تقارير وملفات إضافية

قصة المرور المجاني إلى الأسواق الجزائرية دون رقابة.. هكذا تغلغل الأوروبيون في اقتصاد البلد العربي

مع دخول اتفاقية التجارة المشتركة حيز التنفيذ هذا الأسبوع، تخشى الجزائر من عواقبها التي قد تكون مدمرة.

فلسنوات عديدة، اعتمدت الجزائر على تصدير المحروقات إلى أوروبا والعالم، فيما تخنق أجزاء كبيرة من القطاع الخاص بغطاء من البيروقراطية والفساد. والآن، بعد تضررها من جائحة فيروس كورونا والاضطرابات الاجتماعية والكسب غير المشروع وانخفاض قيمة المحروقات الذي بدأ منذ عام 2014، تسعى الجزائر إلى تجديد التفاوض على شروط هذه الاتفاقية فيما تتحسر على غياب الاستثمارات الأوروبية الكبيرة في الاقتصاد الجزائري، بحسب تقرير لموقع Al Monitor الأمريكي.

ووفقاً للأرقام التي قدمها رئيس الجمعية الوطنية للمصدرين الجزائريين، علي باي نصري، لمجلة The North African، استوردت الجزائر بين عامَي 2005 و2017 بضائع بقيمة 283 مليار دولار من دول الاتحاد الأوروبي، في حين وصل حجم الصادرات، من المنتجات القائمة على البترول بشكل أساسي، إلى 12 مليار دولار فقط. وقال نصري إن الاتفاقية بصيغتها الحالية ستشكل “كارثة على الاقتصاد الوطني”.

وهي كارثة يبدو أن الجزائر تعيها بالكامل، حيث كلّف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون وزير التجارة في البلاد بإعادة تقييم الاتفاق في 9 أغسطس/آب، أي قبل أسابيع فقط من تفعيل البنود النهائية للاتفاقية.

إلا أنه من المستبعد أن تكون شروط الاتفاقية مفاجئة، إذ مُددت الفترة الانتقالية الأولية للاتفاقية البالغة 12 عاماً عام 2017، واكتفت بفرض رسوم جمركية على بعض المنتجات مثل الصلب والمنسوجات والإلكترونيات والمركبات. ومع ذلك، نظراً لحالة الاقتصاد الجزائري المتدهورة ومثلها مثل جميع البلدان، الحالة غير المستقرة لقطاع الرعاية الصحية، يخشى كثيرون من أن يزيد تفعيل الاتفاقية بالكامل من تدهور الاقتصاد الجزائري.

بيد أنه مثل العديد من الاتفاقيات بين القوة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي والدول الصغيرة، غالباً ما تصب اتفاقية الشراكة في مصلحة الاتحاد الأوروبي. وصحيح أن الجزائر تعاني من سوء الإدارة وغياب سياسة صناعية واضحة والاقتصاد ذات الطبيعة الريعية، يشير المراقبون مثل تينهينان القاضي من معهد تشاتام هاوس إلى أوجه القصور الهيكلية في الاتفاقية نفسها، حيث قالت في تصريحات عبر البريد الإلكتروني: “أعادت اتفاقية التجارة الحرة التي أُبرمت عام 2005 إنتاج التقسيم المعياري غير المتكافئ للعمل بين الجزائر والدول الأوروبية، حيث عززت بموجبها مكانة الاتحاد الأوروبي في شمال إفريقيا باعتباره مُصدِّراً للسلع ذات القيمة المضافة العالية في حين ظلت الجزائر وغيرها من الدول الموقعة في شمال إفريقيا مجرد مُصدِّر أساسي للسلع لا يمكنها تحقيق عائدات ضريبية كبيرة من منتجات الاتحاد الأوروبي”.

وفضلاً عن ذلك، وفقاً لتينهينان، مكّنت هذه الاتفاقية الشركات الأوروبية الكبرى أيضاً من المرور المجاني إلى الأسواق الجزائرية، مما أدى إلى تدمير الشركات المحلية وتقليص تدفقات الإيرادات الحكومية.

إذ قالت تينهينان: “تشير التقديرات إلى أن الجزائر خسرت حوالي 6 مليارات يورو من عائدات الرسوم الجمركية بين عامي 2007 و2018”.

ورغم قيود العائدات المفروضة على العائدات الحكومية بموجب اتفاقية التجارة الحرة، ولدت الكثير من الشركات الخاصة في البلاد ميتة وعاجزة عن جعل نفسها قوة اقتصادية مستقلة عن سيطرة الحكومة.

يقول أنتوني سكينر، من شركة Verisk Maplecroft الاستشارية، لموقع Al-Monitor: “هذه الشركات عالقة بين المطرقة والسندان. فالنخبة الحاكمة بحاجة للسيطرة على وسط التجارة والشركات للحفاظ على مكانتها في الوسط السياسي. وفي محاولة لتشجيع الاستثمار الأجنبي، ألغت الحكومة القيود التي تجعل أغلبية حصص الأسهم من نصيب شركات الجزائرية في المشاريع المشتركة، وهو تغيير لا ينطبق على القطاعات الاستراتيجية. لكنني لا أرى حقاً أن هذا يقلل من صعوبة إقامة المشاريع التجارية في الجزائر”.

وفضلاً عن العقبات البيروقراطية، حيث أن سماح الجزائر للأجانب بالإقامة لفترة طويلة داخل البلاد عقبة من شبه المستحيل التغلب عليها، يوجد الكسب غير المشروع الذي يتغلغل في قطاع الشركات في الجزائر.

وتابع سكينر: “لا يوجد ما يشير إلى أن الكسب غير المشروع قد تضاءل نتيجة تحقيقات الفساد التي أنتجتها ضغوط الحراك أو حملة النخبة السياسية لتوطيد السلطة. وعادة ما تستهدف هذه التحقيقات الخصوم السياسيين والمنافسين المحتملين أو الفعليين للسلطة”.

وقد وردت تقارير بالفعل عن بدء المناقشات حول احتمال تأجيل التنفيذ الكامل لاتفاقية الشراكة. فأما المسؤولون في بروكسل فمحصورون بين خيارين قاسيين، أحدهما التأجيل والآخر احتمالية تدمير اقتصاد متدهور بالفعل. وأما الحكومة الجزائرية، فقد يمنحها التأجيل مساحة للتنفس أثناء صراعها مع جائحة عالمية. وفي الأثناء، ينتظر متظاهرو الحراك الوقت المناسب.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى