آخر الأخبار

هل تضخ إعادة الإعمار بعد انفجار مرفأ بيروت مزيداً من الأموال في جيوب أثرياء لبنان؟

حينما بدأت عملية إعادة إعمار بيروت بعد 15 عاماً من الحرب الأهلية في لبنان، كانت العملية بمثابة منجم ذهب لصالح الطبقة السياسية الحاكمة وأصدقائهم، والآن يخشى كثير من اللبنانيين الذين تدمرت منازلهم بسبب تفجير مرفأ بيروت من تكرار ما حدث قبل ثلاثة عقود، فما القصة؟

نشرت مجلة Foreign Policy الأمريكية تقريراً بعنوان: “كيف يمكن لانفجار بيروت أن يسهم في إثراء النخبة اللبنانية أكثر؟”، أعدته ستيفاني غلينسكي الصحفية المتخصصة في الصراعات والأزمات، تناول سيناريوهات إعادة الإعمار التي لم تبدأ بعد بسبب السجال السياسي.

حين شرع لبنان في إعادة إعمار بيروت بعد 15 عاماً على الحرب الأهلية التي امتدت بين عامي 1975 و1990، كانت النتيجة بمثابة منجم ذهب لمسؤولي الحكومة وأصدقائهم. فذهبت العقود إلى المُقرَّبين، واختفت أموال المساعدات، وازدهرت شبكات المحسوبية.

والآن، فيما تفكر الحكومة ملياً في ما يجب عمله بشأن منطقة المرفأ التي دمَّرها انفجار هائل في وقتٍ سابق من هذا الشهر، أغسطس/آب، يشعر الكثير من اللبنانيين بالقلق من أن تدور عجلة الفساد مجدداً على قدمٍ وساق لتسرق من السكان منازلهم.

ولا يتعمَّق القلق في أي مكان أكثر من الأحياء المحيطة بالمرفأ، حيث قُتِل نحو 200 شخص ودُمِّرت آلاف المنازل أو تضررت في الانفجار الذي نجم عن مادة نترات الأمونيوم غير المُخزَّنة بصورة ملائمة.

قال فاسكن معموريان، الذي تعرَّض منزل عائلته الذي يعود لقرن من الزمن لضرر بالغ في انفجار 4 أغسطس/آب لدرجة أنَّه الآن بانتظار الهدم: “الحكومة لا تساعد، بل إنَّها غير موجودة، لكنّي أؤكد أنَّهم سيحاولون الاستيلاء على أرضنا ومنازلنا المدمرة”.

كان معموريان يزيل الأنقاض من منزله مؤخراً، وهي المهمة التي وقعت على عاتق مُلّاك المنازل والمتطوعين بدلاً من متعاقدي الحكومة، وقال: “لا ندري مَن سيدفع لقاء ذلك. كل ما أعرفه أنَّني دفعتُ للعمال على مدار الأسابيع الماضية لإزالة الأنقاض”.

ويرقى الانفجار إلى كونه كارثة أخرى في بلدٍ يعاني بالفعل من تباطؤ اقتصادي، وأزمة ديون، والآن من زيادة الإصابات بفيروس كورونا، ويلوم اللبنانيون إلى حد كبير حكومتهم بسبب الإهمال؛ إذ ظل 2750 طناً مترياً من نترات الأمونيوم موجودة بالمرفأ طوال ست سنوات على الرغم من المخاوف التي أثارها مسؤولون مختلفون.

قال كريم بيطار، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القديس يوسف في بيروت، إنَّ الكثير من السكان قد يضطرون لبيع ممتلكاتهم بأسعار أقل من قيمة السوق: “قد يشعر السكان الذين يحتاجون إلى دولارات جديدة لإعادة بناء منازلهم، وهو ما لا يسع المعظم تحمُّله، بالإغراء لقبول مبلغ يُقدَّم على دفعة واحدة من بعض السياسيين الذين يحاولون السيطرة على الأحياء المتضررة”، وأضاف أنَّ أي أموال مساعدات قد ينتهي بها المطاف في أيدي الأشخاص الخطأ.

كان الكثير من اللبنانيين يعانون من أزمة اقتصادية طويلة حتى قبل الانفجار، فوفقاً للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، تضاعف تقريباً عدد مَن يعانون الفقر على مدار العام الماضي ليصل إلى أكثر من نصف السكان، ويعاني نحو 23% من السكان مما يُعرَّف باعتباره فقراً مُدقِعاً، ما يعني بالنسبة للبنان العيش على أقل من 6 دولارات يومياً.

ووفقاً لتقرير صادر عن اللجنة، يملك البلد واحداً من أكثر توزيعات الثروة تفاوتاً في العالم؛ إذ يملك أغنى 10% من السكان نحو 70% من إجمالي الثروة الشخصية.

ومنذ أواخر العام الماضي، ارتفع سعر الدولار الأمريكي بقوة مقابل الليرة اللبنانية، بعدما أبقته الحكومة مستقراً طوال أكثر من 20 عاماً. وصعَّبت البنوك على الناس عملية الحصول على الدولارات، وهي مستمرة بالعمل بسعر صرف 1507 ليرات مقابل الدولار، على الرغم من ارتفاع سعر صرف السوق السوداء إلى 7 آلاف ليرة مقابل الدولار. والنتيجة هي أنَّ ترميم المنازل، الذي يتطلَّب شراء واردات بالدولار، بات خارج متناول معظم الناس، المستمرين في الحصول على رواتبهم بالعملة المحلية المُقوَّمة بسعر الصرف الرسمي للحكومة.

قالت منى فواز، أستاذة الدراسات والتخطيط العمراني في الجامعة الأمريكية ببيروت: “سيكون التعافي مساراً شاقاً. وما يثير الخوف هو أنَّ إعادة إعمار ما بعد الانفجار سترسخ نفس القوى التي أدَّت إلى هدم أحياء بيروت في المقام الأول”.

ويستشهد الكثير من اللبنانيين بالعمل الذي قامت به شركة البناء والتطوير “Solidere- سوليدير” في منطقة بيروت المركزية (أو وسط بيروت) بعد الحرب الأهلية باعتباره حكاية تحذيرية.

فقد أصبح الملياردير اللبناني رفيق الحريري أكبر مساهم في الشركة حتى في ظل كونه رئيساً لوزراء البلاد، ويقول المنتقدون إنَّ الشركة أبعدت السكان الأصليين للمنطقة من خلال المضايقة والترهيب.

وقال بيطار: “طردت سوليدير مُلّاك الأراضي وأنشأت وسط مدينة حديث، منطقة لا يمكن تمييزها ومختلفة تماماً عن المدينة القديمة”.

وما تزال الكثير من المباني في المنطقة شاغرة حتى اليوم، وأصبح المشروع مصدراً للاستياء العام. وحين اندلعت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدأت هناك.

وقال وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية ديفيد هيل، عقب زيارة قام بها إلى لبنان هذا الشهر، إنَّ السياسيين اللبنانيين “تجاهلوا مسؤولياتهم لتلبية احتياجات الشعب وقاوموا ذلك الشكل من الإصلاحات العميقة والأساسية المطلوبة”.  

ووجَّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي زار لبنان بعد الانفجار، انتقادات مماثلة. وقال إنَّ هناك حاجة لنظام سياسي جديد كي تحصل البلاد على تمويلات، وإلا “سيواصل لبنان الغرق”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى