منوعات

مسلسل ليالي الحلمية.. كيف اختزل مقهى واحد تاريخ مصر وطبقاتها الاجتماعية؟

“منين بيجي الشجن.. من اختلاف الزمن”، وبعد مرور نحو 4 عقود على إصدار الجزء الأول من مسلسل ليالي الحلمية، ما زال الشجن والحنين إلى الماضي يعيدان مُشاهدي هذا المسلسل بمجرد سماع مطلع الأغنية الخالد واختلاف الزمن فعلياً.

بأكثر من 300 ممثل وعلى مدى 4 عقود و150 حلقة، نجح مسلسل ليالي الحلمية في أن يصبح أيقونة الدراما المصرية وأبرز أعمالها.

كتب العمل أسامة أنور عكاشة وأخرجه إسماعيل عبدالحافظ؛ في محاولة لتأريخ حقبات التاريخ المصري المعاصر، وجاء الجزء السادس استكمالاً لهذه الملحمة بأن وثق الثورة المصرية التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل حسني مبارك عام 2011.

يبدأ مسلسل ليالي الحلمية من عصر الملك فاروق حتى منتصف التسعينيات في أجزائه الخمسة الأولى، مقدماً توليفة من الشخصيات الندية والقوية والطيبة والضعيفة و المتسلطة والمتحكمة والمستسلمة في الوقت ذاته.

نبدأ بالأبطال الأساسيين:

سليم باشا البدري، الذي قدَّم شخصيته يحيى الفخراني، هو تجسيد الأرستقراطية المصرية والذي عاد إلى مصر في رحلة الانفتاح الاقتصادي ليؤسس إرثاً له ويترك إمبراطورية لأولاده.

يقابله العمدة سليمان غانم (الممثل صلاح السعدني)، وهو عمدة قرية ميت أبو غانم، الذي يتوجه إلى القاهرة للثأر من عائلة البدري، ممثلاً للفلاح المصري الذي تدفعه أحلامه وطموحه إلى تحدي “ابن الأكابر” واستخدام السبل الاقتصادية كساحة حرب بينه وبين سليم، لكن ينتهي به الأمر متزوجاً بزوجة سليم، نازك هانم السلحدار.

ونازك هانم أو “نزاكة” هي زوجة سليم الأولى، تؤدي شخصيتها صفية العمري بطريقة مبهرة، ويدفعها حبها للثروة والنفوذ إلى الزواج 5 مرات.

تقابلها وصيفة المرزوقي، زوجة العمدة، التي تؤدي دورها إنعام سالوسة، لتمثل الزوجة الصابرة والقنوعة والتي تتحمل جموح زوجها وانجرافه.

وليالي الحلمية إشارة إلى حي الحلمية في مصر، الذي كان حياً للمجتمع المصري الراقي، ثم تحول إلى حي شعبي للطبقة الوسطى والفقراء من أبناء الشعب المصري.

فيبقى هذا الحي صلة الوصل بين الطبقتين التي تؤدي إلى سلسلة أحداث متواصلة من الحل والزيجات والطلاقات والخلافات وما إلى ذلك من خطوط درامية متوازية نجحت في شد المشاهد بكل حلقة؛ نظراً إلى إيقاع الأحداث السريع الذي لا يكف عن المفاجأة.

صدر عام 1987 مركِّزاً على الصراع بين الجيل الأول لسليمان البدري والعمدة واستغلال نازل السلحدار في أثناء الحرب العالمية الثانية.

يتكون هذا الجزء من 18 حلقة فقط غنية بالمعارك بين الطرفين، مع ظهور بارز لشخصية توفيق البدري ابن عم سليم، الطيب والأمين، والتي أداها حسن يوسف، والذي يكاد يكون أكثر ضحية معذبة في المسلسل؛ لكثرة التضحيات التي قدمها لمن يحبهم.

صدر عام 1988، وهو استكمال لنفوذ سليم البدري الذي ما زال يتعرض لجولات من كيد العمدة سليمان، وهذه المرة بأراضيه الزراعية، وفي فترة قيام ثورة يوليو/تموز 1952.

ولكن يتطرق المسلسل في هذه الحقبة إلى العمليات الفدائية ضد الإنجليز عبر تورط سليم في إحدى هذه العمليات.

صدر في عام 1990، وهو استكمال للجزأين السابقين، إذ يسافر سليم البدري هرباً من سياسة الدولة الاشتراكية -وسياسة التأميم والاشتراكية التي سادت في عهد جمال عبدالناصر- إلى باريس بينما يعاني ولداه علي وعادل مما تركه أبوهما خلفه.

كما تستمر زيجات نازك؛ في محاولةٍ منها لتعويض غياب سليم، وتتوالى الأحداث.

عرض العمل على الشاشات عام 1992، ليستعرض حال أهل الحلمية ما بعد الستينيات، وبعدما صار الانفتاح أمراً واقعاً في عهد السادات.

يتزوج سليمان غانم بخادمته وتنجب له طفلاً، كذلك الحال عند سليم البدري الذي يُرزق بطفل من زوجته الأخيرة الأميرة نورهان، لكن ذلك لم يمنع تصاعد الخلافات بينهما.

يدخل في هذا الجزء سليم البدري منافساً انتخابياً أمام زاهر سليمان غانم في الانتخابات التشريعية. وبعد أن عاد مصنع البدري للعمل يتزوج ابنه بفتاة فلسطينية، في حين يستكمل إدارة مقهى الحلمية، بادئاً عهداً جديداً يرمز إلى مصر الحديثة.

يؤرخ هذا العمل لفترة انتشرت فيها ثقافة البيزنس وانحدار القيم، والفساد الذي استشرى في المجتمع المصري، وزواج المال بالسلطة.

عرض هذا العمل في عام 2016، وتمحور حول حياة زهرة غانم ابنة العمدة، بعد وفاة الأبطال الرئيسيين من العائلتين وانتهاء الصراعات.

يتناول هذا الجزء ما يحدث في مصر منذ عام 2005 وحتى ثورة يناير عام 2011، ورجوع ابنة سليم “لي لي” من فرنسا، ودخول زهرة إلى عالم الوزارة حتى خلع حسني مبارك في الساحات المصرية.

وشهد الجزء السادس تحولات جذرية في شخصيات العمل، لتعكس التحولات الكبيرة التي طرأت على مصر اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً.

كتب العمل أيمن بهجت قمر وأخرجه مجدي أبو عميرة، تشارك في بطولته إلهام شاهين، وكان من المفترض أن يستكمل الفنان الراحل ممدوح عبدالعليم شخصيته علي سليم البدري، لكن وفاته المفاجئة فرضت تغيير الأحداث.

أخيراً، نجح عكاشة في تصوير تغير مصر عبر العصور والأزمان والحقبات السياسية المتعاقبة.

وشكَّل مقهى ليالي الحلمية المكان الذي يجمع المصريين سواء كانوا أرستقراطيين أو من سائر أبناء الشعب بشتى طبقاته الاقتصادية، من مكان يجتمع فيه المقاومون لمحاربة الاحتلال الإنجليزي وصولاً إلى تحويله لوكر شباب التسعينيات الذين استخدموه وكراً للمخدرات.

وجسّدت هذه الملحمة الدرامية المصرية نبض الشارع المصري، إن لم يكن الوطن العربي بأكمله، وتترسخ شخصيات العمل بكل أطيافها في الذاكرة الجمعية العربية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى