الأرشيفتقارير وملفات

رجل أيقظ أمة من ثباتها “الحلقة الخامسة”

بقلم الكاتب
محمد المصرى التركى

أولا :إستراتيجية جماعة الإخوان المسلمين

وحادت أمة عن طريقها فارسل الإله من يهديها
رجل قلّ من يولد مثله  كفؤ وسمح ليأخذ بأياديها
زانه الله بفضله علم وأدب وأخلاق لاتدانيها
يظن بعض الناس أن إصلاح المجتمعات سهل وأن نشر الأفكار يجد طريقا ممهدا وأن تغيير العادات والتقاليد ممكن وأن القيام بالجهاد دون إعداد يحقق النصر وهذا من قبيل الأوهام فقبول أفكار جديدة فضلا عن العمل بها يحتاج إلى عزيمة من حديد ووقت طويل قد يستهلك عمر المصلح وتغيير نمط من أنماط الحياة يكاد يكون من المستحيل فكلها أصبحت جزءا من شخصية المجتمع تراكمت على مدى أجيال طويلة لتصبح عادات مستحكمة راسخة فيه رسوخ الجبال الرواسى لا يمكن الإنفصال عنها أو تغييرها فهى عبارة عن أفكار وسلوكيات تتنافلها الأجيال لذلك يشق المصلحون طريقهم بصعوبة شديدة وربما لا يستطيعون التحرك على الإطلاق من شدة التصدى له قال الله تعالى واصفا هذه الحالة: [ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ] الأنعام- 112 فطبيعة البشر تتصف بالتصدى لأى افكار جديدة لا تتوافق مع ما ألفوه وتقاومها دون إعمال العقل أو الفكر وهى التى تخلق المحن لهؤلاء المصلحين ويكون معالجة هذه المحن من أصعب الأمور  وقد شق الإمام حسن البنا طريقه بصعوبة شأنه شأن جميع المصلحين في  وسط ركام من عادات وتقاليد وقيم لا تتفق مع تعاليم الإسلام  زادت صعوبتها بدسائس الإحتلال وأدواته من الإقطاع والقصر مما جعلها محنة في حياة الدعوة ذاتها وقد مكنته شخصيته وقوة حجته، وعمق تفكيره، وأناته وصبره من التغلب على الكثير من هذه التحديات والمصاعب التي واجهته  قال الله تعالى: [الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ] العنكبوت  1-3  ويدفع المصلحين ما تميزوا به من طباع وصفات أودعها الله سبحانه وتعالى فيهم وصقلتها البيئة إلى محاربة  سلبيات المجتمع وكفاحها  تلك الصفات التى ينبغي أن تتوافر في القيادات فالمحن تقع لا محالة ويتوقف إصلاحها على حكمة القائد وصبره وحسن تدبيره والظروف التى تحيط به ولكن المصلح فى كل الحالات هو فارس فى الميدان يعمل جهده ولا يدر إن كان سينتصر أو ينهزم وربما تحولت المحنة إلى كارثة بفعل الظروف أو المؤامرات  فمنذ الأيام الأولى. عندما قامت الدعوة بالإسماعيلية وأخذت  تكتسب كل يوم موقعا جديدا على الأرض وتجذب إليها أعضاء جدد  من   المخلصين الخيرين من ابناء هذه المدينة والمدن المجاورة، وهى النفوس التى تهفوا إلى  تنظيم إسلامى ينتسبوا إليه ويعمل فى ظله لأن البلد الذى لا تتسم شعاراتها بالدين يشعر المواطن بغربة فيها فيبحث عن تنظيم يحتويه وهذه الدعوة قامت على شقين شق سلفى يعنى الالتزام بالعبادات كما وردت فى الكتاب والسنة وشق صوفى يعنى ترقية الروح والجهاد الذى مات فى نفوس المصريين وسكنوا للإحتلال وطبيعى دعوة كهذه تحمل السمو فى مبادئها وترفع شعار الجهاد  الذى نبأنا  به شعار السيفين المتعانقين ومن فوقهما كتاب الله وهذا جعل الإحتلال وتوابعه من الإقطاع والقصر  وأذنابهم ينتفضون خوفا وجذعا من إعلان الجهاد والنضال ضد الإحتلال وهذا يعنى أن الجماعة ستدخل فى مواجهة مع الإحتلال عما قريب فأزالوا الفرحة التى شعر بها الإحتلال من سكون الشعب المصرى له كما يعنى ذلك  أن طبقة الإقطاع  ستزول بحكم عمالنها للإحتلال ويعنى وجود المصحف داخل الشعار أن الجماعة ستحكم بشرع الله أى بإقامة العدل الإجتماعى وهذا معناه القضاء على مميزات الطبفة الإقطاعية ومساواة العامة بها وهى ماترفضه طبقة الإقطاع رفضا باتا  لذلك إستعدت هذه القوى لحرب جماعة الإخوان والقضاء عليها وقد خبأت المقاديرالكثير من هذا على الإمام حسن البنا قإعتقد كما يفهم من مذكراته أن مابقوم به هؤلاء حالات فردية مصدرها الضغينة أو الحسد من  شياطين الإنس بتدبير المكائد وإشاعة قالة السوء..فقال: إنه ما كاد يظهر إعجاب الناس بالدعوة والتفافهم حولها، وتقديرهم للعاملين لها حتى أخذت عقارب الحسد والضغينة تدب في نفوس ذوي الأغراض، وراحوا يصورون الدعوة والداعين للناس بصور شتى: فهم تارة يدعون إلى  مذهب خامس أى أن الإمام يقصد أنه لا يكون على نفس وتيرة المذاهب الأربعة التى إعترف بها جمهور الفقهاء ونبذوا ما سواها لعدم كمالها فاغلقوا باب الإجتهاد مما تعثر معه إنشاء مذاهب جديدة وهذا حمى العقيدة الإسلامية من الافكار الغريبة بسبب هيمنة النفوذ الصهيوصليبى على الساحة الفكرية فى مصر وذلك بتجنيد الإحتلال للشباب المصرى من انصاف المثقفين لأنه  لايستطيع تجنيد أحد من الناس إلا من هذه الفئة التى لا تهتم بالدين أصلا والتى لا تؤمن بقيم أو أخلاق دل على ذلك قول الإمام حسن البنا فى مذكرات الدعوة والداعية: وهم أحيانا شباب طائش لا يحسن عملا ولا يؤتمن على مشروع، وهم أحيانا نفعيون مختلسون يأكلون أموال الناس بالباطل حتى لا يثيروا الكثير من التساؤلات حول الهدف من طرح هذه النظريات العلمانية والليبرالية والشيوعية والإلحاد إعتمادا على إشتمالها على بعض الأفكار المبهرة التى تنادى بعالمية الحضارات ولا يدرون أن القكرة صنعت لطى الشعوب الضعيقة تحت هيمنة حضارة الشعوب الأقوى وذلك بالقضاء  على تراث الشعوب الضعيفة  الهدف من الليبرالية تعنى إطلاق حرية الفرد دون ان يبالى بقيم المجتمع مما يساعد على هدمه كما يعمل على سيطرة أصحاب رؤوس الأموال على الإقتصاد والتحكم فيه فيخلق طبقة مسيطرة وان الشيوعية تعنى إنكار الدين وترى أنه افيون الشعوب وبالتالى تنكر الألوهية وبذلك تعمل على هدم العقيدة الإسلامية دون أن يدروا بذلك بسبب الجهل الشديد فى السياسة العالمية ولإنتشارالأمية الدينية ولا يعرفون أن الدين الإسلامى يحمل الكثير من المميزات التى تحمى الفرد والمجتمع فى آن واحد ولكن النفوذ الصهيوصليبى إستغل الواقع المصرى المؤسف  بما فيه من نظام الطبقات انشر هذه النظريات  .

سلاح الإشاعات والمذهب الوهابى

ونظرا لأن الدين يمس شغاف القلوب جرى التوجه إلى خلق مذهب جديد يكون شعارا لتنفيذ مخطط الإحتلال البريطانى لسفك دماء الوطنيين بحجة مخالفتهم للشرع وإثارة الفتن فى البلاد الإسلامية وهو المذهب الوهابى  الذى اقامه  السعوديون أدوات هذا النفوذ على أساس الخلافات التى بين فرق المسلمين والتى تركها الشرع للإجتهاد واستغلوه فى قتل المسلمين وإثارة الفتن فى البلاد العربية لمصلحة النفوذ الصهيوصليبى ولا شك أن خلق مذهب خامس يعنى أن عملاء هذا النفوذ يريدون أن يصنعوا فكرا جديدا يتوافق مع أهداف الإحتلال فعندما استطاع الإخوان أن يوفقوا فى بناء مسجدهم فى الإسماعيلية إشتدت الدسائس والفتن،ضدهم وقام المغرضون من كل مكان يريدون الحيلولة دون إتمام هذا العمل النافع، فلم يجدوا سلاحاً إلا سلاح الدس والوشايات و كتابة العرائض المجهولة وتقديمها للسلطات المحلية بالإسماعيلية من البوليس والنيابة وغيرها ولكن النيابة فى ذلك الوقت كانت تحترم القانون وتأمر البوليس بجمع الأدلة لتقديمها للقضاء وتدس المخبرين فى صفوف الإخوان وتحضر الدروس لتتسمع ما قد يؤيد هذه الوشايات ولما لم يجدهم ذلك نفعاً كتب المغرضون من العملاء عريضة بتوقيع لفيف من أهالي الإسماعيلية إلى رئيس الحكومة رأساً كما جاء فى مذكرات الدعوة والداعية ضمنوها أموراً غريبة منها: أن هذا المدرس شيوعي متصل بموسكو، وهو وفدي يعمل ضد النظام الحاضر وهذه إتهامات لا تصدر عن مثقف اصلا لأن الشيوعية تعنى الإلحاد والإمام حسن البنا يهيم حبا بدينه ويريد بناء مجتمع قائم على الدين دلنا على ذلك إسراعه فى كل مكان يكون فيه بيناء الجامع الذى هو هيكل الإسلام وقيامه بالدعوة لكل القيم الإسلامية والجهاد فى سبيلها أما الوفد قهو قائم على العلمانية ويتعارض مع الشيوعية نعارضا تاما وإن كان لا يابه بالدين ويقاوم الإحتلال صوريا منذ وفاة سعد زغلول وهو كحزب للإقطاع مرحب به على الساحة السياسية لأنه يمثل طبقة الإقطاع التى تتعاون مع الإحتلال وثارت ثورة المعترضين عندما قدمت هيئة قناة السويس تبرعا بمبلغ 500 جنيه لمشروع المسجد فإنطلقت الإشاعات تملأ الجو بأن الإخوان المسلمين يبنون المسجد بمال الخواجات وآزرتها الفتاوى الباطلة ممن يعلم وممن لا يعلم وعندما اقترح أحد الإخوان أن تحيي هذه السنة عيد الفطر بالصلاة في ظاهر المدينة قامت حملة عنيفة وصرحوا بقولهم :ومن الذي يقول: إن الشارع أفضل من الجامع.!!!. وكانت حملة ويا لها من حملة تتربص بأى عمل من الإخوان لتشويههم ولم يكتف المعترضون بذلك بل أشاعوا بأن الإمام حسن البنا يقول للناس في دروسه اعبدوني من دون الله. وأن الإخوان المسلمين يعتقدون بناء على ذلك أن الشيخ حسن البنا إله يعبد وليس بشراً ولا نبياً ولا ولياً ولا شيخاً.و طبقا لمذكرات الدعوة والداعية ،قامت الإخوان بالتحري عن مصدر الإشاعة فعرفوا أن الذي يذيع هذا شيخ عالم يشغل منصباً دينياً له مكانة عند الناس مما يدل على ان هناك محرك يدفعه لهذا العمل وليس غيرة أو حقدا منه ويوم قرر الإمام حسن البنا ترك الإسماعيلية والانتقال للقاهرة اقترح على إخوانه أن يتولى الشيخ علي الجداوي مسؤولية المركز من بعده وأثبت بهذا الإختيار فطنة كبيرة وبعد نظر لأن الرجل على درجة من التقوى والصلاح ممن لا يأبهون بالذات أو المنفعة الشخصية أو الزعامة أو حب الظهور ولذلك وافقوا عليه بالاجماع في فرح شامل وسرور عجيب بهذا الاختيار وفضلوه رغم كونه نجارا على شيخ أزهري أديب عالم فقيه يحمل العالمية أريب لبق ذلق اللسان واضح البيان محترما من الجميع تطلع إلى أن يكون رئيسا للجماعة في الإسماعيلية ولم يسلك إلى تحقيق هذه الرغبة طريقها الطبيعي وهو الإخلاص في العمل والتفاني في خدمة الدعوة ولكنه سلك إليها الطرق الملتوية، طرق الدس والتفريق والوقيعة وأثار إختيار الشيخ علي الجداوي غيظه الشديد وهو لا يعلم أن حب الظهور تضيع معها قضايا عظيمة ولذلك لم يثبت فى جماعة الإخوان إلا من تهيأ للعمل الوطنى والتضحية بعيدا عن طلب الفائدة أو حب المنفعة أو الظهور بل من يؤمن بالجهاد والعمل والسعى فى سبيل خلق مجتمع صالح   وهذه الشخصيات القميئة هى التى أخرت العمل الدعوى ومكنت الإحتلال من حكم مصر ومن بعده حكم أدواته من الملكية الإقطاعية ثم العسكر لأنها تبحث عن المصلحة الشخصية وتعلل المعترضون على إختيار الشيخ على الجداوى أن الإخوان لم يكونوا جميعا حاضرين، وأن الدعوة كانت مفاجئة  لم يكن المقصود منها معلوما!!.وبعد الاقتراع الثاني انفرد  المعارضون الأربعة وأرادوا أن يفرضوا رأيهم على أكثر من خمسمائة شخص وهم الذين وافقوا على الشيخ الجليل ولما عاينوا فشلهم للمرة الثانية بدأوا يذيعون عن الدعوة وجماعة الإخوان ما يسيىء إليهم في ثوب النصيحة والإشفاق على الناس وهكذا إذا تمكن الهوى من النفوس وحب الذات والسير فى ركاب الباطل فإنه يعميها عن الخير ويصم أذانها عن الحق .ولما فشلوا تقدموا للنيابة ببلاغ يقولون فيه:  إن حسن أفندي البنا رئيس الإخوان المسلمين يبعثر في أموال الجماعة!!. وتلى ذلك البلاغ بلاغات وإشاعات انتهت وانتهوا معها فكل من يفقد إدراكه لسمو الدعوة ويفقد إيمانه بها لا خير فيه وتذروه رياح التصفية.

 ومما يدل على أن اصابع الإحتلال وعملائه من الإقطاع والقصر وراء خلق كل هذه المصاعب التى قابلت الدعوة فى الإسماعيلية والفتن هى نفسها التى حدثت في القاهرة بل وزادت عليها فكانت أدهى وأمر.ولكن رغم كل هذا فقد تم نشر الدعوة  في خلال أربع أعوام وتمكنوا من بناء مساجد  ومدارس! للصبية وللبنات وإنتقلت الدعوة إلى المحمودية وإلى بور سعيد وإلى السويس وشبراخيت ووصلت إلى القاهرة وفتحت شُعبه قبل أن يعود الإمام حسن البنا إلى القاهرة !! وهذا ماحدثنا الله عنه بقوله تعالى :[فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ] الرعد 17 ودل على مدى الأثر الذى تركه الإمام حسن البنا فى مريديه أن أهل الإسماعيلية عندما فوجئوا بنقله إلى القاهرة أوفدوا منهم وفدا ضخما إليها  بمجرد سماعهم بخبر النقل  لمقابلة وزير المعارف حلمي باشا عيسى وطلب إليه إلغاء النقل ووعدهم الوزير بإلغاء النقل فى حالة موافقة ناظر مدرسة عباس فزار هذا الوفد  المدرسة وقابل ناظرها حسنين بك رأفت رحمه الله وتحدث إليه في ألا يتمسك بوجوده في القاهرة، وما كاد الإمام حسن البنا يعلم بذلك حتى رجاهم العدول عن فكرتهم. وأبرق إلى وزارة المعارف برغبته في البقاء بالقاهرة، وبأن هذا النقل إنما كان بناء على طلبه ولمصلحته.لأنه يعلم أن الثقل المركزى والسياسى فى القاهرة ولن تنتشر الدعوة بسرعة لو ظل هو يدير الجماعة من الإسماعيلية ولكن مراسلى الجرائد سمعوا الوزير حين وعد وفد الإسماعيلية بإلغاء النقل. ونقلوا الخبر إلى جرائدهم وصدرت جرائد الصباح  وفيها هذا الخبر ويقول الإمام فى مذكراته واصفا الوضع فى الإسماعيلية :  وتصادف أن سافرت إلى الإسماعيلية لإحضار أسرتي فظن الأهلون أن الخبر صحيح  وأخذت جموعهم تتوافد على دار الإخوان مهنئة بالعودة وأنا ابتسم لذلك وأخبرهم بالحقيقة وبانتقالى إلى القاهرة ولذلك قرر مجلس إدارة الإخوان بالإسماعيلية إعتبار القاهرة المركز العام للإخوان المسلمين نظرا لإنتقال المرشد إليها فالمركز العام يكون حيث يكون المرشد وكان لا بد من البحث عن مكان يصلح كمركز للجماعة ولذلك قررت جماعة الإخوان المسلمين اعتبار المنزل الذي يسكنه الإمام حسن البنا فى حارة نافع إحدى حواري شارع السروجية فى القاهرة  ومن حسن الحظ أن الدور الأول فيه كان خالياً وهو ما يصلح ليكون  مقراً لهم ويفيد فى معرفة مدى تقديرهم الشديد وخبهم للإمام حسن البنا  أن ناظر مدرسة عباس أطلع الوفد الإسماعيلي على خطاب ورد إليه بتوقيع الأخ الخارج على الدعوة وفيه تجريح وشتم فتألموا لذلك ونقلوا الخبر إلى البلد وما كاد الغمام حسن البنا يفارقها حتى تربص له بعض المتحمسين من الأهلين وهو في طريقه وأشبعوه ضرباً بالعصي والأيادي حتى عجز عن السير والقيام وتقدم بشكوى متهماً بعض الإخوان ومعهم الإمام حسن البنا كمحرض على ضربه مستدلاً بوجوده فى الإسماعيلية حينذاك وتحددت جلسة تبعتها جلسات،وكانت قضية أباحت له فرصة زيارة الإسماعيلية مرات ثم إنتهت بالبراءة في الابتداء والإستئناف حيث شهد الناس انه لم يكن مخرضا على شيىء..

وكلما زاد نشاط الإخوان وزادد عدد أعضائه إحتاجوا لمكان أفضل فانتقل المركز العام من حارة نافع 24 إلى  دور كثيرة: منها  دار سوق السلاح إلى حارة الشماشرجي رقم 5 إلى شارع الناصرية رقم 13 إلى العتبة الخضراء عمارة الأوقاف رقم 5 وأخيراً إلى دار شارع أحمد بك عمر رقم 13 أيضاً وهي إدارة جريدة الإخوان المسلمين وبذلك أصبح المركز  فى قلب القاهرة حيث يسهل غتصال الناس به من كل مكان وقد  إشتملت إسنراتيجية جماعة الإخوان المسلمين على التربية العقلية والإيمانية والبدنية للمجتمع أولا قبل القيام بأى نشاط على الأرض فالتربية هى سبيل النهوض بالامة لتهيئتها للجهاد ضد الإحتلال والقضاء على الفساد فتربية الأمة أولاً لتفهم حقوقها وتنشأ على الإيمان بها وتتعلم الوسائل التي تنال بها هذه الحقوق ويبث في نفسها هذا الإيمان بقوة أى تدرس منهاج النهضة درساً نظريا وعمليا و روحيا. وذلك يستدعي وقتا طويلاً لأنه منهج دراسة لأمة بكاملها مما يعنى  أن تتذرع الأمة بالصبر والأناة إستعدادا لكفاح طويل، ولاشك أن  محاولة تخطي حاجز التربية  بالتسرع فى مناصبة الاحتلال والفساد العداء قبل أن تهيىء المحتمع له يكون الفشل من نصيبها  ومن أجل هذا يجب أن تحول البلاد التي تود النهضة والتحرر من الإحتلال والفساد  إلى مدرسة،يكون طلبتها كل المواطنين وأساتذتها الزعماء وأعوانهم من المصلحين وعلومها الحقوق والواجبات العامة والوسيلة للوصول للغاية ولذلك يجب أن ينظم أمران مهمان هما المنهج الذى يعنى الوصول إلى الغاية والزعامة التى تقود الناس وتوضيحه لهم ولذلك رأوا أن المنهج يجب أن  يكون مواده قليلة، بقدر الإمكان وتكون عملية بحتة ملموسة النتائج وأما الزعامة فيجب أن تختار من بين الناس وتنتقد حتى يستقيم عودها فإذا وصلت إلى درجة الثقة أعطى الناس لها الطاعة وأن تكون تربية الزعيم ليقود أمة  وليس زعيماً خلقته الضرورة وأظهرته الحوادث فحسب ومن هؤلاء الذين تربوا  كزعماء جمال الدين الأفغانى والشيخ محمد عبده ومصطفى كامل ومحمد فريد   الذين بنوا نهضة مصر ولو سارت في طريقها هذا ولم تنحرف عنه لوصلت إلى بغيتها أو على الأقل لتقدمت ولم تتقهقر وكسبت ولم تخسر. بيد أن الزعماء الذين خلقتهم الظروف إستعجلوا النتائج قبل أن يهتدوا للوسائل وخدعتهم زعاماتهم بقيادة الشعوب ومكائد السياسة فظنوا   أنهم سيحققون أحلامهم بهذه الجموع لكنهم فى الحقيقة جروا وراءالسراب بعد إنفاق الجهد وتضحية بالوقت وفناء الزاد فاضطروا إلى الرجوع من حيث بدءوا وتقهقروا وخسروا ولم يربحوا  فإذا فحصت الأمة هذه الحقائق الناصعة واكتفت بالتجارب الماضية وعادت إلى النهضة الصحيحة وعنيت بالجديات والحقائق واحتقرت الأوهام وأعدت صبراً طويلا للكفاح والنضال فإنها لابد أن تكسب إن شاء الله تعالى. أما إذا ظلت معلقة بالأماني غارقة في بحار الأوهام مستنيمة إلى الكسل والخمول فستخسر ما بقي لها من قوة أو مال   ويكون مثلها مثل قول القائل: بعت بيتي وحماري معاً وجلست لا تحتي ولا فوقي ونرجو أن تسلك أمتنا المحبوبة طريق الوصول بإفهام الناس هذه الحقيقة وهذه الإستراتيجية التى وضعها جماعة الإخوان أزعجت الإحتلال منها  وتوجس خوفا منها لأنها ستعيد بناء مجتمع ظل يهدم فيه زمنا وبدا هذا واضحا فى تركيز نشاطها  على المحاضرات والدروس في الدور والمساجد وتخصيص يوم يعرفه الجميع فيحضرونه عرف بدرس الثلاثاء وقيام المرشد العام بإصدار رسالة فى خلال السبع سنوات من عمر الدعوة والداعية  مما أعطى إنطباعا بالخط الدينى الذى تسير عليه هذه الجماعة بالرغم أنها لم تزد عن عددين إلا أنها تفتقت عنها  فكرة إصدار مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية وفي أثناء ذلك أصدروا أيضا مجلة النذير لمدة سنتين وكذلك إصدر وا عددا من الرسائل والنشرات وهذا مما يدعوا لقلق الإحتلال وعملائه قلقا شديدا بِسبب جهودهم فى اليقظة الدينية التى عمل الإحتلال على إخمادها وحصرها فى العبادات وهو مايقوم به الآن جماعات السلفية طبقا للمخطط الصهيوصليبى وقد دل على ان جماعة الإخوان عبارة عن تنظيم قيامهم بانشاء الشُّعب في القاهرة وزيادة شُعب الأقاليم ونشر الشعب في الخارج لكى يلتقى الأعضاء مع القيادات ويتداولوا الأمور فيما بينهم فتصبح هذه الجماعة  جزءا من الشعب ونظرا لأن ظروف الحياة كانت تعيق الناس عن السفر ومعرفة مايدور فى البلد ولا يتعدى حدود تفكيرهم أكثر من قريتهم أو مدينتهم مما يجعل الظلام يخيم على العقول فلا تعرف كل بلد أو قرية مايدور فى المدن والقرى الأخرى لذلك عملت الجماعة  تنظيم التشكيلات الكشفية للتعرف على جغرافية البلاد   ممايزيد من معرفة البشر بعظمة الخالق طبقا لقوله تعالى [ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ] العنكبوت 20 ومايدور حولهم من احداث حتى لا تكون البلاد عبارة عن جزر منفصلة بعضها عن بعض وكذلك قامت الجماعة بعمل تشكيلات  رياضية لخلق  جيل قوى ينحمل ظروف الحياة الصعبة فيحسن الدفاع عن بلده فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( المؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف ) وأمة لا يكون فيها إلا العجائز والجبناء أمة لا تستطيع الدفاع عن نفسها أو تحرير أرضها وتخضع لغيرها أبد الدهر ولذلك قامت جماعة الإخوان بعمل باحات لمزاولة الشباب الرياضة ولما كانت الجامعة بؤرة العلمانية لأن الأساتذة فيها تلقوا العلم إما فى جامعات أوربا أو على يد المستشرقين الذين وفدوا إلى البلاد العربية فى عهد الإحتلال ليدرسوا  فى جامعاتنا العربية والمصرية أفكارهم التى تخدم الإحتلال  والذين بذلوا الجهد فى إستبعاد فكرة الدين وفصله عن العلم لكى يكون مجرد عبادات وطقوس فعملت الجماعة على تركيز الدعوة في الجامعة والمدارس وتضمن هيكلها التنظيمى إنشاء قسم الطلاب وعملت على الانتفاع بجهود علماء الأزهر الشريف وطلابه  ولتوعية عامة الشعب رأت الجماعة- اقامة عدة مؤتمرات دورية للإخوان في القاهرة والأقاليم للتوعية .

ولأن الإحتلال كان من مخططه طمس الهوية الإسلامية عمل على إحياء الأعياد والمناسبات المصرية مثل شم النسيم وراس السنة الميلادية دون الأعياد والمناسبات الإسلامية ولذلك قامت الجماعة بالمساهمة في إحياء االأعياد والمناسبات الإسلامية والذكريات المجيدة في القاهرة والأقاليم وبدأ هذا المرحوم محمد فريد الذى تمكن من إقناع الحكومة من الإحتفال برأس السنة الهجرية وجعلها إجازة رسمية للدولة وهذه الإحتفالات من خصائص الهوية الإسلامية ومن منطلق أن الأمة الإسلامية كلها تواجه مصيرا واحدا قامت الجماعة بالمساهمة في مناصرة القضايا الإسلامية الوطنية وبخاصة قضية فلسطين.التى تراخت فيها الأنظمة العربية بل وقفت جيوشها حاجزا بين الكيان الصهيونى وبين الشعوب العربية فمكنت الكيان الصهيونى من السيطرة على فلسطين وهذا هو الذى وضع الجماعة فى مرمى نيران القوى الصهيوصليبية.
ومن الأمور الهامة للتوعية إيضاح النواحى السياسية والاجتماعية بالبيان والتوجيه   وكتابة المذكرات والمقالات والرسائل بهذا الخصوص والمساهمة في الحركات الإسلامية كحركة مقاومة التبشير فى بلاد أغلب سكانها مسلمين ومثل حركة تشجيع التعليم الديني لنشر الوعى الدينى بين الشباب بعد أن رات الجماعة الغزو الفكرى السعودى تحت غطاء السلفية بحجة العودة إلى منهج السلف الصالح وخبرت جماعة الإخوان أن السلفية عبارة  عن جماعة تعمل لاجل اللوبى الصهيوصليبى فى المنطقة تحت مظلة السلفية  وبهذه المظلة أمكنها تضليل العامة الذين يتمتعون بأمية عالية ويميلون للعصبية وتقديس الأفراد كما عملت جماعة الإخوان المسلمين فى مهاجمة الحكومات المقصرة إسلامياً ومهاجمة الحزبية فيقولون : إسأل أي زعيم سياسي مثل رئيس الوفد أو رئيس الأحرار أو رئيس حزب الشعب أو رئيس حزب الاتحاد عن المنهج الذي أعدوه للنهوض بالأمة والسير بها إلى نوال أغراضها. فلا يجدوا شيئا من هذا أبداً: كل ما يظهر على السطح من هذه الأحزاب تطاحن على الحكم وتهاتر بالألفاظ ودس وتقرب من العدو وانتظار لما يلقي إليهم من فضلات مائدته على حساب مصر وأهل مصر ويشبههم احزاب اليوم التى لا قيمة لها سياسيا أو خدميا ومثل ذلك تماماً في الزعماء الإصلاحيين الدينيين. والجمعيات الإسلامية  التى ليس لها برامج على الإطلاق غنما تعمل كما إتفق وكما تتقاذفها الأمواج  وكذلك. يظهر أن النهضة في فجرها كانت خيراً وأقوم سبيلاً. إذ كان -مصطفى كامل -ورجاله يريدون إعداد الأمة لكفاح طويل تتحرر فيه نفوسها وأخلاقها على  المنهج الإسلامي فلم تلين لهم قناة، وعلموا مكان الخداع والكيد فلم تقع في هوة الردى إذ نادى مصطفي كامل بضرورة إنشاء وزارة المعارف الأهلية، ووضع جاويش مشروع المدارس التهذيبية الليلية للعمال وطبقات الشعب واستقل عبد الرحمن الرافعي بالتأليف في حقوق الأمة فكان من ذلك كتابه الرائع عن حقوق الأمة  إذن فهي سلسلة منظمة متصلة الحلقات تتلاقى أطرافها عند ميدان واحد وكان جمال الدين الأفغانى والشيخ محمد عبده والكواكبي يسيرون بالناس سيرا دينياً وخلقياً إلى ناحية مثمرة هي تصحيح العقائد وتقويم الأفكار وقامت جماعة الإخوان المسلمين. في سبيل النهضة حاملة شعار لا نهوض لأمة بغير خلق مقتدية بهؤلاء الزعماء والمصلحين-فهى ترى أنه إذا استطاعت تربية الأمة على الجهاد والتضحية وكبح جماح النفوس والشهوات أمكنها أن تنجح بمعنى أن الأمة إذا استطاعت أن تتحرر من قيود الأنا والمطالب النفسية   أمكنها أن تتحرر من كل شيء فكان حجر الزاوية فى إستراتيجية الإخوان المسلمين إصلاح خلق الأمة. لقد طغت العادات ومظاهر الحياة غير الإسلامية على المصريين حتى صار المصلح في أشد ما يكون حاجة إلى قوة الإرادة واليقظة والبحث عن المظاهر الإسلامية بين هذا السيل الجارف من المظاهر. بدون الإشتداد على العامة  فيشتد هوعلى نفسه فقط ثم على مريديه الذين فهموا غايته ثم يترك الناس. يقلدونهم بالاختلاط لا بالأمر والشدة ولأن نهضتنا لا تزال مبهمة لا وسائل لها ولا غايات ولا مناهج ولا برامج فلن تلين لهذه الجماعة  قناة حتى تضع هذه المناهج والبرامج وتعلم الناس من حولها مكان الخداع والكيد فلا تقع في مهواة الردى.  أما الآن فقد نبغ زعماء أغرار لم يحنكوا بتجارب الزعماء فرضوا من الغنيمة بالإياب والآن لا بد من توزيع متناسق لفروع النهضة وكان أول هذه الرسائل القانون الأساسي للإخوان المسلمين واللائحة الداخلية، ثم صدرت رسالة المرشد وظهر منها عددان فقط، وكانت الرسالة الأولى بتاريخ 5 رمضان سنة 1349 هـ تقريبا الموافق 2 يناير سنة1931 م والثانية بتاريخ 0 2 شعبان سنة 349 اهـ، 19 ديسمبر سنة 1932م وقد جاء في صدرها هذا التوجيه  من مبادىء الإخوان المسلمين: وهو  سلامة الاعتقاد والاجتهاد في طاعة الله تبارك وتعالى وفق الكتاب والسنة والحب في الله والاعتصام بالوحدة الإسلامية, التأدب بآداب الإسلام الحنيو  تربية النفس والترقي بها إلى معرفة الله تعالى وإيثار الآخرة على الدنيا  والثبات على المبدأ والوفاء بالعهد مع اعتقاد أن أقدس المبادىء هو  الاجتهاد في نشر الدعوة الإسلامية بين طبقات الأمة ابتغاء وجه الله  وحب الحق والخير أكثر من أي شيء في الوجود. وتوالت بعد ذلك رسائل ونشرات في هذا الصدد منها ما هو للإشارة إلى أعمال الإخوان الاجتماعية، ومنها ما هو شرح لأهداف دعوتهم، ومنها ما هو توجيه للحكومات إلى الأخذ بتعاليم الإسلام، ولا زال من هذه الرسائل بين يدي الإخوان: نحو النور، دعوتنا، وإلى أي شيء ندعو الناس، والمأثورات، إلى الشباب ومحاضرة الثلاثاء ورسالة الجهاد ،وكلها تصب فى قالب التربية الإسلامية للأمة وهو المبدأ الذى قامت عليه إستراتيجية الإخوان.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى