الأرشيفتقارير وملفات

” الموت عطشاً أم غرقاً ؟ ” ســ النهضة ـــد ” القصة الكاملة

 تقرير اعداد

محمد

محمد عبد العزيز

 ===================

ليس هذا مقال عادي عابر، لكنه بمثابة بحث مصغر استغرق إعداده عشرة أيام كاملة لما لهذا الوضوع من خطورة فائقة على حاضر مصر و مستقبلها..

سد-النهضة

مسمى نهر النيل له دلالتان

 أ – بمفهومه الشامل، ” النيل و منابعه و روافده ” ، أطول أنهار الكرة الأرضية بطول 6650 كم، تنبع مياهه من المنطقة المطيرة حيث تتجمع المياه في سيول جبارة تنحدر من على المرتفعات لتغذي البحيرات العظمى في مرتفعات الهضبة الإفريقية ثم تشق طريقها بقانون الإستطراق نحو الأراضي المنخفضة شمالاً عابرة حدود دول المنبع في اتجاه السودان ثم مصر ليصب النيل أخيرا بالبحر المتوسط.

ب – النيل بمفهومه المحدود و يمتد بين مصر و السودان بدءاً من التقاء فرعي النيل الأبيض مع النيل الأزرق قرب مدينة الخرطوم السودانية ليشق طريقه من السودان إلى وسط مصر مشكلاً الدلتا من حوله حتى يتفرع في شمال مصر لفرعي دمياط و رشيد ليصبا أخيرا في البحر المتوسط.

يغذي هذا النيل ثلاثة روافد:

1- النيل الأبيض:

يغذي النيل الأبيض نهر النيل بنسبة من 14 إلى 20% فقط من إيراده السنوي، و ينبع من منطقة البحيرات العظمى في وسط أفريقيا، بدءاً من جنوب رواندا و يجري من شمال تنزانيا إلى بحيرة فيكتوريا، إلى أوغندا ثم جنوب السودان ليغذيه رافد إضافي ينبع من جبال أثيوبيا هو نهر السوباط بنحو 13% إضافية تضاف لمجموع الموارد الإثيوبية المغذية لنهر النيل

2- النيل الأزرق :

بسبب أن النيل الأزرق أحد ثلاث روافد تخرج كلها من إثيوبيا فقد التبس الأمر على كثيرين في نسبة مياه النيل الأزرق بين من حددها بـ 59% و من حددها بنسبة (80-86%)، و ما أمكنني التوصل إليه بناءً على ما توفر من معلومات، هو أن النسبة الكبيرة (80-86%)، تمثل مجموع ما يصل لنهر النيل من روافد منابع المياه الأثيوبية الثلاثة النيل لأزرق و نهر السوباط لذي يصب في النيل الأبيض و نهر عطبرة الذي يصب في نهر النيل مباشرة، و هذه المياه تصل إلينا جملة في فصل الصيف أثناء سقوط الأمطار الموسمية علي هضبة الحبشة فيما يعرف بفيضان النيل، و يبدأ النيل الأزرق من بحيرة تانا في أثيوبيا ثم يجري إلى السودان حيث يلتقي مع النيل الأبيض بالقرب من العاصمة السودانية الخرطوم ليشكلا نهر النيل الذي هو سر وجود دولة اسمها مصر.

3- نهر عطبرة :

و هو آخر روافد النيل، يقع شمال شرق السودان بطول 800 كم، و ينبع أيضاً من الهضبة الأثيوبية حتى يصب في النيل مباشرة جنوب مدينة عطبرة السودانية و هو يغذي النيل بـ14% من إيراده و التي هي من جملة نسبة مياه المنابع الإثيوبية السابق ذكرها.

دول حوض النيل:

يغطي حوض النيل مساحة 3.4 مليون كم²، من المنبع في بحيرة فكتوريا و حتى المصب في البحر المتوسط، و هو مسمي يطلق علي عشرة دول إفريقية يمر فيها نهر النيل سواء تلك التي يجري مساره مخترقا أراضيها، أو تلك التي يوجد علي أراضيها منابع نهر النيل أو تلك التي يجري عبر أراضيها الأنهار المغذية لنهر النيل، و هي: مصر- السودان – جنوب السودان – إثيوبيا – أوغندا – كينيا – تنزانيا – رواندا – بوروندي – الكونغو الديمقراطية بالإضافة إلى دولة أريتريا كمراقب.

و من الجدير بالذكر أن النيل يحمل حوالي 110 مليون طن من الطمي سنوياً. يأتي معظمها من الهضبة الحبشية، تجدد خصوبة التربة على الضفتين في بعض المناطق و تقلل من السعة التخزينية للخزانات و السدود على مسار النيل، و بسبب الطمي يتعذر إغلاق أبواب الخزانات في فترة الفيضان لتقليل الترسبات و تجنب ردم البحيرات بفعل الطمي.

الاتفاقيات المنظمة لإدارة و تقسيم مياه النيل:

بروتوكول روما 1891

بروتوكول روما الموقع في 15 أبريل 1891م بين كل من بريطانيا التي كانت تحتل مصر و إيطاليا،التي كانت تحتل إرتريا. و تتعهد إيطاليا في المادة الثالثة منه بعدم إقامة آية منشآت لأغراض الري على نهر عطبرة يمكن أن تؤثر على موارد النيل.

اتفاقية أديس أبابا بين بريطانيا وإثيوبيا، 15 مايو 1902م.

وقعتها بريطانيا بالنيابة عن السودان، وأهم ما فيها ما ورد في المادة الثالنية التي تنص على: “إن الإمبراطور الإثيوبي منليك الثاني يعد بألا يبني أو يسمح ببناء أي أعمال على النيل الأزرق وبحيرة تانا أو نهر السوباط”، ولا تعترف بها إثيوبيا بحجة عدم تصديق مجلس العرش الإثيوبي، والبرلمان البريطاني عليها بينما تمسكت بها عند ترسيم الحدود مع إريتريا حيث تمنحها المادة الرابعة أرضاً إضافية منحتها لها المملكة المصرية التي كانت حدودها آنذاك مع إثيوبيا مقابل التوقيع على المعاهدة و مشروطة، بالالتزام بها مما يعنى ثبوت إقرار إثيوبيا قانونا باتفاق 1902.!!!

اتفاقية لندن 13 ديسمبر 1906.

جرى التوقيع عليها بين كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا. وينص البند الرابع منها على أن تعمل هذه الدول معا على تأمين دخول مياه النيل الأزرق والأبيض وروافدهما، وتتعهد بعدم إجراء أية إشغالات عليهما من شأنها أن تنقص من كمية المياه المتجهة نحو النيل الرئيسي.

اتفاقية تقاسم مياه النيل 1929.

هي اتفاقية أبرمتها الحكومة البريطانية – بصفتها الاستعمارية – نيابة عن عدد من دول حوض النيل (أوغندا وتنزانيا وكينيا)، مع الحكومة المصرية يتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، وإن لمصر الحق في الاعتراض (فيتو) في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده.

أهم ما جاء فيها:

ألا تقام بغير اتفاق سابق مع الحكومة المصرية أعمال ري أو توليد قوى أو أي إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التي تنبع سواء من السودان أو البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية ” في ذلك الوقت”، من شأنها إنقاص مقدار المياه الذي يصل لمصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه على أي وجه يلحق ضرراً بمصالح مصر.

تقدم جميع التسهيلات للحكومة المصرية لعمل الدراسات والبحوث المائية لنهر النيل في السودان ويمكنها إقامة أعمال هناك لزيادة مياه النيل لمصلحة مصر بالاتفاق مع السلطات المحلية.

اتفاقية تقاسم مياه النيل: نوفمبر 1959

سد

وقعت بالقاهرة بين مصر والسودان، وجاءت مكملة لاتفاقية عام 1929 وليست لاغية لها، حيث تشمل الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة لكل من مصر والسودان في ظل الرغبة في إنشاء السد العالي ومشروعات أعالي النيل لزيادة إيراد النهر وإقامة عدد من الخزانات في أسوان و أهم بنودها:

احتفاظ مصر بحقها المكتسب من مياه النيل وقدره 48 مليار متر مكعب سنوياً وكذلك حق السودان المقدر بأربعة مليار متر مكعب سنوياً.

موافقة الدولتين على قيام مصر بإنشاء السد العالي وقيام السودان بإنشاء خزان الروصيرص على النيل الأزرق،

توزيع الفائدة المائية من السد العالي والبالغة 22 مليار متر مكعب سنوياً توزع على الدولتين بحيث يحصل السودان على 14.5 مليار متر مكعب وتحصل مصر على 7.5 مليار متر مكعب ليصل إجمالي حصة مصر سنوياً إلى 55.5 مليار متر مكعب، و18.5 مليار متر مكعب للسودان.

قيام السودان بالاتفاق مع مصر على إنشاء مشروعات زيادة إيراد النهر بهدف استغلال المياه الضائعة في بحر الجبل وبحر الزراف وبحر الغزال وفروعه ونهر السوباط وفروعه وحوض النيل الأبيض، على أن يتم توزيع الفائدة المائية والتكلفة المالية الخاصة بتلك المشروعات مناصفة بين الدولتين.

و قبل أن أنتقل إلى النقطة التالية بقيت معلومة خطيرة سمعتها شفاهة من أحد كبار موظفين الدولة نهاية عهد مبارك و لم يتثنى لي التحقق منها من مصدر مستقل، مفاد هذه المعلومة كما ذكرها الموظف:

 ” أن نسخة مصر من وثيقة اتفاقية تقاسم مياه النيل اختفت من دار الوثائق و المحفوظات المصرية و أن المسئولين المصريين كادوا يقبلوا أقدام الحكومة البريطانية لمنحهم نسخة من الاتفاقية الأصلية المحفوظة في دار الوثائق البريطانية”

أطماع إسرائيل في النيل و حصار المنابع:

اسرائيل

لا يخفى على أي باحث أو مثقف أن لإسرائيل خطة توسعية كبرى تنشد وطنا من النيل إلى الفرات لها علاقة وطيدة بانفصال جنوب السودان و بناء سد النهضة الأثيوبي، و لها في ذات الوقت خطة مرحلية مصغرة، تتمثل في الحصول على مياه النيل، لدعم نشاطها الزراعي الموسع، وقد طالبت بذلك أثناء محادثات ” كامب ديفيد “، حيث لم تكتفي بسرقة المياه الجوفية للضفة و غور الأردن، و سيناء، و من قبل مياه نهر الليطاني جنوب لبنان فترة احتلال الأراضي اللبنانية، و قد حدثني أحد العاملين بسيناء بوجود منشأة محطة رفع مياه تم تجهيزها ناحية رفح قرب الحدود المصرية الإسرائيلية من أيام السادات تحسباً لتنفيذ اتفاق مع مصر في وقت ما بتوصيل مياه النيل إلى إسرائيل، و لم يخبرني المصدر بالطرف الذي أنشأها، و أكاد أجزم أن الهدف الرئيسي من شق ترعة الشيخ جابر بسيناء أيام مبارك هو تجهيز البنية الأساسية لإمكانية توصيل مياه النيل لإسرائيل تحت غطاء تنمية سيناء.

أما عن الخطة الكبرى فقد سعت إسرائيل لخنق مصر و تدميرها بقطع شريان حياتها من خلال حصار منابع النيل و تدمير أي مشروع مصري لتنمية موارد النيل حتى تبقى مصر تحت خط الفقر المائي و تعجز عن التوسع و التنمية الزراعية.

أهم المؤامرات الإسرائيلية على منابع النيل و مشروعات مصر المائية:

1- مؤامرة إسرائيل على مشروع قناة جونجلي

 منطقة السدود ومستنقعات بحر الجبل بجنوب السودان تضيع فيها مليارات الأمتار المكعبة من مياه النيل القادمة من المنطقة الاستوائية هدرا دون فائدة، وقد تمخضت الدراسات والبحوث الاستشارية إلى حفر قناة تستوعب المياه الزائدة من المستنقعات وكميات المياه التي كانت تتبخر سنوياً دون الاستفادة منها، و جاءت التوصيات بحفر خط مائي يربط بين منبع القناة ببلدة جونجلي وحتى المصب لتصب عند فم السوباط بالقرب من ملكال لتضيف إلى مياه النيل 55 مليار متر مكعب إضافية سنوياً أي ما يعادل حصة مصر السنوية كاملة، على أن تكون الإضافة الجديدة مشاركة بين مصر و السودان، كما تؤدي القناة إلى تجفيف مليون ونصف فدان من أراضي المستنقعات الصالحة للزراعة لإقامة مشروعات زراعية واعدة.

و بدأ تنفيذ المشروع بتمويل أوروبي كان جزء منه منحة للسودان، لحفر القناة من منطقة بور إلى ملكال بطول 360كم، و بعد أن نفذ منها الجزء الأكبر حيث تم حفر 260 كيلومتراً توقف الحفر عند قرية كونقر نتيجة نشوب الحرب عام 1983 بين الحركة الشعبية بقيادة قرنق، و التي وقفت خلفها إسرائيل و دعمتها ضد الحكومة المركزية السودانية حتى تمت المؤامرة بانفصال جنوب السودان و ذهب المشروع أدراج الرياح و ضاع على مصر و السودان نحو 100 مليون دولار أي ما يعادل 800 مليون جنيه مصري بسعر اليوم، أدراج الرياح.

و العجيب أن حسني مبارك، لم يستغل سنوات الهدنة الستة بين اتفاق نيفاشا للسلام 2005، و الاستفتاء على انفصال الجنوب 2011، في استكمال المائة كيلومتر الباقية و التي كانت تحتاج لنحو 300 يوم فقط من الحفر بالحفارة الفرنسية العملاقة المتواجدة هناك ليخلق واقعاً جديدا لصالح مصر، و كذلك لم يتحرك لوضع إطار للمشروع داخل المعاهدة، كما لم يتدخل للحيلولة دون انفصال جنوب السودان بل دعمه و شجع عليه، و ليثبت أنه كان حقاً “كنز إسرائيل الاستراتيجي”..

بهذا تمكنت إسرائيل من غلق باب المنابع الاستوائية ثم اتجهت إلى المنابع الإثيوبية.

2- سد النهضة، القنبلة المائية و مؤامرة إسرائيل الكبرى على مصر النيل.

نحتاج هنا إلى نبذة ضرورية عن إثيوبيا و علاقتها بالكيان الصهيوني.

إثيوبيا هي دولة الحبشة القديمة و هي دولة لها تاريخ مؤسف من الإغارة و التعدي على الحدود المصرية لاسيما فترة حكم الإمبراطور الإثيوبي منليك الثاني، و قامت بينها و بين مصر نزاعات على الحدود و عدة معارك حربية أثناء حكم أسرة محمد علي حيث كان السودان جزء من المملكة المصرية.

الهوية الرسمية لإثيوبيا مسيحية أرثوذكسية و يشكل المسيحيون 66.5% مِنْ سكانِ البلادِ (43.5 % أرثوذكسي أثيوبي، 19.3% طوائف أخرى كبروتستانت وكاثوليك، و يبلغ عدد المسلمون 30.9%، وممارسو المعتقداتِ التقليديةِ و 2.6% بالإضافة لنسبة صغيرة من اليهود، و لكن كالعادة لهم تأثير كبير و تواصل مباشر و تنسيق مع الكيان الإسرائيلي، و همزة وصله مجموعة يهود ” بيت إسرائيل “، و التي تولت سابقاً تنظيم هجرة يهود إثيوبيا لإسرائيل.

إثيوبيا لم و لن تكون دولة صديقة و إثيوبيا الحالية “و المقصود هنا نظام الحكم”، هي كلب أمريكا و إسرائيل الموكل إليه حراسة منطقة القرن الإفريقي و الدول المحيطة، و العربدة في أي متمرد يخرج عن طوع السيادة الأمريكية، في حيز المنطقة المحددة لها، تذكروا تدخلها العسكري لإفشال محاولة إقامة حكم إسلامي في الصومال و ما حل بالصومال من كوارث على مدى أكثر من عشرين عاماً.

لقد أمدت إسرائيل إثيوبيا بتكنولوجيا زراعية حديثة، و خبراء عسكريين و دربت قواتها و تعاونت معها و شجعتها على مخالفة بنود اتفاقيات مياه النيل و تحدي مصر و أحيت لدى سياسييها فكرة الاستئثار بمنابع النيل الموجودة في أراضيها و لا يوجد أدنى شك في أن إسرائيل هي المستفيد الأكبر و المحرك الرئيسي لبناء سد النهضة الإثيوبي بمواصفاته المحددة و سنأتي على التفاصيل فيما بعد.

ما هو سد النهضة؟

 هو سد تقيمه أثيوبيا على النيل الأزرق أكبر و أهم منابع نهر النيل متعدية على حصة مصر المائية و بالمخالفة لاتفاقيات تقاسم مياه النيل التي تلزم دول المنبع بعدم إقامة أي منشآت تضر بالحصة المائية لدول المصب.

ما هو الهدف المعلن لإثيوبيا الذي يدفعها لبناء السد؟

 توليد الطاقة الكهربية.

ما هي أهم مخاطر سد النهضة؟

 الدراسات الجيولوجية حول السد غير وافية و الشكوك كبيرة و إثيوبيا تخفيها و ترفض إطلاع مصر عليها أو إشراكها في الدراسات أو السماح لها بعمل دراسة مستقلة أو إخضاع المشروع لمراقبة بيوت خبرة محايدة.

و للسد سيناريوهان أساسيان أولهما نجاح سد النهضة و صموده و ثانيهما انهياره و كلاهما كارثة على مصر.

أ‌- السيناريو الأول ” الموت البطيء”:

بحساب المدة التي حددتها أثيوبيا لملء بحيرة السد سيتم حرمان مصر من نصيب ضخم من حصتها المائية سيضرب زراعتها في مقتل و يتسبب في تصحر ملايين الأفدنة و إفقار مصر إلى درجة خطيرة و سيبدأ السيناريو الكارثي التالي:

1- مع بداية نقص المياه ستبدأ حتماً صراعات قاتلة بين الفلاحين و اضطرابات عظيمة تبدد السلم الاجتماعي.

2- مع شح المياه سيبدأ الفلاحون في مصر بعمل آبار لسحب المياه الجوفية و مياه الصرف بكثافة بماكينات الري مما يؤدي لتلويث الأرض بزيادة نسبة الملوحة و تركيز السموم في التربة نتيجة تسرب و تراكم المبيدات و بقايا الأسمدة النيتروجينية التي استخدمها الفلاحين سابقاً على مدى عشرات السنين إلى المياه الجوفية و مياه الصرف.

3- مع البخر و النسبة التي يمتصها النبات في كل إعادة استخدام لهذه المياه الملوثة تقل كمية المياه و تزيد نسبة ملوحتها و سميتها على النبات و الإنسان و الحيوان.

4- مع انخفاض منسوب المياه في النيل ستفشل المزارع السمكية في النيل و ملحقاته و ستنخفض كمية الأسماك الطبيعية في النيل و تضيع أرزاق قطاع كبير من الصيادين.

5- ستأسن العديد من الترع و المصارف نتيجة عدم تجدد المياه و ستنبعث منها الروائح و الحشرات و تكون سبباً مباشراً في تفشي أوبئة و أمراض خطيرة.

6- مع انكشاف النيل ستنتهي السياحة النيلية و ستضرب السياحة في أسوان و غيرها من المناطق التي يشكل النيل جزءً من مقاصدها السياحية.

7- ستفنى كمية المياه الجوفية بسرعة قياسية نتيجة عدم التجديد بعد أن فقدت خاصية التجديد التي كانت تتسرب إليها سنويا من الترع و المصارف.

8- سيتم تبوير ملايين الأفدنة و انضمام ملايين الأسر إلى فئة معدومي الدخل مما يهدد بمجاعة كبرى لن تجدي معها أي مساعدات خارجية أو أي إجراءات تقشف داخلية.

9- ستنخفض الثروة الحيوانية ربما إلى النصف أو أكثر فلن يعد هناك مجال لزراعة و إنتاج الأعلاف.

10- مع جفاف الأراضي و انعدام الماء في مناطق شاسعة من الوادي سيزداد المناخ سوءاً و تتقدم الصحراء تجاه الأراضي الخصبة و تزداد نسب العواصف الرملية التي يتضرر منها مزيدٌ من الأراضي و الزراعات.

11- سيؤدي ضعف مصر و عجزها الاقتصادي و انكفائها على الكارثة الداخلية إلى تجرؤ الخصوم على انتهاك سيادتها الوطنية و الطمع في أراضيها و ما تبقى من حقوقها و مواردها و التنصل من أي اتفاقات أو معاهدات لا تحقق مصالحهم..

إن تداعيات الانخفاض الخطير في حصة مصر المائية بسبب سد النهضة الأثيوبي لا تقتصر على ما ذكر فتفاعلات نقص المياه أعقد من أن يتم حصرها و التنبؤ بها كاملة، و حقيقة لا أبالغ إن قلت أن مصر مقبلة على سيناريو الصومال لاسيما إن بقي النظام الانقلابي الحالي بفشله و غبائه و عجزه عن إدارة الدولة قبل الكارثة فضلاً عن إدارة أزمة بهذا الحجم و تلك الخطورة.

ب‌- السيناريو الثاني ” الموت السريع”:

الأرض التي يبنى عليها السد و بحيرة التخزين تقع فوق فالق جيولوجي عظيم، شديد الخطورة يعطي فرص كبيرة لانهيار السد مستقبلا بتأثير وزن 74مليار طن إضافية تمثل وزن ماء البحيرة المزمع إنشائها بخلاف وزن الإنشاءات العملاقة للسد و اندفاع 74 ألف مليون طن من المياه مباشرة لمسح وادي النيل من على الخريطة و سيأتي تفصيل ذلك لاحقاً..

دلائل المؤامرة و سوء نية الجانب الأثيوبي و من يقفون خلفه.

السد الذي كانت تطمح له أثيوبيا كان ارتفاعه 90متراً و سعته التخزينية 14.5مليار متر مكعب من المياه بهدف توليد الكهرباء و فجأة غيرت الخطة من سد الألفية إلى سد نهضة عظيم ارتفاعه 145متراً و سعته التخزينية 74مليار متر مكعب و كان آخر قرار بتعلية ارتفاع السد قرار سياسي مباشر من الرئيس الإثيوبي و ليس قراراً فنياً من متخصصين.

لا توجد لدى أثيوبيا أزمة مياه تحتاج معها لتخزين كل هذه الكمية المهولة من المياه.

تم اختيار موقع السد على بعد 45كم فقط من الحدود الإثيوبية بحيث لا يؤثر على أثيوبيا عند انهياره مما يعني علمهم بالاحتمالات الكبيرة لانهيار السد.

يمكن لأثيوبيا الحصول على نفس الطاقة الكهرومائية التي ستجنيها من سد النهضة ببناء عدد من السدود الصغيرة تكون أسهل في التحكم و الإدارة و أسهل في تدبير التمويل و بتكلفة أقل و بدون مخاطر سد النهضة، فلماذا الإصرار على الخيار الذي سيسبب الإضرار بمصر و بتكلفة أعلى؟!!!

صممت أثيوبيا السد بدون بوابات تصريف سفلية و اكتفت ببوابة الفائض العلوية التي تفتح فقط عندما يزيد الماء عن الحد الأقصى لامتلاء بحيرة السد مما يعني أنه ليس في نيتهم حل وسط أو متدرج و أن مصر لن تحصل على قطرة مياه من النيل الأزرق المقام عليه السد قبل امتلاء بحيرته التي قد تستغرق اثني عشر عاما لملئها.

و يكفي لتصور تداعيات انهيار سد النهضة بعد اكتمال سعته التخزينية، أن نعرف أن فيضان النيل قبل بناء السد العالي الذي كان يرسل إلى مصر أقل من بضعا و ثلاثون مليار متر مكعب على مدى الصيف و كان عندما يصل ذروته فيزيد ماء النيل من 2 إلى 4 مليار متر مكعب في اليوم يغرق قرى الصعيد و تختفي معه جزر النيل الصغيرة تحت الماء و أجزاء واسعة من الدلتا، فكيف يمكن أن نتصور اندفاع 74 مليار متر مكعب من الماء في يوم وحد نحو مصر، إنها 74 مليار متر مكعب بمعنى 74 ألف مليون طن من الماء تندفع نحو مصر دفعة واحدة؟ هذا بالحسابات البسيطة كفيل بنسف السد العالي و اجتياح 74 مليار طن من الماء مضافا إليها مخزون بحيرة ناصر بإجمالي كمية مياه نحو 200 مليار متر مكعب مياه، و هذه الكمية الخيالية تشبه طوفان نوح و هي بالتأكيد كافية لمسح وادي النيل مع منشآته و سكانه من على الخريطة..

إن سبب إصرار أثيوبيا على بناء سد النهضة معناه ببساطة أن أثيوبيا قد منحت الضوء الأخضر للتحكم في الرافد الأساسي لنهر النيل و من ثم منع الماء أو منحه أو بيعه لمن تريد أو بالأحرى من تريده إسرائيل.

تداعيات موافقة العميل السيسي على بناء السد.

تعتبر موافقة العميل السيسي على بناء سد النهضة الأثيوبي دون شروط أكبر كارثة حلت بمصر في تاريخها فمبوجب هذه الموافقة إن تم تمريرها في برلمان الزور الذي شكله السيسي ليبصم له على بيع مصر و مقدراتها لصالح اليهود، كما يخطط السيسي، عميل إسرائيل القذر، ففي هذه الحالة سيعفي أثيوبيا من أي التزام تجاه مصر مستقبلا و يقر بحق أثيوبيا المطلق في منع المياه عن مصر، و سيصبح من حق أثيوبيا عمل سدود جديدة على المنبعين الفرعيين الذين ينبعا أيضاً من أراضيها و هما نهر السوباط و عطبرة، لتصل حصة مصر من المياه الإثيوبية التي تمثل من 80- 86% من مواردنا المائية إلى صفر بمعنى موت المصريين جوعاً.!!!

كذلك سيصبح من حق أثيوبيا قانوناً بعد امتلاء السدود بيع المياه لمصر أو غيرها أو صبها في البحر كما تشاء و تقرر.

إسرائيل الرابح الأكبر.

سواء صمد السد أو انهار فإسرائيل هي الرابح الأكبر حيث يتحقق لها من بناء السد:

1- التحكم في وصول المياه لمصر و مساومتها على توصيل مياه النيل إلى إسرائيل مقابل أن تستخدم نفوذها لدى أثيوبيا للسماح بمرور الماء إلينا.

2- في حال اكتمال سد النهضة فستتمكن إسرائيل من تدمير مصر بشكل كامل في أي وقت بدون شبهة و بلا ثمن، فاكتمال السد يعني حصول إسرائيل على قنبلة مائية و سلاح فتاك لا تدانيه أي قنبلة نووية أو حتى هيدروجينية فبإمكان الموساد بعملية مخابراتية بسيطة زرع متفجرات شديدة الانفجار في أماكن معينة من سد النهضة و تفجيره بعد امتلائه لمحو سكان مصر من على الخريطة و استلام مصر أرضاً نظيفة مكسوة بالطمي الخصب بعد القضاء على المصريين لتستلم مصر “أرضٌ بلا شعب، لشعبٌ بلا أرض” وفق النظرية الصهيونية، لتستكمل حلمها من النيل إلى الفرات..

أثيوبيا و الدرس الإسرائيلي “سياسة فرض الأمر الواقع”:

تعمدت أثيوبيا و بتوجيه إسرائيلي خلط الأوراق و تعقيد المسألة بإشراك لاعبين إقليميين و دوليين في سد النهضة على رأسهم السعودية، و الإمارات ، وإسرائيل ، و الصين و فرنسا ، و هولندا ، علاوة على الدور الأمريكي باعتباره سيد أثيوبيا المنحاز دائماً للمصالح الإسرائيلية ضد مصر.

لقد تلاعبت أثيوبيا بالمصريين و كسبت الوقت حتى انتهت تقريباً من نصف أعمال سد النهضة و حولت مجرى النيل الأزرق بالفعل لفرض السد كأمر واقع.

ثلاث كوارث و حـَـلٌ وحيد:

الوقت يمر و إذا وصل بناء السد و تخزين الماء خلفه إلى حد معين، فلن يمكن لمصر بعد ذلك سوى حراسته لأن انهياره بعد الامتلاء يعني فناء مصر..

و أمام المصريين الآن 4 مسارات لا خامس لهم.

1- مواجهة كارثة الجفاف و بوار ملايين الأفدنة و تشرد ملايين المصريين و ربما يصل الأمر للمجاعات في مصر.

2- عمل عسكري ضد السد الأثيوبي و هذا ما تنتظره أمريكا و إسرائيل لفرض عقوبات دولية على مصر و استدراجها لفخ و نفق مظلم لا نعلم نهايته.

3- تقاسم حصتنا مع إسرائيل ألد أعداء مصر و الإسلام و العروبة مقابل توسط إسرائيل لدى الجانب الإثيوبي، لتصبح مصر رهينة للقرار الإسرائيلي و الأمريكي ، ذلك أنه بهذا القبول المُهين تشارك مصر أعدائها في مقدراتها و تفقد كرامتها و استقلالها، و من المفارقات الغريبة أن أقرأ في أحد المقالات عن موضوع سد النهضة بأن الكاتب السعودي ” داوود الشريان ” اقترح في صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ : 28 /12/2015م، أن تعقد مصر مع إسرائيل اتفاقاً يقضي بتوصيل مياه النيل إلى إسرائيل، على أن تقف إسرائيل بما لها من نفوذ ضد إثيوبيا فيما يتعلق بملف السد.!!!

4-الحل الوحيد”، و يتمثل في سقوط الانقلاب بأسرع ما يمكن و قبل تمرير العميل السيسي لوثيقة الموافقة على بناء سد النهضة، فسقوط الانقلاب هو المخرج القانوني والسياسي الوحيد للأزمة انطلاقاً من القاعدة القانونية “ما بُنِيَ على باطل فهو باطل”، و بذلك تفقد أثيوبيا الحجة القانونية لبناء السد و يكون من حق مصر طلب وقف بناء السد من مجلس الأمن و إلزام أثيوبيا بالتنسيق مع مصر للتوصل لحل يجنب مصر مخاطر استكماله، و في حال رفضت أثيوبيا يكون لدى مصر المبرر و المسوغ الشرعي للقيام بعمل عسكري ضد سد النهضة الأثيوبي..

فعودة الشرعية و الرئيس محمد مرسي تعني أن الرئيس الشرعي للبلاد لم يوقع بالموافقة على بناء السد و تصبح كل اتفاقيات بيع مصر والقرارات والقوانين التي أقرها العميل السيسي و عصابته باطلة..

العلماء و ذووا البصيرة يحذرون من الكوارث قبل أن تقع، و حادوا النظر يحذرون عندما يرونها قادمة من بعيد، و ضعاف البصر يحذرون منها عندما تقترب، و الأعمى يدركها فقط عندما تحيط به و يتحسسها بيديه.

إلى كل مصري بقي له شيء من الفهم، أفيقوا و لا تتبعوا عميانكم فتهلكوا و يهلكون.

الذين باعوا الوطن لأعدائه حصلوا على مبالغ تكفيهم لشراء وطن بديل، أما أنتم فأين تذهبون؟؟؟

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى