آخر الأخبار

مجهولون يطبعونها ويوزعونها سراً.. قصة صحيفة «تُكتُك» التي تمثل صوت العراقيين من قلب ميدان التحرير

قالت صحيفة Haaretz الإسرائيلية إن صحيفة سرية من 8 صفحات يرسلها محرر إلى مطبعة مجهولة تقع بالقرب من ساحة التحرير في بغداد، وهي ساحة مركزية تحولت إلى مركزٍ لما أصبح أكبر حركة احتجاجٍ على مستوى القاعدة الشعبية في تاريخ العراق الحديث.

وتعمل الصحيفة تحت غطاء من السرية، وتتشكل من مجموعة من ستة عمال يعملون بسرعة كبيرة لنشر آلاف النسخ من «تُكتُك»، وهي صحيفة تقول إنها تمثل صوت المتظاهرين، الذين خرجوا إلى الشوارع في عشرات الآلاف، للتنديد بفساد الحكومة المتفشي وندرة الوظائف وتردّي مستوى الخدمات الأساسية، رغم الثروة النفطية الهائلة للعراق.

تسعى الانتفاضة التي ليس لها قيادة محددة إلى تفكيك نظام الحكم الحالي، ويأمل محررو «تُكتُك»، وهما صحفيان لهما خبرة من بين المحتجين، في توثيق التحولات والمنعطفات في سعي الحركة الاحتجاجية لتحقيق هذا الطموح، في وسطٍ يمكن للمحتجين الثقة فيه.

في لقاءٍ مع مراسل Associated Press، وعلى أحد المقاهي الشعبية القريبة من ساحة التحرير، يقول أحد المحررين، اللذين طلبا عدم الكشف عن هويتهما خشية التعرض لانتقام الحكومة: «يمكن للصحيفة أن تكون أداة إعلامٍ ونقل لآخر التطورات، لكن الأهم من ذلك، أنها أداة تسعى إلى أن تكون بمثابة سجل توثيقٍ لما يحدث، من منظورنا».

وقال المحرران إن توزيع الصحيفة الحالي بلغ 3000 نسخة.

وكانت فكرة إطلاق الصحيفة قد جاءتهم قبل حتى أن تعمَّ الموجةُ الثانية من المظاهرات العنيفة البلادَ في 25 أكتوبر/تشرين الأول.

اشتعلت الموجة الأولى في 1-7 أكتوبر/تشرين الأول، عندما قطع المسؤولون العراقيون الوصول إلى شبكة الإنترنت، ليعرقلوا مساعي المتظاهرين للتواصل مع بعضهم وتنسيق تحركاتهم في الشوارع.

وأخذ المتظاهرون في توظيف تكتيكات مبتكرةٍ للبقاء على تواصل عبر شبكة الإنترنت، رغم القطع المستمر للشبكة وإعاقة الوصول إليها. إذ اشترى بعض المحتجين بطاقات SIM أجنبية للمحمول ودفع اشتراك التجوال، للإبقاء على الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وإبلاغ المتظاهرين داخل العاصمة وخارجها، والذين يتواجد معظمهم في الجنوب الذي تقطنه غالبية شيعية، بأحدث التطورات أو لتحديد مكان متظاهرين في مكان آخر، ليساعدوا في إعادة تخزين مواد غذائية وأدوية حين يوشك المتوفر على النفاد.

لكن لا يمكن لكلٍ شخص من المحتجين، ومعظمهم من الشباب المنحدر من ضواحي بغداد الفقيرة، تحمّل تكلفة هذا. ومن ثمّ، يقول المحرر: «كان يجب أن يكون لدينا شيء يتيح لنا إبقاء الجميع على اطلاع».

وهكذا، ولدت صحيفة «تُكتُك»، وسمّيت على اسم رمز قوي لحركة الاحتجاج، وهو مركبات التوك توك ذات العجلات الثلاث التي يسرع سائقوها لإنقاذ ونقل المتظاهرين المصابين، في بعض الأحيان خلال نيران القناصة، من خط المواجهة إلى المراكز الطبية.

يقول المحرر إن «تُكتُك» تملأ فراغاً معلوماتياً تسببت فيه وسائل الإعلام العراقية السائدة؛ إذ «لا توجد تغطية إعلامية حقيقية لحركة الاحتجاج في الصحافة العراقية، وليس بطريقةٍ يشعر المحتجون أنها تمثلهم على نحوٍ كاف».

ينظر المتظاهرون إلى الصحفيين العراقيين على أنهم يعملون جنباً إلى جنب مع الحكومة لتقويض حركتهم، أو أن الصحفيين الذين يحترمونهم مجبورون على فرض رقابة ذاتية على أنفسهم، بعد أن تعرضت عدة مكاتب إعلامية لهجوم على أيدي مسلحين مجهولين في أعقاب الموجة الأولى من الاحتجاجات. فقد هاجم الجناة المقنّعون مكاتب قناة «دجلة الفضائية» في بغداد، واقتحموا مقر قناة «إن آر تي» NRT TV في كردستان، إضافة إلى مقر قناة «العربية» المملوكة للسعودية.

يأمل المحررون في التمكن من نشر «تُكتُك» يومياً. التكاليف منخفضة، لأن الموظفين متطوعون وقد وافقت المطبعة على نشرها مجاناً. يقول المحررون إنهم جمعوا بالكامل من المحتجين مبلغ 400 دولار الذي تكلفته الأعداد الستة الماضية. يرسل المحررون أيضاً نسخاً إلكترونية على هيئة وثائق PDF من الصحيفة إلى مدن الجنوب لطباعتها وتوزيعها.

كان زيد، المحتج البالغ من العمر 21 عاماً في بغداد، يقرأ العدد الأخير من «تُكتُك»، وقال إنه وجد فيها ترجمةً وإعادة نشر لمقالات ظهرت في الصحافة الدولية، ومنها تقرير صحيفة The New York Times مؤخراً عن برقيات الاستخبارات الإيرانية المسربة، الذي أثار اهتمامه على نحوٍ خاص.

ومع ذلك فإن كسب ثقة حركة الاحتجاج على مداها الأوسع، والتي تضم عراقيين من جميع مناحي الحياة، من الطبقة العاملة الفقيرة إلى النخبة المتعلمة في المناطق الحضرية، يمثل تحدياً مستمراً.

يقول المحرر: «هناك جدل واختلافات بالتأكيد، فالناس يختلفون. لكن لدينا جميعاً نفس الهدف، ونستمع جميعاً لبعضنا بعضاً».

وأضاف أن أحد أهم العناصر التي تتشكل منها الصحيفة هو نقل البيانات المكتوبة جماعياً من المحتجين الذين يعيشون في مجتمع خيام ساحة التحرير.

يقول زيدون، أحد المتظاهرين، في كل قضية: «نجلس معاً ونناقش آخر التطورات ونكتب ما نفكر فيه ونشعر به».

وأضاف: «نحن نرى بعض المتظاهرين في التلفزيون يعبرون عن أفكارهم وآرائهم هم، لكننا كنا بحاجة إلى مساحة للتعبير عن أنفسنا بصوت واحد يمثلنا».

تُرسل البيانات، موقعة من «المتظاهرين في ميدان التحرير»، إلى «تُكتُك» للنشر. وغالباً ما تعرض ردود أفعال المتظاهرين على الأحداث الرئيسية مثل قتل المتظاهرين، وآرائهم فيما يتعلق بأنشطة المسؤولين العراقيين والأجانب.

في بيان صدر مؤخراً، ناقش ممثلون من 20 خيمة في الميدان ردَّهم على الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، بعد أن دعت إلى إجراء إصلاحات إثر اجتماعها مع أبرز رجل دين شيعي في العراق، آية الله العظمى علي السيستاني. اختلف المحتجون حول اختيار الكلمات، أراد بعضهم أن تكون أوضح، وبعضهم أن تكون أكثر دبلوماسية، غير أنهم وافقوا جميعاً على نقطة واحدة: وهي أن كلماتها لم تذهب بعيداً بما فيه الكفاية، إذ إنها لم تطالب بتفكيك حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي.

تعد «تُكتُك» أيضاً أداة لمعالجة الشائعات الكثيرة التي تُنشر في الصحافة حول حركة الاحتجاج/ ولا سيما الادعاءات بأنها ممولة من جهات فاعلة أجنبية، منها الولايات المتحدة. وقال المحرر: «لقد أصدرنا موضوعاً حول الشائعات ذات مرة، للسخرية منها».

كان عنوان الموضوع يقول: «لا لأمريكا، لا لإسرائيل، لا للسعودية، ولا لإيران».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى