دنيا ودين

المسلم ..و العقيدة ..و الثورة .

من روائع الكاتب

دكتور جمال محمد

===============

 ( معادلات ربانية )

مكث رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة و التسليم طيلة ثلاث عشرة سنة في مكة فقط يرسي قواعد العقيدة السليمة للصحابة الكرام و معني لا اله الا الله .. عمليا ( أمرا كان واضحا في القرآن المكي ) , منها ثلاث سنوات محاصرين في شعب أبي طالب , طعامهم و شرابهم التهليل و التسبيح , و قرينهم القرآن ( مقال : من بدر الي القدس عبر غزة ) , فقال عليه الصلاة و السلام : ” من قال لا اله الا الله صادقا بها قلبه , دخل الجنة “. و كيف يكون القلب صادقا في القول اذا لم يعي المعني و القصد من وراء هذه الكلمة , و هو  أساس التوحيد الذي جاء به كل الأنبياء و المرسلون . و بعد أن أرسي تلك القواعد , أذن الله له  بالهجرة لينتشر الاسلام في ربوع الأرض علي أساس قوي من العقيدة و التوحيد يجابه عالم الشرك أجمع .

 و ما أشبه ذلك الحصار الغاشم , و ما يعانيه الآن عباد الله المؤمنون الثابتون علي الحق , في غياهب السجون ظلما و عدوانا , رفيقهم القرآن و الذكر , و قد رأينا الكثير و الكثير منهم من حفظ كتاب الله خلال سجنه , و هو أمر يضيف الي رسوخ عقيدتهم حتي يأذن الله و يقضي أمرا كان مفعولا ( أتي أمر الله فلا تستعجلوه ) , ليخرجوا من سجنهم قادة للأمة بأسرها و أئمة للهدي ان شاء الله و قدر , انه ولي ذلك و القادر عليه .

          ولد أغلب المسلمون و هم يظنون ذلك الظن أن مكانهم محجوز في الجنة , و هنا كانت الآفة و الطامة الكبري , و كأنهم لم يقرؤوا قول الله عز و جل في سورة النساء ..” ليس بأمانيكم و لا أماني أهل الكتاب , من يعمل سوءا يجز به و لا يجد له من دون الله و ليا و لا نصيرا . و من يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثي و هو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة و لا يظلمون نقيرا .” , فجعل الله الايمان شرط دخول الجنان . و حين يطلق مسمي الايمان فهو شامل للاسلام أيضا , و العكس ليس صحيحا علي الدوام , و لذلك قال السلف ان  الاسلام و الايمان اذا اجتمعا افترقا , و اذا افترقا اجتمعا .

 أهمية العقيدة :

=========

 كما أسلفنا القول فالعقيدة السليمة شرط دخول الجنة  , ” و أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله , ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون .”

و عقيدة التوحيد هي تلك الكلمة الذي ذكرها الله عز و جل في سورة ابراهيم… “ ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء . تؤتي أكلها كل حين باذن ربها , و يضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون . و مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار . يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة , و يضل الله الظالمين , و يفعل الله ما يشاء .”

فكانت العقيدة السليمة الصحيحة هي التثبيت للمؤمن في وجه كل محن و فتن و ابتلاءات .

 العقيدة هي رفيق المسلم في الفتن , تنير له الطريق و توضح له الصورة الكاملة و تكشف له الحقائق المغيبة عنه ( مهما كثر السحر و السحرة كما ذكر رئيسنا الشرعي : مقال أصحاب الأخدود و اعلام الدجال ) , و لذلك قال الله عنها في سورة البقرة …” صبغة الله و من أحسن من الله صبغة و نحن له عابدون .”    يريدنا الله أن نصطبغ بصبغة العقيدة نري كل الأمور من خلالها في كل أمور و مناحي الحياة , كأنها تلك العدسة المكبرة التي تقرب لنا الفهم و الوعي , فتبدو لنا الحقائق ظاهرة جلية لا لبس فيها و لا غموض . و لذلك قال الله عز و جل في سورة يوسف ” و ما أكثر الناس و لو حرصت بمؤمنين .” , و قال الله نافيا الايمان عن الكثير من المؤمنين بالله (ربا)… ” و ما يؤمن أكثرهم بالله الا و هم مشركون .”

   و مما سبق يتضح لنا أن العقيدة هي أول شئ علي المسلم أن يقوم ” بدراسته ” دراسة كاملة واعية في طريق الدين بصفة عامة , فالعقيدة فرض عين ” علي كل مسلم , أي لا تسقط عن أي مسلم و ليس كفقه الزكاة مثلا ” فرض كفاية ” يسقط عن الفقير الا في زكاة الفطر , أو كالطب أو الهندسة . نعم يجب دراسة ركائز الايمان الست ..( الايمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و القضاء و القدر خيره و شره ) , و الايمان بأحدها و دراسته شئ , و العلم به شئ آخر تماما ما لم يوقر في القلب يصدقه العمل , مصداقا لقول الحسن البصري : “ الايمان ما وقر في القلب و صدقه العمل ” , فان لم يصدقه العمل فلا ايمان , و الا بالله عليكم كيف لمن آمن بالله و اليوم الآخر يقينا أن يقتل الأبرياء في الشوارع تحت مسمي ارهاب مزعزم و يحارب الدين و يوالي أعداء الدين و يسجن من لا ذنب له بل و يحكم علي أبرياء بالاعدام !!! , و كيف لمن آمن بالله و الرسول ألا يرضي بتطبيق شرع الله كأنه لم يسمع نفي الايمان عنه بالكلية… “ فلا و ربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما .” ,  ” و اذا قيل لهم تعالوا الي ما أنزل الله و الي الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا .”

 وجب للبادئ في الطريق الي الله أن يسلك ذلك الطريق دارسا لأنواع التوحيد ( توحيد الألوهية , و توحيد الربوبية , و توحيد الأسماء و الصفات ) , و أنواع الشرك ( الأكبر المخرج من الملة و الأصغر و الخفي ) , و أنواع النفاق ( الأكبر و الأصغر ) , و معني الحب في الله و البغض في الله , و الولاء و البراء , و الست ركائز للايمان كل علي حدة . و الا فبالله عليكم ما تفسير بغض كل الانقلابيين للاخوان علي سبيل المثال ( و بلا سبب مقنع ) , و رفضهم لتطبيق الشريعة , و حبهم لأهل الفسق و المجون ممن يسمون بأهل الفن يتخذونهم القدوة و الطليعة , و حب كل من يحاد و يحارب الدين ….حتي اليهود !! ؟؟…انه الجهل بالعقيدة و أساسياتها , و الذي أدي بهم الي الوقوع في النفاق الأكبر المخرج من الملة… ” و من يتولهم منكم فانه منهم ” .

العقيدة و مرض الأمة :

=============

 رحم الله شيخنا الجليل فوزي السعيد و فك أسره حين مكث طيلة ستة أشهر يشرح في دروسه مرض الأمة الاسلامية و المسلمين , التي حار الجميع في تشخيصها و لم يستطع بأي حال من الأحوال أن يجيب علي هذا السؤال : ما بال المسلمين في هذا الزمان ؟؟ .. فشخصه تشخيصا رائعا من خلال الكتاب و السنة مستشهدا بكثير مما ذكرت آنفا , و شخص مرض الأمة ب ” الارجاء “.

الارجاء = فصل العمل عن مسمي الايمان

فتجد من يصلي و يحج و يصوم و كل تصرفاته و أفعاله و قناعاته و انتماءاته تناقض صريح الايمان , و و الله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل كما أخبر الصادق المصدوق عليه الصلاة و السلام . تري أؤلئك النفر , جاهلين بأساس العقيدة , فما بالكم بتطبيق أمور العقيدة علي حياتهم الشخصية و قناعاتهم و جميع مناحي الحياة , خاصة ما نحن فيه من فتن و انقلاب غاشم لم يروا فيه حربا علي الاسلام واضحا وضوح الشمس .

   و والله الذي لا اله الا هو لم أجد أحدا من مؤيدي الانقلاب الغاشم الا و قد عميت عليه هذه الأمور , و ضاعت أسس العقيدة منه من ولاء و براء , و حب في الله و بغض في الله , بل ووقع في النفاق الأكبر , و عميت عليه أنواع الشرك الأصغر و الأكبر و الخفي  , فأصبح يوالي من حاد الله و رسوله , و أصبح يوالي من حارب الدين و المؤمنين , يوافق علي تحليل الخمر و اعتبار الراقصة شهيدة و من يطالب بتطبيق الشريعة بالارهابي  , و أظن الأمور باتت واضحة خلال عامين و نصف العام من الانقلاب الغاشم .

العقيدة و الثورة :

=========

 مما سبق تتضح الأمور جلية ظاهرة , فكل مؤيدي الانقلاب يعانون من أمراض العقيدة المتفاوتة من حب من يعادي الله , و بغض من يحب الله و أقول و أكرر و أؤكد …. دونما سبب ظاهر أو واضح ناتج عن اعمال العقل الذي ميز الله به بني آدم عن سائر المخلوقات و الحيوانات ..” أرأيت من اتخذ الهه هواه أفأنت تكون عليه و كيلا . أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون , ان هم الا كالأنعام , بل هم أضل سبيلا .” , بل و أتحدي أن تجد انسانا سليم العقيدة , مؤيدا لذلك الانقلاب , الا من كان في قلبه نفاق ظاهر للعيان ( كحزب النور و مشايخ السوء ) و مبتلي بمرض الارجاء الذي يفصل العمل عن مسمي الايمان الصحيح  .

و يقولون آمنا بالله و بالرسول و أطعنا ثم يتولي فريق منهم من بعد ذلك , و ما أولئك بالمؤمنين . و اذا دعوا الي الله و رسوله ليحكم بينهم اذا فريق منهم معرضون . و ان يكن لهم الحق يأتوا اليه مذعنين . أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم و رسوله , بل أولئك هم الظالمون .”

و مع هذه المعادلات تزداد الصورة بيانا لما أردنا ايضاحه و ربطه بواقعنا المرير :

1 – اسلام + عقيدة + عمل = اسلام و ايمان كاملين ( مثال: الاخوان و أغلب مؤيدي الشرعية ).

2 – اسلام + عقيدة – عمل = نفاق و ارجاء (مرض الأمة الآن ) ..(.مثال : حزب النور و مشايخ السلطة و قضاة السوء و كثير من مؤيدي الانقلاب).

3 – اسلام – عقيدة + عمل =  احباط العمل ( مثال : أغلب مؤيدي الانقلاب )

4 – اسلام – عقيدة – عمل = ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ( الكثير من مؤيدي الانقلاب ).خاصة البلطجية  و رجال الأعمال .

هل وعينا حقيقة الأمر و أنها في الأساس بعدا عن أساس الدين الصحيح  و العقيدة !! , في بلاد المسلمين عامة و في بلادنا خاصة , و أنه لا نصر سيتحقق الا علي أيدي تلك الفئة المؤمنة , الثابتة العقيدة , الراسخة الايمان , لا تغيرها الأحداث مهما كانت و لا تفت من عضدها نوائب و لا ابتلاءات و لا سجون و لا اعدامات , و لا يرتضون الدنية في دينهم ( هل وعينا الآن مقصد كلمة رئيسنا الشرعي فك الله أسره ؟) , غير آبهين بمن خالفهم من حركات (ثورية !!!!!) أخري تجري وراء كل ناعق و تتلون حسب الأحداث !!( ك 6 ابريل و غيرها ) , بل أولئك لن يزيدوا أصحاب العقيدة الا وهنا و ضعفا …” لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا و لأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة و فيكم سماعون لهم , و الله عليم بالظالمين . لقد ابتغوا الفتنة من قبل و قلبوا لك الأمور حتي جاء الحق و ظهر أمر الله و هم كارهون .” , هل اتضح المعني البين لهذه الآيات الكريمات ؟ أنزلها الله علي رسوله لتكون نبراسا لنا و دليلا للتعامل مع مختلف المعطيات و المستجدات من الأحداث … ومن أصدق من الله قيلا .

           ثقوا في موعود ربكم لعباده المؤمنين و لا تغرنكم قلة و لا كثرة لفئة ما , و لا علو مؤقت لباطل مهما علا… ” قال الذين يظنون انهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله , و الله مع الصابرين .”

فقط أروا الله منكم خيرا و اصدقوه القول و العمل و صدق التوكل عليه , و الدعاء و التضرع اليه حتي يتحقق لنا نصر تاقت الأنفس اليه …” بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق و لكم الويل مما تصفون .”

و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون . ان في هذا لبلاغا لقوم عابدين .”

و لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين . انهم لهم المنصورون . و ان جندنا لهم الغالبون .”

اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الدنيا و الآخرة

اللهم أرنا الحق حقا و ارزقنا اتباعه , و أرنا الباطل باطلا و ارزقنا اجتنابه

اللهم دبر لنا فاننا لا نحسن التدبير

حسبنا الله و نعم الوكيل , علي الله توكلنا

حسبنا الله و كفي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى