آخر الأخبارتقارير وملفات

خوف من شراكة أوروبية مع عبد الفتاح السيسى لرئاسة هيئة لمكافحة الإرهاب

هيومن رايتس تندّد بالترشّح الأوروبي-المصري المشترك لرئاسة منتدى عالمي ضد الإرهاب

بقلم الخبير السياسى والإقتصادى

د.صلاح الدوبى 

الأمين العام لمنظمة اعلاميون حول العالم

رئيس فرع منظمة اعلاميون حول العالم 

رئيس حزب الشعب المصرى 

جنيف -سويسرا

قال موقع ميدل إيست أى البريطانى في تقرير نشره يوم الثلاثاء، 25 يناير/كانون الثاني 2022، إن نشطاء حقوقيين ومنظمات مدافعة عن حقوق الإنسان أبدوا  قلقهم حيال خطط للاتحاد الأوروبي تتعلق برغبة التقدم بملف مشترك مع مصر لرئاسة هيئة دولية لمكافحة الإرهاب، مشيرين إلى ما تشهده القاهرة من انتهاكات حقوقية واسعة النطاق وقمع مطرد للنشطاء السياسيين والمعارضين.

يأتي ذلك بعد أن وافق مسؤولو الاتحاد الأوروبي في بروكسل على اقتراح يتضمن محاولة مشتركة للاتحاد الأوروبي ومصر لرئاسة “المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب” (GCTF)، وهي منظمة تضم في عضويتها 30 دولة وتتعاون تعاوناً وثيقاً مع الأمم المتحدة في العمل على “الحد من تجنيد الإرهابيين، وتعزيز القدرات المدنية للدول في مواجهة التهديدات الإرهابية”، بحسب ما يشير إليه موقعها على الإنترنت.

فضيحة للإتحاد الأوروبي يكافح الإرهاب بالشراكة مع عبد الفتاح السيسى

كانت منظمة Statewatch، المعنية بمراقبة السياسات المتعلقة بالحريات المدنية في الاتحاد الأوروبي نشرت نسخةً من مذكرة لمجلس الاتحاد الأوروبي بتاريخ 11 يناير/كانون الثاني 2022، يُشار فيها إلى أن الاقتراح الخاص بالملف المشترك جاء لأول مرة من دبلوماسيين في الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية (EEAS)، خلال الاجتماعات الخاصة بمجموعة عمل تابعة للاتحاد الأوروبي حول الإرهاب بين شهري أكتوبر/تشرين الأول 2021 ونوفمبر/تشرين الثاني 2021.

في المقابل، قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في بيان لها يوم الثلاثاء، 25 يناير/كانون الثاني 2022، إن الاتحاد الأوروبي عليه أن “يعيد النظر بجدية” في هذه الشراكة المقترحة.

من جانبها أعربت المنظمة عن مخاوفها محذرةً من أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي انتهج، منذ وصوله إلى السلطة في انقلاب عسكري عام 2013، انتهاجاً منتظماً لسياسات تتضمن اعتقال النشطاء السياسيين والمعارضين وتعذيبهم وإعدامهم واتهام أي نشاط لهم دون أدلة بأنه نشاط “إرهابي”.

في حين قال كلاوديو فرانكوفيلا، الخبير القانوني بمنظمة هيومن رايتس ووتش، في بيان المنظمة، إن “الاتحاد الأوروبي كان الأجدر به ألا يُقدم على هذه الفكرة المخزية بالشراكة مع مصر في ملف مشترك يتغاضى عن سجلها الحقوقي البائس، بل كان ينبغي له أن يكون هو المبادر إلى اتخاذ إجراءات فعالة للتعامل مع هذا السجل، وهو ما سبق أن حثَّته عليه منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمات غير حكومية أخرى، علاوة على البرلمان الأوروبي نفسه”.

الاتحاد الأوروبي والسيسى. شراكة تنتهك القيم الأساسية

ولّى زمن ابتهاج الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي بالربيع العربي، ولم يعد هناك أدنى تردد في التعاون مع أكثر الديكتاتوريات وحشية، كالنظام المصري.

مرت رحلته إلى مصر دون أن يلاحظها أحد، في وقتٍ كانت فيه أعين العالم مشدودة إلى أمريكا، التي كانت تحبس أنفاسها في خضم الفرز الانتخابي. هكذا قام البلجيكي شارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، بزيارة لبضع ساعات إلى القاهرة، يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السّيسي. يتعلق الأمر، وفق بروكسل، بالاستشارة مع أحد أهم القادة العرب في وقت تُلقي فيه الأزمة الجديدة التي اندلعت في فرنسا، وهي قضية الرسوم الكاريكاتورية للرسول محمد، بظلالها وتهدد بتعتيم العلاقات بين الغرب والشّرق. بلغة خشبية، قال شارل ميشيل عبر تغريدة من العاصمة المصرية: «استهدفت الهجمات الأخيرة في أوروبا قيمنا الأساسية، وحرية الضمير والدّين. إذا كنا عازمين بشكل مطلق على مكافحة الإرهاب، فإنه يتوجب علينا أيضًا تعزيز الحوار مع شركائنا. أنا اليوم في مصر من أجل توحيد جهودنا».

توَضح هذه الزيّارة بشكل جليّ الغموض الذي يكتنف العلاقات القائمة بين الاتحاد الأوروبي وجمهورية مصر العربية. إن اتحاد القوى بين كيان أوروبي يُمجّد حدّ التّباهي “قيمه الأساسية” ودولة من جنوب البحر الأبيض المتوسط تسعى بنجاح لأكثر من نصف عقد من الزمن لتستحق لقبها كدكتاتورية شرسة، يُثير بالفعل العديد من الأسئلة، إن لم تكن حتى الشكوك. تهيمن «السياسة الواقعية» بشكل ساحق، لتُقوّض بشكل كبير تطبيق القيم التي يدّعي الأوروبيون التّمسّك بها.

يبرز التاريخ الحديث تقدماً على مستوى الأولويات بين المصريين والأوروبيين. يرى كورت ديبوف، الباحث في “جامعة بروكسل الحرة” ورئيس تحرير موقع “إي يو أوبزيرفر” (EU Observer) الإلكتروني، وهو الذي قضى الفترة ما بين 2011 و2016 في القاهرة كمبعوث خاص للمجموعة الليبرالية في البرلمان الأوروبي، أن «العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومصر تطورت على مرّ السنين». يشرح ديبوف الأمر قائلاً إن هذه العلاقات، «بعدما كانت رسمية إلى غاية سنة 2011 وتعتمد على مشاريع صغيرة دون أمل في تحقيق تقدم كبير، مرت إلى مرحلة من التعاون المكثف بهبوب رياح التغيير الديمقراطي في المنطقة، قبل أن تقتصر خلال السنوات الأخيرة على المفيد: مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشّرعية. تحسّنت إذن العلاقات بعد 2011، لكن ليس بشكل كبير. لقد توفّرت على الأقل بعض فرص الاستثمار ليس فقط في الاقتصاد المحلي ولكن أيضًا في المجتمع وحتى في الديمقراطية. بيد أن القيادة المصرية لم ترغب أبدًا في التطرّق إلى هذا البعد الأخير».

«التعذيب أصبح منهجياً»

لكن هناك ما هو أخطر. تحت القيادة الاستبدادية للمشير السّيسي، شرع شريك الأوروبيين المصري، منذ انقلاب يوليو/تموز 2013 الذي وضع حدا لسنة من حكم الإخوان المسلمين، في إدارة البلاد على أساس نزع الحرّيات، وبالتالي، قمع أي اختلاف. من مكتبه في تونس، يرى المصري حسين باومي، الباحث في منظمة العفو الدولية لشؤون شمال إفريقيا، أن «أزمة حقوق الإنسان في مصر صارخة“. ويشرح الوضع قائلاً إنّ «التّعذيب أصبح منهجيّاً، كما أن قوات الأمن تستخدم قوانين مكافحة الإرهاب لقمع المعارضين السّياسيين والأصوات المُنتقدة أو حتى نشطاء حقوق الإنسان. يتعرض آلاف الأشخاص لهذا القمع، وقد يتعرضون للاحتجاز وأحيانًا للتعذيب قبل أن يُحاكموا. يتعلّق الأمر بصحافيين لم يقوموا سوى بعملهم، وبمحامين وأشخاص ذنبهم الوحيد أنهم انتقدوا تدبير وباء كُوفيد-19، إلخ. لقد باتت انتهاكات حرية التعبير هي القاعدة، خاصة على الإنترنت، إذ يجد العديد أنفسهم رهن الاعتقال بسبب”الأخبار الكاذبة“على سبيل المثال، لمجرد إبداء رأيهم على شبكات التواصل الاجتماعي. كما يتعرض أفراد مجتمع”المِيم”1 لخطر الاعتقال. وهناك أيضاً حالات الاختفاء القسري، وأخيراً وليس آخراً، استمرار إعدام الأشخاص المُدانين2».

بفضل دعم كلٍّ من واشنطن والرياض وأبو ظبي وتل أبيب، تصاعدت لا مبالاة النظام المصري بالانتقادات التي توَّجه له في ملف حقوق الإنسان، خاصة مع إغماض الاتحاد الأوروبي نفسه لعينيه أمام ما تتعرض له “قيمه” من هجمات شرسة على ضفاف النيل، والاكتفاء بإبداء بعض الملاحظات والنصائح الشكلية تماماً. وبالتالي، باتت حجة الاستقرار الضروري والمقدس لمصر، التي فرضتها العواصم الأوروبية الأكثر نفوذاً، تشكل أساس العلاقات الثنائية بين هذا البلد والاتحاد الأوروبي. من جانبه، لا يتردد النظام المصري في تلميع صورته كشريك مفيد. ففي بروكسل على سبيل المثال، رحّب البعض بأدائه الذي يجعل منه نموذجًا للفعالية ضد الهجرة غير النظامية. وهذا ما يتّضح من خلال تصريح المستشار النمساوي سيباستيان كورتز يوم 20 سبتمبر/أيلول 2018 -أي في الوقت الذي كانت فيه بلاده تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي- حيث أشاد بمصر بوصفها «الدولة الوحيدة في شمال إفريقيا التي نجحت، منذ عام 2016، في كبح كل محاولات انطلاق المهاجرين» عن طريق البحر.

موعد جلسة حقوق الإنسان

كذلك فقد أضاف البيان: “مع اقتراب موعد الجلسة الجديدة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فإن تكثيف الجهود لإنشاء آلية طال انتظارها لمراقبة حقوق الإنسان في مصر، وتدابير الإبلاغ عن الانتهاكات لها، سيكون بداية جيدة”.

كان بيتر ستانو، المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، أكَّد في تصريحات لموقع MEE في 21 يناير/كانون الثاني 2022، أن الاتحاد الأوروبي ومصر قدَّما عرضاً مشتركاً لرئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، ومن المقرر أن يتقدم المرشحون المحتملون لهذا الدور بتسجيل ترشيحهم الرسمي خلال أيام.

كذلك فمن المفترض بعد ذلك أن ينتخب أعضاء المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب أطراف الرئاسة المشتركة التالية للمنتدى في اجتماعٍ يُعقد في مارس/آذار 2022، ثم يبدأ المرشحون الفائزون فترتهم الرئاسية للمنتدى، في سبتمبر/أيلول المقبل 2022.

 عهد السيسي أسوأ من عهد مبارك ونطالب بتوقيف الدعم المالي لمصر

ديتمار كوستار، سياسي ألماني، سطَّر لنفسه مسيرة قوية داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني (SPD)، أعرق الأحزاب السياسية في ألمانيا وأكبرها من حيث عدد الأعضاء، وفي الوقت نفسه هو عضو اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان ولجنة الشؤون الخارجية داخل البرلمان الأوروبي.

 تمكن ديتمار كوستار منذ 2014 من الانضمام لمجموعة التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين داخل البرلمان الأوروبي، وخلال اشتغاله داخل اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان استطاع بسط الوضعية الحقوقية في عدد من الدول العربية، من بينها مصر التي أصدر عنها قراراً حول الأوضاع الحقوقية في البلاد.

من خلال هذا اللقاء يجيب ديتمار كوستار عن أسئلة تتعلق بملف حقوق الإنسان بمصر، وما مدى إمكانية أن يغير الضغط الدولي من الأوضاع الحقوقية تحت حكم نظام عبدالفتاح السيسي؟

نصّ قرار البرلمان الأوروبي الذي تم إقراره الشهر الماضي بأغلبية 434 عضواً على أن وضع حقوق الإنسان في مصر “يتطلب إعادة النظر في الدعم المادي والتنموي المقدم من قبل دول الاتحاد إلى مصر”، هل يعني ذلك أن عقوبات قاسية في انتظار مصر؟

لا يملك البرلمان الأوروبي سُلطة لفرض عقوبات على الدول الأجنبية، لكن من حقه أن يطلب من السلطات المختصة والمجلس والحكومات الوطنية للدول الأعضاء اتخاذ تدابير تقييدية، بما في ذلك دعوات لفرض عقوبات.

أما بخصوص القرار الخاص بوضع حقوق الإنسان في مصر، الذي تم تمريره في ديسمبر/كانون الأول 2020، فهو يدعو إلى التدقيق الصارم في الدعم المالي المقدم لمصر من قبل المؤسسات المُمولة من طرف الاتحاد الأوروبي.

فاليوم البرلمان الأوروبي يُقر بتدهور الوضع الحقوقي في مصر، هذا الوضع الذي يتطلب مراجعة الأموال الأوروبية، لكنه لا يدعو أو يهدد بفرض عقوبات اقتصادية، بل إنه يُطالب بأن يكون المستفيد من مساعدة الاتحاد الأوروبي القوى الديمقراطية المصرية والمجتمع المدني، وليس الحكومة القمعية الممارسة للسلطوية.

يتضمن قرار البرلمان الأوروبي الدعوة إلى إطلاق سراح سجناء الرأي، وإيقاف الإعدامات المتزايدة. هل تقارير المنظمات الحقوقية الدولية هي سبب هذه القرارات المتعلقة بمصر؟

إن التقارير المتعلقة بالاعتقالات السياسية، والاعتقالات التعسفية، والاختفاء القسري، والكثير من انتهاكات حقوق الإنسان مقلقة للغاية. فالمُنظمات الدولية لحقوق الإنسان تلعب دوراً أساسياً في التوثيق والإبلاغ ورفع الوعي بهذه القضايا.

وما يُثير القلق أن الحكومة المصرية تستهدف منظمات حقوق الإنسان والناشطين والصحفيين، كما أن قمع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية هو مجرد مثال واحد على السياسات القمعية للحكومة تجاه المنظمات غير الحكومية ونشطاء حقوق الإنسان، كما أنّ قلة التقارير الصحفية وترهيب الصحفيين والناشطين تقلل من إمكانية مساءلة النظام، ما يمهد الطريق لمزيد من انتهاكات حقوق الإنسان.

رصد التقرير “انتهاكات حقوق الإنسان في مصر واعتقال المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني”، وطالب بـ”ضرورة الإفراج الفوري عن عدد من المعتقلين السياسيين”. هل ترون أن مصر ستلتزم بكل هذه التوصيات خوفاً من العقوبات؟ وهل من شأن العقوبات ردع النظام المصري على الاستمرار في نهجه القمعي؟

الحكومة المصرية تتعرض لضغوط من المجتمع الدولي، لكن من الصعب توقع رد فعلها، فحتى الآن، جاء رد الفعل متردداً ومعارضاً، والمعتقلون الذين تم الإفراج عنهم ليسوا مدافعين عن حقوق الإنسان أو نشطاء، بل كانوا أشخاصاً محتجزين بشكل تعسفي.

وللمثال فقد تم الإفراج عن سيف بدور، الذي ورد اسمه في قرار البرلمان الأوروبي، ونازلي كريم أيضاً، اللذين كانا في السابق محتجزين بشكل تعسفي لأسباب لا أساس لها، رغم أن هذه الإفراجات ليست كبيرة كما هو مأمول، إلا أنها تُشير إلى أن الضغط الدولي على قضايا حقوق الإنسان يمكن أن يؤدي إلى بعض النتائج ويجب أن يستمر.

أيضا، يُمثل الإفراج عن المؤثرتين في تطبيق “تيك توك” مودة الأدهم وحنين حسام، مؤخراً، وما تلاه من إعادة اعتقال لاحقاً، مثالاً على كيفية استجابة النظام المصري على مضض للضغوط الدولية.

ولقد تمت تبرئة المرأتين في البداية بعد دعوة البرلمان الأوروبي لوقف أي نوع من الاضطهاد ضد المرأة على أساس “انتهاك الأخلاق”، ثم أعيد اعتقالهما، وهذا النوع من العمل يُعتبر نموذجاً للأنظمة الاستبدادية، إذ إنها تستسلم للضغط الدولي للحظات قبل إعادة اعتقال الأشخاص المعنيين بتهم جديدة لا أساس لها.

وبشكل عام، يمكن أن تكون العقوبات أداة سياسية فعالة ومفيدة، لكن هذا يعتمد بشكل كبير على نوع العقوبات التي يتم تبنيها وضد من وكيف يتم تطبيقها، ويمكن للعُقوبات الموجهة ضد أفراد قريبين من النظام، على سبيل المثال، أن تكون أيضاً إجراءً فعالاً دون التأثير سلباً على السكان المدنيين، وإذا قرر الاتحاد الأوروبي فرض مثل هذه الإجراءات فيجب عليه أن يتابعها، لأن التهديد بالعقوبات بالتزامن مع تصدير الأسلحة لا يمكن أن يكون استراتيجية ناجحة.

وبدل التركيز على الإجراءات السلبية، مثل الإجراءات العقابية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، دعا البرلمان الأوروبي الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه إلى معالجة انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، من خلال القنوات الدبلوماسية الأخرى.

بخصوص قضية ريجيني، وجّه البرلمان اتهاماً لمصر باللجوء إلى “تضليل وتعطيل” التحقيقات المرتبطة بقتل الباحث الإيطالي عام 2016، كما اتهمها أيضاً بـ”عدم الوفاء بالتزاماتها الدولية”. هل من شأن القضية أن تصنف مصر في القائمة السوداء، وتحد من أي تعاون مستقبلي معها؟

يجب على الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي والدول الأعضاء مواصلة التعاون مع مصر، لكن هذا التعاون يجب أن يكون مع الجهات الفاعلة الديمقراطية والمجتمع المدني فقط، إن كان عبر الأموال أو أي شكل من أشكال الدعم التي يقدمها الاتحاد الأوروبي، ولا يجب أن يمكّن هذا التعاون أو يشجع الحكومة على المضي قدماً في سياسات القمع العنيفة وغير العادلة، وبدلاً من ذلك يجب أن يعمل الاتحاد الأوروبي على ردع السلطات المصرية عن إساءة استخدام سلطتها.

ولسوء الحظ، لا يكون الحال هكذا دائماً، حتى على ضوء قضية مقتل باحث إيطالي عام 2016، فإن الحكومتين الإيطالية والمصرية على وشك إبرام صفقة أسلحة مثيرة للجدل.

هذه ليست المرة الأولى التي يناقش فيها البرلمان الأوروبي انتهاكات حقوق الإنسان في مصر منذ تولي السيسي الحكم، لكنها المرة الأولى التي تتخذ فيها أعلى سلطة تشريعية في أوروبا قراراً شاملاً بشأن الملف الحقوقي ويصدر من خلاله توصيات محددة. هل وصل الوضع في نظركم إلى مستوى غير مسبوق؟

منذ صعود عبدالفتاح السيسي إلى السلطة في يوليو/تموز 2013، تصاعدت انتهاكات حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية في مصر بشكل كبير، وذلك بهدف إطالة فترات الرئاسة، وتوسع الإصلاح الدستوري، وتعزيز حكم النظام في مصر.

فالكثير من ممارسات انتهاكات حقوق الإنسان، التي ارتكِبت في عهد مبارك، ارتكبت بشكل أفظع، في ظل حكم النظام الحالي، من حيث التعذيب، والاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، والمعاملة السيئة للمعتقلين كلها تُظهِر تطاولاً صارخاً على حقوق الإنسان.

ففي مصر يُحاول نظام عبدالفتاح السيسي عبر القوانين الجديدة والتعديلات القانونية التي تم سنها في ظل النظام الحالي تبرير الممارسات غير العادلة، إذ إن الانتهاكات القمعية والسلطوية للنظام الحالي تجاوزت مثيلاتها في عهد مبارك الوحشي، كما أن مراقبي حقوق الإنسان في مصر يشبهون سنوات حكم السيسي بالسنوات المظلمة لنظام جمال عبدالناصر، الذي اتسم بمثل هذا القمع الحكومي الوحشي.

هل تجدون أن الدعوة إلى عدم منح أي من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي جوائز إلى القادة المسؤولين عن الانتهاكات الحقوقية في مصر كفيلة بردعهم؟ وهل يمكن أن تصدر في حقهم عقوبات؟

من المؤسف فعلاً أن نُذّكر بمثل هذه الأمور، فلا ينبغي منح الأوتوقراطيين والديكتاتوريين وزعماء الأنظمة القمعية جوائز أو تكريماً من قبل الدول الأعضاء، لأن مثل هذه الخطوات تعمل على استقرار حكمهم الظالم وإضفاء الشرعية عليه، لكن البرلمان الأوروبي يمكنه إدانة هذه الأفعال فقط، لكن لا يمكنه أن يفرض على الدول الأعضاء تطبيق ذلك.

النظام المصري استبق عقوبات البرلمان الأوروبي برفع الحظر عن جمعيات تأكد من بعد أنها “جمعيات لم تكن محظورة”، هل ترى أن هذه الخطوة من شأنها أن تُثني عن فرض هذه العقوبات؟

اليوم في مصر يتم تقييد حرية التعبير والحق في التجمع والأنشطة المرتبطة بحقوق الإنسان بشكل منهجي، وقانون المنظمات غير الحكومية لعام 2019 مسيء للغاية، والبرلمان الأوروبي في قراره حثَّ الحكومة المصرية على إلغائه.

 كما أن النظام المصري يستخدم قوانين مكافحة الإرهاب لاعتقال واحتجاز المدافعين عن حقوق الإنسان بشكل تعسفي، وكل هذه التطورات هي جزء من قمع أوسع للمجتمع المدني والديمقراطي.

ما العقوبات التي من المنتظر أن تُفْرَضَ على النظام المصري؟

يدعو قرار البرلمان الأوروبي إلى فحص أكثر صرامة للأموال أو أشكال الدعم الأخرى التي تقدمها مؤسسات الاتحاد الأوروبي لمصر، ويجب أن يفيد هذا الدعم المجتمع المدني، من خلال دعم القضايا الديمقراطية، وليس النظام القمعي.

بعد هزيمة ترامب المساند لأنظمة عربية ديكتاتورية، هل يمكن أن يضغط بايدن على البرلمان الأوروبي ويؤثر عليه من أجل التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان في الدول العربية؟

من المرجح أن تجلب الإدارة الأمريكية القادمة معها تحولاً في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، لكن إلى أي مدى ستتغير سياسة الولايات المتحدة فيما يتعلق بالشرق الأوسط واستجابة الاتحاد الأوروبي لذلك؟ هذا أمر ليس من السهل التنبؤ به، وما علينا سوى الترقب.

هل تعتقد أن لهذه الضغوط دوراً في تخفيف انتهاكات حقوق الإنسان في العالم العربي؟

كما يتضح من الإفراج عن بعض المعتقلين المذكورين في قرار البرلمان الأوروبي، فإن ضغط المجتمع الدولي يمكن أن يؤدي إلى بعض التحسينات، وإن كانت تدريجية. لذا يجب على الاتحاد الأوروبي الاستمرار في مراقبة الوضع في مصر والرد وفقاً لذلك، وعلى البرلمان الأوروبي أن يستمر في تقوية المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية، وألا يصبح متواطئاً في السياسات القمعية للأنظمة الاستبدادية من خلال تصدير الأسلحة إليها أو مساعدتها بطريقة أخرى.

الدول الأوروبية متهمة بالنفاق السياسي، تُهاجم انتهاكات الأنظمة العربية الاستبدادية ثم تدعمهم بالسلاح الذي يستخدم في انتهاك حقوق الإنسان. ما قولكم في هذا الموضوع؟

النفاق السياسي مشكلة في سياسة الاتحاد الأوروبي، خاصة فيما يتعلق بسياسة اللجوء والهجرة، ويجب على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء العمل بشكل أكبر بناءً على المبادئ الديمقراطية. فمن من غير المقبول أن تُدين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي انتهاكات حقوق الإنسان وتمكن الأنظمة الاستبدادية في الوقت نفسه من تجاهل حقوق الإنسان بشكل صارخ من خلال تصدير الأسلحة، ويجب إدانة هذا بشكل قاطع ووقفه.

السيسي “موحد الأديان”.. ماذا يريد عبد الفتاح من الدعوة لإعادة التفكير بالمعتقد؟

علينا إعادة صياغة فهمنا للمعتقد الذي نحن فيه… كنا صغيرين مش عارفين، طب لما كبرنا، هل فكرت؟ ولا خايف تفكر في المعتقد الذي تسير عليه صح ولا غلط؟ هل فكرت في مسيرة البحث عن المسار حتى الوصول إلى الحقيقة؟”. كانت هذه كلمات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، تلك الكلمات التي مثل كثير من تصريحات الرئيس، أثارت الجدل ولاقت رواجاً على منصات التواصل الاجتماعي.

علينا إعادة صياغة فهمنا للمعتقد الذي نحن فيه.. كنا صغيرين مش عارفين، طب لما كبرنا، هل فكرت؟ ولا خايف تفكر في المعتقد الذي تسير عليه صح ولا غلط؟ هل فكرت في مسيرة البحث عن المسار حتى الوصول إلى الحقيقة؟”. كانت هذه كلمات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، تلك الكلمات التي مثل كثير من تصريحات الرئيس، أثارت الجدل ولاقت رواجاً على منصات التواصل الاجتماعي.

ولكن يأتي السؤال: ماذا يقصد السيسي بتلك الكلمات؟ هل هي بداية درب الحرية كما يدعي البعض؟ هل هي بداية تأسيس دولة مدنية ترعى حقوق المواطن بدون تصنيف عنصري دينياً كان أو عرقياً؟ ربما يخيل لك هذا لو أنك قرأت تلك التصريحات فقط، لكن لو كنت تعيش هنا في مصر، أو كنت متابعاً جيداً لما يجري على الأرض، أو على الأقل إن كنت تتابع كل تصريحات الرئيس، لعلمت أن هناك شيئاً ما، خفيّاً، خلف هذا.

فما هي اللعبة؟

حرية المواطن الدينية

هي حق أصيل وواجب كفله لكل مواطن في أي مكان، ولكن الحرية الدينية تأتي ضمن عدد من الحقوق الأصيلة، التي لا يحصل المواطن عليها في مصر في الغالب. فمثلاً ليست لدينا الحرية اللازمة في الأوساط السياسية أو الفنية أو حتى حق الانتخاب الحر، أو حرية تكوين أحزاب أو جماعات معارضة للنظام، ويتم تضيق الخناق على كل ما يعارض الدولة جملة أو تفصيلاً، وليست لدينا حرية فيما يخص وضعنا كمواطنين داخل البلاد، نحن ما زلنا في عصر الدولة البوليسية حيث الكل متهم حتى تثبت براءته في نظر أجهزة الأمن، فلماذا يتحدث الرئيس الآن عن الحرية الدينية؟!

ذكرني هذا بنكتة طريفة تسمى “عاش موحد الأديان”، تحكي عن رئيس مصري قام بتوحيد الأديان عن طريق أنه اقتلعها جميعاً، إذ يحكى أن هناك مواطناً ذهب لميدان التحرير وراح يهتف عاش موحد الأديان، فاجتمع الناس من حوله ليفهموا، ولكنه ظل يهتف هذا الهتاف حتى أتت قوات أمن الدولة وقامت باعتقاله، وسألوه في التحقيقات عن سر الهتاف فقال: أهتف للسيد الرئيس الذي لم يجعل فرقاً بين مسلم ومسيحي ويهودي.. و(أخرجنا من أدياننا جميعاً)”.

بصفتي مواطناً هنا فأنا أرى المشهد عن قرب، بحيث أستطيع أن أنظر خلف تصريحات الرئيس تلك، فأجد الرئيس الذي منذ أسابيع قرر أن يسلب الفقراء رغيف خبزهم الوحيد، ثم يقف الآن لينادي بحق الحرية الدينية ومراجعة الخلفيات العقائدية!

لم يظهر فجأة

لو رجعنا بالذاكرة لوجدنا خلافاً قديماً نشب حول تجديد الخطاب الديني بين الرئيس والمؤسسة الأزهرية، وبعدها خطاب شديد اللهجة من شيخ الأزهر لرئيس جامعة القاهرة حول كتاب الأخير عن التجديد الديني.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى