آخر الأخبارالأرشيف

يومين من المظاهرات اليمينية المتطرفة و«صيد» الأجانب في شوارع مدينة ألمانية وأجواء من الرعب تهيمن على المهاجرين العرب بعد مقتل مواطن

تقرير اعداد
فريق التحرير
«هذه الأحداث أعادتنا إلى أكثر من عامين إلى الوراء، إلى زمن كنا نشهد خلاله مظاهرات يمينية متطرفة كل يوم إثنين، بعد أن كنا نعيش حياة طبيعية».. هكذا يلخص الشاب السوري محمد الرحيم تداعيات مقتل رجل ألماني خلال مشاجرة دامية بين عدة أشخاص، في وقت مبكر من ليلة السبت- الأحد، بعد الاحتفالات بمهرجان مدينة كمنتز الألمانية، تلتها يومان من التظاهرات العدائية وحملة «مطاردة» للأجانب في الشوارع.
وأضاف لـ «عربي بوست» أنه رأى في طريقه إلى عمله منذ يوم الإثنين 27 أغسطس/آب، مظاهر «الخوف من الأجنبي» في وجوه السكان الألمان، في المدينة التي يعيش فيها منذ نهاية العام 2015.
«وكأنهم يُشعِرون الأجنبي بأنه متهم»، مبيناً أن الوضع اختلف عما كان عليه الحال في السنوات الماضية.
وقال الرحيم، الذي يقيم وسط مدينة كيمنتز، ليس ببعيد عن المكان الذي شهد احتفال المدينة والجريمة، إنه بالطبع خائف من الوضع الحالي، وعلى نحو خاص على زوجته وطفله الرضيع، مشيراً إلى إمكانية تعرض زوجته في الشارع لأذى، لكونها ترتدي الحجاب، الخوف الذي لم يكن موجوداً سابقاً، حتى وهي تخرج مساءً للتسوق.
وأوضح أنه شخصياً لم يعد يجرؤ على الخروج من المنزل ليلاً، خشية تعرُّضه لهجوم من مجهولين، مشيراً إلى حالة الغضب التي تكتنف المحتجين.
الاتهامات تلاحق الأجانب في كل مكان
الشاب السوري الذي يتدرّب في عيادة طب أسنان في كمنتز، شعر بآثار أحداث اليومين الماضيين السلبية على المهاجرين واللاجئين على الفور في مكان عمله، إذ تحدث لـ «عربي بوست» عن رفض أحد المرضى المناوئين للأجانب العلاج وهو موجود في الغرفة، وتوجيهه اتهامات للأجانب بإلحاق الضرر ببلاده، ما اضطره بناء على طلب الطبيب إلى ترك الغرفة يوم أمس.
على النحو نفسه كان وضع شاب سوري يُدعى علي، عبر خلال لقاء مع تلفزيون «في دي إر فور يو» العام، عن خشيته من الخروج للشارع يوم الإثنين 27 أغسطس/آب خلال التظاهرات، مشيراً إلى أن المرء يمكن أن يتوقع حدوث أي شيء، في ظل خروج أناس «مجانين» للشارع، قد يكونون مخمورين أو مهتاجين من التعليقات المتداولة على شبكات التواصل الاجتماعي.
وعبر صديقه، وهو من سكان كيمنتز، عن صدمته مما شاهده في مدينته، خاصة «اصطياد» الأجانب، وفقاً لموطنهم، مشيراً إلى أن ذلك يذكر بالحقبة النازية بين عامي 1933 و1944، وأنه كـ «كيمنتزي» يشعر بحزن شديد على التطورات المحزنة.
وأوضح أنه شعر بالخوف أيضاً -رغم أنه أشقر- من الخروج للشارع، نظراً للوضع العام في المدينة، لافتاً إلى أنه خشي أن يطال صديقه علي مكروه في اليومين الماضيين.
الجريمة التي أطلقت سلسلة الاحتجاجات العنيفة
وأصدرت المحكمة الإقليمية في المدينة، يوم الإثنين 27 أغسطس/آب، مذكرة اعتقال بحق شخصين مشتبه بهما بشدة في قتل الرجل الألماني على ذمة التحقيق، هما سوري (23 عاماً) وعراقي (22 عاماً)، وتم وضعهما في الحبس الاحترازي.
وفقاً لتغريدة للشرطة في ولاية ساكسونيا، نشرتها أمس الإثنين، فإن الشخصين مشتبه بهما بشدة، في طعنهما على الساعة الثالثة ليلاً من يوم السادس والعشرين من أغسطس/آب، في شارع «بروكنشتراسه» في كمنتز، بعد جدال كلامي، ومن دون تبرير، رجلاً ألمانياً (35 عاماً).
وكانت الشرطة قد ذكرت في بيان سابق، أن المشاجرة التي جرت بين عدة أشخاص من جنسيات مختلفة أدت إلى إصابة 3 أشخاص (أعمارهم 33 و35 و38)، وأن البالغ من العمر 35 عاماً توفي لاحقاً متأثراً بجراحه البليغة.
وأشارت الشرطة إلى أن التحقيقات ما زالت متواصلة بشأن دافع الجريمة ومجرياتها والسلاح المستخدم.
رئيسة الشرطة في كمنتز سونيا بينتزل ذكرت في مؤتمر صحافي مشترك، الإثنين، أن الشرطة تقيم فيديوهات تم تصويرها من مظاهرات يوم أمس، التي تمت الدعوة لها على الإنترنت، تحت شعار «لنظهر من لديه القول الفصل في المدينة».
ونقلت عن زملائها توضيحهم أنه كان بين 800 متظاهر يوم الأحد، قرابة 50 مهيئين لاستخدام العنف، يقومون بتوجيه المظاهرة، وأنه لم يتجاوب التجمع مع كلام الشرطة، بل تمت مهاجمة عناصر الشرطة بالقوارير والحجارة خلال المسير، ولم تستطع الشرطة التأثير على المشاركين في هذا التجمع إلا عبر استخدام رذاذ الفلفل والهراوات.
وأوضحت أن هناك 3 شكاوى جنائية مسجلة حتى الآن لدى الشرطة، بعد تعرض شاب أفغاني (18 عاماً) وألمانية (15 عاماً) كانت ترافقه لإصابات طفيفة، جراء التهجم عليهما من قبل مجموعة من الأشخاص، إلى جانب تعرض شاب سوري (18 عاماً)  للضرب أيضاً، حيث تمكنت الشرطة من القبض على الجاني. وأشارت إلى تعرض رجل بلغاري للاحتجاز من قبل شخص مجهول والتهديد أيضاً.
ملاحقات للأجانب حتى من الشرطة
وقال الشاب السوري محمد لـ «عربي بوست»، إنه كان موجوداً يوم الأحد عند موقف للحافلات وسط المدينة، وشاهد كيف كانت تتم ملاحقة  كل من يبدو مظهره أجنبياً، ومحاصرة سيدات مرتديات للحجاب في محل لبيع البضاعة التركية.
وكان حساب الشرطة في ولاية ساكسونيا على موقع تويتر واظب منذ يوم الأحد على نفي الشائعات المتداولة على شبكات التواصل الاجتماعي، ومن قبل بعض وسائل الإعلام، والدعوة إلى عدم نشر التكهنات، فأوضح أنه وفقاً للتحقيقات ليست هناك أية دلائل على أن المشادة اندلعت بعد واقعة تحرش، قيل إنها حدثت، وإن الرجال الثلاثة أرادوا حماية امرأة. وعادت وأكدت اليوم أنه على عكس الشائعات لم يسقط قتيل آخر بعد وفاة الشخص المصاب في المشاجرة.
من هو الضحية؟
ويدعى الضحية «دانييل»، وفقاً لما أكدته جمعية تقدم التدريب والدعم المهني في كمنتز، وكان قد أنهى تدريباً مهنياً كنجار فيها بين عامي 2011 و2014.
وذكر موقع «تاغز شاو» أن صفحة الضحية الشخصية على فيسبوك تظهر تعاطفه مع الوسط اليساري، وإعجابه بعدة صفحات وفعاليات للوسط اليساري.
وأشار تلفزيون «فيلت» إلى أن والدته ألمانية ووالده كوبي، وأن الضحية ترك وراءه زوجة وطفلاً في السابعة من العمر.
الحكومة الألمانية تدين الاعتداءات على الأجانب
وأظهرت فيديوهات نُشرت على شبكات التواصل الاجتماعي عن أحداث يوم الأحد، إطلاق المحتجين ألفاظاً عنصرية وصيحات «نحن الشعب» و «اخرجوا من مدينتنا»، واشتباكهم مع الشرطة التي كانت متواجدة بأعداد قليلة، وتهجمهم على الأجانب.
وأدان شتيفن زايبرت، المتحدث باسم الحكومة الألمانية الاعتداءات على الأجانب التي حدثت في شوارع كمنتز أمس الأول، قائلاً إن ما كان يمكن مشاهدته في مواقع من كمنتز أمس، وما تم تصويره في فيديوهات، ليس له مكان في دولة القانون لدينا.
وبين أنهم لا يقبلون بالتجمهر غير القانوني و»مطاردة» الناس ذوي المظهر والموطن المختلف، أو محاولة نشر الكراهية في الشارع، وأن الحكومة الاتحادية تدين بشدة ذلك، مؤكداً أنه لا ينبغي أن تكون هناك «عدالة ذاتية»، يأخذ فيها الناس ما يرون أنه حقهم بيدهم.
برلماني من حزب «البديل» اليميني المتطرف يبرر أعمال العنف
واستغل حزب «البديل لأجل ألمانيا» الاضطرابات كما هو متوقع، وبدا ماركوس فروهماير، النائب عن الحزب في البوندستاغ، يبرر للغوغاء تصرفاتهم، قائلاً على تويتر، إنه «إن لم تعد الدولة تستطيع حماية المواطنين، يذهب الناس إلى الشارع ويحمون أنفسهم، هكذا ببساطة!»، مدعياً أنه بات واجباً على المواطن إيقاف «مهاجري السِّكين الجالبين للموت»، محرضاً بالقول إن القتل «كان يمكن أن يطال والدك أو ابنك أو شقيقك».
ورداً على سؤال، علق المتحدث باسم الحكومة زايبرت على دعوة «فروهماير» غير المباشرة الناس إلى تطبيق العدالة بأنفسهم، وعلى النحو الذي يرونه، بالقول إنه «ليس هناك مكان في ألمانيا للعدالة الذاتية، أو للمجموعات التي تريد نشر الكراهية في الشوارع، أو عدم التسامح أو التطرف».
وذكر الرئيس السابق لحزب الخضر جيم أوزدمير بمقولة الكساندر غاولاند، رئيس حزب «البديل لأجل ألمانيا» اليميني المتطرف العام 2017: «سنطاردكم (يقصد سياسيي الأحزاب الحاكمة).. وسنسترجع شعبنا»، وكيف بات يطارد «العنصريون العنيفون» المهاجرين في الشارع في كمنتز في العام 2018، فيما تبدو الشرطة قد حُملت أكثر من طاقتها، مبيناً على حسابه بموقع تويتر أن استخدام لغة عنيفة كما فعل غاولاند خطر على الحياة والبدن.
وقال رئيس وزراء الولاية ميشائيل كريتشمر (الحزب المسيحي الديمقراطي) ظهر أمس، إنه من المقرف قيام اليمينيين المتطرفين بالتحريض على الإنترنت، والدعوة إلى العنف، مؤكداً أنهم لن يسمحوا بتضرر صورة ولايتهم عبر الفوضويين.
وحذَّر الخبير بالشؤون الداخلية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي بوركهارد ليشكا، بعد المواجهات بين اليمينيين واليساريين أمس، من محاولة البعض اصطناع حرب أهلية في البلاد لجذب المتطرفين ونشر الخوف والرعب في نفس المواطنين.
وقال لصحيفة راينيشه بوست محذراً: «في بلدنا أقلية يمينية تستغل كل فرصة لنقل تصوراتها الخيالية عن حرب أهلية إلى الشوارع».
ونقل تلفزيون «دويتشه فيله عربية» اليوم الثلاثاء، عن الخبير الأمني ليشكا قوله، في إشارة إلى دور «حزب البديل من أجل ألمانيا» اليميني الشعبوي في تأجيج مظاهر العنف اليميني في المجتمع: «هناك في البرلمان حزب يصفق ويهلل لمشاهد مطاردة الأجانب في الشوارع، ولمشاهد ممارسة العدل بأنفسهم من قبل يمينيين متطرفين، وهو أمر يجب مواجهته من قبل الأغلبية الديمقراطية في المجتمع بموقف واضح وبصوت رافض مرتفع لا يقبل الجدل، عندما يتعلق الأمر بوحدة المجتمع، وعندما يتعلق الأمر بالديمقراطية ودولة القانون».
احتجاجات جديدة الإثنين والآلاف يشاركون في مظاهرتين شهدتا أعمال عنف

وتجددت الاحتجاجات والمظاهرات، أمس الإثنين، حيث خرجت أمام تمثال «كارل ماركس» في المدينة، تظاهرة يسارية مناهضة للعنف وكراهية الأجانب والنازيين الجدد، دعا إليها حزب «دي لينكه» اليساري، ضمّت قرابة 1500 مشارك، مقابل مسيرة يمينية ضخمة، كانت حركة «برو كمنتز» قد دعت إليها، وصل تعداد المشاركين فيها إلى 6 آلاف، بحسب تقديرات الشرطة، بينهم عناصر يمينية متطرفة.
ووقعت صدامات بين الجانبين، تم خلالها رمي قوارير وألعاب نارية، ما أدى إلى إصابة 18 من المشاركين في التظاهرتين واثنين من عناصر الشرطة، بحسب تقرير الشرطة الشامل عن أحداث يوم أمس.
وبينت الشرطة في تقريرها، أنها لاحظت أن مشاركين من ولايات برلين وبراندنبورغ وساكسونيا السفلى وتورنغن وشمال الراين فستفالن، بعضهم من المنتمين للأوساط اليمينية والهولغينز المستعدين لارتكاب أعمال عنف، وصلوا إلى كيمنتز للتظاهر مع حركة «برو كيمنتز».
وحاول 591 من عناصر الشرطة جاهدين التفريق بين الجانبين، وسط أجواء عدائية، إلا أن تحضيراتها كانت أقل من المطلوب، ولم تستطع التعامل مع الوضع، وإبقائه تحت السيطرة، واعترفت أنها لم تتوقع هذا العدد من المتظاهرين، متذرعة بعدم إمكانية تقييم الدعوات التي كانت توجه على شبكات التواصل الاجتماعي بشكل كاف خلال أقل من يوم واحد.
جاء هذا الإقرار رغم أن رئيسة الشرطة في المدينة كانت قد أكدت قبل ساعات من ذلك على حصولهم على تعزيزات وتحضيرهم أنفسهم جيداً لمظاهرات أمس.

وعرض وزير الداخلية الاتحاد هورست زيهوفر، اليوم الثلاثاء، دعم الشرطة في ساكسونيا، التي قال إنها في وضع صعب.
واستعملت الشرطة قاذفات المياه لردع المتظاهرين اليمينيين الذين وصلوا إلى الجانب الآخر لمضايقة المظاهرة اليسارية، الأمر الذي كان قد أدى إلى وقوع إصابات بين الجانبين. كما سُجلت مهاجمة قرابة 15 شخصاً لمنزل وإلحاقهم إصابات بشخص فيه، لتسجل الشرطة لاحقاً بيانات 9 أشخاص كانوا متواجدين في المكان، للتحقيق ضدهم بشبهة إلحاق أذى بدني جسيم.
ونُشر منذ يوم أمس عدد كبير من صور المشاركين في التظاهرة اليمينية المتطرفة، وهم يؤدون التحية النازية، التي يعاقب عليها القانون الألماني.
وذكرت شرطة ساكسونيا الثلاثاء، أنها سجلت 10 حالات لأشخاص أدوا ما يعرف بـ»تحية هتلر»، وبدأت التحقيق ضدهم، وأنها أخذت البيانات الشخصية لبعضهم في المكان عينه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى