اخبار المنظمةالأرشيف

الهجرة الفتح الأول في الإسلام ( الحلقة الثالثة )

بقلم الإعلامى
محمد المصرى التركى
*سابعا*
السؤال الذي يطرح نفسه : إلى أي شيء تحتاج الأمة كي تعود للريادة وتسود كما ساد الجيل الأول، وتعلم  العالم كما علمته من قبل الجماعة المسلمة الأولى؟
 الجواب نختصره في بنود بسيطة:
لا أقول: نحتاج قيادة مثل قيادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فرسول الله حي فينا بالقرآن الذي تنزل عليه وبسنته كأننا نراه، لكننا نحتاج للجماعة المسلمة كما كانت الجماعة الاولى، فلم تخلو الامة من القيادة..
 بل نصوغ السؤال بطريقة أخرى: لماذا ندرس الهجرة ونحتفل بها؟
بماذا نخرج من الهجرة من دروس نعيش بها و عليها؟
 الجواب: نريد كل ماذكرناه كي نعود ونسود ويتحقق المجتمع المسلم، اكرر: القيادة متوفرة في كل مكان و زمان. لان رسول الله صلى الله عليه وسلم حي فينا بسنته وبكتاب ربه.. ليس علينا إلا أن نتربى بنفس تربية الجماعة المسلمة، تربية عقدية سليمة.
 يقول الامام الغزالي رحمه الله: “لا نعرف بشرا أحق بنصر الله، وأجدر بتأييده، مثل هذا الرسول صلى الله عليه وسلم؛ الذي لاقى في جنب الله ما لاقى، ومع ذلك فإن استحقاق التأييد الأعلى لا يعني التفريط قيد أنملة في استجماع أسبابه، وتوفير وسائله.
ومن ثم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكم خطة هجرته، وأعد لكل فرض عدته، ولم يدع في حسبانه مكانا للحظوظ العمياء.
وشأن المؤمن مع الأسباب المعتادة؛ أن يقوم بها كأنها كل شيء في النجاح، ثم يتوكل- بعد ذلك- على الله؛ لأن كل شيء لا قيام له إلا بالله.
فإذا استفرغ المرء جهوده في أداء واجبه، فأخفق بعد ذلك، فإن الله لا يلومه على هزيمة بلي بها، وقلما يحدث ذلك، إلا عن قدر قاهر يعذر المرء فيه!!.
وكثيرا ما يرتب الإنسان مقدمات النصر ترتيبا حسنا، ثم يجيء عون أعلى يجعل هذا النصر مضاعف الثمار.
كالسفينة التي تشق عباب الماء بها ربان ماهر، فإذا التيار يساعدها، والريح تهب إلى وجهتها، فلا تمكث غير بعيد، حتى تنتهي إلى غايتها في أقصر من وقتها المقرر.” إنتهى كلامه رحمه الله
ونضيف أن كل من سار على نهج الحبيب صلى الله عليه وسلم إستحق نفس النصر، وكان في معية الله في كل أموره، بشرط أن يكون المجتمع مجتمعا مسلما حقا! في قلبه عقيدة صادقة ويقين كامل.. كما كانت الجماعة المسلمة الأولى.
فلم تكن هذه أول هجرة بل سبقتها هجرتان أشق وأصعب ، إلى خارج الجزيرة العربية كلها، أرض غير الأرض، ولسان غير اللسان ،ومسافة مضاعفة وفيها مشقة اكبر، بل كان جانب منها عن طريق البحر، هما هجرة الحبشة الاولى والثانية.

فهل تمت تلك التضحيات بغير عقيدة سليمة!؟
وكانت الهجرتان بعد بداية الجهر بالدعوة يعني في العام الرابع من البعثة، قبل الهجرة إلى المدينة بتسع سنوات تقريبا..!!وهذا ما نريده، ومايجب أن يكون عليه المجتمع المسلم.. فإذا تكون المجتمع المسلم خاصة من الشباب بجنسيه، تيسرت لنا كل أسباب النصر، وإلا فهل قضى صديق الأمة على فتنة المرتدين وحده!؟
كلا.. بل بالجماعة المسلمة المجاهدة الربانية المستعدة لكل أنواع التضحيات!
وهل فتح فاروق الأمة وأكمل الفتوحات إلا بالجيش الإسلامي قليل العدد والعدة المستخرج من الجماعة المسلمة !؟
وهل فتحت الأندلس إلا بوجود الجماعة المسلمة !؟
وهل ضاعت الأندلس أيضا وضاعت هيبة الأمة وسحقها التتار الهمج إلا بغياب الجماعة المسلمة ؟!
كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: «والله ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسها من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم».
و قال: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن ؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت».الحديث
وهل يحدث الوهن إلا بالبعد عن المنهج؟!.
وهل عادت الأمة وقامت وسحقت التتار بعد سقوط الخلافة العباسية إلا بقيام الجماعة المسلمة الحقة مرة أخرى!؟
وهل حرر السلطان صلاح الدين الأيوبي (القدس) إلا بعد أن استعاد المجتمع المسلم عافيته!؟
وهل فتح السلطان محمد الفاتح القسطنطينية وسحق الإمبراطورية البيزنطية إلا بعد أن أصبحت معه الجماعة المسلمة!؟
فلا قيام إلا بقيام الجماعة المسلمة :ولذلك وبعد كل ماذكرنا لانريد إلا العقيدة التي رأيناها في الهجرة المباركة ، من التضحيات بكل أنواعها. ولا يكون هناك إستعداد للتضحية وبذل المال والنفس إلا برسوخ العقيدة السليمة في القلب.
فما نام علي رضي الله عنه في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرض نفسه للموت أو أقل الأمور الضرب الذي تلقاه من المشركين إلا برسوخ العقيدة في قلبه، ولم ينفذ أمر رسول الله ويرد الأمانات للمشركين الذين أوجعوه ضربا ويسعون لقتل رسول الله؛ إلا بالعقيدة، وما خرجت ستنا “أسماء “ذات النطاقين وهي في شهورها الأخيرة من الحمل بالماء والطعام وتسير لأميال بحملها وتصعد الجبل! إلا برسوخ العقيدة في قلبها وطلبا لرضا ربها، و لولا العقيدة ما رأينا صور التضحية في أسمى معانيها عند أبي سلمة و زوجه، و عند صهيب الرومي، و غيرهم من المهاجرين الذين ضحوا بالمال و الأهل و الوطن فداءا لهذا الدين و رغبة في بناء وطن إسلامي ينشر و يبلغ دعوة رب العالمين..
وهذا باختصار ما يجب أن يرسخ في نفوسنا وأن نسعى لتحقيقه في أنفسنا وأسرنا و مجتمعنا: العقيدة السليمة الراسخة.. ويوم أن تتحقق؛ يتحقق لنا كل خير.. وأوله النصر.. كما قال صاحب الظلال:
“والله إنّ النصر فوق الرؤوس ينتظر كلمة ” كن ” فيكون ، فلا تشغلوا أنفسكم بموعد النصر ، انشغلوا بموقعكم بين الحق و الباطل .”
ولكي يتحقق فينا كل ذلك لابد وأن يعيش المجتمع هذه الآية:
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
يقول صاحب الظلال في عقيدة الولاء والبراء، معقبا على هذه الآية:
” ثم يمضي السياق في تجريد المشاعر والصلات في قلوب الجماعة المؤمنة وتمحيصها لله ولدين الله ; فيدعو إلى تخليصها من وشائج القربى والمصلحة واللذة، ويجمع كل لذائذ البشر وكل وشائج الحياة فيضمها في كفة و يضع حب الله ورسوله وحب الجهاد في سبيله في الكفة الأخرى.. ويدع للمسلمين الخيار
{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين }
إن هذه العقيدة لا تحتمل لها في القلب شريكا ; فإما تجرد لها وإما انسلاخ منها وليس المطلوب أن ينقطع المسلم عن الأهل والعشيرة والزوج والولد والمال والعمل والمتاع واللذة ; ولا أن يترهبن ويزهد في طيبات الحياة..!! كلا إنما تريد هذه العقيدة أن يخلص لها القلب ويخلص لها الحب وأن تكون هي المسيطرة والحاكمة، وهي المحركة والدافعة، فإذا تم لها هذا فلا حرج عندئذ أن يستمتع المسلم بكل طيبات الحياة ; على أن يكون مستعدا لنبذها كلها في اللحظة التي تتعارض مع مطالب العقيدة..
 ومفرق الطريق هو أن تسيطر العقيدة أو يسيطر المتاع ; وأن تكون الكلمة الأولى للعقيدة أو لعرض من أعراض هذه الأرض فإذا اطمأن المسلم إلى أن قلبه خالص لعقيدته فلا عليه بعد هذا أن يستمتع بالأبناء والإخوة وبالزوج والعشيرة ; ولا عليه أن يتخذ الأموال والمتاجر والمساكن ; ولا عليه أن يستمتع بزينة الله والطيبات من الرزق في غير سرف ولا مخيلة.. بل إن المتاع بها حينئذ لمستحب باعتباره لونا من ألوان الشكر لله الذي أنعم بها، ليتمتع بها عباده وهم يذكرون أنه الرازق المنعم الوهاب.
{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان }
وهكذا تتقطع أواصر الدم والنسب إذا انقطعت آصرة القلب والعقيدة، وتبطل ولاية القرابة في الأسرة إذا بطلت ولاية القرابة في الله.. فلله الولاية الأولى، وفيها ترتبط البشرية جميعا، فإذا لم تكن.. فلا ولاية بعد ذلك” إنتهى كلام صاحب الظلال رحمه الله
وهذا ما أردنا أن نخرج به و هو مايجب أن نعيشه ونتعايش به من خلال الهجرة بكل أحوالها.
وبذلك كانت الهجرة ” الفتح  الاول في الإسلام ” ولن يكون إلا إذا عشنا كما عاشوا.. فقط علينا أن نبدأ بإصلاح أنفسنا ومن حولنا، و ساعتها يصلح الله لنا كل أمورنا، ولاحجة لنا! فالقرآن بين أيدينا وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا.. أي أنه حي  فينا..
 فقط كل ماعلينا: هو أن نحيا في ظلال القرآن، و بالقرآن، وفي ظلال أخلاق رسول الله وأخلاق أصحابه وسنته وفقط…
 وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين… اللهم أحينا على المنهج وردنا إلى دينك ردا جميلا… وجزاكم الله خيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته والحمد لله رب العالمين **
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى