الأرشيفتقارير وملفات

هل تتعارض الديمقراطية مع الشريعة الإسلامية؟! “الجزء الأول”

بقلم الكاتب
شوقى محمود
شوقي محمود
فيينا – النمسا
الثلاثاء 1 يناير 2019
يري المتطرفون من الغربيين والإسلاميين علي السواء بأن العلاقة بين الحضارة الإسلامية والحضارات الأخري علاقة تصادم وليست تكامل!!
أكد ذلك الكاتب الأمريكي صامويل هنتجتون في كتاب (صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي)، فقال بأن “صراعات ما بعد الحرب الباردة ستكون بسبب الاختلاف الثقافي والديني بين الحضارات الكبرى في العالم”، وحدد الصراع بأنه “بين علمانية العالم المسيحي وبين العالم الإسلامي”!!
هكذا كانت رؤية هنتجتون، والتي تتطابق مع رؤية تنظيمي القاعدة وداعش ومن دار في فلكهما!!
حجة القائلين بحرمة الديمقراطية!!
يتعلل الذين يحرمون الديمقراطية بمفهومها الإغريقي (اليونانية القديمة)، بمصطلح الديمقراطية “ديموس كراتوس” وهما كلمتان: “ديموس” وتعني الشعب، و”كراتوس” تعني: السلطة… أي “سلطة الشعب”.
ويري محرمو الديمقراطية أن تعريفها بهذا الشكل يتعارض مع قول الله تعالي: (إن الحكم إلا الله)، فلا رأي للناس في اختيار ومحاسبة السلطة التي تحكمهم!!
مناظرة ابن عباس للخوارج.. ما أشبه الليلة بالبارحة!!
للرد علي هذه الادعاءات، نقف عند مناظرة عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما- للخوارج خاصة في الجزء الذي يكفرون فيه علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- لأنه ارتضي بمبدأ تحكيم الرجال في النزاع بينه وبين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما..
فقالوا: أما إحداهن، فإنه حكم الرجال في أمر الله وقال الله: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ)، ما شأن الرجال والحكم؟
فرد ابن عباس قائلاً: “أرأيتكم إن قرأت عليكم من كتاب الله جل ثناؤه، وسنة نبيه ما يرد قولكم أترجعون؟”، قالوا: نعم… فقال: “أما قولكم: حكم الرجال في أمر الله، فإني أقرأ عليكم في كتاب الله أن قد صير الله حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) إِلَى قَوْلِهِ: (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ)، وكان من حكم الله أنه صيره إلى الرجال يحكمون فيه، ولو شاء لحكم فيه، فجاز من حكم الرجال، أنشدكم بالله أحكم الرجال في صلاح ذات البين، وحقن دمائهم أفضل أو في أرنب؟”. قالوا: بلى، هذا أفضل…
ثم أضاف: “وفي المرأة وزوجها قال الله عز وجل: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنَهُمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا)، فنشدتكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بينهم، وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة؟”.
ثم قال: “خرجت من هذه؟” قالوا: نعم.
(المصدر: مسند الإمام أحمد، والسنن الكبرى للنسائي، وحلية الأولياء لأبي نعيم (1/319)، وسنن البيهقي (8/179)).
ثبوت خلافة أبوبكر الصديق بالانتخاب وحق الرعية في محاسبته
الديمقراطية تقوم علي انتخاب
الحاكم والسلطة التشريعية من عموم الشعب أو من طرف مجموعة من الناس تمثل الشعب…هذه المجموعة تسمي في الإسلام “أهل الحل والعقد”، وفي الانتخابات الرئاسية الأمريكية يطلق عليهم “المجمع الانتخابي”.
وفي النظام الديمقراطي يقوم نواب الشعب بمراقبة أداء الحاكم ومعاونيه ومحاسبتهم.. وفي الإسلام يتولي أهل الحل والعقد هذه المهمة.
وقد ثبتت الخلافة لأبي بكر الصدِّيق بالانتخاب من أهل الحل والعقد، ثم بايعه المسلمون جميعاً وارتضوا خلافته.
وفي خطبة التنصيب وضع خليفة المسلمين الأول أصول الولاية العامة في الإسلام فقال: “أيها الناس إنّي قد وُلِّيت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، الضعيف فيكم القوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم الضعيف عندي حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا عمَّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليك”.
المصدر: البداية والنهاية “5/248″ لابن كثير
شبهة التحليل والتحريم من دون الله!!
يري الذين يحرمون الديمقراطية أنها تمنح السلطة المنتخبة حق التشريع، وبالتالي يحق لهذه السلطة تحريم ما أحله الله، وتحليل ماحرمه الله!!
وللرد علي هذه الشبهة أقول: للديمقراطية أشكال متعددة تختلف من مجتمع لأخر، وفي مقال (مثالب الديمقراطية) أوضحت أن جوهر وشكل الديمقراطية يختلف في كل من: أمريكا وبريطانيا وإيران…. وهذا يعني أن الديمقراطية تختلف من مجتمع لأخر بحسب ديانته أوثقافته أو عاداته وتقاليده.
العملات المتداولة في عصر النبوة والخلفاء الراشدين
لم يكن للمسلمين – في عهد النبوة والخلفاء الراشدين – عمله نقدية إسلامية، بل كانوا يؤدون عباداتهم المالية بعملات أجنبية مستوردة من الروم والفرس وهي:
– الدينار: عملة ذهبية بيزنطية.
– الدرهم: عملة فضية فارسية/ ساسانية.
– الفلس: عملة نحاسية بيزنطية.
وكانت هذه النقود هي العملات السائدة في الجزيرة العربية قبل وبعد ظهور الإسلام.
شعارات ورموز العملات النقدية المتداولة!!
العملات البيزنطية (الدينار والفلس) كانت تحتوي علي صور ملوك وأمراء بيزنطة، وأيضاً كلمات دينية مسيحية مثل (باسم الأب والابن والروح القدس) وحروفاً لاتينية،!!
أما العملة الساسانية (الدرهم) فكان يحتوي علي كلمات فارسية باللغة البهلوية، وصور الملوك الساسانيين، بالإضافة إلي رمز النار (المقدسة) لدى الفرس!!
الدينار الإسلامي
لم يظهر للمسلمين عملة نقدية إلا عام 77هـ في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، حيث تم صك أول دينار ذهبي إسلامي بوزن 4,25 جرام… أما الدرهم الإسلامي فتم صكه عام 78هـ بوزن 2,8 جرام من الفضة.
واحتوت العملات الإسلامية الجديدة (الدينار والدرهم والفلس) علي البسملة: “بسم الله الرحمن الرحيم”، وكلمة التوحيد: “لا إله إلا الله، محمد رسول الله”، وكذلك آيات قرآنية من سورة الإخلاص. مع ذكر سنة الصك ومكان الإصدار.
وأُنشأ بمقر الخلافة في دمشق دار لصك العملة الإسلامية، وفيما بعد تم إنشاء دار لسك العملة في كل ولاية من ولايات دولة الخلافة. وكان يتم سك العملات الجديدة مع بداية العام الهجري.
عبادات تقوم علي العملات البيزنطية والفارسية!!
– الزكاة: تفرض الزكاة في المال إذا بلغ النصاب، وحال عليه الحول، والنصاب يقدر بما قيمته المالية من الذهب أو الفضة، فإذا بلغ قيمة المال ما يعادل 85 جراماً من الذهب، أو 595 جراماً من الفضة، وحال عليه الحول – أي عام هجري- وجب الزكاة فيتم إخراج ربع العشر من هذا المال أي 2.5%.
– الحج: وجب الحج علي من يملك النفقة، أي الراحلة والزاد (مصاريف السفر والإقامة أثناء الحج).
– الصدقات والدايات والكفارات: جزء أساسي منها يقوم علي المال.
– الجهاد بالمال: لا يقوم الجهاد إلا بالمال، وتقدم الجهاد بالمال علي الجهاد بالنفس في 9 مواضع، منها قوله تعالي: (إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)…“الحجرات 15“
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم”. رواه أبو داود والدرامي، وصحه الألباني.
في حين قُدم الجهاد بالنفس علي المال في موضع واحد فقط، في قوله تعالي:(إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْـجَنَّةَ….) “التوبة 111“
– المعاملات: أحل الله تعالي البيع والشراء والاقتراض وهذه كلها تعتمد علي النقود.
جميع هذه العبادات والمعاملات كانت تقوم علي العملات النقدية البيزنطية والفارسية!!
النظام المالي في عهد الخلفاء الراشدين
في عهد أبي بكر الصديق تم تأسيس “بيت المال” أي وزارة المالية، وولي عليه أبو عبيدة بن الجراح، ثم عبد الله بن الأرقم في خلافة عمر بن الخطاب، ثم زيد بن ثابت في عهد عثمان بن عفان، رضي الله عنهم جميعاً.
وهذا النظام المالي الجديد لم يكن علي عهد الرسول صلي الله عليه وسلم.
نظام الدواوين
المسلمون أخذوا من الغرب والشرق النظم السياسية والاقتصادية والعلمية، وطورا تلك النظم.. ومنها نظام الدواوين، وتعني السجل أو الجدول.. لكن الكلمة أصبح له مضمون أشمل عند المسلمين، حيث أصبح الديوان مرادفاً للجهاز الإداري للدولة المنوط به تنفيذ الأعمال الإدارية والمالية والعسكرية.
وبسبب كثرة تدفق الأموال من الزكاة والصدقات والجزية والعشور والخراج من فتوح الأمصار، تم اقتباس نظام الدواوين من الفرس عام 15هـ في عهد الفاروق عمر بن الخطاب..
وكان لكل إقليم ديوان محلي، يجمع ما يرد إليه من أموال علي اختلاف أنواعها، ثم يتولي صرف مرتبات الجنود والموظفين، وما يحتاجه الإقليم من خدمات.. وما تبقي يرسل إلي بيت المال في عاصمة الخلافة (المدينة، ثم لاحقاً دمشق وبغداد).
وكان كتبة الديوان من غير المسلمين، ففي مصر كانوا نصاري ويكتبون باللغة القبطية، وبلاد فارس والعراق كانوا فرس ورسائلهم باللغة الفارسية، وفي الشام كانوا نصاري ويكتبون باللغة البيزنطية!!
أنواع الدواوين
أول ديوان أنشأ في عهد عمر بن الخطاب كان يسمي “ديوان العطاء”، ثم تعددت الدواوين بعد ذلك، ففي عهد معاوية بن أبي سفيان أنشأ “ديوان البريد”… وفي خلافة عبد المالك بن مروان طرأ تغير ضخم في نظام الدواوين بعد اعتماد العربية كالغة رسمية في جميع مراسلات أقاليم دولة الخلافة، كما استحدث “ديوان الجباية”و”ديوان الخراج”.
—————————-
اقرأ في الجزء الثاني إن شاء الله:
– الديمقراطية صمام أمان ضد توريث الحكم
– استحداث النظام الوزاري في الخلافة العباسية والأندلسية
– أثر حركة الترجمة في الحضارة الإسلامية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى