آخر الأخبارتحليلات

صدمة وإرتباك فى نتائج انتخابات تركيا لحسابات أوروبا و”أمنياته”؟

لماذا لا يحب الغربيون أردوغان ولا يريدون فوزه؟

تحليل صريح عن الإنتخابات التركية

هشام محمود 

صحفى إستقصائى

عضو مجلس إدارة منظمة “إعلاميون حول العالم”

لماذا لا يحب الغربيون أردوغان ولا يريدون فوزه؟

جاءت النتائج الأولية في انتخابات تركيا 2023، البرلمانية والرئاسية، بمثابة الصدمة، ليس فقط للعلمانيين، ولكن أيضاً للغرب إعلاماً وقيادات سياسية، فكيف أربك أداء حزب العدالة والتنمية ورئيسه أردوغان حسابات الجميع؟

فعلى عكس جميع استطلاعات الرأي الغربية، فاز تحالف الجمهور الحاكم في تركيا بالأغلبية في البرلمان، بحسب النتائج الأولية شبه الرسمية، كما تقدم الرئيس أردوغان بفارق واضح عن منافسه كمال كليجدار أوغلو، رغم عدم حسم أي منهما النتيجة لصالحه، وتوجههما معاً على الأرجح إلى جولة إعادة يوم 28 مايو/أيار.

عاش الأتراك يوماً طويلاً، بدأ الأحد 14 مايو/أيار، منذ بدأ التصويت في الساعة 8 صباحاً بالتوقيت المحلي في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأهم على الإطلاق في تاريخ تركيا الحديث.

ثم بدأت عملية فرز الأصوات بعد انتهاء التصويت، في مقر مراكز الاقتراع البالغ عددها 191 ألفاً، أي بعد الساعة الخامسة مساء الأحد، وأعلن رئيس الهيئة العليا للانتخابات التركية، “أحمد ينار”، أن النتائج غير النهائية للانتخابات العامة والرئاسية ستُعلن مساء يوم الاقتراع نفسه، كما هو معتاد، وهو ما حدث ولا يزال مستمراً حتى الساعات الأولى من صباح الإثنين 15 مايو/أيار.

ارتباك واضح وصدمة في الغرب وعداء واضح 

وبينما ينتظر الأتراك النتيجة النهائية، يتابع العالم أيضاً نتائج الانتخابات التي تمثل مفترق طرق للبلاد، وقد تكون الأكثر أهمية منذ تأسيس الجمهورية التركية على يد العلمانى “مصطفى كمال أتاتورك” عام 1923. إذ كانت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قد نشرت تقريراً مطلع العام الجاري، عنوانه “الانتخابات الأهم في العالم خلال عام 2023 ستكون في تركيا”، ألقى الضوء على الأسباب والملابسات التي تجعل ذلك السباق الانتخابي بهذه الأهمية، ليس فقط لتركيا، ولكن للعالم أيضاً.

فنتائج الانتخابات التركية سوف يكون لها تأثير مباشر على صياغة الحسابات الجيوسياسية في واشنطن وموسكو، إضافة إلى عواصم في أوروبا والشرق الأوسط ووسط آسيا وإفريقيا أيضاً. ولا شك أن الدور والتأثير التركي في الشؤون الدولية يمثل شهادة واضحة على إنجازات أردوغان خلال عقدين من وجوده على رأس السلطة في البلاد، ورغم ذلك فإن سعي المعارضة العلمانية التركية للإطاحة بالرئيس صادف هوى الغرب بشكل لافت، وانعكس ذلك في التغطية الغربية الإعلامية للانتخابات ومدى إنحيازها للعلمانيين الأتراك والعداء الواضح للرئيس التركى رجب طيب أردغان .

فما سيقرره الناخبون الأتراك لن يتعلق فقط بمن سيحكم البلاد، لكن بكيفية الحكم أيضاً، والمسار الاقتصادي الذي ستسلكه تركيا، ودورها في تخفيف حدة الصراعات العالمية والإقليمية، مثل الحرب في أوكرانيا، والاضطرابات

وسائل إعلامية غربية كبرى تبنت موقفاً معادياً من أردوغان وحزب العدالة والتنمية

وتبنت وسائل إعلامية غربية كبرى موقفاً معادياً من أردوغان وحزب العدالة والتنمية بشكل معلن، لا يتفق مع الموضوعية المفترضة في العمل الإعلامي، فالصحف البريطانية والألمانية والنمساوية والفرنسية رفعت شعار “إسقاط أردوغان” دون خجل أو مراعاة لأبسط قواعد العمل الإعلامي، في انعكاس واضح لأمنية الغرب في التخلص من الرئيس التركي وحزبه الحاكم.

مجلة الإيكونوميست البريطانية نشرت عنواناً رئيسياً على صحفتها الأولى يقول: “ليسقط أردوغان من أجل تحقيق الحرية والخلاص من الخوف”، ونشرت مجلة دير شبيغيل الألمانية على غلاف صفحتها الأولى هي الأخرى صورة للرئيس رجب طيب أردوغان جالساً على كرسي هلاله مكسور، وكتبت بالخط العريض: “أردوغان، الفوضى أم الانقسام في حال خسارته للرئاسيات؟”.

مجلة لو بوينت الفرنسية، التي تعاملت مع الانتخابات التركية كما لو أنها شأن داخلي في فرنسا الغارقة في أزماتها المتعددة، نشرت مقالاً طويلاً لصحفي بها يعتبر نفسه خبيراً في الشأن التركي، وضع له عنوان “أردوغان بوتين آخر”، واصفاً الرئيس التركي.

أما زعيم المعارضة العلمانى التركى وريث “أتاتورك” كليتشدار أوغلو نشر مقطع فيديو من مطبخ منزله، خاطب فيه المتابعين، وهو ممسكا بصلة في يده، وقال: “إنهم يدركون جيدا أنهم لم يعودوا مقنعين، لذلك بدأوا دعاية رهيبة للافتراء والأكاذيب والاحتيال. من أجل التستر على الحقائق، يحاولون خداعكم بكل أنواع الأجندات الغريبة والمصطنعة مثل افتراءات حزب العمال الكردستاني، والإساءة الدينية بخصوص سجادة الصلاة. في الواقع، إنهم يسخرون من عقولكم. إنهم لا يحترمون مواطنيهم. لم يعد لديهم شيء ليقولوه”.

وأوضح أن “الافتراء والأكاذيب والاحتيال باتت الأجندة الرئيسية لتحالف الشعب الذي يقوده أردوغان”، مضيفا: “يعلمون أنه عندما آتي، ستأتي الديمقراطية، وستتدفق الأموال، وستتدفق الاستثمارات، وستنخفض العملات، وستزداد قوتكم الشرائية، وستأتي الوفرة. كل هذا سيحدث بالتأكيد. إذا بقي أردوغان في الحكم، فستكون البصلة التي في يدي بـ 100 ليرة. حتى الآن سعر الكيلو من البصل 30 ليرة. إنهم لا يخجلون. كانوا بحاجة إلى البصل الشجاع”.

وتابع قائلا: “لعن الله من يختبئ وراء ديننا ويتورط في كل أنواع الخداع. سأستمر في طريقي مع أناس صادقين ومخلصين، سواء أكانوا متدينين أم غير مؤمنين، أتراك، أكراد، سنة أو علويون. هذا هو معياري الوحيد”.

أخطاء غبية لزعيم المعارضة في تركيا تفقدهم شعبيتهم و تكشف حقيقتهم !!

وهكذا انتظر الغرب فوز المعارضة بأغلبية البرلمان، أغلبية كبيرة تسمح للأحزاب المدعومة من الغرب بتغيير الدستور التركي، وفوز كليجدار أوغلو بالرئاسة، ودعموا ذلك باستطلاعات رأي تزعم أن أردوغان وتحالفه يتأخر بينما كليجدار أوغلو وتحالفه يتصدر السباق.

وفي هذا السياق، جاءت النتائج الأولية بفوز تحالف الجمهور الذي يقوده حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان بالأغلبية البرلمانية، قبل حتى أن يكتمل فرز الأصوات بشكل كامل، بمثابة الصدمة المربكة التي أفسدت مخططات الغرب وأمنياته.

لماذا لا يحب الغربيون أردوغان ولا يريدون فوزه؟

أردوغان يربك الحسابات.. اعتراف غربي

مجلة The Economist البريطانية ذاتها، التي طالبت بإسقاط أردوغان، نشرت تحليلاً عنوانه “رجب طيب أردوغان يُربك الحسابات”، في اعتراف ضمني، ليس فقط بخسارة المعارضة ولكن أيضاً بالصدمة التي اجتاحت مراكز صنع القرار في العواصم الغربية.

واختارت المجلة البريطانية، بطبيعة الحال، أن تنطلق في تحليلها من عدم حسم الرئيس التركي للانتخابات من الجولة الأولى، فكتبت “على الرغم من أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يتمكّن من بلوغ عتبة الانتصار المطلق في الانتخابات لأول مرة منذ مدة طويلة، فإن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية التي جرت (الأحد 14 مايو/ أيار) حملت في مآلها أسوأ نتيجة تصوَّرتها قوى المعارضة في البلاد”.

فقد بدا قبيل هذه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية أن المتنافسين سيبلغون فيها نسب أصوات متقاربة، لكن بحلول الساعة الثانية من صباح يوم الإثنين 15 مايو/أيار، وبعد أن فُتح أكثر من 96% من صناديق الاقتراع، تبين أن كمال كليجدار أوغلو، مرشح تحالف الشعب -المكون من ستة أحزاب معارضة- لم يحصل إلا على نسبة 44.9% فقط من الأصوات في الانتخابات الرئاسية، وفقاً لوكالة الأناضول الحكومية الرسمية.

حجج ومبررات علمانية المعارضة التركية

النتائج الرئاسية ربما تجعل للمرشح الثالث سنان أوغان نصيباً ما في أداء دور “صانع الملوك” الذي يُفترض أن تحسم حصته الفائز بانتخابات الرئاسة، وكان قد أشار في مقابلة قبل يومين من الانتخابات، إلى أنه وحزبه ربما يطالبون بمناصب وزارية مقابل الحصول على تأييدهم.

لكن في كل الأحوال، جاءت نتائج كليجدار أوغلو مخيِّبة لأنصاره في الداخل والخارج، إذ إن زعيم حزب الشعب الجمهوري بات يحتاج إلى استمالة جميع ناخبي أوغان، ليحظى بفرصة للفوز في الجولة الثانية، غير أن ذلك يبدو مستبعد الحدوث.

فعلى الرغم من أن أردوغان على الأرجح لم يحسم الفوز من الجولة الأولى، إلا أنه يبدو الآن المرشح الأوفر حظاً للفوز بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بحسب الإيكونوميست.

اللافت هنا هو أن كليجدار أوغلو اتهم حزبَ العدالة والتنمية بتأخير ظهور النتائج من خلال التقدم باعتراضات في المناطق التي كانت المعارضة متقدَّمة فيها، إلا أن بيانات الهيئة العليا للانتخابات والأجواء التي جرى فيها التصويت وفرز الأصوات، بل الإعلانات المسبقة بالفوز من جانب المعارضة، كلها عوامل ترسم صورة واضحة عن كون تلك المزاعم مجرد مبررات يحاول من خلالها كليجدار أوغلو الحفاظ على حماسة مؤيديه.

وأظهرت نسبة المشاركة الكبيرة في الانتخابات أن الأتراك لم يتخلوا عن الديمقراطية، فقد ذهب أكثر من 88% من الناخبين المؤهلين إلى صناديق الاقتراع في 14 مايو/أيار، وهي نسبة مرتفعة للغاية بجميع المقاييس. وعلى الرغم من التوترات الشديدة، لم تقع أي حوادث عنف في يوم الانتخابات، تقول الإيكونوميست.

وكالة The Associated Press الأمريكية توقعت أن يؤدي احتفاظ أردوغان بالأغلبية في أصوات الرئاسة والبرلمان إلى زيادة فرصه في الفوز بالجولة الثانية من التصويت، خاصة أنه من المتوقع أن يدعمه مزيد من الناخبين لتجنب أي انقسام بين السلطة التنفيذية (الممثلة في الرئاسة) والتشريعية (البرلمان)، بحسب تحليل المجلة البريطانية، الذي جاء معبراً بشكل واضح عن الصدمة التي سببتها النتائج الأولية للغرب، الذي كان يمنِّي النفس بفوز كليجدار أوغلو؛ لتعود تركيا إلى خانة المتفرجين في مقاعد التحالف الغربي.

وربما يكون تعليق الرئيس الأمريكي جو بايدن أبلغ تعبير عن تلك الحالة من الارتباك والصدمة، حيث قال: “ليفُز من يفوز! هناك ما يكفي من المشاكل في ذلك الجزء من العالم”، فماذا لو كانت النتيجة قد جاءت كما تمنى ساكن البيت الأبيض، بماذا كان سيعلق؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى