تقارير وملفات إضافية

أما وقد ولدت الحكومة اللبنانية.. السؤال الأهم كيف سيرد الحراك، وهل ينقذها الغرب من الإفلاس؟

كان مخاض الحكومة اللبنانية الجديدة عسيراً، وها هي الآن تواجه تحديات أصعب بعد ولادتها في ظل الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة، وبات السؤال الملح: كيف سيتعامل الغرب والحراك مع حكومة حسان دياب المحسوبة على حزب الله؟.

ولدت حكومة اللون الواحد، بعد أن تخطّت خلافات البيت الواحد بيتاً بمنازل كثيرة كما يوصف لبنان نفسه أحياناً، ولكن بات له قائد واحد، ألا وهو حزب الله، الذي ضغط على حلفائه للانتهاء من تشكيلها.

لم يستطع حلفاء الفريق الواحد الاتفاق والقبول حتى بمحاصصة عادلة، على الرغم من أنهم ينتمون للمحور الإقليمي نفسه، وهو ما اضطر حزب الله في بعض الأوقات لسحب يده من المفاوضات بين حلفائه.

تأزّمت الأمور قبل تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، فحليف الحزب المسيحي القديم سليمان فرنجية (رئيس تيار المردة)، أعلن انسحابه من المشاركة في حكومة حسان دياب، محمّلاً رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مسؤولية وصول المفاوضات لحائط مسدود، بسبب تمسك باسيل المتكرر بالثلث المعطل (ثلث الحقائب الوزارية زائد واحد).

بادر نبيه بري، زعيم حركة أمل، لإبلاغ حزب الله بأنه في حال خرج فرنجية من الحكومة فهو حتماً خارجها، وسينضم مع فرنجية لمعارضة حكومة باسيل.

سارع حزب الله لإبلاغ جبران باسيل بأنه لم يعد معنياً بعملية التشكيل، وأنه بات محرجاً مع باقي الحلفاء، سرّب الحزب هذه المعطيات للإعلام، فأُحرج باسيل، واتصل ببري ووافق على الصيغة المطروحة، فولدت الحكومة اللبنانية الجديدة أو حكومة حزب الله كما يصفها خصومها في الداخل والخارج.

بينما كانت قوى الثامن من آذار، التي يقودها حزب الله، تستعد لإعلان حكومتها كان وليد جنبلاط، الزعيم الدرزي، يتحسّس حضوره السياسي.

فالمقاعد الدرزية في الحكومة اللبنانية الجديدة كانت من حصة خصمه السياسي طلال أرسلان، لكن جنبلاط المعتاد على الظروف القاسية في السياسة المحلية والإقليمية كان يرسل إشارات واضحة برفض الواقع السياسي الجديد.

الرجل كان معارضاً شرساً للتسوية التي قام بها سعد الحريري، زعيم تيار المستقبل، التي أتت بميشال عون رئيساً، يُدرك أن لصولات وجولات باسيل، صهر الرئيس المدلل، آثاراً من الصعب إزالتها من اللعبة السياسية.

يحاول جنبلاط اليوم التكيُّف مع الظرف، وحط رحاله في منزل رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، بعد أن شهدت المرحلة السابقة بين الرجلين توترات ومناوشات وانتقادات لاذعة، جلس الرجلان، وبدت الجلسة كأنها صفحة جديدة بينهما، عنوانها الرئيس رفض حكومة الأمر الواقع، التي فرضتها ثنائية السلاح ووصاية الصهر المدلل على الدولة.

يسعى جنبلاط لإعادة ترتيب البيت الداخلي لفريق 14 آذار التي خرج كافة أعضائه من الحكومة اللبنانية الجديدة.

فمن على منبر منزل الحريري، استذكر الرجل ذكرى اغتيال رفيق الحريري، التي ستطل برأسها بعد أيام.

تقول مصادر متابعة لحركة جنبلاط الأخيرة إنه يسعى لجمع الحريري مع زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، التي تشوبها آثار سلبية جراء استقالة وزراء القوات وعدم تسمية الحريري في الاستشارات النيابية.

يشكو الحريري من علاقة «غدر» القوات المتكررة، التي بدأت مع وشاية جعجع بالحريري لدى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، التي نتج عنها احتجاز الحريري في الرياض وإجباره على الاستقالة، لولا التدخل الفرنسي حينها لفك أسر الرجل.

وزاد التوتر بين الرجلين الغمزُ واللمزُ المتكررُ من القوات خلال مرحلة الحكومة، على عمل الحريري واتفاقاته مع جبران باسيل، على حساب حليفه جعجع.

يعتبر جنبلاط أن حكومة حسان دياب هي حكومة من لون واحد، ومَن شكَّلوها اختلفوا فيما بينهم وتنازعوا على الحصص.

لكنه شدَّد على وجوب العمل وفق ورقة إصلاحية للخروج من الأزمة، التي تبدو من أسوأ الأزمات.

يبدو جنبلاط وكأنه يحمل راية الدفاع عن الحريري في بيئته المأزومة، خصوصاً أن النظرة السياسية لدى الرجلين هي أن ثمة مَن يريد استهداف الحريري داخل الشارع السُّنّي، وعلى ما يبدو ستكون حركة جنبلاط مستمرة، باتجاه أطراف وقوى أخرى.

من المرجّح أن تكون جلسة مناقشة البيان الوزاري وإعطاء الثقة لحكومة حسان دياب، مطلع الأسبوع المقبل، عقب انتهاء اللجنة المصغرة من إعداد البيان الوزاري.

حكومة دياب لن تحظى بثقة النواب السنة والدروز ونصف المسيحيين ونواب المعارضة.

الحريري أعلن أنه لن يتغيب عن الجلسة المنتظرة للثقة، لكن مصادر أكدت أن مجموعة من نواب كتلة المستقبل سيغيبون عن الجلسات، فيما تقول مصادر متابعة إن حزبي القوات والكتائب سيتيغيبان عن الجلسات، بانتظار موقف جنبلاط وكتلته الدرزية.

ولكن حزب الله وحلفاءه لديهم الأغلبية التي منحهم إياها الحريري، عبر قبوله بالقانون الانتخابي، الذي أرضى باسيل، وجعل التيار الوطني صاحب أكبر كتلة برلمانية في المجلس النيابي، بعد أن كانت هذه المكانة حكراً على تيار المستقبل لعقود.

عوائق كثيرة تواجه حكومة اللون الواحد، أبرزها التحديات المالية والعلاقة مع الخارج.

تستمر فرنسا في تغطية عهد الرئيس ميشال عون، وهذا ما أكده ماكرون في تصريحه الأخير بمباركته ولادة الحكومة.

ماكرون، الذي يحاول مراراً عدم الانقياد وراء التوجهات الأمريكية في المنطقة، وتحديداً في الملف الإيراني، يشدد على بذل فرنسا جهوداً في دعم لبنان وحكومته.

ويأتي الرد الأمريكي على لسان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي أكد أنّ «واشنطن لن تقدم مساعدات إلا لحكومة لبنانية غير فاسدة، وتلتزم بإجراء إصلاحات، وتستجيب لمطالب الشعب».

يسعى دياب ومن خلفه حزب الله والتيار الوطني الحر إلى ترتيب شكل الحكومة وبيانها الوزاري المرتقب، حاول المشكلون للحكومة إخراجها على أنها حكومة تكنوسياسية، لكنهم فشلوا في عملية الإخراج، وبدا السيناريو ركيكاً عند الكلام عن حزبيين وشخصيات شاركوا في تشكيلها، وأبرزهم النائب اللواء جميل السيد، الذي كان الحاكم الفعلي للبنان إبان الوصاية السورية.

تقول المصادر إن السيد كان حلقة الوصل مع علي مملوك، نائب الرئيس السوري، الذي تابع مجريات ولادة حكومة دياب، داخلياً يبدو المشهد معقداً.

يرفض الحراك الشعبي حكومة دياب، أعلن رفضه مباشرة في الساحات والميادين في بيروت وطرابلس وصيدا.

الاشتباكات والتوترات مستمرة على مقربة من البرلمان، وسط العاصمة، وقوات الأمن ووراءها أحزاب السلطة تسعى لفض الاعتصامات والتظاهرات بالقوة والاعتقالات التعسفية والمواجهات المفاجئة مع المتجمهرين.

لكن حدة التظاهرات تزداد وكأن القمع لم يكن، وهذا ما يُربك السلطة المأزومة، تتحدث المعارضة والحراك عن استمرار فعليّ للمظاهرات، بين من يتبنّي نظرية العنف الثوري ومن يرفضه تقوم مجموعات من المتظاهرين برمي الحجارة والقوارير على الأمن، المكلف بحماية البرلمان.

تؤكد المعارضة نيتها القيام بتحرك كبير، بالتزامن مع جلسات الثقة للحكومة، لإرسال رسائل عديدة، أبرزها أن الحكومة غير معترف بها شعبياً.

تسعى المعارضة لفرض مشروع استقالة الكتل والنواب، لتكون هناك دعوة لانتخابات مبكرة، تعيد فرز مجموعات سياسية، في ظل تراجع الأحزاب الكبرى كالتيار الوطني الحر وتيار المستقبل في بيئتهما الحاضنة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى