كتاب وادباء

أفلا يتدبرون القرآن :

أفلا يتدبرون القرآن  :

بقلم الكاتب

محمد أبوغدير المحامي

محمد أبوغدير المحامى 

. . . . . . . . . . . . . . كرامة إنسانية وحقوق اجتماعية

قال الله تعالى :(قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ )البقرة 263

المعنى البسيط لهذه الآية الكريمة هو : أن يأيتك سائل يطلب منك صدقة بأسلوب يسيء إليك ، فأن ترده بكلمة طيبة ولا تعطيه ، خير لك وله من أن تعطيه شيء وتؤذيه قولا أو فعلا لسوء طلبه .

لكن هذه الآية الكريمة حين تدبر كلماتها نراها غنية بالمفاهيم والقيم الجهادية والإجتماعية وبيان ذلك في الآتي :

أولا : مفاهيم ومعان راسخة :

1- مفهوم القول المعروف : القول هو : صوت معه حروف يتلفظ بها دل على معنى سواء صدر من إنسان أو غيره من الأحياء أو الآلات ، كقول الإنسان للإنسان ، وقول الطير لمن يفهمها كالهدهد والنمل لسليمان عليه السلام ، وما يصدر من الآلات الألكترونية من قول .

والمعروف : عكس المنكر ، والمعروف في الشرع: كل قول أو فعل يعرفه الشرع ويأمر به ويمدحه ويثني على أهله، ويدخل في ذلك جميع الطاعات . والقول المعروف : هو القول الحسن الذي يأمر به الشرع أو يمدحه ويثني عليه الكافة واعلاه كلمة التوحيد وتﻻوة القرآن ومدارسة العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة وغيرها .

2- مفهوم المغفرة والاستغفار : المغفرةُ، والغَفر ُ: التغطيةُ على الذُّنوب والعفوُ عنها، ومن أسماءِ اللَّه -عز وجل-: الغفورُ، والغفَّارُ، وهذانِ الإسمانِ منْ أبنيةِ المبالغةِ، ومعناهما: السَّاترُ لذنوبِ عبادهِ وعيوبهم، المتجاوزُ عنْ خطاياهم، وذنوبهم، يُقال: اللَّهُمَّ اغفرْ لنا مغفرةً، وغفرانًا، إنَّك أنتَ الغفورُ الغفَّار . والاستغفارُ: طلبُ سترِ الذُّنوبِ والعيوبِ، والتَّجاوزُ والعفوُ عنها، بالمقالِ والفعالِ، وقد قيلَ: الاستغفارُ باللِّسانِ دُون الفعالِ فعلُ الكذَّابينَ.

3 – مفهوم الصدقة أوسع مما تتخيل : قال النبي صلى الله عليه وسلم: “تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة” .

ثانيا : قيم جهادية سامية في القول المعروف :

1 – ومن القول المعروف النطق بالشهادتين وهي التي تعصم دماء قائلها : انتصر المسلمون على المشركين في غزوة ، ففر واحد منهم فلحق به أسامة بن زيد وقتله ، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب على أسامة وقال: “أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ”، قال يا رسول الله: إنما قالها يتقي بها السيف، قال: “هل لا شققت على قلبه ، ماذا تعمل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة فما زال يكررها حتى ندم أسامة رضي الله عنه ندامةً شديدة على ما فعل وعرف خطأه في ذلك

2 – ومن القول المعروف الجهر بكلمة الحق في وجه الطغاة الظالمين وقد ترتفع بصاحبها إلى درجة سيد الشهداء إذا قتله الظالم : عَنِ ابْنِ عَبَاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ ” .

3 – القول المعروف الذي صدر عن النملة فأنقذت قومها من الهلاك حيث قال الله تعالى ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ النمل : 18، وكان قولها معروفا لسببين : الأول انها حريصة على حياة النمل وسلامته فأمرتهم بدخول مساكنهم ، والثانية أنها أنصفت سليمان وجنوده ففي قولها : وهم لا يشعرون : التفاتة منصفة تذكر وتؤكد عدل سليمان وفضله وفضل جنوده بأنهم لا يحطمون نملة عن عمد او اصرار ، ولذلك كان تبسم سليمان سرور بهذه الكلمة منها

ثالثا : قيم اجتماعية راقية في الصدقة مع الحلم والمغفرة :

1- المغفرة للسائل المحتاج ولو أساء اليك : يقول الشيخ الشعراوي : حال تفسيره لهذه الآية ، هناك إنسانا تلهب ظهره سياط الحاجة، ويراك أهلا لغنى وسعة من المال ، وقد يتجاوز أدب الحديث معك ، بأن ينال منك بلسانه فعليك أن تتحمله. وإذا كنت أنت أيها العبد تصنع المعاصي التي تغضب الله، ويحلم الله عليك ويغفرها لك ولا يعذبك بها، فإذا ما صنع إنسان معك شيئا فكن أيضا صاحب قول معروف ومغفرة وحلم

2- الإنفاق على القريب ولو أجرم في حقك : كان من بين الخائضين في الإفك ” مسطح بن أثاثة ” وهو قريب لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان مسطح فقيرا من المهاجرين في سبيل الله، فحلف أبو بكر أن لا ينفق عليه، لقوله الذي قاله في السيدة عائشة رضى الله عنها فنزلت هذه الآية : ( وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (النور – 22) فقال أبو بكر – لما سمع هذه الآية-: بلى، والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع النفقة إلى مسطح .

3 – الحلم على الجاهلين من الرعية حال طلبهم ما لا يستحقون : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا نقعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فإذا قام قمنا فقام يوما وقمنا معه حتى لما بلغ وسط المسجد أدركه رجل فجبذ بردائه من ورائه وكان رداؤه خشنا فحمر رقبته فقال يا محمد احمل لي على بعيري هذين فإنك لا تحمل من مالك ولا من مال أبيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وأستغفر الله لا أحمل لك حتى تقيدني مما جبذت برقبتي فقال الأعرابي لا والله لا أقيدك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاث مرات كل ذلك يقول لا والله لا أقيدك فلما سمعنا قول الأعرابي أقبلنا إليه سراعا فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عزمت على من سمع كلامي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى