الأرشيفكتاب وادباء

العدو القريب

بقلم المحلل السياسى
حاتم غريب
————–
لم يعد يقتصر مفهوم العداء على عدو دينك أوعقيدتك أو هويتك يأتيك من خارج نطاق وحدود أرضك بغرض احتلالها ونهب ثرواتها ونشر الخراب والدمار فى ربوعها والايقاع بين أفراد شعبها بل تعدى الى ماهو أخطر وأشرس من ذلك العدو الداخلى الذى يخرج من بين أفراد الشعب الواحد حين تقوم ثلة من عديمى الأخلاق والشرف والضمير بالسيطرة على مقاليد الحكم فى الدولة بالقوة المسلحة وينصبون على رأسهم ديكتاتورا مستبدا يجمع كل السلطات فى يده فيحول منظومة الدولة الى منظمة ارهابية اجرامية تمارس شتى أنواع الارهاب والاجرام فى حق الشعب بداية من قتل وسلب ونهب ثروات وهتك أعراض وانتهاء بالتجويع والتشريد والافقار والتجهيل والاذلال والاستعباد والظلم وذلك من خلال تشكيلات عصابية تتفرع من تلك المنظومة وتعمل لصالحها وصالح انفسها وتتخذ من مؤسسات الدولة ستارا لممارستها الاجرامية كالجيش والشرطة والقضاء والاعلام وغيرها من المؤسسات المكونة للدولة وبذلك تتحول مؤسسات الدولة بكاملها الى تشكيل عصابى مجرم خارج عن السيطرة.
……………………………………………………..
هذا بالتأكيد مايحدث وحدث بالفعل فى الدول التى تتعرض لانقلابات عسكرية على الأنظمة الشرعية المنتخبة من الشعب باختياره وارادته وخير مثال على ذلك هو مصر وماتعرضت له من أول انقلاب عسكرى فى بداية الخمسينيات من القرن الماضى والذى أطاح بالملك فاروق اخر ملوك الاسرة العلوية فى مصر وأسفر هذا الانقلاب الذى قام به تشكيل عصابى من داخل الجيش مستغلين فى ذلك بعض السلبيات التى كان يعانى منها المجتمع وقت ذاك كالفروق الطبقية الشاسعة بين أفراد الشعب خلاف مؤامرة ماسمى وقتها بالاسلحة الفاسدة فى حرب 1948 وان كنت اعتقد أنها مدبرة من بعض الخونة من داخل الجيش نفسه فقد أسفر هذا الانقلاب الغاشم عن تحول نظام الحكم فى مصر من ملكى الى جمهورى سيطر عليه هذا التشكيل العصابى وحتى يومنا هذا منذ مايقارب خمسة وستون عاما ومن العجب أن هذا التشكيل العصابى وضع مبادىء لانقلابه وأطلق عليها وقتها مبادىء الثورة وماهى بثورة وان كانت هذه المبادىء بالفعل لايضعها الا ثوريون فكان الاغرب أن يضعها انقلابيون سيطروا على الحكم بقوة السلاح فكانت هذه المبادىء:
القضاء على الإقطاع.
القضاء على الاستعمار.
القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم.
إقامة جيش وطني قوي.
إقامة عدالة اجتماعية.
إقامة حياة ديمقراطية سليمة.

……………………………………………………….
لو تناولنا كل مبدأ من هذه المبادىء بالتحليل على حده لتبين لنا أن أيا منها لم يتحقق بل على النقيض تماما من هذه المبادىء عملت هذه العصابة فهى وان كانت قامت باقتطاع بعض الاراضى الزراعية من طبقة الاقطاعيين وقتها واعادة توزيعها على صغار الفلاحين الا انها اى العصابة تحولت بعد ذلك وبمرور السنين الى أكبر عصابة اقطاعية عرفتها مصر فقد خصوا أنفسهم بالاراضى والقصور والممتلكات والثروات والامتيازات متفوقين فى ذلك على الاقطاعيين والعائلة المالكة فأصبحوا اقطاعيين وملوكا بين عشية وضحاها.
………………………………….
أما القضاء على الاستعمار فهو وان البعض قد ظن انه تحقق بخروج البريطانيين واجلائهم من مصر الا أن العصابة نفسها قد تحولت الى مستعمر جديد أكثر شراسة وعنصرية من الاستعمار الخارجى فاحتلوا مصر واستعبدوا شعبها.
أما عن القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم فهو مالم يتحقق كذلك بل أصبح المال هو المتحكم الرئيس فى نظام حكم هذه العصابة من خلال عملية تزاوج كاثوليكى بين المال والسلطة والمال الذى أعنيه هنا هو المال الحرام الذى يأتى من خلال رجال الاعمال الفسدة المفسدين حين يضعون أيديهم فى أيدى هذه العصابة ليتحدوا ضد الشعب فى نهب ثرواته وممتلكاته والمتاجرة به.
…………………………………….
أما جيش وطنى قوى فقد ثبت من خلال الحروب التى خاضها هذا الجيش انه لم يكن قويا بما يكفى ومشكوك فى وطنية غالبيته وماتعرضنا له من هزائم ونكبات فى حربى 56 و67 وممارساته التى يمارسها الان ضد الشعب وقتله الابرياء وتشريد الاهالى من مدنهم فى سيناء وغيرها ومحاولته عزل سيناء عن مصر وبيع اراضى مصر لدول اخرى واعترافه بالكيان الصهيونى كصديق لهو خير دليل على عمالته وخيانته وضعفه فى مواجهة الاعداء الحقيقيين.
…………………………………………
كذلك لم تستطع هذه العصابة أن تقيم عدالة اجتماعية وفشلت فشلا زريعا فى تحقيق ذلك وعمدت الى ترسيخ الظلم الاجتماعى واتساع الفوارق الطبقية بدرجة رهيبة بين أفراد الشعب واتباع نظام الوساطة والمحسوبية واحتكار الثروة والسلطة والمناصب فانتشر الفقر والبطالة والتشرد والمعاناة من الامراض والاوبئة.
………………………………………….
أما اخر هذه المبادىء فمن السخرية حقا أن تسمع عن عسكر يسعون لاقامة حياة ديموقراطية سليمة وهم بطبعهم لايعرفون حقيقة الديموقراطية داخل مؤسساتهم التى تعتمد كل الاعتماد على اعطاء الاوامر وتنفيذها دون مناقشة أو ابداء رأى فالديموقراطية لايوفيها حقها سوى المدنيون الذى يتمتعون بقدر كبير من الفهم والمرونة والاستماع للرأى الاخر وحرية الفكر وهذه صفات معدومة لدى هذه العصابة بالطبع لم ولن يحققوا شىء من ديموقراطيتهم المدعاة فهاهو الانقلاب الثانى على أول حكم مدنى فى مصر منذ مئات بل اّلاف السنين تقوم به العصابة بوجوه جديدة ويجمعون كل السلطات فى أيديهم ويغلقون المنابر الاعلامية المعارضة ويحلون الاحزاب السياسية ومابقى منها فهى العاهرة التى تنتقل من فراش الى أخر دون أن يعنيها من هو صاحب الفراش.
…………………………………………………………..
الأجهزة الشرطية أو الأمنية لعبت دورا قذرا كذلك وأكتسبت عداءا شديدا من الشعب بعد أن فقدت دورها الاساسى فى حماية ارواحه و ممتلكاته وأعراضه وتحولت الى قاتل محترف يقتل ويعتقل وينهب دون هوادة أو رحمة وبمؤازرة العصابة الأم التى منحتها صك الاعفاء من المسؤلية عن الاجرام الذى تمارسه فى حق الشعب.
كذلك القضاء الذى تحول الى أداة فى يد هذه العصابة وتطويع القانون لخدمة أغراضها الدنيئة فى قتل الابرياء والاستيلاء على ممتلكاتهم وفتح أبواب السجون والمعتقلات للمعارضين ولايقل اجراما وارهابا عن كل هؤلاء الاعلام والمخابرات والمجلس النيابى فكلا قام بدوره كما ينبغى فى منظومة الاجرام والارهاب فمازال الاعلام يعمل على تغييب العقول ونشر الكذب والافتراء وتقوم المخابرات بعملياتها القذرة لاحداث فتنة طائفية وقيام حرب أهلية أما المجلس النيابى الذى يمثل العصابة ولايمثل الشعب فهو يقوم بواجبه كاملا نحوترسيخ حكم هذه العصابة والحفاظ على مكتسباتها وتركيع الشعب من أجلها.
الخلاصة أننا عشنا فى أكذوبة كبيرة ووهم لازال الكثير منا لم يستفيقوا منها وأننا نعيش مع عصابة من اللصوص الخونة المرتزقة العملاء وعلينا مقاومتهم والقضاء عليهم بكل ماأؤتينا من قوة حتى نسترد كرامتنا وحريتنا وثرواتنا وانسانيتنا التى ضاعت منذ عشرات السنين.
………
حاتم غريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى