الأرشيفكتاب وادباء

ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان

من روائع الأديب الكاتب

السعيد الخميسى
لايمكن للخبز أن يكون بديلا للحرية لأن الحرية هى إكسير الحياة والرئة التى تتنفس الشعوب من خلالها . وإن أصيبت تلك الرئة بالفشل فسيسقط أى شعب مغشيا عليه من ضيق التنفس  وحالة الاختناق السياسى .إن هناك شعوبا تخلت عن حريتها طواعية مقابل لقمة العيش وكسرة الخبز . فلاهي نالت حريتها , ولاهي شبعت ونالت حقها فى حياة حرة كريمة . فعاشت تلك الشعوب ردحا من الزمن لا ترى شمسا ولا قمرا . عاشت نظريا لكن عمليا هى مع الأموات . فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان  ولايمكن أن يحيا الإنسان أيضا بلا خبز لأنهما توأمان لا ينفصلان . لا يمكن لكسرة الخبز أن تكون بديلا عن الحرية , وإلا لعاشت البشرية عيشة حيوانية بهيمية غير إنسانية . فالأنعام تآكل وتشرب وتملأ بطونها غير أنها ليست حرة فهى تعيش تحت لهيب الكرباج ونار السياط . يقول الشاعر : الذليل بغير قيد مقيد.. كالعبد إن لم يسد بحث له عن سيد . فالذليل قيد نفسه وإن لم يقيده أحد لأنه تعود أن يعيش عبدا مملوكا لسيده كالعبد الآبق الذي لايقدر على شئ . كذلك الشعوب التي عاشت على مدار الزمن تئن تحت وطاة الاستبداد والاستعباد لم تتقدم قيد أنملة للأمام . فعاشت فقيرة جاهلة متخلفة تتسول على أبواب أراذل الأمم أعطوها أم منعوها . أما الأمم التي تحررت فتقدمت وحققت المعجزات وسبقت عجلة الزمان. 
** إن الإستبداد ليس قدرا مقدورا على الأمم والشعوب . كما أنه ليس مصيرهم المحتوم الذى يجب أن يؤمنوا به ويرضوا عنه وكأنه أحد أهم الأركان الذى يجب أن نسند ظهورنا إليه طوعا أو كرها . نعم .. العبودية ليست قدرا مكتوبا على جبين الشعوب العربية والإسلامية , عليها أن تؤمن بها وأن تجعلها الركن السادس من أركان دينهم الحنيف . لأن الإسلام إنما جاء لمحو آثار الجاهلية الأولى , وهل هناك جاهلية أشد وأكبر من العبودية لغير الله..؟  دخل معبد بن خالد الجهني, وعطاء بن يسار على الحسن البصري, وهو يحدث الناس في مسجد البصرة فسألاه: ” يا أبا سعيد, إن هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين , ويأخذون الأموال, ويفعلون, ويقولون: إنما تجري أعمالنا على قدر الله” , فأجابهما الحسن قائلا: ” كذب أعداء الله ” نعم كذب أعداء الله لأن الله لايريد شرا للعالمين . فإن أصابنا الخير فمن الله , وإن أصابنا الشر فمن أنفسنا .
يقول الله عز وجل : ” مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا”

 * تقول صفحات التاريخ أن  ” سوهارتو ” حكم اندونيسيا 32   “وسياد برى” حكم الصومال 21 عاما . ” وزين العابدين ” حكم تونس 24  عاما . ” وعلى صالح ” حكم اليمن 34 عاما . ” والقذافى حكم ليبيا  42 عاما . ومبارك حكم مصر 30  عاما . وشاوشيسكو حكم رومانيا 25  عاما .  لكن شعوبهم لم تكن راضية عنهم لأنهم تمسكوا برأي الفرد وحكم الفرد وعدم بسط رداء الحرية والديمقراطية لينال منه كل طوائف الشعب . فكانت النتيجة أن سقطوا جميعا لان شعوبهم لم تكن راضية عنهم حتى وإن وفروا لهم الماء والدواء والخبز وكل متطلبات الحياة . فما بالكم وهم لم يوفروا ذلك لشعوبهم من الأصل فكان الغضب مزدوجا , غضب من أجل الحرية , وآخر من أجل رغيف الخبز . إن الحرية هى الضمان الوحيد لحفظ امن وأمان أى أمة وأى شعب وبدونها ستظل الأمور قلقة ملتهبة وجذوتها مشتعلة تحت الرماد حتى حين . إن شجرة الحرية وارفة الظلال يستظل بها الحاكم قبل المحكوم والوزير قبل الغفير والأمير قبل الحقير . لكنها تحتاج إلى التربة الصالحة التى تنمو فيها . أما أرض الديكتاتورية الملحة فإنها كالقيعان لاتمسك ماء ولاتنبت كلأ .
* من أصعب الأمور التي يحار العقل البشري في فهمها : أن يعيش الحيوان الأعجم
مستمتعا بحريته أكثر من الإنسان الناطق، فهل كان نطقُه شؤماً عليه وعلى سعادته وحريته ؟ يحلق الطير في الجو بحرية كاملة، ويسبح السمك في البحر بحرية كاملة، ويهيم الوحش في الأودية والجبال بحرية كاملة. إن شعوبا كثيرة فى القارة السوداء قد نالت حريتها واسترددت كرامتها ولم يعد بمقدور أحد مهما كانت قوته وجبروته أن يتلاعب بحاضرها أو مستقبلها أو يمنعها أو يمنحها حريتها .  أما الإنسان العربي فهو مقيد بقيود الاستبداد السياسى من المهد إلى اللحد , ليس له أن يعبر عن رأيه بحال من الأحوال .فمتى يؤذن لفجر الحرية فى عالمنا العربى بعد ما طال ظلام ليل الظلم والقهر والعبودية..؟ . لابد لأمتنا أن تفيق وتستفيق من غيبوبتها السريرية الدماغية حتى تعلم أن الحرية شرط كل شئ ولا شرط للحرية . الحرية هى الطريق للنهضة والتقدم والرقى . والديكتاتورية هى المستنقع الآسن الراكد الذي تتكاثر فيه كل جراثيم الفساد تبيض فيه وتفرخ وتتكاثر ..!؟. إن الحرية مسؤولية ولاتعنى الفوضى فى أى صورة من صورها ولا فى أى شكل من أشكالها . الحرية تعنى النظام والالتزام وحفظ الوطن من عواصف الريح العاتية .
*  * يقول الراحل مصطفى أمين  متحدثا عن قيمة الحرية منذ زمن بعيد” إ
ن الحياة لا تتوقف أبداً .. إنما تتجدد دائماً , كل شيء فيها يتغير ويتبدل البشر يولدون ويموتون ..الأبنية تشيد وتنهار .. الزهور تتفتح وتتبدل الدول تقوم وتسقط .. كل شيء يتغير .. كل شيء يتبدل إلا معاني بعض الكلمات .. الحرية تبقى دائماً حرية  , الطغيان يبقى دائماً طغيان,  العدل يبقى دائماً عدلاً  , الظلم يبقى دائما ظلماً. ويجيء العادلون والطغاة ويذهبون , ويظهر أنصار الحرية وأعوان الإستبداد ويختفون , وتشرق شمس الديمقراطية وتغيب , ويجثم ظلام حكم الفرد ثم يطل نهار حكم الأمة, ويعلق الأحرار في المشانق ويجلس الظالمون في مقاعد السلطان كل شيء يتغير , يولد ويموت , يكبر ثم يتضاءل . ولكن الشعب دائماً لايموت .” نعم الشعب لايموت ولكن بشرط تمسكه بحقه كاملا فى الحرية ولايتنازل عنها مهما كان الثمن المدفوع..!؟.” نعم الخبز ليس بديلا عن الحرية فكلاهما ركنان أساسيان فى استقرار أى امة وحياة أى شعب يريد الرخاء والتقدم والازدهار .
* * نعم .. سيموت الظلم , وسيحيا العدل . سيفنى الاستبداد , وستبقى الديمقراطية , سينقشع الظلام , ويشرق النور , سينتحر الجهل , ويبقى العلم  . ستزول كل الأنظمة فى كل العالم , ظلمت أم عدلت , أعطت أم منعت , رضيت أم أبت , لكن الحقيقة الوحيدة المتفق عليها أن الشعوب لا تموت وستبقى حية حتى يرث الله الأرض ومن عليها . لان الشعوب تحيا مادامت الحياة باقية . وستبقى الشعوب حرة قوية كريمة ماتمسكت بحقها فى الحرية والحياة الحرة الكريمة . نحن نريد الحرية , ولانريد غير الحرية . نريد حرية العقيدة , حرية الرأي والرأي الآخر , حرية النشر والكتابة والتأليف . حرية التعبير دون خوف أو رعب أو تهديد . لقد خلقنا الله أحرار ولن نعيش إلا أحرارا بعد اليوم بعز عزيز أو بذل ذليل . الحرية أثمن وأغلى شئ فى الوجود ومن ينزعها منا فقد نزع أرواحنا من أجسادنا وجهز لنا أكفاننا وحفر لنا قبورنا  ولن يكون ذلك إن شاء الله تعالى . الحرية هى الضمان الوحيد لاستقرار وأمن وسلامة أوطاننا . نحن كمواطنين مثقفين نحب أوطاننا وعلى استعداد للدفاع عنها ضد أى محتل مهما كانت سطوته وقوته , ولن نسمح أبدا بالفوضى الخلاقة التى بشرونا بها . لكن لنا مطلب واحد لا ثانى له : حريتنا هى عقيدتنا وهى رئتنا التى نتفس من خلالها فلا تنزعوها منا عنوة عنا, فنموت , وإن متنا مات الوطن لا قدر الله ذلك له ولنا . فهل ذلك يرضيكم يا قومنا .؟ الحرية للشعب.. والبقاء للوطن .فهل هذا يرضيكم ويكفيكم ؟

 



 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى