببت أن أمسكه كل مرة وألعب به على المنضدة، وعلى ألعابي. انزلاق هذا السائل على الأسطح يوّلد لدي الشعور بالمرح والانطلاق. أنا فقط أريد أن أمرح”

هل تعلم أن الغدد اللعابية لدى الإنسان
تُنتِج يومياً من لتر إلى لترين من اللعاب داخل الفم؟

نحن الكبار لا نشعر بتلك الكمية
الكبيرة لأن العضلات الموجودة داخل الفم لدينا قوية كفاية لتجعلنا نبتلع ذلك
اللعاب تلقائياً دون أن ننتبه وقبل أن يتراكم داخل أفواهنا.

وعملية نمو والتحكم في عضلات الفم
المسؤولة عن بلع اللعاب والتحكم فيه، تكتمل لدى الأطفال ما بين 18 و24 شهراً.

لذا من الطبيعي جداً حتى سن سنتين،
وبعدها بقليل أحياناً، ألا يستطيع الطفل التحكم في لعابه، وأن يخرجه خارج فمه. ثم
يبدأ اللعب به.

“أنا أستكشف الأشياء لأتعلم عن العالم من حولي. أجرب الكهرباء والسكين والقفز من المرتفعات لأتعلم. ولكني أراك يا أبي غاضباً. فيجعلني هذا خائفاً ولا أعلم ماذا أفعل وكيف أتصرف”

“نعم أعرف أنكِ لا تريدينني أن أحضر الوسادات وأتسلق عليها. وأنا أرى بعض الأشياء الجذابة جداً في شكلها ولونها وهيئتها ولكنها عالية. أحضر الوسادات وأتسلق عليها لأنني أحاول أن أحصل عليها. أريد أن ألعب”

النمو بالتجريب. إذا أمكننا فهم هذا
المعنى، سيوفر علينا الكثير من العناء والجهد مع الأطفال. الطفل ينمو بالتجريب. لا
يكفيه أبداً أن تخبره أنت عن نتائج الأفعال، أو عن عواقب سلوك ما. بل يحتاج لأن
يجرب بنفسه ويلمس تلك العواقب حتى يدركها عقله. ثم يحتاج بعد ذلك لتكرار تلك التجربة،
حتى يستطيع عقل الطفل أن ينقل تلك المعلومات للذاكرة طويلة المدى لديه، فتتحول
لعلم ونضج مناسب لعمره.

لا يعني هذا بالطبع أن نتركه يجرب
الأشياء الخطيرة، ولكن كلما أمكن تركه يجرب شيئاً ما لا يشكل تهديداً على سلامته،
سيكون ذلك أنفع له، وأريح لنا.

“هل تقصدين ألا أضع يدي في فمي؟ ولا أن ألتقط الأشياء كلها وأضعها في فمي؟ إن وضع الأشياء في فمي يريح اللثة عندي. إن لثتي تؤلمني. كما أن حاسة التذوق عندي نشطة جداً، وهي إحدى أهم أدواتي في التعلم حالياً”

“شعر أبي!! حلق أمي!! نظارات جدتي!! هل أحضرتم كل تلك الأشياء لي لأتعلم منها وألعب بها! يا لها من حفلة!”

منذ بداية الميلاد وحتى سنوات
الطفولة المبكرة، يستخدم الطفل الحواس الخمس لديه في التعلم عن العالم المحيط به،
والبيئة التي يحيا فيها. وقد أثبتت الدراسات الحديثة، أن حتى البالغين يتعلمون
أفضل بكثير عند إشراك حاسة أو أكثر لديهم في العملية التعليمية. لذا نجد الطفل مع
تطور عمره يبدأ في استخدام تلك الحواس الواحدة بعد الأخرى -نظر، سمع، شم، لمس،
تذوق- ليستكشف ويتعلم عما يدور حوله.

“نعم أمي أنا أعلم أنكِ تصرخين وأنكِ غاضبة، وأنا لا أضحك لكي أغيظك. أنا فقط خائف من صراخك ولا أعرف كيف أعبر عن خوفي، فأهرب منه بالتظاهر بالضحك. أنا من داخلي خائف وأبحث عن الأمان”

مخ الإنسان ينقسم لأجزاء، وأحد تلك
الأجزاء هو (القشرة الجبهية الأمامية) والمسؤولة عن المنطق والتفكير العقلاني.
وذلك الجزء بالتحديد، لا يعمل بكفاءة وقت شعور الإنسان بالخوف أو التهديد أو
الغضب. وحينها يبدأ جزء آخر من المخ، تولي قيادة السلوك، ويدفع الإنسان لأحد ردود
الأفعال الثلاثة الشهيرة (الهجوم/ الهروب/ التجمد). ما يعنينا هنا هو رد فعل
(الهروب) والذي يتم بأشكال كثيرة، أحدها هو الضحك. فنجد الطفل يضحك، وهو من داخله
خائف. هو فقط لا يستطيع مواجهة ذلك الشعور المخيف بداخله فيحاول الهروب منه.
تماماً مثلنا نحن الكبار، عندما نستاء من شيء ما بشدة فنبدأ تحويله لمزاح والسخرية
منه والضحك عليه.

“لماذا أنتم مستاؤون من دفعي لكم أو ضربي لكم؟؟ لقد وجدت نفسي أستطيع التحكم في يديَّ ورجليَّ وأريد تجريب تلك القوة التي ظهرت لي. كيف أستخدم تلك التطورات الجديدة التي حدثت في عضلاتي وجسمي؟!”

“هييييييه. لقد تمكنت من رمي الكرة بقوة ولمسافة كبيرة جداً. أنا سعيد أنني أنمو وأتطور، وأشعر بفخر أنني أستطيع الرمي الآن بقوة. لحظة.. لماذا أنت غاضب يا أبي؟ وما هذا الجرح الذي في عينك؟ ماذا حدث؟”

في السنوات الثلات الأولى بالتحديد
من عمر الطفل، يحدث النمو الجسدي لديه بسرعة كبيرة. تتطور عضلاته وقدراته الحركية
بشكل متتال في شهور قليلة، وينتقل من الحبو، إلى محاولة السير مترنحاً، وصولاً
للجري والقفز هنا وهناك. ومع كل ذلك تنمو أيضاً قدراته على التحكم في عضلاته وفي
أجزاء جسده. وشائع جداً بين الأطفال في تلك السن، انتشار سلوك الدفع والضرب. فلقد
وجد الطفل نفسه فجأة “يستطيع” الدفع والشد والجذب، ويصبح لديه احتياج
مُلّح لدفع الأشياء وجذبها.

فمن المهم أن نتفهم لديه ذلك
الاحتياج وأن نوّفر له بدائل آمنة لتفريغ تلك الطاقة؛ مثل اللعب بالسيارات، والكرة
القطنية، وخلافه.

“لا أفهم لم تصرخين يا أمي؟ ألست سعيدة أنني أستطيع الآن الاعتماد على نفسي وغرف الطعام؟ أنا كبرت وأريد أن أريك هذا!!”

 احتياج الطفل الصغير
للاستقلالية والاعتماد على نفسه، هو تماماً مثل الاحتياج للطعام والشراب. لذا كلما
علمتيه أداء المهام الخاصة به بنفسه، نضج هو بشكل صحي وسوي، وتجنبتِ أنتِ الكثير
من المشاحنات والمعارك معه.

“أنا خائف من تلك السيدة التي أراها للمرة العاشرة فقط. لا أتذكرها جيداً، وأمي تقولي لي إنها (طنط). ماذا تعني تلك الكلمة؟ ولماذا عليّ مغادرة حضن أمي؟ أنا خائف وأريد فقط أن أبقى بجوار أمي لأنها ملاذي الوحيد الذي أشعر معه بالأمان”

“أنا قلق من أن أبي لم يعد يحبني ولا يهتم بي. لقد نظر في هاتفه لمدة 5 دقائق كاملة ولم ينظر لي فيهم. أنا أخشى ألا ينظر لي مرة أخرى. حسناً سأجد شيئاً ما أريه له أو أطلبه منه، فقط لينظر لي فأطمئن أنه مازال يحبني”

احتياج الطفل للبقاء بقرب والديه هو
أساس مهم لصحته النفسية. ويواجه الطفل نوعاً من أنواع القلق (يسمى قلق الانفصال).
الكثير من الأطفال يفضلون قبل مقابلة “الغرباء”، أن يتم التمهيد لهم.
حتى وإن كان أولئك الغرباء هم أقارب أو أصدقاء لنا. وبعد التمهيد وأثناء المقابلة،
علينا أن نحترم رغبة الطفل إذا شعر أنه لا يريد تحية أحد ما. تطمينه أنه يستطيع
الرفض هنا مهم جداً لبناء الأمان لديه.

وكذلك الحال بالنسبة للانشغال عنه.
لا نقول أن نظل طوال الوقت منتبهين للطفل وفي تركيز تام معه، بالعكس فهذا ضار
عليه. لكن التمهيد له أننا سننشغل بكذا ولمدة كذا، يطمئن الطفل ويشعره بالحب
والاهتمام. كما أنه يجعله أكثر تقبلاً لانشغالنا.

“أنا لا أريد مشاركة ألعابي، ولا أستطيع أن أنتظر دوري. قدرتي على التحمل مازالت ضعيفة. وأخاف إن شاركت ألا أرى ممتلكاتي ثانية. المشاركة والانتظار هي مفاهيم لا أدركها وتمثل لي تهديداً”

“لا أعلم يا أمي لماذا أبكي. لا أريد أن أضايقك بكثرة بكائي، ولا أتعمد إزعاجك وقت راحتك. أنا فقط أشعر بأشياء داخلي لا أستطيع التعبير عنها. وهي موجعة وغير لطيفة. أنا خائف يا أمي ولا أعلم ماذا يحدث لي”

 من المعروف في علم سيكولوجية
الطفل، أن الطفل في السنوات الأولى من عمره يمر بمجموعة من الاضطرابات العاطفية
التي تحدث كل ٦ شهور تقريباً. وقد يستمر الاضطراب الواحد عدة شهور، لذا فالطفل
حرفياً يمر بسلسلة من نوبات الاضطراب العاطفي المتوالي طوال سنواته الثلاث الأولى.

لذا محاولة منطقة أسباب بكاء الطفل
وأن نبحث كل مرة عن سبب واضح معروف لنا، هو درب من العبث وإضاعة الجهد والوقت،
وتشكيل المزيد من الضغط على أنفسنا وأولادنا.

الأولى أن نقدم لهم فقط الاحتواء
والاحتضان خلال تلك النوبات دون أن نحاول فهم أسبابها بالمنطق.

عالم الأطفال، خاصة الثلاث سنوات
الأولى، هو عالم كبير مليء بالتغيرات والتطورات السريعة عليهم هم أنفسهم. ولكي
نعبر تلك السنوات بأمان مع أطفالنا، علينا بالكثير من التفهم، والكثير من الحب
والاحتضان، والكثير الكثير من التغافل والتجاهل. حينها سينمون بصحة نفسية سوية،
وصحة عاطفية قوية، ونكون نحن أكثر ارتياحاً واطمئناناً عليهم.

يسرا القارح أم لثلاثة أطفال، مقيمة في كندا. تهوى القراءة و الكتابة والتعلم الذاتي والبحث، باحثة ومتخصصة في مجالي التربية وعلم النفس منذ عام 2010

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى