الأرشيفتقارير وملفات

القلم يهزم السيف …!؟

بقلم الأديب الكاتب

السعيد الخميسى k

السعيد الخميسى

الخميسى
*مع أن الإسلام دين القوة والعزة والكرامة , فإن لفظ ” السيف “ لم يذكر فى القران الكريم مطلقا , لا هو ولا مشتقاته . . وعلى النقيض من ذلك فإن هناك سورة كاملة تسمى ” القلم ” . بل إن الله عز وجل أقسم بالقلم وأعلا من شأنه وقدره .  ذلكم هو ” القلم ” , هو أصم لكنه يشعر ويسمع بألم البشر . هو أخرس , غير أنه يفصح بالشكوى . هو جماد , لكنه يعلم الفحوى والمغزى . إن عقول الناس مدونة في أطراف أقلامهم . وتعظيما لمقامه الرفيع , قالوا : من لم يكتب بالقلم فيمينه يسرى , وإذ لم تكتب اليد , فهي رجل . بالقلم , تتحطم صحائف الأشرار , وبه تعلو صحائف الأخيار . هو الصاحب وقت الكربة , والوطن فى الغربة . هو دليل العقل والمروءة . كان أهل الهجاء قديما يفضلون هجاء القلم على رمى السيف لان جراحات
الطعان لها التئام  , ولا يلتئم ما جرح اللسان  . فحد السنان يقطع الأوصال , وحد اللسان يقطع الآجال . بالقلم والكلمة , نرسم الحد الفاصل بين الجنة والنار, بين الكفر والإيمان ,. بين الزواج والطلاق , بين البراءة والإدانة , بين الحق والباطل . يكفيه تشريفا وتعظيما قول الحق عنه ” اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم , علم الإنسان ما لم يعلم ” .
*
وهناك قلمان : قلم ثرثار متفيهق يكتب قبل أن يفكر , ويرمى قبل أن يبصر , ويتهم قبل أن يتبين , ويكذب قبل أن يتحرى , فهو كالشقة المفروشة تستأجر لمن يدفع أكثر حسب ظروف الزبون المادية . والقلم الأخر يكتب على استحياء , ويعلم من أساء , ولا يستأجر لمن  شاء , لأنه صاحب مبدأ وليس صاحب مصلحة . قلم يستشعر المسؤولية  ويخشى الله ويتقه لأنه يدرك خطورة الكلمة ووقعها على البشر .  ولا يستوى القلمان ” قل لا يستوى الخبيث والطيب ” . فقلم طيب  , وآخر خبيث , بل إن شئت فقل كالورم الخبيث لابد من استئصاله من جسد المجتمع لأن إثمه أكبر من نفعه . إننا فى حاجة إلى القلم الصادق , والقلم الأمين الصافي من الدخن . إن القلم أمانة , والذي يحمله يجب ألا يكون ظلوما جهولا غشاشا ومنافقا , يسير فى كل المواكب , ويجلس على كل الموائد . لابد أن يكون صاحب القلم متصفا بالعدالة والإنصاف والفهم الدقيق السليم , متحررا من الهوى والتدليس والتلبيس والتهويش  والتشويشوإذا كان الناس يكبون فى النار على وجوههم بسبب حصائد ألسنتهم , واللسان يموت بموت صاحبه . فما بالكم بالقلم  , وما يسطر القلم ..؟ فاللسان يموت , ولا يموت مادون القلم .. ! .

 * سيظل الإنسان فى هذه الحياة مثل قلم الرصاص تبريه العثرات حتى يكتب بخط أجمل , وهكذا حتى يفنى القلم ولا يبقى إلا جميل ما كتب . إن الكلمة قبل أن تكتب بالقلم , وتخرج من فم الكاتب الصادق الأمين ويسطرها ببنانه ,  لابد وأن تكون قد مرت على عقله ليزنها , وقلبه ليستشعرها ثم يعطيها بعد ذلك تأشيرة الخروج وجواز المرور . ثم ليسأل نفسه : أهي صادقة أم كاذبة .؟ بناءة أم هدامة ..؟ صالحة أم فاسدة عفنة انتهت صلاحيتها  ثم ليسأل نفسه أيضا : أهذه الكلمة ترضي الله أم تسخطه ؟ وهل الخير في صمتي أم في كلامي ؟ فمن علامة الإيمان في المؤمن أن يقول خيرا أو ليصمت ، وإن كان الخير في سكوته سكت ، وإن كان الخير في كلامه نطق ، فالساكت عن الحق شيطان أخرس ، والإنسان يملك الكلمة طالما كانت حبيسة اللسان ، أما إذا تكلم بها فهي تملكه ولا يملكها  . وكم من حروب نشبت بسبب كلمة , وكم من دول خربت بسبب كلمة , وكم من بيوت هدمت بسبب كلمة . فالكلمة الطائشة كالطلقة الطائشة لابد لها من ضحايا ومصابين .
*
قال ” القاسمي ” رحمه الله : أفهم الناسَ بواسطة القلم كما أفهمهم بواسطة اللسان، والقلم آلة جامدة، لا حياة فيها، ولا من شأنها في ذاتها الإفهام، فالذي جعل من الجماد الميت الصامت آلة للفهم والبيان، ألا يجعل منك قارئا مبيِّنا وتاليا معلما وأنت إنسان كامل؟؟ وقال ابن القيم –رحمه الله-: وتأملْ حالك وقد أمسكت بالقلم، وهو جماد، ووضعته على القرطاس وهو جماد، فتولد من بينهما أنواع الحكم، وأصناف العلوم وفنون المراسلات والخطب والنظم والنثر، وجوابات المسائل، فمن الذي أجرى فَلَكَ المعاني على قلبك، ورسمها في ذهنك ثم أجرى العبارات الدالة على لسانك، ثم حرك بها بنانك حتى صارت نقشا عجيبا، معناه أعجب من صورته، فتقضي به مآربك، وتبلغ به حاجة في صدرك، وترسله إلى الأقطار النائية والجهات المتباعدة، فيقوم مقامك، ويترجم عنك، ويتكلم على لسانك، ويقوم مقام رسولك، ويجدي عليك ما لا يجدي من ترسله، سوى من علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم؟
*
وهناك كتاب وصحفيون عظام سجلوا أسماءهم بأحرف من نور فى سجلات الشرف والمجد والإباء . لايكتبون إلا ما تمليه عليهم ضمائرهم الحية اليقظة . لا ينتظرون التعليمات ولا يخضعون للتوصيات ولا يستجيبون للاملاءات ولا يسجدون للدولارات ولا يلهثون وراء المناصب والألقاب . هولاء احترموا رسالة القلم ومكانته السامقة ولم يغشوا قراءهم , ولم يخدعوا مجتمعاتهم , ولم يبيعوا مداد قلمهم لمن يدفع أكثر . أما النوع الآخر وهم ” الكتبة ” فهم مجرد موظفين أرشيف يسجلون البيانات , وينفذون التعليمات وينتظرون التوصيات.  هولاء هم مرتزقة كل نظام , وخدمة كل فرعون , وحاشية كل سلطة . هولاء أساءوا للقلم ولرسالته ومكانته . انقلبوا على مواقفهم ومبادئهم السابقة كما ينقلب الليل على النهار . باعوا كل شئ بثمن بخس مقابل حفنة من المال الزائل . ليت شعرى لو أنهم يتذكرون قول القائل :

وما من كاتب إلا سيفنى … ويبقى الدهر ما كتبت يداه

 فلا تكتب بكفك غير شيء … يسرك في القيامة أن تراه

. سيظل القلم مكرما لان الله عز وجل أكرمه ورفع من قدره عندما  ما أقسم به . وخاب وخسر من باع قلمه وتخلى عن شرفه وكرامته وحط من قدره . لا أسوا من خيانة القلم لان السيف الغادر قد يقتل أفرادا . أما القلم فقد يقتل أمما .

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى