آخر الأخبار

الدخل الأساسي العام.. فكرة تكتسب رونقاً في ظل الاحتجاجات المطالبة بالعدالة

ما قيمة حياة الإنسان؟ وما مستوى الحماية الذي ينبغي أن يتوقعه أي شخص؟ هل الدخل الأساسي العام فكرة جيدة؟ خاصة في هذه الفترة بالغة الأهمية، تدور نقاشات ساخنة حول هذه الأسئلة المحورية في أنحاء العالم. هل حان الوقت لنعيد التفاوض على العقد الاجتماعي؟

هنا يأتي مفهوم الدخل الأساسي العام، الذي يقول إن كل شخص، مهما كان دينه أو لونه أو حالته الوظيفية، يستحق مستوىً أفضل من الحماية. وهذا الدعم يصير ممكناً عن طريق المساعدات المالية غير المشروطة.

في الخامس والعشرين من مايو/أيار، لفظ جورج فلويد كلماته الأخيرة: “لا أستطيع التنفس”، وسجلتها كاميرا هاتف ذكي وأذاعتها وكالات الأنباء في أنحاء العالم، على إثر مقتل الرجل البالغ من العمر 46 عاماً على يد شرطي مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا الأمريكية. وهذه الاستغاثة، التي اتخذها المحتجون والنشطاء شعاراً لهم، صارت رمزاً لما هو أكبر: عدم القدرة على العيش في أمان وسلام، ما يمنع الإنسان من تحقيق غرضه في الحياة. وفي ذاكرتنا الحديثة، تُعيد العبارة إلى الأذهان إحساس الغرق المريع الذي يعاني منه ضحايا فيروس كورونا، ونسبة ضخمة منهم من السود والأقليات الإثنية.

وقد انتشر هذا الإحساس بالاضطراب في عددٍ من الديمقراطيات الليبرالية، في لحظة سوداوية انكشفت فيها المظالم العرقية والاقتصادية المتجذرة والطاغية. وقد شعر السود والآسيويون والأقليات بوطأة الضربة الثلاثية، من العنصرية الممنهجة والتأثير غير المتجانس لكوفيد-19 والبطالة التي تسببت فيها الجائحة، وكانت تلك القشة التي قسمت ظهر كثير منهم. نزل الناس إلى الشوارع، في الولايات المتحدة ومناطق أخرى من العالم، احتجاجاً على مقتل فلويد وبحثاً عن العدالة، بل ونهباً للممتلكات على يد من يشعرون بأنه لم يبق شيء يخسرونه. ومن الناحية العملية، فقد مكّن مستوى البطالة المرتفع عند 13.3% أعداداً أكبر من التظاهر وشن الحملات.

وقد أدت جائحة كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية الناشئة عنها إلى خلق أجواء ملتهبة، وجاء مقتل فلويد ليشعل شرارة اضطرابات واسعة اكتسحت الولايات المتحدة وبلدان أخرى. ولا ننسى أن ذلك الفيروس قد قتل الأمريكيين السود بمعدل يبلغ ثلاثة أضعاف الأمريكيين البيض. والأدهى أن أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير قد زادت نسبة بطالة الأمريكيون السود إلى 16.7%، مقارنة بـ14.2% للبيض. 

في الولايات المتحدة، “أرض الأحرار” كما يسمونها، توجد ثروات لا تُحصى جنباً إلى جنب مع مظالم اجتماعية واقتصادية واعتقالات جماعية، تقع وطأتها بصورة أكبر على الأمريكيين السود. وتلك هي العنصرية الممنهجة التي تُشير إليها التظاهرات الأخيرة. تقول صحيفة الإيكونوميست إنه “وفقاً لمكتب الإحصاء بالولايات المتحدة، يكسب الأمريكيون السود بالكاد ثلاثة أخماس ما يكسبه البيض غير الإسبانيين”. “في عام 2018، كان دخل الأسرة السوداء المتوسطة 41,400 دولار أمريكي، بالمقارنة مع 70,600 دولار للبيض. إن الفجوة كبيرة”. 

ويُكمل المقال: “إن الفجوة في الولايات المتحدة أضيق مما كانت في عام 1970، حين كان الأمريكيون السود يكسبون نصف ما يكسبه البيض. لكن كل تلك التحسنات حدثت بين عامي 1970 و2000، ومنذ ذلك الحين تدهورت الأمور مرة أخرى. وقد ضاقت تلك الفجوة نوعاً ما بسبب زيادة الإنفاق الفيدرالي بعد تفشي فيروس كورونا. لكنها قد تعود إلى الاتساع قريباً لأن الأمريكيين السود يشغلون كثيراً من الوظائف المتواضعة أو التي لا تتطلب مهاراتٍ خاصة، وهذه الوظائف قد تكون الأكثر تأثراً بانكماش السوق بسبب الفيروس.

وفي الولايات المتحدة، يقع أثر جائحة فيروس كورونا بصورة غير متساوية على السود والأقليات، فالسود هم الأعلى نسبة في شغل “الوظائف الأساسية”، ما يبقيهم في أعمالهم ويعرضهم لخطر الإصابة بالفيروس. إضافة إلى ذلك، كان هؤلاء هم الأكثر تأثراً بفقدان الوظائف. وبالفعل، فإن مستوى بطالة السود في مايو/أيار يظل كما كان في أبريل/نيسان، عند 16.7% تقريباً، رغم الانخفاض في نسبة البطالة الإجمالية من 14.7% إلى 13.3%، كما أشارت صحيفة الغارديان. ولم يكن ينبغي أن يتطلب الأمر جائحة فيروسية، وموت بريء على يد الشرطة، لتحظى تلك المسألة باهتمام سياسي عالمي. وقد أصاب اليأس هؤلاء المتظاهرين من أجل العدالة والتغيير الفعال.

وبالمثل، في المملكة المتحدة، عرّت جائحة كوفيد-19 التمييز الممنهج. فالبريطانيون السود أكثر عرضة بأربع مرات للموت بفيروس كورونا من البيض، في حين البريطانيون من أصل باكستاني أو بنغلاديشي أكثر عرضة بثلاث مرات، والهنود بالضعف، وفقاً للمكتب الوطني للإحصاء. 

والمقلق أن 72% من العاملين بمجال الرعاية الصحية والاجتماعية الذين ماتوا بفيروس كورونا في المملكة المتحدة هم من الأقليات، ما يمثل نسخة أخرى من العنصرية المتجذرة في المؤسسات. وكتب غاري يونغي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة مانشستر: “هذه الوفيات هي الضرر الجانبي الذي تحدثه العنصرية البريطانية، والعاقبة غير المباشرة بعقودٍ من الإقصاء دفعت بالسود والآسيويين إلى هذا النوع من الوظائف والأوضاع السكنية والصحية التي تجعلهم معرضين بالأخصّ للوفاة”.

ولنضع في الاعتبار أنه في 2016 كانت نسب البطالة عند الخريجين الذكور السود الذي تتراوح أعمارها بين 16 و24 عاماً 18%، بالمقارنة بنسبة 10% للبيض، وفقاً لأرقام المكتب الوطني للإحصاء. والأدهى أن الخريجين السود يكسبون سنوياً 7 آلاف دولار أقل من نظرائهم البيض في الولايات المتحدة، وفقاً لحسابات صحيفة الغارديان في 2018. وأيضاً 11% فقط من مديري أكبر 100 شركة من حيث القيمة السوقية بمؤشر فايننشيال تايمز هم من الأقليات، وفقاً لبحثٍ جديد.

ولم ينتج هذا الموقف بسبب وحشية الشرطة المقززة فقط. فالاضطراب في المدن الأمريكية وفي أنحاء العالم سببه تآكل المبادئ الأساسية لأمن الحياة البشرية وقيمتها. وقد وقعنا عقداً اجتماعياً لم يعد يكفي لحمايتنا جميعاً. وهذه هي التحديات الأكبر والأعمق التي يواجهها النظام.

فالناس بائسون، وصحتهم العقلية تتدهور، والضغوط العاطفية يزيدها غياب الدعم المالي. إن تبني الدخل الأساسي العام خطوة في طريق تخفيف هذه المشاكل الأساسية. لقد حان وقت التغيير.

وكما يؤكد مقال رأي منشور بصحيفة نيويورك تايمز: “علينا أن نعيد تصور الأمن العام بطريقة تقلل من، وتلغي في النهاية، دور الشرطة والسجون، وتعطي الأولوية للتعليم والإسكان والأمن الاقتصادي والصحة العقلية وبدائل الصراعات والعنف”. 

ويقترح المقال إعادة تخصيص جزء من المئة مليار دولار المخصصة للإنفاق على الشرطة في الولايات المتحدة، ويختمها الكاتب بقوله: “يشكك الناس عادة في عملية أي استجابة لحالات الطوارئ تهمش قوات الشرطة. إننا نعيش في مجتمع عنيف، لكن الشرطة نادراً ما تكفل الأمن. وقد حان الوقت الآن أكثر من أي وقتٍ مضى للتخلص ليس فقط من موارد الشرطة لكن من فكرة أن الشرطة هي ما يبقينا في أمان”.

إن الهدف الرئيسي للخل الأساسي العام هو تقديم الأمان الغائب من العقد الاجتماعي عند أشخاص كثيرين في عام 2020. إن كل حياة لها قيمة بغض النظر عن عملها، والدخل الأساسي يُسهم في توفير حسٍّ بالهدف في الحياة. بوجود مستوى أساسي منتظم من الدخل يمكن الاعتماد عليه، لكن يشعر الناس باليأس والوحدة التامة، حتى إن خسروا وظائفهم أو أجبرتهم الجائحة على البقاء في البيت. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى