
- ==============
- من روائع الكاتب الأديب
-
الدكتور جمال محمد
الهجرة الشريفة … بين التوكل الله و الأخذ بالأسباب :
================
” الا تنصروه فقد نصره الله اذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا , فأنزل الله سكينته عليه و أيده بجنود لم تروها و جعل كلمة الذين كفروا السفلي , و كلمة الله هي العليا , و الله عزيز حكيم “.
مما لا شك فيه أن الهجرة النبوية الشريفة لم تكن الحدث الأهم في تاريخ الأمة الاسلامية فقط , لكنها الحدث الأهم في تاريخ البشرية كلها …و ليست فقط لأنها كانت فتحا للاسلام , و لكن لأنها كانت منهجا للهجرة الدائمة المطلوبة من المعصية الي الطاعة , و من عبادة الأرباب و الطواغيت و العجول الذهبية الي عبادة رب الأرباب , بل و الي الحرية المطلقة المتمثلة في الخضوع و العبودية لله وحده دون سواه , تعلو فوق الانتماء الي عرق أو بلد و لون .. بتجرد تام لله عز و جل .
و قصة الهجرة تضعنا أمام منهجا ربانيا متكاملا في الأخذ بالأسباب , بعد التوكل علي رب الأسباب و مسببها في حينها …منهجا ربانيا اصطفي به الله أمة خير الأنام عليه الصلاة و السلام , علي سائر الأمم الي قيام الساعة , خاصة اذا عقدنا مقارنة بية اصطفاء أمم سابقة كبني اسرائيل , أو نبي مرسل مصطفي كموسي عليه السلام , كما سيتبين من السياق التالي .
اصطفي الله رسولنا الكريم عليه أفضل السلام علي سائر الأنبياء و المرسلين , كما اصطفي أمته علي سائر الأمم , و يكفي أنها أول الأمم دخولا الي الجنة ان شاء الله . ولكن هذا الاصطفاء كان له ثمنه ” العملي ” , و ايعازا بانتهاج نهج الأخذ بالأسباب و ليس الركون و التواكل كما فعل بنو اسرائيل بالقاء المسئولية علي أنبيائهم علي الدوام : – اذهب أنت و ربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون , – ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها و قثائها …الآيات , بل جاءهم التابوت تحمله الملائكة تثبيتا لهم و ظلل الله عليهم الغمام و أنزل عليهم المن و السلوي , و لكن المحصلة كانت استحقاقهم للعنة من الله عز و جل .
فكان من أهم دروس الهجرة الشريفة أهمية الأخذ بالأسباب مع التوكل علي رب الأسباب , يرسمه لنا رسولنا عليه السلام في قصة الهجرة , طريقا ليضع لنا خطا فاصلا بين التوكل و ….التواكل.
ضرب لنا رسولنا الكريم عليه السلام أعظم الأمثلة في الأخذ بالأسباب و التخطيط السليم للأحداث العظام من خلال هجرته الشريفة . فالاستعداد للهجرة لم يأتي في عدة أيام بل سبقه اعدادا طويلا , أوله السرية التامة و حتي خل الرسول في الهجرة , أبو بكر الصديق , لم يعلم بهذا الأمر الا في آخر اللحظات .
” و اذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك , و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين .”
و لنا هنا وقفة قصيرة , فالله سبحانة وتعالي و حاشاه ليس من أسمائه الماكر …فما معني مكر الله ؟؟ مكر الله = الذي يحبط مكر من سواه . و امعانا في المكر بالكفار جاءت الهجرة في توقيت قمة استعداد الكفار لاحباطها و النيل من الرسول عليه السلام و قتله , ليس قبلها و لا بعدها بليلة , ليتأكد معني الآية الكريمة ..” و الله غالب علي أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون .” , و ليتيقن المؤمنون الي قيام الساعة أن مكر أولئك هو يبور و أنهم ما هم بمعجزين , مهما خططوا و أعدوا العدة و صرفوا الأموال و جيشوا الجيوش و قاموا بانقلابات , و مهما كذبوا و دلسوا , فمكرهم الي بوار .
و ليصدق فيهم قوله عز و جل …” قد مكر الذين من قبلهم فأتي الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم و أتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ” .
اجتمع أربعون فارسا من القبائل ليقتلوا الرسول عليه السلام و يتفرق دمه في القبائل , و في ذات الليلة أمره الله بالخروج , و لنا هنا وقفة مع الفدائي الصغير الذي علمنا معني العمليات الاستشهادية التي لنا معها عودة في قصة الغلام من سورة البروج و استدلالاتها و التي فيها الرد علي علمائنا المأفونين الذين كانوا يصرون علي تسمية تلك العمليات بالانتحارية ( مقال : أصحاب الأخدود و اعلام الدجال .. الجزء الثاني ) . بات علي بن أبي طالب في سرير الرسول عليه السلام ليلة الهجرة , زيادة في الحيطة و التخطيط…..فماذا حدث ؟ بعد ايمان راسخ و يقين بالله و أخذ بالأسباب يليه توكل علي رب الأسباب , و هنا فقط تدخلت ( يد القدرة ) ليخرج الرسول بين ظهرانيهم ويضع التراب علي الرؤوس , فأغشاهم الله و لم يبصروا ” و جعلنا من بين أيديهم سدا و من خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ” , و لكن هل هزتهم تلك الآية ؟!
” و ما تغني الآيات و النذر عن قوم لا يؤمنون .”
هذا هو حال أهل الكفر و النفاق و أعداء الدين و المنهج الرباني دائما لا يرتدعون و لا تهزهم الآيات و لنا في أهل الانقلاب عبر كثيرة أشرنا اليها في مقالنا السابق .
موعد الهجرة لم يعلمه الا القلة القليلة في حينه , منهم أبناء أبي بكر عبد الله و أسماء اللذان كانا يأتيان بالطعام و الأخبار الي الغار , و عبد الله بن اريقط الدليل الكافر الذي اختاره الرسول عليه السلام أخذا بالأسباب ولتيقنه بكنمانه و ائتمانه للسر , وليتبين لنا المغزي , لنقرأ سويا هذه الآيات من سورة القصص ” و لما توجه موسي تلقاء مدين قال عسي ربي أن يهديني سواء السبيل .”
كان من الممكن أن يدعو الرسول عليه السلام ربه ليرشده الطريق , و لكنه يعلمنا الأخذ بالأسباب و التخطيط السليم , حتي في طريق هجرته لم يأخذ الطريق الدارجة انما أخذ طريق البحر غير المطروق , امعانا مرة أخري في الأخذ بكل أسباب التخطيط و الحيطة . ثم هناك من كان يسير خلفه لمحو آثار السير ….الي هنا أخذ رسولنا الكريم بكل الأسباب البشرية يعلمنا اياها ويرسم لنا طريقا نسلكه علي الدوام ……و مع ذلك و مع كل هذا التخطيط و الحيطة و الحذر , وصل اليهم الكفار والرسول عليه الصلاة و السلام في الغار معه صاحبه ليعلم البشر أجمع معني التوكل علي الله بجملة “ لا تحزن ان الله معنا ” , و التي تعكس أعظم درجات التوكل علي الله , في وقت يقول له صاحبه يا رسول الله لو نظروا تحت أقدامهم لرأونا , و هنا أعمي الله أبصارهم فلم يروا الرسول عليه السلام و لا صاحبه و هم ينظرون اليه مباشرة , هنا تدخلت ( يد القدرة) الالهية مرة ثانية , بعد نية صادقة و يقين ثابت و توكل مع الأخذ بالأسباب , فأغشي الله أبصارهم فلم يروهم , و ما يعرفه الناس عن نسيج العنكبوت و اليمامتين علي باب الغار لم يثبت عنه أي دليل في الأثر
***
و حتي يرسخ المعني و لا يتسرب اليأس أو القلق الي القلوب , فمهما كان التخطيط و الأخذ بالأسباب , فالله ” الوكيل ” , هو الذي يكمل النقص في الاستعداد و التخطيط البشري , فالأمر منه و اليه علي الدوام .
حدث بعد ذلك أن لحقهم سراقة علي فرسه , و هنا أيضا تتدخل ( يد القدرة ) الالهية , فاذا بفرسه يغوص في الرمال فعلم أن الرسول عليه السلام معصوم , فأعطي العهد و الأمان للرسول عليه السلام و خذل عنهم و وعده الرسول عليه السلام سواري كسري , و هو في قمة المحنة , و هنا تأتي العظمة و المعجزة .
ثم يصل الرسول عليه السلام الي المدينة المنورة , ايذانا بفتح للاسلام و بزوغ فجر جديد , ليتيقن الجميع أن الله بالغ أمره بعز عزيز أو ذل ذليل , و مهما حاول الكافرون و المنافقون و المرجفون محاربة الدين و النهج الرباني , ليثق المسلمون في وعد ربهم و نصره لهم اذا ساروا علي نفس النهج ” و كان حقا علينا نصر المؤمنين ” , ما دام اعلاء كلمة الله و الدين هو الهدف و الغاية , و ما كان الله مخلف وعده رسله . و كما أن الشئ بالشئ يذكر أضيف تصحيحا لمعلومات مغلوطة توارثناها جميعا , فلم يثبت أن استقبل أهل المدينة الرسول عليه السلام بنشيد ” طلع البدر علينا ” , و انما أنشد هذا النشيد عند عودة الرسول عليه السلام من غزوة تبوك , و في ذلك استدلالات تاريخية و جغرافية
***
ليس مجال ذكرها الآن .
انها معادلة , آخرها نصر الله , فقط نحقق المطلوب منا كمسلمين كما رسم لنا الرسول عليه السلام الطريق الي ذلك , بعد معاناة مع أنه كان من الممكن أن يدعو الله فيصل الي المدينة في طرفة عين , مثلا كحادثة الاسراء و المعراج و لكن , و حتي لا يتسرب اليأس أو الوهن أو التواكل الي القلوب , أخذ بكل سبب ممكن مع صدق توكل علي الله ليخط لنا تلك المعادلة :
( ايمان بالله مع توحيد خالص + صدق النية + أخذ بالأسباب + توكل علي الله = نصر من الله و فتح قريب ) .
و نحن الآن في انتظار( يد القدرة ) , ليحق الله الحق بكلماته و لو كره الكافرون و لو كره المنافقون و لو كره الانقلابيون , فقط …. اصدقوا الله و أروه منكم خيرا , و أحسنوا التوكل عليه و التقرب اليه ( موسي …و فرعون و عباد العجل .. الجزء الثاني ) , و اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا الله لعلكم تفلحون .
فالبشري كل البشري , أراها قد اقتربت , و أرانا و قد هاجرنا الي الله و رسوله و تركنا عاداتنا الموروثة بل و أهلنا , بعد أن أحببنا في الله و أبغضنا في الله , و صارت تلك سمتنا , و أصبح اعلاء كلمة الله غايتنا غير متعصبين لشخص و لا فئة , لا يعنينا الا رفعة شأن ديننا و الذود عنه , نركب سفينة الايمان , رايتها التوحيد , و أشرعتها اليقين بالله و الأخذ بالأسباب و التوكل علي الله و الثقة في موعود الله , نبحر في بحر متلاطم غير آبهين بمخاطر و هانت علينا الحياة و قدمنا الشهداء , فأبشروا و أبشروا ثم أبشروا بنصر من الله و فتح قريب …………
و بشر المؤمنين .
فستذكرون ما أقول لكم و أفوض أمري الي الله , ان الله بصير بالعباد .
و كل عام و أنتم بخير و من الله أقرب.
——————————————————————————————————————-
***
كتاب الرحيق المختوم = لصفي الدين المباركفوري , و هو بحث متقدم حول كل المعلومات المغلوطة المتعلقة بالسيرة النبوية و الهجرة .
جزاك الله عنا خيرا علي هذه السلسلة الأكثر من رائعة , و التي ننتظرها بفارغ الصبر .
اللهم اسنعملنا و لا تستبدلنا .
واثقون في نصر الله لعباده المؤمنين .
اللهم انصر دينك و كتابك و سنة نبيك و عبادك الصالحين .
كم أنت مبدع ؤ كم لكلماتك عميق الأثر في بث الأمل في نصر الله و معيته للمؤمنين
نحن أمام مؤلف يكتب بحرص شديد عن أحداث التاريخ الإسلامى عضد الشريعة وهو يريد أن يقدم لنا الصحيح منها فى ثوب حديث ذلك أن كثيرا من الأحاديث وضعت إبان النزاع السياسى بين المسلمبن لتعضيد وجهة نظرهم امام خصومهم وكثير من التفسيرات التى وضعها بعض اليهود الذين أسلموا طبقا لرؤيتهم بحسن نية وبعضهم وضعها بسوء نية والتى قد لاتتوافق مع رؤية الإسلام ولذلك قام كثير من علماء الإسلام من فحول المؤرخين واللغويين والفقهاء وعلماءالقراءات بوضع الحديث الشريف على طاولة النقد العلمى واستبعدوا منه الأحاديث التى لا تتطايق مع القرآن أو لاتتفق مع لغة العصرالذى بعث فيه الرسول بما يسمى نقد المتن ثم وضعوا علم الجرح والتعديل لنقد الرجال وهكذا نقحوا الحديث الشريف من الموضوعات ومن الترهات
والآن ظهر ثلة من علماء السوء يفتون بفتاوى بعيدة عن الإسلام خدمة لمصالح الإنقلاب فجرفوا الكلم عن موضعه ونسبوا ذلك إلى القرآن والسنة فهنيئا لمن يعمل فى حقل الرد على المبتدعة عصمة للمسلمين من الإنجرار وراء فتاوى هؤلاء المرتزقة الفاسقين
اللهم هيئ لنا الاسباب حتى يأتينا النصر. ،وارزقنا حسن التوكل عليك. ،مقال رائع يدعو للقوة. ،اللهم ارزقنا بها يارب العالمين. ،جزاك الله خيرا