سيدتي

استغلال الانفتاح الجديد.. نساءٌ سعوديات يدفعن باتجاه توسيع فرصهن في القيادة الاستشارية

يتدفَّق استشاريو شركات الأعمال الغربية للاستشارات إلى المملكة العربية السعودية، بالأخص منذ العام 2016، حين دشَّنَ وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان خطته للإصلاح الاقتصادي. كان هدفه هو أن تقلِّل المملكة اعتمادها على عائدات النفط. 

معظم هؤلاء الاستشاريين رجالٌ أجانب يتمتَّعون بميزاتٍ نادراً ما تُتاح أمام تالا الجابري، المرأة السعودية التي قرَّرَت منذ ثمانية أعوام أن تبني مسيرتها المهنية بصفتها استشارية. تقول تالا لصحيفة Financial Times البريطانية: “حتى بالنسبة لوظائف الترجمة -نظراً لأن الكثير من العملاء الحكوميين في المملكة يطلبون أن تكون تقارير باللغة العربية- يخبروننا بأن جميع المترجمين لابد أن يكونوا رجالاً”. 

لم يُرِد الكثير من العملاء، خاصةً في الحكومة، التعامل مع النساء. علاوة على أن القليل فقط من الشركات في المنطقة لديها شريكات نساء، أو نساء في مناصب كبرى، يمكنهن أن يقمن بدور الإرشاد والقدوة. 

نشأت الجابري، التي تبلغ الآن 30 عاماً، في مدينة جدة الساحلية. درست الشؤون المالية بجامعة مكغيل الكندية، كجزءٍ من برنامج البعثات الحكومية السعودية الذي يرسل الطلاب إلى الخارج للدراسة. عاد أغلب هؤلاء الطلاب للحصول على وظيفةٍ في المملكة ومنطقة الخليج. 

تقول الجابري: “كانت الشركات الاستشارية الكبرى توظِّف جيوشاً من الرجال، لكنك نادراً ما ترى امرأةً سعودية تعمل استشاريةً في أيِّ وظيفةٍ تتعامل مباشرةً مع العملاء”. عملت الجابري في منظماتٍ منها شركة Oliver Wyman للاستشارات الإدارية، وAccenture للخدمات المهنية. 

وفي الوقت الحالي، بينما تقسِّم الجابري وقتها بين الرياض وأبوظبي، تمثَّلَت آخر خطواتها المهنية في الانتقال من الاستشارات إلى مسارٍ جديدٍ كمستثمرةٍ في رأس المال الاستشاري، بما يشمل العمل في صندوق رؤية سوفت بنك، وهو صندوق استثماري سعودي-ياباني. 

كانت النقطة الفاصلة الأولى بالنسبة لها، حسبما قالت، في العام 2015، حين وُظِّفَت في شركة داو للكيماويات كرئيسةٍ لقسم الاستراتيجية الحكومية والأسواق. كانت مُصمِّمةً على إثبات نفسها في دورٍ سَمَحَ لها بالعمل مع مسؤولين حكوميين كبار، في وقتٍ وسَّعَت فيه الشركة الأمريكية وجودها في المملكة بعد مشروعٍ مشترك بقيمة 20 مليار دولار مع شركة النفط الحكومية أرامكو. 

وتضمَّنَت القيود المفروضة على النساء السعوديات، الراغبات في بناء مسيراتهن المهنية في مجال الأعمال، قواعد ولاية صارمة في يد الرجل. كانت النساء بحاجة إلى إذن من وليٍّ رجل للسفر إلى الخارج، أو للحصول على جواز سفر، وهو ما حدَّ من فرصهن في التنافس مع نظرائهم من الرجال. 

ولم تكن المملكة السعودية تسمح للنساء بقيادة السيارات حتى العام 2018. وحتى وقتٍ قريب، كان الفصل بين الجنسين هو القاعدة في معظم أماكن العمل. 

قالت الجابري: “بالنسبة لمجال الاستشارات، فهو مجال مُصمَّمٌ ليرتكز على العمل الجماعي، وبالتالي هناك الكثير من نقاط الاتصال مع الفريق على مدار الأسبوع. تجلسون كلَّ يومٍ معاً لمدة حوالي 12 ساعة”. 

لكن هناك الكثير من الحالات في مهنتها في السعودية، “حيث تكون المرأة مضطرة للعمل في غرفةٍ مختلفة، وهذا بعيدٌ كلَّ البُعدِ عن العمل الاستشاري”. 

تغيَّر هذا الوضع تدريجياً مع سعي المملكة إلى إرخاء القيود على النساء ومنحهن المزيد من الحقوق، كجزءٍ من خطة وليّ العهد لإصلاح الاقتصاد وتحديث المجتمع. 

تظل البطالة بين النساء مرتفعةً عند نسبة 38%، وفقاً لآخر البيانات الحكومية. لكن تقرير البنك الدولي “النساء والأعمال والقانون”، الصادر هذا العام، أشاد بالمملكة السعودية للإصلاحات التي تدفع باتجاه مشاركة المرأة اقتصادياً. لم تعد المرأة مُطالَبة بإذنٍ من وليٍّ رجل للسفر إلى الخارج أو للحصول على جواز سفر. 

وزادت نسبة قوة العمل السعودية من النساء من 17% عام 2016 إلى 26% في نهاية العام الماضي 2019. وتستهدف الحكومة الوصول إلى نسبة 30% بحلول عام 2030. 

تذكر الجابري أيضاً إشارات إيجابية، إذ قالت: “من الرائع للغاية الآن أن تذهب إلى المكاتب الحكومية وترى الرجال والنساء يختلطون ويتبادلون الأفكار، خاصةً بين الأجيال الشابة”. 

في الوقت نفسه، يظلُّ عدد النساء في المناصب القيادية محدوداً. عيَّنَت المملكة السعودية أول سفيرة امرأة العام الماضي، حين تولَّت الأميرة ريما بنت بندر منصب السفيرة السعودية بالولايات المتحدة، لكن ما من نساءٍ يشغلن مناصب على المستوى الوزاري. 

وعلاوة على ذلك، أشارت الجابري إلى أن هناك عدداً قليلاً للغاية من النماذج التي يمكن أن تقتدي بها النساء السعوديات، وأن هناك مشكلة رئيسية تتمثَّل في “رفع الوعي حول هؤلاء النساء الرائعات اللاتي يقمن بأدوار غير تقليدية من زاوية تقسيم الأدوار بين الجنسية في المملكة”. 

وقالت الجابري: “هنا في السعودية لدينا فرصةٌ رائعة”، مشيرةً إلى أن المواقف الجديدة تعزِّز قوة النساء في العشرينيات والثلاثينيات من أعمارهن. وتضيف: “أعتقد أن جيل الألفية نشأ فيه الإيمان بأنه سيغيِّر العالم. وهذا بالتحديد هو النهج الصحيح”. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى