الأرشيفتقارير وملفات

أن الرئيس السوداني عمر البشير يجهز الرأي العام في بلاده، لقبول فكرة تطبيع العلاقات مع إسرائيل حفاظا على كرسى الحكم

تصدر عن الحكومة السودانية تصريحات غريبة هذه الايام، تصب في معظمها في مصلحة التمهيد للتطبيع مع دولة الاحتلال الاسرائيلي، وتبادل العلاقات الدبلوماسية معها، تحت ذريعة ان دولا عربية اقدمت على هذه الخطوة، فلماذا يكون السودان استثناء؟

وزير الخارجية السوداني ابراهيم غندور كان الاكثر صراحة ووضوحا في هذا المضمار، عندما فاجأ الجميع، من السودانيين وغيرهم من العرب والمسلمين، وقال “ان السودان يمكن ان يدرس مسألة التطبيع مع اسرائيل”، بعدها عقدت لجنة العلاقات الخارجية بمؤتمر الحوار الوطني السوداني اجتماعا يوم امس الاثنين ناقشت خلاله قضية العلاقات مع تل ابيب، حيث “ايدت غالبية اعضاء اللجنة اقامة علاقات مشروطة مع الدولة العبرية”.

البشير1

ونقلت وكالة الانباء السودانية الرسمية (سونا) عن السيد ابراهيم سليمان عضو اللجنة ان الاجتماع شهد مداخلات 41 عضوا، وان غالبيتهم يدعمون الرأي القائل بضرورة اقامة علاقات طبيعية مشروطة مع الدولة العبرية باعتباره ان جامعة الدول العربية تدعم هذا الاتجاه.

عندما تنقل وكالة الانباء السودانية الرسمية هذه الاقوال، فهذا يعني ان الحكومة السودانية تتنبى هذه الخطوة التطبيعية، وتمهد لها تدريجيا، ولن يكون مستبعدا ان نصحوا قريبا على زيارة وزير سوداني الى تل ابيب، او اسرائيلي الى الخرطوم، او الاثنين معا.

وثيقة

أوردت الوثيقة البريطانية السرية بالرقم 10332/2/954، الصادرة عن مكتب المفوض التجاري للمملكة المتحدة بالخرطوم، والمؤرخة في 6 أغسطس 1954م أن “لقاءات تمت في السفارة الإسرائيلية بلندن بين قطبين من حزب الأمة السوداني، هما: السيد محمد أحمد عمر والسيد الصديق المهدي والسكرتير الأول للسفارة الإسرائيلية بلندن موردخاي غازيت”، وهي المعلومة التي صدع بها قبل سنوات الدكتور محمود محمد محارب في بحثه بـ”المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، الشاهد أن الرواية القائلة بلجوء وفد حزب الأمة إلى بريطانيا ولقائه بالدبلوماسيين الإسرائيليين في عاصمة الضباب لاقت نفياً مغلظاً من قبل حزب الأمة.

البشير

وكشفت مصادر إسرائيلية، أن الرئيس السوداني عمر البشير يجهز الرأي العام في بلاده، لقبول فكرة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لاسيما بعد تباعد العلاقات بين الخرطوم وطهران عقب مشاركة السودان بعملية “عاصفة الحزم” التي شنتها قوى التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن.

ولا يقيم السودان علاقات مع إسرائيل، التي اتهمتها الخرطوم في 2012 بقصف مصنع اليرموك لصناعة الذخيرة بضاحية أبو آدم جنوبي العاصمة، قبل أن توجه له ضربات تسببت في مقتل مواطنيْن اثنين وإصابة ثالث بجروح بالغة الخطورة، كما أشعلت النيران في جوانب المجمع.

ويعيد هذا الهجوم إلى الأذهان أحداثًا سابقة وجه فيها السودان تهمًا لإسرائيل بخرق أجوائه وشن هجمات على أهداف داخل أراضيه، حيث اتهمت الخرطوم إسرائيل بالوقوف وراء غارة جوية استهدفت سيارة في مايو2011 بمدينة بورتسودان وأوقعت قتيلين.

محاولات إسرائيلية للتطبيع

ويتحدث إسرائيليون في تقرير نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية عبر موقعها الإلكتروني الخميس، عن تجدد النقاش المجتمعي في السودان بشأن التطبيع مع إسرائيل.

وعلى حد قولهم أن الاعلام السوداني أظهر زخمًا كبيرًا في فبراير الماضي، بعد قيام منظمة غير حكومية هناك بعقد مؤتمر ألقى خلاله رئيس حزب الوسط الإسلامي السوداني، يوسف الكودة، وهو رجل دين، معروف، محاضرة حملت عنوان: “العلاقات مع إسرائيل.. البُعد الديني”.

ويوصف الكودة في السودان بأنه “مثير للجدل” لتناوله قضايا مسكوتًا عنها، لا سيما في الوسط السلفي كـ الغناء والموسيقى والمعازف والتي تعد من المحاذير لهذا التيار.

وبحسب الصحيفة فإن الكودة ادعى أنه لا توجد موانع من الناحية الدينية بشأن تغيير العلاقات الحالية مع إسرائيل، ومن ثم وقف حالة القطيعة وإعادة بحث إمكانية بناء علاقات مع إسرائيل، محاولا الربط بين إقامة علاقات اقتصادية وتجارية ودبلوماسية مع إسرائيل، وبين استقرار وسلامة السودان.

واحتفت “يديعوت أحرونوت” بتلك المحاضرة وذكرت أنها ليست المرة الأولى التي تخرج فيها دعوات علنية في السودان بشأن إقامة علاقات مع إسرائيل، وقالت إن شهر يناير الماضي شهد طرح الملف خلال أحد المؤتمرات الكبرى التي عُقدت بالخرطوم، مضيفة أن وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور كان قد ألمح إلى ذلك حين قال إن قضية تطبيع العلاقات مع إسرائيل هي قضية يمكن طرحها للنقاش،على حد قولها، لكن أصدرت وزارة الخارجية السودانية لاحقا نفيا لكلام الوزير، موضحة أنه تمّ إخراجه عن سياقه.

وفي أواخر العام الماضي، قالت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية إن إسرائيل تقوم بجهود حثيثة لمساعدة السلطة في السودان بتحسين علاقتها بالغرب ، عقب وقفها تهريب السلاح إلى غزة وقطع علاقاتها مع إيران. وزعمت الصحيفة أن ذلك الأمر استحوذ على حيز مقدر في مباحثات أجراها توم شانون مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية خلال زيارته الأولى إلى إسرائيل سبتمبرالماضي.

دعم نظام البشير

وكانت العلاقات السودانية – الإسرائيلية قد طفت على السطح بشكل استثنائي في سبتمبر2016، حين تبين أن أعضاء بالكنيست الإسرائيلي من المعارضة والائتلاف، طالبوا بعقد اجتماع طارئ لمناقشة تسريبات لصحيفة “هآرتس” تحدثت وقتها عن دعم إسرائيلي للنظام السوداني برئاسة عمر البشير.

وأرسل أعضاء الكنيست وقتها خطابًا إلى رئيس لجنة الخارجية والدفاع، عضو الكنيست آفي ديخيتر، مطالبين إياه بالدعوة إلى اجتماع طارئ عقب ما كشفته الصحيفة، بمبادرة من عضو الكنيست ميكال روزين، النائبة عن حزب “ميرتس” اليساري المعارض، ووقع عليه عدد من أعضاء الكنيست.

وحمل الخطاب عنوان “نقاش عاجل بشأن العلاقات السياسية المستأنفة بين إسرائيل والسودان”، جاء فيه أنه “بناء على علم الموقعين فإن العلاقات بين إسرائيل والسودان، والأنشطة الإسرائيلية في الغرب من أجل تعزيز النظام السوداني هي مسألة لم تطرح للنقاش داخل المجلس المصغر للشؤون السياسية والأمنية أو داخل لجنة الخارجية والدفاع بالكنيست”.

وورد بالخطاب أن الشهور الأخيرة “شهدت أنشطة إسرائيلية مكثفة في قارة أفريقيا، منها ما هو سري وما هو علني، بهدف استئناف العلاقات الدبلوماسية مع بلدان القارة”.

ولفت الموقعون على الخطاب إلى أن “مسألة استئناف العلاقات مع دولة يثار الخلاف حول نظامها الحاكم لم تمر على المجلس الوزاري المصغر، ولم تحصل على مصادقة منه أو من لجنة الخارجية والدفاع في الكنيست”.

موقف السودان

كما فاجأ عضو لجنة العلاقات الخارجية في مؤتمر الحوار، إبراهيم سليمان، العام الماضي الرأي العام بقوله أنه “لا يستبعد أن يكون التطبيع مع إسرائيل من ضمن التوصيات النهائية لمؤتمر الحوار الوطني”، ثم جاءت التصريحات ذات العيار الثقيل من وزير الخارجية إبراهيم غندور الذي سئُل عن موضوع التطبيع مع إسرائيل فقال إن “كل شيء وارد في العلاقات الخارجية”.

ونظر البعض إلى مثل هذه التصريحات باعتبار أنها لم تأت من فراغ، ومجرد التصريح يعني أن هناك خطوات جدية في هذا الإطار، فضلا عن أن ضوءا أخضر قد أضيئ لأعضاء مؤتمر الحوار وإلا فإن في استطاعة الحكومة منع مثل ذلك النقاش بطرق مختلفة.

وفي ذات العام، نسب إلى وزير الخارجية السوداني قوله إن بلاده لا تمانع في دراسة إمكانية التطبيع مع إسرائيل قبل أن يعود ليتهكم على الصحف التي نقلت الخبر، وقوبل هذا الحديث بردود فعل متباينة وسط الأحزاب والقوى السياسية.

الأمين العام لحزب العدالة السوداني عباس إدريس جعفر نقل رأي الحزب في بشان التطبيع مع اسرائيل بأنه “لن يضر السودان في شيء”، وانه حزبه قدم مقترح في اجتماعات لجان الحوار الوطني بالتطبيع مع إسرائيل، متسائلا في الوقت نفسه عن مسببات المقاطعة و”الفلسطينيون أنفسهم وقعوا اتفاقيات مع ذلك الكيان”. حسب قوله.

بينما أعلن حزب التحرير الإسلامي ولاية السودان كامل رفضه لدعوات التطبيع مع إسرائيل “تحت أي دعاوى”. ووفق الناطق الرسمي باسمه إبراهيم عثمان فإن السودان “دولة عدو للكيان الإسرائيلي، وإن شعب السودان مثله مثل بقية الشعوب الإسلامية يتوق للجهاد ضد اليهود وإجلائهم من الأرض المباركة”.

وفي الوقت نفسه، احتفت حكومة الخرطوم بمعارضة سودانية سابقة ورئيسة جمعية الصداقة مع إسرائيل، واستقبلها الرئيس البشير بمكتبه، رغم أن الحكومة سبق وأن أسقطت عنها الجنسية السودانية بسبب تأييدها للتطبيع مع إسرائيل وزيارتها تل أبيب، واتهامها بالخيانة.

البرلمان يحاول إنهاء القضية

لكن البرلمان السوداني، موقفه كان حاسمًا عندما أغلق االشهر الماضي، الباب أمام التطبيع مع إسرائيل نهائياً، وقال إنه غير مطروح للنقاش، بسبب أن “الكيان الصهيوني تضع السودان في خانة الأعداء”.

وقلل رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان محمد مصطفى الضو من شأن الأحزاب التي تطالب بالتطبيع مع إسرائيل، وأكد أن تلك الأحزاب ليس لها وزن سياسي أو شعبي، جازماً بعدم نية السودان التطبيع مع إسرائيل لعدم حسم القضايا القديمة بين البلدين.

وذكر “الضو” أن السودان ليست لديه مشكلات مع اليهود أو غيرهم، ولكنها قضايا لم ولن تحسم، وسخر في تصريحات صحفية من مطالبات رئيس حزب الوسط الإسلامي يوسف الكودة بالتطبيع مع إسرائيل باعتباره يمثل حزباً يتكون من عائلة واحدة، ووصف تلك الأصوات بالنشاز، قائلاً: “لولا الإعلام لما سمع بها أحد”.

وأكد أن التطبيع أمر غير مطروح للنقاش لأن إسرائيل تعتبر السودان عدواً لها يهدد بقاءها في الحياة، وتساءل: “ماذا جنت الدول التي طبعت مع إسرائيل؟ هل جنت الرفاهية والاستقرار؟”.

لكن يظل موقف “السودان” المتباين تجاه ملف التطبيع مع اسرئيل يضع علامات استفهام عديدة حول موقف دوائر إتخاذ القرار داخل حكومة “البشير” من هذه القضية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى