تقارير وملفات إضافية

هل أصبحت وساطة عُمان والكويت بالخليج في مهب الريح بعد وفاة رموز الدبلوماسية؟

لا أحد ينكر الدور المهم للسلطان قابوس والشيخ صباح الأحمد في تخفيف حدة التوترات في منطقة الخليج، وبوفاتهما تبرز التساؤلات بشأن قدرة خليفتيهما في الحفاظ على نفس السياسة في ظل خطورة التحديات المحيطة بالبلدين.

موقع Responsible Statecraft الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: “وفاة رموز الوساطة في المنطقة: عُمان والكويت وخفض التصعيد في الخليج”، أعدته سينزيا بيانكو الزميلة الزائرة في “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” والباحثة المتخصصة في الشؤون الخليجية، ألقى الضوء على تفاصيل القصة.

في البداية، تُجدر الإشارة إلى أنه بوفاة زعيمي الكويت وسلطنة عُمان في الآونة الأخيرة، فقدت دول الخليج رموز الوساطة الأبرز فيها. إذ لطالما اضطلع السلطان العماني الراحل، قابوس بن سعيد، والأمير الكويتي، صباح الأحمد الجابر الصباح، بدورٍ مهم في تخفيف حدة التوترات في الخليج، وهو دور يقدره عديد من الدبلوماسيين الأوروبيين بدرجة كبيرة، والآن، مع استقرار خلفاء السلطان قابوس والأمير صباح الأحمد، ينبغي لأوروبا أن تقدم لهم بسرعة الدعم السياسي والاقتصادي الذي يحتاجون إليه للحفاظ على استقلالهم والاستمرار في تيسير السبل الدبلوماسية في المنطقة.

كان كل من السلطان قابوس والأمير صباح الأحمد دبلوماسيين بطبيعتيهما، ولطالما أبديا عزماً وتصميماً على الحيلولة دون انجرار الخليج إلى هوة الصراع بين دوله، وهذا التصميم مطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى. 

فرغم تأكيد الحاكمين الجديدين في الكويت ومسقط، الأمير نواف الأحمد الصباح والسلطان هيثم بن طارق آل سعيد، مراراً وتكراراً أنهما يريدان الحفاظ على السياسات الإقليمية التقليدية لبلديهما، فإن عاصفة جيوسياسية قوية تهب عبر شبه الجزيرة العربية، ومن المرجح أن تصبح مقاومتها أشد صعوبة بمرور الوقت. وفي حين أن جميع الدول الفاعلة المجاورة للكويت وعُمان ستحاول على الأرجح جذب الدولتين إلى مدارهما، يبدو أن السعودية والإمارات الأقرب والأفضل وضعاً للنجاح في ذلك.

وفي ضوء هذه الخلفية، ليس من المستغرب أن عملية الاستخلاف في الكويت وعُمان قد جرت بسرعة قياسية، إذ يقع كلا البلدين عند تقاطع خطوط الصدع الرئيسية في الخليج -بين السعودية وإيران، وبين الإمارات وقطر- ومن الطبيعي أن يخشيا من أن فراغ السلطة قد يجعلهما عرضة لهيمنة الطموحات الجيوسياسية للجيران.

وهكذا، شهدنا في 8 أكتوبر/تشرين الأول، وبعد 9 أيام فقط من وفاة الأمير صباح الأحمد الذي حكم البلاد لمدة 12 عاماً، إعلان أخيه غير الشقيق أميراً جديداً للبلاد، وإقرار مجلس الأمة بالإجماع تولى الشيخ مشعل الأحمد الصباح ولاية العهد، وقبلها بعدة شهور قلائل، اعتلى السلطان هيثم بن سعيد العرش في عمان بعد ساعات فقط من وفاة سلفه، في 11 يناير/كانون الثاني.

كان السلطان قابوس والأمير صباح الأحمد آخر القادة المتبقين ممن شاركوا شخصياً في إنشاء مجلس التعاون الخليجي في عام 1981، وكان كلاهما ملتزماً بقواعد المؤسسة والدبلوماسية الإقليمية، وفي عام 2014، حلّت دبلوماسية الأمير صباح الأحمد المكوكية الصبورة نزاعاً كبيراً بين الرياض وأبوظبي والدوحة، وعندما اندلعت أزمة جديدة بين الدول المتجاورة المضطربة في عام 2017، حاول دون جدوى التوسط بينهما، فقد تبيّن أنه غير قادر على إقناع جيل الشباب من القادة بالتزام قواعد الدبلوماسية التقليدية بين دول المنطقة.

ومن جهة أخرى، لطالما دعت سلطنة عمان والكويت إلى اتباع نهج شامل تجاه إيران، ومراراً وتكراراً، وضع السلطان قابوس عُمان كمنصة محايدة للدبلوماسية بين عواصم دول مجلس التعاون الخليجي وطهران. وقام بتيسير سبل الحوار بين السعودية وإيران في التسعينيات، وبين الولايات المتحدة وإيران في عام 2010، وقد أرست المحادثات الأخيرة، التي عُقدت سراً، الأساسَ لـ”خطة العمل الشاملة المشتركة” (اتفاقية المراحل الأخيرة للاتفاق النووي الإيراني).

ولسنوات عديدة، سعت القيادة العمانية إلى التوسط لحل الأزمة الجارية في اليمن، وأبقت على تمثيل حاضر لحركة الحوثيين في مسقط، كما أرسلت دولة الكويت، عندما ترأست مجلس التعاون الخليجي في عام 2017، رسالة إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني تدعوه إلى الحوار لتخفيف حدة التوترات بين إيران ودول الخليج العربي.

ولأن الأوروبيين أصبحوا يركزون على نحو متزايد على التحديات الناشئة في منطقة الخليج، فقد دعموا هذه الجهود، وسعوا إلى إقامة شراكات مع الوسطاء الرئيسيين، خاصة الكويت، في مبادرات تحقيق الاستقرار والمساعي الدبلوماسية الأخرى بشأن النزاعات الإقليمية، مثل تلك الموجودة في العراق واليمن.

ومع ذلك، فإن التغيرات الواقعة الآن في قيادة الكويت وعُمان يمكن أن تعطل هذه الجهود، إذ يعاني كلا البلدين نقاطَ ضعف اقتصادية وسياسية يمكن لجيرانهما العازمين على المضي قدماً استغلالها، ولا يستطيع قادة الكويت وعُمان الجدد، اللذين ما زالا غير مستقرين في مناصبهما، تحمَّل المخاطر الدبلوماسية التي تحملها أسلافهم بالقدر ذاته، خشية أن يثيرا غضب القوى الإقليمية التي قد تعرّض استقرارهم الداخلي للخطر.

وفي عُمان، هناك بالفعل دلائل بدأت تظهر على ذلك، ففي السنوات الأخيرة، وخلال عهد السلطان قابوس، خالفت البلاد في كثير من الأحيان طريقَ جيرانها، ولم تكن الإمارات سعيدة عندما فتحت عُمان، في يونيو/حزيران 2017، موانئها للسماح لقطر بتجاوز الحظر المفروض عليها من السعوديين والإماراتيين والبحرينيين، وهي الخطوة التي أتاحت لقطر مساحة لتجنب الاستسلام للشروط المفروضة عليها، كما غضبت الرياض من تحركات مسقط الدبلوماسية بشأن اليمن، لا سيما استعدادها لاستضافة الحوثيين وانخراطها المستمر في العلاقات مع إيران.

غير أنه، ومنذ وصول السلطان هيثم إلى السلطة، اكتشفت كل من الرياض وأبوظبي طرقاً لإقناعه بالتوافق مع رؤيتهما للنظام الإقليمي، وأتاحت المشكلات الاقتصادية التي تعانيها السلطنة طريقة للنفاذ إليه. ففي عام 2019، بلغ عجز الميزانية العمانية نحو 7 مليارات دولار، مع ارتفاع الدين إلى أكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي. 

وقد كان هذا قبل جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط. وفي الوقت الذي تدرك فيه القيادة العمانية أن الإصلاحات المحلية ضرورية، فإنها قلقة ايضاً من تفاقم المظالم الاجتماعية والاقتصادية التي سبق أن دفعت الناس إلى النزول إلى الشوارع في عام 2011، ولما كانت عُمان تحتاج إلى سيولة نقدية، وبسرعة، لا سيما بعد الإخفاق في الخطوة المتعلقة بهندسة صندوق إنعاش يديره مجلس التعاون الخليجي (بدعم كويتي)، تسعى مسقط الآن إلى توقيع عدة صفقات ثنائية. ومن بين هذه الصفقات قرض تجسيري بتمويل قيمته مليارا دولار، وبتنسيق من مؤسسات مالية إماراتية، حصلت عليه عُمان في أغسطس/آب الماضي. وفي الشهر نفسه، أقالت السلطنة وزير خارجيتها منذ فترة طويلة، يوسف بن علوي، الذي كانت تجمعه علاقة غير مستقرة بأبوظبي وكان المسؤول العماني الأقرب صلةً بإيران.

الكويت أيضاً قد تغيّر من وجهة تركيز جهودها. فالأمير الجديد -البالغ من العمر 83 عاماً، والذي يفتقر إلى مؤهلات جيوسياسية قوية- وإن كان أقل حاجة من السلطان هيثم إلى الاعتماد على الدعم الاقتصادي الخارجي، فإنه من غير المرجح أن يمضي قدماً في مساعي الوساطة المحفوفة بالمخاطر التي لطالما انتهجها سلفه، كما أن أزمة فيروس كورونا جعلت المشهد السياسي في الكويت حافلاً بالاضطرابات.

وباتت الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في البلاد في ديسمبر/كانون الأول 2020 معرضة على نحو خاص للتدخلات الخارجية. بالإضافة إلى أن ولي العهد الجديد، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، أمضى عقوداً من حياته يعمل في وزارة الداخلية ونائباً لرئيس الحرس الوطني الكويتي، وهو يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه أقل براغماتية من سلفه، وعلى غرار الرياض وأبوظبي، أشد حذراً من الإسلاميين. لكل ذلك، من المحتمل أن تصبح الكويت أقل انخراطاً في الجهود المبذولة لحل النزاع الإقليمي حول دور قطر، الداعم الرئيسي للإخوان المسلمين.

في الختام، وفي ظل الخسارة المحتملة للكويت وعُمان كوسطاء إقليميين، يجب على الأوروبيين العمل على حماية منهج عدم الانحياز الذي لطالما اتبعه البلدان. وتحتاج الدول الأوروبية، التي لها مصلحة في استقرار الشرق الأوسط، إلى تعزيز دور الأطراف الإقليمية المتشابهة معها في التفكير إذا أرادت بالفعل المساعدة في تهدئة حدة الخلافات المتعلقة بقطر وإيران.

ولتحقيق هذه الغاية، يجب على الأوروبيين تعزيز علاقاتهم مع كل من الكويت وسلطنة عُمان بسرعة، وإيجاد طرق لتعزيز النهج المرن الذي لطالما مال إليه البلدان. كما يجب أن تشمل هذه الجهود دعماً سياسياً أوروبياً رفيع المستوى للمواقف المستقلة للدول، واستكشاف سبل المبادرات الدبلوماسية المشتركة، والمساعدة في الإصلاحات الاقتصادية. قد يكون هذا أسهل مع الكويت، التي يوليها الأوروبيون اهتماماً سياسياً أكبر من عمان. فقد افتتح الاتحاد الأوروبي مقر بعثةٍ دبلوماسية جديدة له في الكويت في عام 2019، والهدف تكثيف المشاركة المؤسسية بين الجانبين. في حين أن الدول الأوروبية، باستثناء المملكة المتحدة، لديها علاقات أضعف مع عمان. ومع ذلك، فبعد توقيع اتفاقية تعاون مؤخراً مع عمان، أنشأ الاتحاد الأوروبي بذلك أساساً لتقديم المشاركة والدعم في أجندة الإصلاح الاقتصادي للبلاد.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى