آخر الأخبارالأرشيفتقارير وملفات

350 عاما من الصراع الدموى بين روسيا وتركيا ..13 حربا بين موسكو والأستانة

تقرير بقلم

محمد شرف الدين

الساعة الثانية عشرة تقريبًا بتوقيت جرينتش، مقاتلة روسية من طراز Su-24 تصارع السماء هاويةً من حالق، بعد إصابتها بصاروخ أطلقته واحدة من مقاتلتين تركيتين تعقباها فوق الحدود السورية – التركية، وفي مرآة النيران المنبعثة من الحطام يطل التاريخ مقلبًا صفحات كتاب خُطت سطوره بالدماء، عنوانه “13 حربًا بين موسكو والأستانة”.

كتاب-خُطت-سطوره-بالدماء

  • -1- الحرب العثمانية – الروسية الأولى «1568 – 1570»

ربما لم يكن قاسم باشا، قائد الجيش العثماني، يعلم عندما حاصر القوات الروسية في مدينة أستراخان – أعرق مدن نهر الفولجا – أنه بذلك يطلق صافرة البداية لأطول سلسلة من المواجهات الحربية بين دولتين في التاريخ، والتي استمرت لثلاثة قرون ونصف قرن من الزمان، خاضت خلالها الدولتان العظمتان 13 حربًا، انتهت 7 منها بانتصار روسيا القيصرية، فيما رفع الباب العالي رايات النصر في 3 حروب، وحسم «التعادل الدموي» مصير 3 أخريات.

لم ينجح قاسم باشا في اختراق الدفاعات الروسية في أستراخان، التي كان قيصر روسيا الأول “إيفان الرابع” – الملقب بـ”الرهيب” – قد استحوذ عليها في عام 1556، فقد أقبل المدد الروسي بقيادة الأمير “كنياز سريبيانوف” ليدحر القوات العثمانية المحاصرة، قبل أن تعقد الدولتان معاهدة لإنهاء القتال.

  • -2- حريق موسكو ومعركة مولودي «1571 – 1572»

  • معركة-مولودي

لم يكن يوم 24 مايو 1571 يومًا عاديًا في موسكو.. لقد كانت تحترق بعد أن اجتاحتها جيوش تتار القرم، بقيادة الخان “دولت كراي الأول”، مدعومًا بقوات عثمانية، ليشعل النيران في أرجاء العاصمة الروسية، التي لم ينج صرحها الأعظم “الكريملين” من لهيب الترك والتتر.

كان هذا قبل عام من انتصار روسيا على “دولت كراي” والجيش العثماني في معركة مولودي، وهو ما حال دون تحقيق الحليفين حلمهما في استعادة المدينتين ذواتا الغالبية المسلمة أستراخان وقازان من “إيفان الرهيب”.

  • -3- الحرب العثمانية – الروسية «1676 – 1681»

بعد 100 عام من السلام أطلت الحرب برأسها من جديد، كان الصراع هذه المرة حول أوكرانيا، وأشعلت نيران القتال نهر الدنيبر على مدار 5 سنوات.

انتهت الحرب بانتصار العثمانيين الذين كانوا يعيشون تحت قيادة السلطان “محمد الرابع” العصر الذهبي لنفوذهم وسطوتهم على جنوب وشرق أوروبا.

  • -4- حرب الحلف المقدس «1686 – 1700»

مثلت هذه الحرب منعرجًا في تاريخ الصراع بين العدوين اللدودين، حيث اندلعت بدعوة من بابا روما “إنوسينت الحادي عشر” لتشكيل “حلف مقدس” من “روسيا القيصرية، وبولندا، إمبراطورية النمسا، والبندقية” لطرد الأتراك من أوروبا، مستغلًا ترنح الدولة العثمانية بعد هزيمتها الساحقة أمام الجيش البولندي بقيادة “يوحنا سوبيسكي” في معركة فيينا عام 1683.

فشل العثمانيون في صد الطوفان الأوروبي الذي اجتاحهم على العديد من الجبهات، واضطروا في النهاية إلى توقيع معاهدة “كارلوفيتش” المذلة، والتي تنازلت فيها الأستانة عن حصن آزوف الإستراتيجي لصالح روسيا.

  • -5- الحرب العثمانية – الروسية «1710 – 1711»

أعادت هذه الحرب جزءًا من الكرامة العثمانية التي كانت قد أُهدرت تحت وطأة ضربات الحلف المقدس، فقد استطاع “بلطة جي محمد باشا” أن يحكم الحصار حول الجيش الروسي بقيادة قيصر روسيا “بطرس الأكبر” الذي كاد أن يسقط أسيرًا في قبضة الأتراك، ولكن انتهى الحصار بعقد معاهدة تنازل القيصر بموجبها عن آزوف، وتعهد بعدم التدخل في شؤون شعب “القوزاق”.

  • -6- الحملة الروسية – النمساوية على الدولة العثمانية «1736 – 1739»

شنت كل من روسيا والنمسا هجومًا متزامنًا في جبهتين مختلفتين على العثمانيين.

استطاع الجيش العثماني تدمير الهجوم النمساوي، وتحجيم الهجوم الروسي، ما أدى إلى عقد معاهدة بلجراد بين الجانبين، ونصت على هدم قلاع مدينة آزوف التي كان الروس قد أعادوا احتلالها خلال الحرب.

  • -7- الحرب العثمانية – الروسية «1768 – 1774»

أعلن العثمانيون الحرب على الإمبراطورية الروسية ردًا على احتلالها لبولندا، معلنين تحالفهم مع المعارضة البولندية، وهو ما واجهته روسيا بهجوم شامل على كافة الجبهات.

أبحر أسطول القيصرة كاترين الثانية في رحلة طويلة من بحر البلطيق إلى البحر المتوسط عبر المحيط الأطلنطي، ليخترق “المياه الدافئة” للمرة الأولى في تاريخه، ويلتقي بالعثمانيين في موقعة شيسما البحرية قرب السواحل التركية عام 1770، والتي انتهت باحتراق الأسطول العثماني.

وضعت الحرب أوزارها في النهاية بهزيمة قاسية لم يسبق للباب العالي في تاريخه أن ذاقها أمام الجيوش الروسية.

  • -8- الحملة الروسية – النمساوية الثانية على الدولة العثمانية «1787 – 1789»

عرضت روسيا قائمة من المطالب التعجيزية على الباب العالي الذي رفضها، لتجتاح جيوش سان بطرسبرج وفيينا الأراضي العثمانية من جديد، باتفاق مسبق بين الطرفين على تقسيم الدولة بعد الاستيلاء على عاصمتها الأستانة.

ولكن لم تلبث النمسا أن وقعت معاهدة “زشتوي” مع العثمانيين خوفًا من تحالفهم مع الثورة الفرنسية ضدها، فيما واصلت روسيا انتصاراتها على جميع الجبهات، حتى تدخلت كل من بريطانيا وبروسيا وهولندا لوقف القتال بين الجانبين وتوقيع معاهدة “ياش”، من أجل توحيد كافة القوى الأوروبية ضد وهج الثورة الفرنسية الذي كان يهدد وقتها بإضاءة ظلام أوروبا.

انتهت الحرب بهزيمة للعثمانيين واستيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم بصورة نهائية.

  • Aboukir
  • -9- الحرب العثمانية – الروسية «1806 – 1812»

دفع القيصر بقواته إلى صربيا لدعم الثورة ضد الحكم العثماني، حيث كانت روسيا تنصب نفسها – ومازالت – حاميةً للشعوب السلافية، ورفعت في جميع حروبها ضد الباب العالي شعار “حماية الأخوة السلاف”.

نجحت الإمبراطورية الروسية في تحقيق العديد من الانتصارات على الجيوش التركية، لكنها اضطرت في النهاية إلى التراجع وعقد معاهدة “بوخارست”، كي تتفرغ لمواجهة الاجتياح الفرنسي لأراضيها في الشمال بقيادة نابليون بونابرت.

  • -10- الحرب العثمانية – الروسية «1828 – 1829»

اندلعت هذه الحرب على خلفية الثورة اليونانية ضد الحكم العثماني “1821 – 1832″، والتي دعمتها كل من روسيا وبريطانيا وفرنسا ضد الباب العالي ومحمد علي والي مصر، وواصلت سان بطرسبرج انتصاراتها على إسطنبول، كما شاركت البحرية الروسية في إغراق الأسطولين العثماني والمصري في موقعة نوارين البحرية عام 1827.

  • -11- حرب القرم «1853 – 1856»

مثلت هذه الحرب النزاع المسلح الأقوى في العالم منذ الحروب النابليونية.

مع انتصاف القرن التاسع عشر بدأ قادة روسيا – وعلى رأسهم القيصر نيقولا الأول – ينظرون إلى الدولة العثمانية على أنها “رجل أوروبا المريض” الذي حان الوقت للفتك به واقتسام ميراثه، وهو ما عرضه القيصر على السفير البريطاني في سان بطرسبرج، الذي رفض الصفقة وأبلغ السلطان العثماني بنية روسيا.

كانت بريطانيا لا ترغب في تفكيك الدولة العثمانية بشكل يسمح لروسيا باحتلال الأستانة والوصول إلى البحر المتوسط، ومنازعة بريطانيا نفوذها في “المياه الدافئة”، لذا أوعزت للسلطان العثماني برفض مطالب روسية تعجيزية حول أوضاع الأرثوذكس تحت الحكم التركي، واستقلال الجبل الأسود.

قدمت روسيا مطالبها تلك إلى العثمانيين كذريعة لإعلان الحرب، واستكمالًا لتنفيذ خطتها التوسعية بمفردها، بعد رفض كل من بريطانيا وفرنسا مشاركتها، وفي المقابل أكدت الأخيرتان للسلطان أنهما سيدعمانه في مواجهة القيصر.

في أكتوبر 1853 غزت روسيا الأراضي الرومانية التابعة للدولة العثمانية، لتشتعل واحدة من أعنف الحروب في القرن التاسع عشر.

ففي 27 مارس من العام التالي أعلنت كل من بريطانيا وفرنسا الحرب على روسيا، وشنا مع الدولة العثمانية هجومًا مشتركًا على ميناء سيفاستوبول عاصمة شبه جزيرة القرم، ومقر أسطول البحر الأسود الروسي.

سقطت سيفاستوبول في سبتمبر 1855 بعد عام من الحصار والمعارك العنيفة في قبضة التحالف الثلاثي، الذي انضمت له فيما بعد كل من مملكة سردينيا “إيطاليا مستقبلًا” ومصر وتونس.

واضطرت روسيا للاستسلام لشروط القوى المنتصرة في فبراير من العام التالي، خاصةً بعد تهديد النمسا بأن “قوى أوروبية أخرى قد تدخل الحرب إلى جانب الدولة العثمانية”.

  • -12- الحرب العثمانية الروسية «1877 – 1878»

تفاقمت الأوضاع في البلقان وتعاظمت قوة الحركات التحررية الهادفة للتخلص من الحكم العثماني، فاندلعت الثورة في كل من البوسنة والجبل الأسود، حيث واجهتها الجيوش العثمانية بالقمع الدموي، وهو ما أعطى الفرصة من جديد لروسيا لإعلان الحرب على تركيا بصفتها “حامية السلاف والأرثوذكس”.

اجتاحت الجيوش القيصرية أراضي الدولة العثمانية في القوقاز والبلقان، ووصلت إلى مسافة 50 كيلومتر فقط من إسطنبول، ما اضطر السلطان عبد الحميد الثاني لطلب الصلح، وعقد معاهدة سان ستيفانو، وتقديم العديد من التنازلات ثم المشاركة في مؤتمر برلين، الذي أعلن استقلال كل من رومانيا وصربيا والجبل الأسود عن الباب العالي.

واضطرت القوات الروسية لوقف زحفها نحو إسطنبول نظرًا لرفض القوى الأوروبية الكبرى احتلال العاصمة العثمانية، حيث اعتبرت أنه سيؤدي – في حال حدوثه – إلى تغول روسيا واتساع نفوذها.

  • -13- الحرب العالمية الأولى «1914 – 1918»

لم يكن جنود مدفعية الأسطول العثماني – وهم يطلقون قذائفهم الأولى على الموانىء الروسية – يدركون بالتأكيد أنهم يرسمون بأيديهم المشهد الدرامي الأخير في حياة الإمبراطوريتين العجوزين اللتين أشبعتا الأرض نيرانًا ودماءًا.

اليوم 31 أكتوبر 1914، الأسطول العثماني يقصف مينائي أوديسا وسيفاستوبول الروسيين على البحر الأسود معلنًا الحرب على روسيا القيصرية، ومتحالفًا مع ألمانيا وإمبراطورية “النمسا – المجر”.

ردت كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا بإعلان الحرب على تركيا في الخامس من نوفمبر، لتبدأ الجيوش العثمانية غزو الأراضي الروسية منطلقةً من شرق الأناضول، مفتتحةً سلسلة من المعارك العنيفة التي أشعلت ثلوج القوقاز لـ3 سنوات متتالية.

نجحت جيوش القيصر نيقولا الثاني في صد الهجوم على القوقاز، ودفعت الجيوش العثمانية أمامها إلى داخل الأناضول، لتحتل عدة مدن تركية منها أرضروم وطرابزون في عام 1916.

ولكن لم يلبث الجيش الروسي أن انهار في القوقاز بفعل الأزمات الداخلية والهزائم الساحقة التي مُنيت بها قوات القيصر في مواجهة ألمانيا والنمسا، ما مهد لقيام الثورة البلشفية، لتضطر الحكومة الروسية الجديدة لتوقيع معاهدة “بريست ليتوفيسك” مع دول الوسط، والتي تنازلت بموجبها عن الكثير من أملاكها في القوقاز لصالح الدولة العثمانية، ولكن الباب العالي لم يهنأ بها طويلًا .. فقد كان هو أيضًا على موعد مع الفناء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى