تقارير وملفات إضافية

دعك من تفاصيل زيارته الدرامية للبنان.. كيف بدأ قادة البلاد في إفشال خطة ماكرون قبل أن تبدأ؟

هل ينجح ماكرون في إجبار قادة لبنان على تنفيذ إصلاحات جدية؟ تبدو إجابة السؤال صعبة بالنظر إلى تاريخ هؤلاء القادة المليء بالمساومات.

ويقول ماكرون إنه يغامر برأسماله السياسي عبر تدخله بالأزمة اللبنانية في وقت تتراجع فيه شعبيته في فرنسا، والمشكلة أن قادة البلاد بدأوا في إفراغ اقتراحات ماكرون من مضمونها؟ حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.

وأحيطت زيارة ماكرون لبيروت بطابع رمزي كبير، يعكس محاولة استعادة أمجاد فرنسا.

إذ وصل مساء الإثنين 31 أغسطس/آب إلى العاصمة اللبنانية، في زيارته الثانية خلال أسابيع، وتصادفت الزيارة مع الذكرى المئوية لإعلان البلاد حاميةً تابعة لفرنسا الاستعمارية. وزرع ماكرون شجرة أرز، الشعار الأيقوني المرسوم في قلب العلم اللبناني، مع آمالٍ بـ”إعادة إحياء” لبنان، بينما حلّقت المقاتلات فوق المدينة في تشكيلٍ عسكري، مُخلِّفةً دخاناً باللونين الأحمر والأخضر.

ورغم تخلّي فرنسا عن انتدابها على لبنان عام 1943، فإنها لا تزال محتفظةً بنفوذٍ كبير داخل البلاد، تجلّى حين صار ماكرون أول زعيمٍ عالمي يصل إلى بيروت بعد يومين من التفجير الهائل الذي هزّ أركان العاصمة الشهر الماضي.

وخلال زيارته الأولى، وقف ماكرون وسط حشود المؤيّدين واللبنانيين العاديين الساخطين على النخب السياسية في بلدهم. وتعهّد الرئيس الفرنسي بمساعدة لبنان في الوقوف على أقدامه من جديد، والدفع باتفاقٍ سياسي جديد لإعادة تشكيل حكومة البلاد وتنفيذ الإصلاحات اللازمة. 

وقبل وصوله الأسبوع الجاري توافقت الفصائل القوية في البلاد على رئيس وزراءٍ جديد -هو الدبلوماسي الذي يعمل سفيراً لبيروت في برلين مصطفى أديب- لتولّي المهمة التي تبدو عبثيةً في قيادة ثالث حكومة بالبلاد خلال أقل من عام.

وكانت المشاهد المُحتدمة للمتظاهرين وهم يشتبكون مع قوات الأمن، مساء الثلاثاء الأول من سبتمبر/أيلول، مُعبّرةً بما يكفي عن كل ما قد يرغب المرء في معرفته حيال المشاعر العامة تجاه أديب، المجهول نسبياً، والذي يُنظر إليه على نطاقٍ واسع على أنّه تكنوقراطي بائس آخر اختارته القوى الراسخة في البلاد.

ويبدو أنّ ماكرون حريصٌ على بذل كل ما بوسعه باستخدام الموارد المتاحة، إذ قال خلال خطابه في بيروت مساء الثلاثاء، بعدٍ يوم من اجتماعه بالقادة السياسيين اللبنانيين: “ما طلبته، وما أعلنت كافة الأحزاب السياسية بلا استثناء التزامها به هذا المساء هنا، هو أنّ تشكيل هذه الحكومة لن يستغرق أكثر من أسبوعين”.

وقال ماكرون للمراسلين إنّ المساعدات الدولية للبنان يجب أن تكون مشروطةً بطريقة تبنّي الطبقة السياسية في البلاد للإصلاحات الحقيقية وتطبيقها، وإنّه في حال عدم إحراز تقدُّم جوهري عقب رحلته فلا مفر من فرض العقوبات والمزيد من التدابير العقابية.

وهو يتوقّع زيارة لبنان من جديد في ديسمبر/كانون الأول، إذ قال ماكرون للنسخة الأوروبية من مجلة Politico الأمريكية على متن طائرته إلى بيروت: “إنّها آخر فرصة لهذا النظام، وهذا رهانٌ محفوفٌ بالمخاطر، أنا أعلم ذلك… وأنا أراهن بالشيء الوحيد الذي أملكه على الطاولة هنا: رأسمالي السياسي”.

لكن قدرة ماكرون على التأثير في الأحداث لا تُقارب تأثير مبعوث فرنسا الاستعمارية إلى البلاد قبل قرنٍ من الزمن.

إذ قال إيميل حُكيم، المحلل السياسي اللبناني: “أدركت الطبقة السياسية أنّ ماكرون سيأتي على أمل إنجاز عملية تشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء، لذا قرّرت أن تسبقه بخطوة، لذا اختاروا أديب ليضعوه أمام الأمر الواقع. والآن لا يستطيع ماكرون الاعتراض على تعيين أديب، لأنّ ذلك سيُعد تدخُّلاً في شؤون دولةٍ ذات سيادة”.

وأوضحت صحيفة Economist البريطانية: “يعترف الدبلوماسيون الفرنسيون بأنّ نفوذهم ليس كبيراً، ويأمل ماكرون أن ينجح في استمالة قادة لبنان ومداهنتهم؛ حتى يقتنعوا بالإصلاح، مع وعودٍ بالمساعدات في حالة امتثالهم. بينما يُشير التاريخ إلى أنّهم لن يمتثلوا، كما أنّ دعوته لانتخابات مُبكّرة لن تجلب التغيير أيضاً، إذ لم يُشكّل المحتجون وجماعات المجتمع المدني أحزاباً ذات مصداقية، فضلاً عن أنّ القانون الانتخابي المُعقّد -الذي يُخصّص المقاعد بحسب الطائفة- يزيد صعوبة دخول القادمين الجُدد إلى عالم السلطة”.

وفي مقابلته مع Politico، بدا أنّ ماكرون يُدرك حدود قدراته، إذ تجاهل الدعوات -حتى الأمريكية منها- إلى استغلال اللحظة لمعاقبة حزب الله، الفصيل الشيعي المدعوم من إيران، والذي لا يزال واحداً من أقوى الأحزاب في البلاد. وقال: “لا تتوقّعوا من فرنسا أن تأتي لشنّ الحرب ضد إحدى القوى السياسية اللبنانية… سيكون ذلك خياراً عبثياً وجنونياً في الوقت ذاته”.

وردّد الرئيس الفرنسي عبارةً كتبها الباحث الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي، خلال حديثه إلى Politico: “يُواجه الجديد صعوبةً في الظهور، بينما يُحافظ القديم على مكانته، لذا يجب علينا أن نعثر على حلٍّ وسط، وهذا ما أُحاول فعله”.

وفي الوقت ذاته، أشار الخبراء إلى تراجع قيمة بيروت لدى باريس، إذ كتب روبرت زاريتسكي في مقال رأي على صفحات Washington Post الشهر الماضي: “لا ترتبط فرنسا بعلاقات اقتصادية قوية مع لبنان، إذ إنّها سادس أكبر مُصدّر لبيروت، كما أنّ لبنان، مع إضافة القضية الفلسطينية إلى الخلفية الدبلوماسية، لم يعُد يحمل نفس القيمة الاستراتيجية لفرنسا”.

وأردف زاريتسكي، في مقاله المنشور بعد رحلة ماكرون إلى بيروت خلال الأسبوع الأول من أغسطس/آب: “في الوقت الراهن ليس الفرنسيون أكثر حماساً تجاه ماكرون من اللبنانيين. فقبل زيارته إلى لبنان بوقتٍ قصير أعرب 39% فقط من الناخبين الفرنسيين عن ثقتهم في ماكرون”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى