تقارير وملفات إضافية

الموقف التركي يساعد القاهرة.. حلم مصر أن تكون مركزاً إقليمياً للغاز ليس مستحيلاً لكن تنقصه هذه الخطوات

«مصر مركز إقليمي للغاز»، يبدو هذا هو الحلم الذي تسعى إلى تحقيقه الحكومة المصرية، ولكن هل هو حلم واقعي، وكيف يمكن الوصول إليه، ولماذا تبدو مصر مستفيدة من الرفض التركي لإقامة خط أنابيب شرق المتوسط؟

في السادس عشر من يناير/كانون الثاني الجاري، أعلن وزير البترول المصري «طارق الملا»  أن كلاً من: مصر وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا. بصدد التوقيع على الإعلان المبدئي لتأسيس منظمة إقليمية للغاز تحت اسم  «منتدى غاز شرق المتوسط» والتي سيكون مقرها القاهرة​​​.

ويأتي ذلك المنتدى أو المنظمة في إطار خطة القاهرة لتتحول إلى مركز إقليمي لإسالة وتجارة الغاز الطبيعي عبر استقبال الغاز من الدول المنتجة، وإسالته في مصانع الإسالة  وإعادة تصديره.

وقد هوجم ذلك الإعلان من قبل المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أقصوي، الذي وصفه بأنه تكتل معاد لأنقرة، معتبراً تحويل ذلك التكتل إلى منظمة دولية، أمراً بعيداً عن الواقع، مؤكداً أن تركيا لن تألو جهداً في المحافظة على حقوقها في غاز المتوسط.

وبعيداً عن الموقف التركي والصراع الأوروبي/ الأوروبي على الغاز، هل مصر فعلاً يمكنها أن تتحول لمركز طاقة إقليمي كما صرح الرئيس المصري؟ أم إننا إزاء شعارات للاستهلاك المحلي ليس إلا؟

وإلى أي مدى ستستفيد مصر من مشروع خط أنابيب غاز الشرق المتوسط الذي جرى اقتراحه.

في مطلع عام 2010 أعلنت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن حوض شرق البحر المتوسط، يحتوي على 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، و1.7 مليار برميل احتياطي من النفط. كاشفة أن حوض شرق المتوسط به كميات من الغاز تكفي لتلبية حاجة السوق الأوروبي لمدة 30 عاماً على الأقل.

وهو الكشف الذي تلاه ظهور أطماع وطموحات متباينة في بلدان الحوض، ومحاولة من الجميع لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب من هذا الغاز.

مصر كانت من تلك البلدان التي رأى المسؤولون بها أن أمامهم فرصة ذهبية للتحول إلى مركز غاز منافس لقطر، وتغطية احتياجات أوروبا .

السؤال هنا هل فعلاً مصر مؤهلة لذلك، وهل خط أنابيب شرق المتوسط»إيست ميد» الواصل بين إسرائيل وأوروبا مباشرة يقضي على الحلم المصري؟ أم أن مصر يمكن أن تصبح مركزاً إقليمياً للغاز حتى لو تم تأسيس هذا الخط.

الرأي الشائع على صفحات التواصل الاجتماعي، أن الاتفاق الثلاثي الذي تم بين  (إسرائيل – اليونان – قبرص) في مطلع هذا العام والخاص بمد خط أنابيب «إيست ميد»  تحت البحر بطول 1900 كيلومتر لنقل الغاز الطبيعي من إسرائيل عبر المياه الإقليمية القبرصية مروراً بجزيرة كريت اليونانية وصولاً لشبكة أنابيب الغاز الأوروبية عبر إيطاليا، حدث رداً على الاتفاق التركي الليبي بترسيم الحدود.

وهذا الرأي يقول إن خط شرق المتوسط بالتبعية أتى خصماً من الحلم المصري بالتحول إلى مركز إقليمي للغاز.

فبوجود ذلك الأنبوب أصبح لا معنى لإسالة الغاز في مصر وتصديره لأوروبا.

مبدئياً الربط بين إقامة هذا الخط والتقارب الليبي – التركي غير دقيق تماماً، حسبما تقول مصادر مطلعة لـ «عربي بوست».

ففكرة إقامة خط أنابيب يربط بين شرق المتوسط وأوروبا عبر المياه القبرصية أقدم بكثير من الاتفاق الليبي التركي الذي تم في نهاية العام الماضي.

والحقيقة أن مصر لم تكن جزءاً يوماً ما من هذا الاتفاق الذي بدأ الحديث عنه في يناير/كانون الثاني2016، حينما اجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع كل من الرئيس القبرصي نيكوس أناستديادس ورئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس في قبرص، وتم الحديث عن مشروع ربط شبكات الكهرباء للدول الثلاث عبر كوابل بحرية EuroAsia Interconnector كما طرحت فكرة تصدير الغاز من الحوض الشرقي للبحر المتوسط إلى القارة الأوروبية عبر خط الأنابيب إيست ميد.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، اجتمع القادة الثلاثة للمرة الخامسة في مقر هيئة السايبر الوطنية الإسرائيلية في بئر السبع واتفقوا على تفاصيل خط «إيست ميد».

الموضوع قديم إذن ويعود إلى ما قبل 2016، أي قبل الاتفاق التركي – الليبي الخاص بترسيم الحدود البحرية بسنوات، كما أن مصر لم تكن طرفاً في مسار الأنبوب يوماً ما حتى يشاع أن حلفاءها باعوها اليوم.

هذا الأمر كان يفترض أن يجعل موقفي مصر وتركيا متقاربين فيما يتعلق بخط أنابيب شرق المتوسط.

سمير جريس المدير بأحد شركات التنقيب الأجنبية يجبينا على تلك النقطة شارحاً: بشكل عام هناك وسيلتان لتصدير الغاز الطبيعي، الأولى «إسالته» وشحنه عبر مراكب الى أي مكان، الثاني هو ضخه في أنبوب يمر ببلدان مختلفة لحين الوصول إلى المستهلك، ومصر بالطبع تراهن على نقطة الإسالة معتمده بالأساس على محطة أدكو التي تمتلكها.

ولمعرفة ما إذا كان «إيست ميد» يقضي على آمال مصر في التحول لمركز إساله أم لا دعنا نراجع سوياً الأرقام والحديث مازال للسيد جريس الذي يقول: «أوروبا وهي السوق المستهدف لمصر تستورد نحو 400 مليار متر مكعب غاز سنوياً، وهو رقم مهول كما نرى، روسيا تغطي منه ما يقرب 200 مليار متر مكعب،  في حين الطاقة الاستيعابية لخط إيست ميد هي 10 مليارات متر مكعب في السنة (وهو رقم صغير كما ترى) وهو بالكاد يكفي لتغطية إنتاج حقل لفياثان الإسرائيلي(9 مليارات متر مكعب سنوياً) . وبالتالي يظل حقلا تامار الإسرائيلي و أڤروديت القبرصي خارج التغطية بالنسبة للخط المحتمل».

الأرقام إذن تقول إن خط الأنابيب هذا إن تم فمازال السوق الأوروبي متعطشاً إلى موردين جدد للغاز.

والحقيقة هناك شكوك كبيرة والحديث مازال لجريس في أن هذا الخط «إيست ميد» سوف ينفذ، وذلك لسببين، أولهما اقتصادي بحت.

إذ إننا نتحدث عن خط بطول 1900 كم وتكلفه تتجاوز الـ10  مليارات دولار وكون هناك  اتفاق مبدئي بين العواصم الثلاث لا يعني مطلقاً أن هذا الرقم حاضر.

في الحقيقة تدبير هذا الأرقام يمثل مأزقاً كبيراً في ظل أن أوروبا تتجه الآن أكثر نحو الطاقة النظيفة، وعليه صعب أن تضخ الحكومات مليارات في مثل ذلك المشروع.

ولذا يصبح القطاع الخاص هو الحل إذن.

وأردف قائلاً: «أشك أن شركات خاصة قد تراهن بضخ هذا المقدار من الأموال في مشروع محفوف بالمخاطر كهذا، خصوصاً أن الخط سوف يكون على عمق 3000 متر تحت سطح البحر في مسافة بين قبرص و كريت وهو أمر شديد التعقيد والمخاطرة.

أما ثاني التعقيدات فهو مروره بالمياه الإقليمية التركية، إذ إن أنقرة بالقطع لن تسمح بمروره، وذلك ما يفسر ترحيب الجانب الإسرائيلي بالدخول التركي للمشروع إن أراد، والمصالح التركية الروسية تتعارض بالقطع مع مرور ذلك الأنبوب، وروسيا بصفتها المورد الأساسي لأوروبا، وتركيا بصفتها بوابة للغاز الروسي لأوروبا.

باختصار مشروع إيست ميد فرصه في التنفيذ ضعيفة جداً، وحتى إن نفذ فسيظل السوق الأوروبي متعطشاً للغاز إن نجحت مصر في إسالته عبر تحولها  لمركز إسالة إقليمي.

المعيق أمام تحول مصر إلى مركز طاقة إقليمي ليس هو خط الأنبوب الإسرائيلي، ولا حتى الغاز الروسي الذي يغطي نصف احتياجات أوروبا تاركاً السوق مفتوحاً لما يقرب من 200 مليار متر مكعب.

الأزمة الحقيقة والحديث هنا لجريس هو «قلة الاستثمارات المصرية في البنية الأساسية لهذا القطاع».

فمصر تمتلك نظرياً محطتي إسالة هما إدكو ودمياط، لكن عملياً دمياط في حوزة الشريك الإسباني الذي يمتلك 80% منها، ويوجد بين الحكومة وبينه نزاعات قضائية وأحكام بلغت 2 مليار دولار تعويضات لهم.

إذن مصر تمتلك فقط محطة إسالة واحدة، طاقتها 10 مليارات متر مكعب سنوياً.

بالمقارنة فإن قطر وهي النموذج الذي تحاول القاهرة منافسته حسب جريس تصدر سنوياً 100 مليار متر مكعب، فضلاً عن أسطول ضخم قادر على الشحن والتوصيل بكفاءة.

يقول غريس: «إذا أرادت مصر حقاً أن تصبح مركز طاقة وإسالة عالمياً فهذا ممكن شريطة الاستثمار أكثر في بنية القطاع التحتيةـ وتحتاج مصر محطات إسالة أكثر، كما تحتاج سفن شحن أكثر، وبعد ذلك يمكن أن تقدم مصر نفسها كمنافس في مجال إسالة الغاز.

أما الآن بمحطة إسالة واحدة طاقتها 10 مليارات متر وتريد أن تغزو سوقاً استيعابه 200 مليار متر مكعب فهذا مستحيل، حسب قوله.

النوايا والرغبات فقط غير كافيين لتحقيق تواجد قوي في هذا السوق، يجب أن تشيد بنيتك التحتية القادرة على المنافسة، ثم تقدم نفسك كمركز عالمي، قبل هذا، يصبح الأمر برمته حديثاً للاستهلاك المحلي.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى