كتاب وادباء

المجتمع بين الخلابيص والبلاليص…..!

من روائع الأديب الكاتب

السعيد الخميسى k

السعيد الخميسى
* قد يبدوا من أول وهلة  أن عنوان المقال غريب وغير مفهوم إلى حد ما , لكن لو صبرت نفسك مع الذين يقرؤون المقال من بدايته لآخره لعلمت وأدركت من هم الخلابيص  , ومن هم البلاليص بلا عجب أو عناء . بادئ ذى بدء ,  فإن لفظ الخلابيص” هو جمع ” خلبوص ” والخلبوص  فى قاموس المعاني هو خادم الراقصات والمغنيات . وهو أيضا المهرج أو المضحك أو البهلوان . ويقال : خلبص الرجل , أى تكلم بالأكاذيب والأباطيل . وكان فى عهد ” محمد على “ يؤتى بالراقصات ليرقصن على المسرح رقصة تسمى ” رقصة النحلة “. وكانت الراقصة تدعى أن ” نحلة “ دخلت ملابسها , وعلى أثرها تخلع جزء من ملابسها , بحثا عن النحلة . فيصفق لها الجمهور . ثم تخلع الجزء الآخر بحثا عن النحلة غير الموجودة من الأصل , فيصفق لها الجمهور أيضا . وهكذا حتى تتخلص من كل ملابسها , والجمهور يصفق لها , وفى هذه الحالة , يقوم “ الخلبوص ” الذى يقف وراء الراقصة بإلقاء ” الملايا “ عليها لسترها من أعين الجمهور الذي يدفع مالا مقابل كل قطعة تخلعها من ملابسها . أرأيتم وفهمتم من هو ” الخلبوص , وما وظيفته على مسرح الراقصات والمغنيات العاهرات..؟

تيران1
* أما ” البلاليص ” فهو جمع ” بلاص ” والبلاص هو إناء كبير مصنوع من الفخار  , كان يستخدمه نساء أهل الريف فى عصر غير بعيد لتخزين الجبن والمش والعسل والماء  وخاصة فى الوجهين البحري والقبلي .. ويقال : بلاص عسل ” . وإذا قيل : رجل بلاص , فهو قول فيه استهزاء وسخرية بالرجل . والمقصود بهذا الوصف رجل ” دلدول ” لاقيمة له ولا رأى , وإنما هو ساكن مثل ” البلاص ” الذى هو أشبه بالصنم أو تمثال أبو الهول الساكن الصامت فى مكانه  , لا يتحرك إلا إذا حركه أحد . وهو دائم تابع لغيره  , يستقبل ولا يرسل . وبإسقاط هذين اللفظين ” خلابيص ” و ” بلاليص ” على واقعنا السياسي والاجتماعي , سوف تستشعر وبدون بحث أو تعب أو إجهاد أن المجتمع ممتلئ بل ومبتلى فى كثير من مؤسساته وهيئاته وأحزابه وأفراده بهذين الصنفين . ولست فى حاجة أن أفصل لكم أو أبين هولاء بالاسم والوصف والتفصيل , لكى أنأى بنفسي عن دائرة التشهير والتجريح بالأفراد والهيئات والمؤسسات , ومكتفيا بالتلميح الذى أرى فيه كفاية عن التصريح . وكل لبيب بالإشارة يفهم .

temp4
* إن ” خلابيصاليوم أكثر خطورة وأعمق فسادا وانحرافا وسلوكا من ” خلبوصالأمس الذي كان يقف وراء الراقصة بالملايا ليطرحها عليها وقت أن تتكشف عارية أمام الجمهور المنحرف أيضا , والذي جاء خصيصا ليدفع مقابل هذا العرى المبتذل . إن ” خلبوص ” اليوم مهمته ستر عورة الفاسدين وتبرير انحراف المنحرفين فى مؤسسات المجتمع . فهو لا يحق حقا ولا يبطل باطلا , ولا يحرك ساكنا , ولايتمعر وجهه إذا انتهكت محارم الله , ومحارم هذا الوطن . الخلبوص يجلس دائما على الشاطئ مستمتعا بالرمال الناعمة والشمس الدافئة , يصطاد من هنا وهناك , من حلال أو حرام لا يبالى . المهم أنه يغدو خماصا ويروح بطانا . ليس شرطا أن يكون الخلبوص ضالعا فى الفساد والنهب والانحراف , لكنه يستفيد من فساد ونهب وانحراف المنحرفين فى كل مرافق الدولة . تراه يدافع عن الفساد أكثر من الفاسد نفسه . ويدافع عن اللصوص أكثر من اللص نفسه . فهو دائما يعشق المياه العكرة حتى يسهل له الاصطياد . يحزن إذا صفت المياه ورقرقت , لأنه كخفاش الليل لايطير إلا فى الظلام , ويكره أن تطلع شمس النهار .
* أما ” البلاليص ” فهم أقوام كالتماثيل أو الأصنام لا يتحركون ولا يتكلمون ولا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر خشية أن يتسبب ذلك فى قطع أرزاقهم حسب زعمهم المريض وتصورهم السقيم . هم يمثلون الجانب السلبي في المجتمع , أو ما يطلق عليهم  حزب ” الكنبة ” النائمون تحت ظلال السقوف , الواقفون فى مؤخرة الصفوف , المصفقون لأسياد نعمتهم بملء الكفوف . هولاء ” البلاليص ” يرفعون شعار ” إنا كنا معكم ” فهم يجلسون فى المدرجات يشجعون الأقوى ويصفقون له , حتى ولو كان أجنبيا دخليا . يذكرونني بالإعراب فى صدر عهد النبوة , إذا أنجبت المرأة ولدا , واخضر الزرع , وامتلأ الضرع , قالوا : إن دين محمد دين خير وبركة . أما إذا أنجبت المرأة بنتا , وجف الضرع , وذبل الزرع , قالوا ليس هذا دين خير ولا بركة . لذا وصفهم القران الكريم بأنهم أشد كفرا ونفاقا . ليس لهم مبدأ يرتكزون عليه , ولا قواعد أخلاقية يستندون عليها . هم عبء على المجتمع ومؤسساته وسبب التخلف الاقتصادي والسياسي الذي يعانيه مجتمعنا اليوم  . أعرف إعلاميا له صحيفة وقناة فضائية , لو وقعت مصر تحت الاحتلال الاجنبى لاقدر الله ذلك , لكان هو المتحدث الرسمي لقوات الاحتلال , يشرعن لهم ويحلل ويفسر محاسن الاحتلال…! أرأيتم كيف…؟
* لايمكن لوطننا أن يتقدم قيد أنملة إلى الأمام وهولاء الخلابيص والبلاليص فى مقدمة الصفوف . إن إثمهم وضررهم أكثر من نفعهم . وحقيقة الأمر أنهم لا ينتعشون إلا وسط الأجواء الفاسدة فى المجتمع , تماما كالجراثيم وقواقع البلهارسيا التى لا تنشط إلا فى الماء الراكد الآسن العفن . ويوم أن يتطهر المجتمع من هذه الشوائب العالقة , وهذا الضباب الداكن الأسود , يوم أن يفر هولاء إلى جحورهم التي تعودوا العيش فيها وقت أن يكون المناخ السياسي السائد غير ملائم لحالتهم وظروفهم . إن مؤسسة واحدة من مؤسسات المجتمع تطفح بمثل هولاء طفحا يبعث على الاشمئزاز والنفور , ألا وهى مؤسسة الإعلام , على سبيل المثال فقط وليس على سبيل الحصر . تجد منهم الخلبوص الذي يطرح ملايته على عورة الفاسدين ليدارى سوءتهم مقابل المال الحرام . وتجد منهم  البلاص الذى لايحرك ساكنا إلا وفق مصلحته الشخصية , لا يهمهم وطن ولا يشغله دولة . أنا على يقين إن اليوم الذى سيتطهر المجتمع منهم , أراه قريبا وفى الأفق . حفظ الله ديننا ووطننا من مثل هولاء , المرجفون فى المدينة , الآكلون على كل الموائد , المطبلون فى كل الموالد .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى