منوعات

أجساد مثيرة تخضع للعبودية! كيف أهانت شاكيرا وجينفير المرأة بهذه الرقصات الجريئة؟

أثار حفل المغنيتين اللاتينيتين جينفر لوبيز وشاكيرا الكثيرَ من الآراء في أوساط الأمريكيين، وتابع الحفل أكثر من مائة مليون مشاهد في الولايات المتحدة الأمريكية، في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، ويتابعه أكثر من مئة مليون مشاهد في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، حسب موقع الحرّة الأمريكي.

جاءت الحفلة بين شوطي مباراة نهائي دوري كرة القدم الأمريكية NFL، التي أقيمت في مدينة ميامي
بولاية فلوريدا، التي تعد إحدى أهم المناسبات الرياضية السنوية في البلاد.

رأى البعض في وصلات الرقص الجريئة التي قدمتها كلّ من شاكيرا وجينيفر لوبيز
تمكيناً للمرأة، وتحقيقاً لأهداف أحد أهم برنامج منظمة الأمم المتحدّة، كما تمّ
الاحتفاء بأداء المغنيتين على أساس أنه يؤكد على حرية المرأة في جسدها واستعراض
مفاتنها.

أثارت
وجهة النظر أعلاه غضب بعض المغردين على تويتر، لاسيّما أنّ رقص المغنيتين لم يكن إلا استعراضاً لمفاتن جسديهما، الشيء
الذي أثار غضب بعض العائلات التي تابعت الحفل مع أطفالها، حملت تغريدات البعض على
تويتر سخطاً واستهجاناً كبيرين، علماً أنّ جينفير قد ارتدت في الحفلة ملابس من
توقيع إحدى الماركات العالمية.

حفلة سوبر بول وماركات عالمية وملابس مثيرة ورقصات حماسية وساخنة ألهبت
حماس من تابعها وربّما الغرائز أيضاً، تحاول بعض الأطراف إدراجها  في سياق
هدف تمكين المرأة والاحتفاء بحريتها، حرية على المقاس لفنانتين لم يعرف عنهما
مواقف حقيقية في قضية المرأة في العالم، خاصة أنّ شاكيرا قد نجحت عالمياً من خلال
رقصاتها المثيرة، الأمر الذي جعلها في نظر البعض سلعة جنسية قبل أن تكون مطربة ذات
صوت وموهبة حقيقية، رغم أنّها صاحبة موهبة في الغناء، ولكن سبق جسدها موهبتها
الأصلية، فأصبح جسرها إلى النجاح.

كيف يمكن الحديث عن مسألة تمكين المرأة من خلال  هذه الحفلة، وكيف
يمكن أن تدعم هذا الهدف السامي الذي تعمل من أجله منظمات وشخصيات اعتبارية لعلها
ترفع الحيف والضيم عن النساء في العالم، إذ مازالت المرأة تعاني من استعباد
الرأسمالية والذكورية، وتدفع قبل غيرها ضرائب الحصار والحروب، وضرائب مجتمعات
الاستهلاك التي شيّأتها وأفقدتها كينونتها، لتصبح مجرّد جسد تتكسب منه الشركات في
العالم، كيف يمكن الحديث عن تمكين المرأة، خاصة أنّ النجمتين تخضعان بشدّة إلى
مقاييس السوق، سوق الجمال العالمي، ونجاحهما يعود بدرجة أولى في عصر الصورة وهشاشة
المعنى، وإلى قوامهما الممشوقين، وجمالهما الصارخ، ومجرّد كسبهما لكيلوغرامات
زائدة يهدد عرشهما في سوق الجمال، هل يمكن أن تضيف المستعبدة صاحبة الأضواء إلى
شقيقتها المستعبدة في العتمات شيئاً من الحرية؟

سؤال ربّما يستوجب الوقوف عليه ملياً، فشاكيرا وجينيفر ليستا إلا مستعبدتين
رغم أضواء الشهرة والنجومية ورغم ملايين الدولارات، فحضورهما في العالم يستدعي
الإنسان إلى الانهماك في العوالم الاستهلاكية أكثر، فجسد كل منهما ليس إلا لافتة
إشهارية، لأجساد مقيّدة، حركاتها مضبوطة رغم انهماكها في الرقص.

يقال إن الشعوب التي لا ترقص لا تثور إلا إنّ رقصت النجمتان، لم يكن رقصاً
يحرر الجسد من أوثان الحياة ومشاغل الإنسان، كما يرقص اللاتينيون لينتفضوا على
رتابة الحياة ومللها ويضيفوا إلى حيواتهم شيئا من المرح والفرح دون تعقيدات الموضة
واملاءات الرجل الأبيض وتعقيدات العولمة.

أعجبنا برقص النساء في البرازيل والأرجنتين وكولومبيا وغيرها من الدول التي
سافرنا إليها من خلال الكتاب من أمريكا اللاتينية، هؤلاء الكتاب الذين كسروا حصار
الرأسمالية على خصوصياتهم الثقافية لتصبح أمريكا اللاتينية شيئا بهيجا ومستقلاّ له
طابعه الخاص، يبتسم من يقرأ الرواية والشعر عندما تذكر على مسامعه مدن ونساء
أمريكا اللاتينية.

رحلت بنا إيزابيل الليندي وغابريال ماركيز وجورج أمادو إلى عوالم النساء في
في القارّة اللاتينية، نساء لا يشبهن شاكيرا ولا جينيفر، رغم أنّ أصولهما تنتمي
إلى تلك البلدان المبهجة، نساء يعملن ويرقصن ويمارسن الثورة والحبّ دون وصاية
الماركات العالمية أو تسويق وكالات الإشهار، نساء لا يتمّ تسويقهنّ في عوالم
الاستهلاك إن لبسن ملابسهن الزاهية كما تسوّق سيقان النجمتين لبعض الماركات
العالمية، لتنجح بعض الشركات في ترويج بضائعها من خلال تقديم أجساد جميلة ورائعة
تثير غرائز الرجال وغيرة النساء.

ليس عيباً أن تمتلك شاكيرا جسداً مثيراً، هو حلم النساء في العالم، ولكن
العيب أن يصبح هذا الجسد رأسمالاً رمزياً في أوج عطائه، ولكنّه سيفقد قيمته إن شاخ
وفقد جاذبيته، فيصبح الهوس بترميمه والمحافظة عليه أكثر من المحافظة على الحياة
نفسها.

كرَّس حضور النجمتين على المسرح الصورة النمطية للجسد في عصر الاستهلاك،
حضور بمثابة ملحمة إيروتيكية بالرجوع إلى وصلات الرقص الساخنة، حضور أفقد سموّ
الهدف الذي روج من خلال الحفلة؛ تمكين المرأة، لقد فقد الهدف السامي  قيمته
ونحن نعاين يوماً بعد يوم ضحايا الحروب والاغتصاب والتحرّش من النساء في العالم،
بل يمكن الحديث على أن شاكيرا ونظيرتها قد عززتا عن قصد أو دون قصد صورة الوعاء
الجنسي أو الرغبة التي ينظر لها من خلال الجسد الأنثوي الشهيّ، الذي يروّج وفق الطقوس
التسويقية.

قطعت بعض الحركات النسوية أشواطاً هامة في تعرية زيف تحرير المرأة في
الغرب، مثل حركة «أنا أيضاً» التي فضحت تعرّض بعض النجمات إلى التحرّش
والاغتصاب من كبار صناع السينما في العالم، ومقايضة أجسادهن بالشهرة والنجومية، في
بلد يقدِّم دروساً في حقوق الإنسان والمرأة والعالم، كما
اتخذت بعض النجمات مواقف إيجابية  مثل النجمة جينيفر لورانس، الحاصلة على
جائزة الأوسكار، التي انتقدت مسألة التمييز العنصري في مسألة الأجور، وطالبت
بالمساواة في الدخل بين الممثلين والممثلات، في بيان نُشر على موقع «ليني
دورهام»، وللإشارة فإنّ تفاوت الأجور بين النساء والرجال يصل إلى 24% حسب
تقرير أممي صدر قبل ثلاث سنوات. كما جاءت بعض
مبادرات أنجيلينا جولي وأوبرا وينفري لدعم النساء.

لقد أعادتنا الحفلة الأخيرة إلى الوراء، فمن خلال الانهماك في عوالم
الفانتازما لقد أنكرنا المطالب الحقيقية للنساء في أمريكا والعالم، مطالب التحرر
من  كلّ أشكال الاستعباد.

 بل يمكن أن نقول إن هذه الأجساد الجميلة التي ألهبت حماس الملايين هي
أجساد فاقدة للحياة، الحياة الحقيقية، وتمتعها بالحرية الكاملة عكس ما تروجه، هي
أجساد نرجسية، جعلت من النجمات لافتات إشهارية تغذي شهوة الرجل في رؤيته لجسد
جنسي، لا التمتع بعروضهن الفنيّة.

بالمقارنة
مع رقصات شاكيرا ونظيرتها، ورقصة النساء التشيليات التي تصدّرت المواقع العالمية وتفاعلت
معها النساء في عشرات الدول في العالم، سنجد أنّ رقص التشيليات قد حمل رسالة نبيلة
فعرَّى ظاهرة الاغتصاب، كما حمّلت كلمات الأغنية المصاحبة للرقصة المسؤولية
للحكومات والأنظمة، لقد تحررت النساء التشيليات من سلطة الرأسمال ليناضلن بأجسادهن
من أجل حريتهن وكرامتهن، فيما كانت أجساد النجمات اللاتينيات أجساداً شهوانية تنضح
شبقاً مدفوع الأجر، إنّها أجساد فارغة لا تحمل رسالة بقدر ما تغذي حسد النساء المهووسات بمقاييس الجمال العالمي، وتعزز استعبادهن من أجل
الحصول على أجساد مثيلة ليمارسن الغواية لا الثورة على أوضاعهن، أجساد جميلة لعلهن
يحظين بالإعجاب والحبّ، فيصبح هوسهن بكسب أجساد لإدراك الكمال الجسدي، أو ما يطلق
عليه بعض الباحثين «التبرّك الجسدي»، لعلهن ينجحن في نيل حظوة في
أوساطهن.

 لقد أساءت شاكيرا ونظيرتها جينيفر إلى النساء دون قصد، ليس برقصهما
الساخن، ولا بعرضهما الفنيّ، بل بالحديث عن تمكين النساء في هذه الحفلة، فكيف يمكن
أن نمكّن النساء من الكرامة، ومن حقّ تقرير المصير، والحقّ في امتلاك أجسادهن،
وأجساد النجمات في أمريكا تُقدَّم كما لو أنّها حساء في أفخم المطاعم، خاصة
أنّ جينفير لوبيز قد بلغت الخمسين عاماً وما زالت إلى اليوم  تشقى من أجل
المحافظة على جسدها، فهي مقيّدة بحمية غذائية قاسية للمحافظة على رشاقتها، فمن
المفترض أن تدافع لوبيز عن بنات جنسها، خاصة النساء اللواتي ينتمين إلى أصولها،
إلا أنها تجاهلت هذا الأمر لصالح أن تبقى أيقونة الجمال بثمن باهظ، لقد تحوّل جسدها
إلى جسد يقدّم الربح الماديّ قبل أن يحقق أهدافاً معنوية تساعد النساء، ولو في
منحهن فسحة أمل خارج عوالم الاستهلاك.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى