تقارير وملفات إضافية

يُعبَّد الطريق للبيت الأبيض بمليارات الدولارات.. هل يمكن لمايكل بلومبيرغ شراء فوزه بالانتخابات الرئاسية؟

يُعبَّد الطريق إلى البيت الأبيض بالدولارات والأموال. لكن في عام 2020، يأمل مايك بلومبيرغ أن يسدَّ طريق التنافس هذا بأكبر جدار مالي سبق وأن أنفقه شخص واحد على الانتخابات في تاريخ الولايات المتحدة.

تقول صحيفة The Guardian البريطانية، إن إمبراطور الإعلام وعمدة نيويورك السابق، الذي يُعَد من بين الأثرى في العالم، دخل السباق الرئاسي متأخراً وبأكوام من المال، في محاولة لقلب نموذج الحملة الانتخابية العادي رأساً على عقب، وإزاحة الرئيس دونالد ترامب. فتعهَّد بإنفاق ما يصل إلى مليار دولار من ثروته، ولو أنَّ بعض التقارير تفيد بأنَّه قد يضاعف هذا المبلغ.

وأطلقت ثروته حملة انتخابية تقطر مالاً؛ فأغدق بمئات الملايين على الإعلانات، واستعان بآلاف الموظفين ومنحهم امتيازات مدهشة، وأقام شبكة من الرعاية السياسية أكسبته تأييدات مهمة. وقد أوصلته أمواله حتى الآن إلى الصف الأول في السباق الرئاسي الديمقراطي، متجاوزاً منافسين يخوضون المسار التقليدي للحملات الانتخابية منذ أكثر من سنة.هاجم المنافسون الديمقراطيون بلومبيرغ على منصة المناظرة الرئاسية مساء الثلاثاء، 25 فبراير/شباط، لكن يظل السؤال المطروح هو: هل يمكن لأكثر حملة انتخابية في تاريخ الولايات المتحدة ثراءً أن تشتري طريق وصولها إلى البيت الأبيض فعلاً؟

تقول سارة برينر، مديرة الأبحاث بمركز سياسات الاستجابة المستقل، إنَّه في حين كانت الثروة دائماً أداة في الانتخابات، يضطلع المال الآن بعمل أكبر من المعتاد مع بلومبيرغ. وقال: “إنَّه، بصورةٍ ما، يُغيِّر حدود ما هو ممكن”.

أنفق بلومبيرغ في الربع الأول من حملته الانتخابية 188 مليون دولار، وحين دخل سباق الحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كان المرشح الأوفر حظاً آنذاك، جو بايدن، قد جمع 59 مليون دولار طوال عام 2019. وتُظهِر آخر الأرقام المُعلَنة الأسبوع الماضي أنَّ بلومبيرغ أنفق حتى الآن 460 مليون دولار.

يذهب الجزء الأكبر من مبلغ النصف مليون دولار تقريباً هذا إلى الإعلانات، إذ تغطي إعلاناته أسواق التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي بوابل من الرسائل. لكنَّ فيضان الرسائل هذا مُوجَّه بعناية كذلك؛ إذ أنفق 124 مليون دولار على الإعلانات في 14 ولاية تجري الانتخابات التمهيدية فيها يوم 3 مارس/آذار المقبل، فيما يُعرَف بـ “الثلاثاء الكبير”، حين يكون لدى معظم المصوتين فرصة لإظهار مَن يريدونه أن يُمثِّل حزبهم في الانتخابات الرئاسية.

وأينما اتجهت أنظار الأمريكيين، تتجه حملة بلومبيرغ. واتخذ بلومبيرغ خطوة غير مسبوقة بشراء فترة إعلانية لمدة 60 ثانية، بقيمة 10 ملايين دولار أثناء مباراة “السوبر بول”، وأعلن الرئيس ترامب أنَّه سيفعل الشيء نفسه بعد ذلك بساعات.

لكن الأمر لا يتعلق فقط بالإعلانات، إذ أوجدت ثروته الهائلة حملة انتخابية قادرة على الإنفاق بسخاء على نفسها، في تناقض صارخ مع الأسلوب البسيط لمعظم الحملات الرئاسية.

إذ يدعم بلومبيرغ إيجارات بعض موظفي حملته، وتحصَّل الموظفون على آخر إصدارات هواتف iPhone وحواسيب MacBook المحمولة ورواتبهم عالية. وفي بعض المناسبات، يُمنَح المصوتون المحتملون وجبات مجانية من شطائر اللحم، وسمك السلمون المدخن، وجبن البري الأبيض الطري بالعسل. بل ووفقاً لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، وظَّفت الحملة مئات الأشخاص في كاليفورنيا لينشروا أموراً إيجابية عن بلومبيرغ على حساباتهم، في مواقع التواصل الاجتماعي ولإرسال رسائل لأصدقائهم عنه.

إنَّ إنفاق أكبر قدر من الأموال لا يضمن الفوز، لكنَّ سيارا توريس-سبيليسي، مؤلفة كتاب “Political Brands”، قالت إنَّ ظهور اسم السياسي أمام الناس شيء لا يُقدَّر بثمن. وأضافت: “المرشح المستعد للترويج لنفسه هو عادةً المرشح الذي يفوز”.

وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة أنَّ الإنفاق يساعد بالتأكيد. إذ دخل بلومبيرغ السباق في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بدعم يبلغ 3% فقط. لكنَّ شبكة NBC News وصحيفة The Wall Street Journal نشرتا الثلاثاء، 26 فبراير/شباط، استطلاعاً للرأي أظهر قفز الدعم لبلومبيرغ إلى 14%، ما يضعه خلف بيرني ساندرز وبايدن فقط. ويتصدر في بعض الولايات، مثل فلوريدا وأوكلاهوما.

ومع هذا، فإنَّ مجموعة المعطيات المختصرة والسردية غالباً بشأن نجاح المرشحين الأثرياء في الانتخابات الرئاسية ليست في صالح بلومبيرغ.

وفي انتخابات 2012 و2016 الرئاسيتين، خسر المرشحون الذين أنفقوا أكثر الأموال. وأخفق كبار الأثرياء الآخرين الذين حاولوا شراء طريقهم وصولاً إلى الرئاسة، مثل روس بيرو وستيف فوربس.

قالت توريس سبيليسي، أستاذة القانون في جامعة ستيتسون: “إحدى الظواهر التي قد تحدث هي أن الشخص الثري قد يكون وحيداً. فهم لديهم الكثير من المال لإنفاقه على حملاتهم، لكن إن لم يتمكنوا من التواصل مع المصوتين، فإنَّهم يميلون للفشل”.

لكن بالطبع، هناك سابقة حديثة ناجحة ولافتة للنظر لنجاح الأثرياء ذوي البشرة البيضاء الذين يترشحون لدخول البيت الأبيض: دونالد ترامب.

تعلَّم بلومبيرغ على منصة المناظرة أن لا أحد يستطيع دائماً الحصول على ما يريد، حتى لو كان أحد أغنى الأشخاص في العالم. كان عمدة مدينة نيويورك السابق هدفاً رئيسياً للمرشحين الديمقراطيين الخمسة الآخرين، وبدا عليه التوتر والانزعاج أثناء تعرضه لوابل من الانتقادات القاسية من جانب منافسيه الديمقراطيون بشأن سياساته وتصريحاته السابقة.

قالت السيناتور إليزابيث وارن في تصريحاتها الافتتاحية: “يخاطر الديمقراطيون مخاطرة كبيرة إذا اكتفوا بمجرد الاستعاضة عن ملياردير متغطرس بملياردير آخر على نفس شاكلته”، وذكَّرت بلومبيرغ بإهاناته السابقة للنساء والمثليين جنسياً.

على عكس معظم المرشحين الممولين ذاتياً، يملك بلومبيرغ تاريخاً سياسياً. إذ شغل منصب عمدة مدينة نيويورك في الفترة من 2002 إلى 2013، بعد إقناع مجلس المدينة للسماح له بالترشح لولاية ثالثة. كان بيت بوتيغيغ، أحد المرشحين في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، يشغل منصب عمدة مدينة ساوث بيند في ولاية إنديانا، لكنها مدينة صغيرة يبلغ عدد سكانها 101 ألف نسمة.

وعلى الرغم من أنَّ تجربة شغل منصب عمدة واحدة من أكبر مدن العالم ينبغي أن يمنح بلومبيرغ ميزة إضافية، أثبتت أيضاً أنَّها ورقة ضغط بسبب السياسات المثيرة للجدل التي دعمها.

قبل أيام من إعلانه الترشح للرئاسة الأمريكية، اعتذر بلومبيرغ لأول مرة عن سماحه للشرطة بـ “إيقاف وتفتيش” مَن تشك به، وهي ممارسة عنصرية دعم بلومبيرغ توسيع نطاقها خلال فترة توليه منصب عمدة نيويورك، واستهدفت الأشخاص السود على نحو غير متناسب. 

في الوقت نفسه، لم يعتذر عن برنامجه لمراقبة الجاليات المسلمة من جانب شرطة نيويورك أثناء شغله المنصب. وقد زعمت دعوى قضائية أنَّه تحرّش جنسياً بموظفات يعملن في إمبراطوريته الإعلامية “بلومبيرغ”، التي بفضلها جمع ثروته البالغة 64.2 مليار دولار.

ومع ذلك، لا يتّضح ما إذا كانت تلك القضايا ستؤثر حقاً في الناخبين الذين كثيراً ما يشاهدون دعاية وإعلانات بلومبيرغ المتواصلة، والدعم الذي يحظى به من شخصيات بارزة في مجتمعاتهم.

استطاع المال شراء ما هو أكثر من الإعلانات وفريق عمل بارع ممول جيداً. إذ تلقى بلومبيرغ، الجمهوري السابق الذي دعم جورج دبليو بوش، عشرات المصادقات من رؤساء بلديات ديمقراطيين وأنصار بارزين لقضايا ليبرالية مثل حيازة السلاح والبيئة، وهي قضايا أنفق الملياردير الأمريكي في سبيلها الكثير من الأموال، باعتباره نصيراً للقضايا الإنسانية.

ووفقاً لصحيفة The New York Times الأمريكية، أنفق بلومبيرغ ما لا يقل عن 10 مليارات دولار على الأنشطة الخيرية والسياسية. وقد قفز رقم مساهمته السنوية في مثل هذه الأنشطة إلى 3.3 مليار دولار، في العام الذي أعلن فيه ترشحه، أي أكثر مما أنفقه في السنوات الخمس السابقة مجتمعة.

أصبح بلومبيرغ أيضاً أهم مُتبرع سياسي للحزب الديمقراطي منذ مغادرته منصب عمدة نيويورك. إذ أنفق أكثر من 100 مليون دولار لمساعدة الديمقراطيين على الفوز في انتخابات التجديد النصفي لاستعادة السيطرة على مجلس النواب. وقد فازت 15 امرأة من بين 21 نائباً منتخباً جديداً ساندهم بلومبيرغ.

وجاء جزء كبير من تلك الأموال من مؤسسة بلومبيرغ للأعمال الخيرية، الذراع الخيرية لإمبراطوريته المالية والإعلامية. ويبدو أنَّ مبلغ الـ350 مليون دولار الذي تبرَّع به من خلال تلك المؤسسة الخيرية لدعم ما يقرب من 196 مدينة بالمنح وأشكال أخرى من التمويل قد أسهم في تعزيز سمعته بين رؤساء البلديات في شتى أنحاء الولايات المتحدة، إذ دعم أكثر من 100 رئيس بلدية مسعى بلومبيرغ للفوز بالرئاسة الأمريكية.

وقد حضر ثلاثة من رؤساء بلديات ولاية كاليفورنيا، الذين أعلنوا دعمهم لبلومبيرغ في يناير/كانون الثاني، فصولاً تدريبية في البرنامج التابع لمبادرة بلومبيرغ هارفارد، لتدريب رؤساء البلديات في الولايات المتحدة “Harvard City Leadership Initiative”.

أشار البعض إلى أنَّ تبرعات ومنح بلومبيرغ السخية كان لها أثر سلبي مروع من خلال إسكات كل شخص أو جهة كانت قد استفادت من دعمه.

قال عدد من المدافعين عن المشردين والمُعلّمين في نيويورك لموقع HuffPost الأمريكي كيف يمكن لشبكة الدعم والولاء، التي شكَّلها بلومبيرغ، أن تخلق ثقافة تحد من الانتقادات الموجهة له.

كان الملياردير الأمريكي قد تبرَّع أيضاً بأموال للجمهوريين. في عام 2012، تبرَّع بمليون دولار للجمهوريين في مجلس شيوخ ولاية نيويورك، وذلك عقب تبرعات سابقة لأعضاء مجلس شيوخ الولاية الذين ساعدوا في تشريع زواج المثليين.

يتمثَّل النموذج الأقرب لحملة بلومبيرغ في الملياردير الأمريكي، الذي يشغل المكتب البيضاوي حالياً: دونالد ترامب. يعتبر ترامب المرشح الرئاسي الوحيد الممول ذاتياً، الذي استطاع تحقيق نتائج جيدة في التاريخ الحديث.

لكن ترامب اعتمد اعتماداً كبيراً على المانحين الأثرياء، وكان حجم إنفاقه أقل من منافسته هيلاري كلينتون. ومع تدفق التبرعات، لم ينفق ترامب حتى الآن دولاراً واحداً من جيبه الخاص على حملة إعادة انتخابه. تسير حملة بلومبيرغ على خطى حملة ترامب، لكن بوتيرة أقوى وأشد كثافة. هذا يجعل جهود ترامب في حملة إعادة انتخابه تبدو ضئيلة مقارنة بحملة بلومبيرغ.

ومع ذلك، قد لا يُمثّل ذلك أي أهمية لأنَّ أحد الدروس المستفادة من حملة ترامب الرئاسية عام 2016 تبيّن أنَّ المال قد لا يكون أهم عنصر في السباق السياسي.

وفي هذا الصدد، تقول سارة براينر إنَّ “حملة كلينتون جمعت تمويلاً يفوق حملة ترامب بدرجة كبيرة، ولم يُشكّل ذلك أهمية. وأعتقد أن الناس ما زالوا يكافحون من أجل التوفيق بين موقفين متعارضين: هل اشترى ترامب الانتخابات؟ وإذا كان قد حدث ذلك، ألم تكن ستتوقع خسارته لأنه لم يكن لديه نفس القدر من المال مثل خصمه”.

ثمة قضية رئيسية في محاولة شراء طريق الوصول إلى البيت الأبيض، وهي أنَّه في حال لم يعتمد المرشح على صغار المانحين، سيكون من الصعب إثبات شعبيته الحقيقية وسط جمهور الناخبين. لهذا السبب عادةً ما تميل الأحزاب في ظروف الانتخابات العادية نحو مرشحين أظهروا مدى شعبيتهم من خلال تبرعات جاءت إليهم من مصادر متعددة.

لكن حالياً، يشق بلومبيرغ طريقه الطويل في الانتخابات الأمريكية بإنفاق نصف مليار دولار حتى الآن. وتعليقاً على ذلك، قالت سيارا توريس-سبليسيس: “يملك بلومبيرغ بالتأكيد ثروة تتيح له خوض معركة هائلة سواء في الحزب الديمقراطي أو الانتخابات العامة”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى